أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الإطار المفاهيمي والتاريخي للرقابة القضائية على القرارات الادارية


من اعداد :طلبة ماستر المهن القانونية والقضائية والقضائية بتطوان الفوج الثاني. 




مقدمة:

تعتبر المهمة الأساسية للدولة، هي تحقيق المصلحة العامة، وهي وظيفة اجتماعية كبرى لا يتم بلوغها إلا في نطاق دولة الحق والقانون والمؤسسات، فإذا كان دور الدولة قديما يتمثل في ضمان الاستقرار والأمن داخل المجتمع، فإنها اليوم وعلى عكس دلك، وتقديرا لجسامة المهام الملقاة على عاتقها، تحتاج إلى مجموعة من الوسائل تستعين بها للقيام بهذه المسؤولية، على أحسن وجه، فهذه الوسائل قد تكون ذات طابع مؤسساتي، وقد تكون ذات طابع إنساني يتكون من مجموعة من الأشخاص، وقد تكون ذات طابع قانوني تمكنها من القيام ببعض التصرفات والأعمال، قد تكون قرارات إدارية أو عقود إدارية.

وبعبارة أخرى فالقانون عهد للسلطة الإدارية امتيازات هامة تتمثل أساسا في إصدار القرارات الإدارية تنظيمية كانت أم فردية ترمي إلى تحقيق أهداف القانون في المجتمع وهي العدالة والمصالح العامة للجماعة. وأيضا المصالح الخاصة للأفراد حسب الأحوال.

فهذه الامتيازات تخول للإدارة درجة أعلى من الفرد وغير متساوية له بحيث تنفذ قراراتها طواعية أو إكراها كحقها في نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاستيلاء المؤقت على العقارات وحقها في الالتجاء القهري والمباشر دون السعي إلى المحاكم وانتظار صدور حكم بالإضافة إلى تنفيذ القوانين والمحافظة على النظام العام.

والقرارات الإدارية هي الأعمال القانونية التي تتدخل الإدارة بواسطتها، وذلك بهدف تنظيم الحياة داخل المجتمع، تحدوها في ذلك غاية أسمى تتمثل في تحقيق المصلحة العامة، وتتميز هذه القرارات بكونها وسيلة تستعملها انطلاقا من إرادتها المنفردة، حيث تقوم بسن أعمال بمحض إرادتها وتترتب عليها حقوق وواجبات ولا يتطلب دخولها حيز التنفيذ توفر رضى الأفراد أو الجماعات المعنية بها، وذلك نظرا لكونها تقوم على أساس ما يخوله التشريع للإدارة من صلاحيات غير مألوفة في القانون العادي.

بيد أن أوجه تحقيق هذا النشاط لا ينحصر فقط في تلك الامتيازات التي تعطي للإدارة الحرية في التقدير بمحض اختيارها، فالمصلحة العامة قد تقتضي تدخلها من عدمه وفي حالة تدخلها وفق أي الوسائل تقوم بذلك وتمتد كذلك لتشمل ما يفرضه المشرع على الإدارة من قيود ترد على حريتها في تحديد أساليب ممارسة نشاطها فتحرم بعض الأساليب عليها وتشترط بصدد موضوع ما اتخاذ إجراءات معينة لا تستطيع أن تحيد عليها وهي قيود يقصد المشرع منها الحد من حرية الإدارة وسلطاتها وبين حقوق وحريات الأفراد، علاوة على حماية الأفراد من تحكم الإدارة واستبدادها وتحيزها.

وبالتالي فالقرارات الإدارية خاضعة للسلطة التقديرية والاختصاص المقيد اللتان يجب التوفيق بينهما لتحقيق الصالح العام.

ويجمع الفقه في هذا الخصوص أنه لا يوجد قرار إداري تنفرد الإدارة بتحديد وتقدير مجمل عناصره، بل هناك بعض الجوانب التقديرية المختلفة باختلاف موضوع القرارات الإدارية الخاضعة لتقدير ورقابة القضاء، لأنه يخشى أن تتجاوز الإدارة دائرة حدودها فتتجاوز في استخدام امتيازاتها لغير صالح الأفراد، ومن هنا بدت الضرورة على مراقبة نشاط الإدارة حتى لا تنصرف عن حدود سلطتها واختصاصاتها وذلك تأسيسا على مبدأ المشروعية الذي أصبح من المبادئ الأساسية لإقامة دولة الحق والقانون، ويعتبر هذا المبدأ ضربا من ضروب التفكير النظري المجرد ما لم تتوفر الضمانات الكفيلة لحمايته ومن أهمها رقابة القضاء على القرارات الصادرة عن الإدارة.

فالفرد عليه أن لا يلتزم الصمت عن كل قرار إداري مضر بمركزه القانوني لأن ذلك يكرس انعدام المشروعية ويشجع رجل الإدارة الذي يعتبر المستفيد الوحيد من هذه الوضعية في الاستمرار في تعنته وشططه ولهذا فمن مصلحة الفرد المتضرر أن يكون واعيا بحقوقه وأن يرفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة عندما يصاب بضرر من شأنه إعدام القرار الغير المشروع.

ومن واجب القاضي أيضا أن يحرص كل الحرص أن تستهدف الإدارة من وراء القرار المتخذ تحقيق المصلحة العامة بل قد يتحمل مسؤولياته في إقامة عدالة موازية بين امتيازات الإدارة من جهة وحقوق الأفراد وحرياتهم من جهة أخرى.

هذا ولقد سبق أن أعلن المغفور له الحسن الثاني في بداية التسعينات عن إحداث المحاكم الإدارية والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهم معلمتين من معالم دولة الحق والقانون. ولقد دلت التجربة أن كل من هاتين المؤسستين تنطوي على مجموعة من الجوانب الايجابية التي فتحت بوادر العهد الجديد بالمغرب.

ولقد رافق هذا الوضع، صدور عدة اجتهادات قضائية وفقهية أكسبت القرارات الإدارية التي تعتبر امتداد للقانون الإداري، مضمونا واسعا، ازداد تطورا بفعل مستجدات الأحداث القانونية واجتهاد المحاكم الإدارية وكذا ديوان المظالم.

من خلال هذه الإطلالة البسيطة نلمس إشكالية القرارات الإدارية التي تعتبر ملتقى طرق بين عدة مواد قانونية، وامتداد لما يصطلح عليه بالقانون العام الإداري، أي مجموع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تنظم الإدارة. فماهي إدن الوسائل القانونية التي تعتمدها الادارة ؟ وماهي اسس وأساليب الرقابة القضائية على القرارات الادارية ؟ وماهو الإطارالتاريخي للرقابة القضائية على القرارات الإدارية في المغرب؟  ثم ماهي العوامل التي أدت إلى انتقال المغرب من نظام القضاء الموحد نحو نظام القضاء المزدوج؟ و إلى أي حد يمكن القول أن المغرب يأخذ بنظام ازدواجية القضاء؟

انطلاقا من هذه الأفكار التمهيدية، ارتأينا تقسيم مضمون هذا البحث إلى :

`المبحث الأول : الوسائل القانونية للنشاط الاداري

    المبحث الثاني : اسس الرقابة القضائية على القرارات الادارية

    المبحث الثالث: اسلوب الرقابة القضائية على الادارة 

    المبحث الرابع :  القضاء الاداري في المغرب 

أمنيتنا أن يحقق هذا العمل، الأهداف التي نسعى إليها والتي تتجلى في تبسيط مضمون القرارات الإدارية والاطار التاريخي للرقابة القضائية على القرارات الادارية والإسهام في بناء الصرح القانوني ببلادنا وتنوير السبيل أمام طالب العلم، ونسأل الله العون والتوفيق.

 

 

 

المبحث الاول: الوسائل القانونية للنشاط الإداري

   تمارس الإدارة وظيفتها عن طريق نوعين من الأعمال هما الأعمال المادية التي تتخذها دون أن يترتب عليها أثرا قانونيا  معينا ،والأعمال القانونية التي تبغي  من ورائها إحداث قانونية معينة.

وتنقسم الأعمال القانونية بدورها إلى قسمين هما ،القرارات الإدارية والعقود الإدارية.

وتصدر القرارات الإدارية من طرف الإدارة وحدها،سراء كانت قرارات فردية أو تنظيمية .

وتعد هذه القرارات من أهم امتيازات الإدارة  وبذلك تستطيع  الإدارة أن تصدر قرارات  ملزمة للأفراد  دون أن يتوقف تنفيذها على قبولهم.

أما العقود الإدارية  فإنها تصدر  من جانبين ،جانب الإدارة وجانب المتعاقد معها،فلا تنفرد الأولى بإصدارها وإنما تشاركها إرادة أخرى،سواء كانت إرادة شخص من أشخاص القانون العام أو أخر من أشخاص القانون الخاص.

المطلب الاول : القرار الإداري

القرار الإداري عمل قانوني يصدر عن الإدارة المنفردة للإدارة،ولا يتوقف نفاذه على موافقة من ينطبق عليهم.

وقد عرفه القضاء بأنه إفصاح جهة الإدارة  في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها الملزمة بما لها  من سلطة عامة بمقتضي القوانين واللوائح،بقصد إحداث  أثر قانوني معين ،متى كان ممكنا وجائزا  وكان الباعث عليه مصلحة عامة .كما عرف القرار الإداري  القابل للطعن  بالإلغاء هوكل قرار صادر عن سلطة إدارية وطنية،نهائي تنفيذي ومؤثر في المركز القانوني للطاعن.

وحيث أن المقصود بالقرار الإداري ،العمل القانوني الصادر من جانب الإدارة وحدها،لذلك فإن العمل المادي الذي لا تتولد  عنه آثار  قانونية لا يعتبر قرارا إداريا ولا يمكن الطعن فيه بإلغاء أيا كانت الآثار الضارة التي تمخض عنها.مثل الأعمال التمهيدية،والأعمال التي تستهدف إثبات الحالة ،والمنشورات والأوامر المصلحية.

وقد ذهبت أحكام القضاء الإداري إلى أن الأوامر التي تصدرها الجهات الإدارية لا تعتبر من قبيل القرارات  الإدارية،وإنما هي مجرد إجراء تنفيذي  أو عمل مادي لا يسمو إلى مرتبة القرار الإداري،ومن ثم لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء.ولما كان القرار الإداري هو  إفصاح جهة الإدارة  عن إرادتها الذاتية  فإن كل تصرف  يعبر عن إرادة أخرى ولا ينشئ بذاته مركزا قانونيا  ولا يعتبر قرارا إداريا.

-         القرار الإداري عمل قانوني

أن يكون عملا قانونيا منفردا  أي صادرا بإرادة الإدارة وحدها ،وكون القرار عملا قانونيا عني عدم جواز الطعن  بالإلغاء في الأعمال  المادية التي تصدر عن الإدارة لأن العمل المادي لا تترتب عليه آثار قانونية،وبالتالي لا يقبل الطعن فيه بالإلغاء أبا كانت الآثار الضارة التي تترتب عليه ،كالأعمال التمهيدية والأعمال  التي تستهدف إثبات الحالة،والمنشورات والأوامر  المصلحية.[1]

المقصود بكون القرار الإداري عملا قانونيا هو أن يكون مرتبا لآثار قانونية  يتميز بها عن بقية الأعمال الإدارية التي  لا تستطيع بذاتها  أن تنتج مثل هذه الآثار  فتعتبر مجرد أعمال  مادية لا قانونية.

‌أ          ماهية الأثر القانوني

يتمثل في «إنشاء حالة قانونية معينة  أو تعديلها أو إلغائها  وبهذا يتميز محل العمل القانوني  عن محل العمل المادي الذي يكون دائما نتيجة مادية  واقعية».ويعبر عن القرار الإداري المرتب لأثار قانونية بهذا المعنى باصطلاح« القرار النهائي». ويترتب الأثر القانوني فور صدور  القرار وينسب إليه مباشرة  حتى ولو كان قد صدر  تطبيقا لنص عام .ووفق قرارات وأحكام  القضاء الإداري المغربي فإن المقصود بشرط التأثير في المركز القانوني،أن يكون القرار المطعون فيه  من شأنه أن يولد آثارا قانونية ،وأن يكون مولدا لهذا الآثار بذاته .وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية  بمراكش بتاريخ 21-7-1999 تحت عدد ما يلي:القرار الذي يكون قابلا  للطعن  هو القرار الذي  من شأنه إحداث أثر قانوني،وذلك بأن يؤثر بذاته  في الوضعية القانونية ،ويخرج عن ذلك جميع القرارات التي هي من قبيل الإجراءات التي تنجزها الإدارة  بقصد الوصول إلى إصدار مقررات نافذة المفعول كالأعمال التحضيرية».

1       الأثر القانوني يتولد عن قرار إداري نهائي

الأثر القانوني من أهم أركان القرار الإداري والمميز الفاصل  له من لأعمال الإدارة المادية.ولذا فإنه إذا كان المشرع المغربي  لم يضع تعريفا شاملا  للقرار الإداري فهو قد حرص في القوانين المتعاقبة على إبراز هذا العنصر لتحديد القرارات الإدارية  التي يختص القرار الإداري  بنظر المنازعات المتعلقة بها،معبرا عنه بعبارة «القرارات الإدارية النهائية».

ويقصد بالقرارات الإدارية النهائية  تلك التي تصدر من الجهة المختصة «بصفة نهائية دون الحاجة إلى تصديق سلطة أعلى».أي تتعدى مرحلة الإقتراح والتحضير إلى مرحلة  إنتاج الأثر.

2       الأثر القانوني يترتب فور صدور القرار

من مقومات القرار الإداري النهائي أن يقصد مصدره تحقيق أثره القانوني فورا ومباشرة وفور صدوره.وترتب الأثر القانوني للقرار حالا وفور صدوره مستكملا أركانه الأساسية  مرده إلى أن القرار الإداري يتمتع بقرينة تفيد مشروعيته.

3       الأثر القانوني يكفي مساسه بمصلحة لإمكان الطعن  فيه بالإلغاء

لا يشترط أن يترجم الأثر القانوني المترتب على القرار الإداري في صورة حق اعتدى عليه حتى يمكن طلب إلغائه.ذلك أنه إذا كان يشترط في دعاوى التعويض عن أعمال الإدارة وجود حق اعتدى عليه وضرر نتج عن ذلك لرافع الدعوى،فإنه في دعاوى الإلغاء لا يستلزم ذلك بل يكتفي بوجود مصلحة«مادية وأدبية» مسها القرار الإداري،طالما كانت هذه المصلحة شخصية ومباشرة.

‌ب      مضمون الأثر القانوني(محل القرار)

مضمون الأثر القانوني هو الذي بشكل  عنصر كأحد عناصر مشروعية القرار الإداري،وللإدارة في اختيار محل قراراتها سلطة تقديرية ،وذلك ما لم يقيدها القانون بمحل معين،أي بترتيب أثر قانوني معين،لقرارها كما هو الشأن مثلا في الترقية بالأقدمية حال توفر المدة القانونية المقررة لذلك.

القرار الإداري عمل صادر بالإرادة المنفردة

القرار الإداري لا يتكون إلا بإرادة السلطة الإدارية وحدها،فإذا كان جوهر التصرف القانوني الذي يمثله القرار الإداري يتمثل في انصراف الإدارة وإرادتها  إلى ترتيب أثر قانوني معين يكون هو محل  هذا القرار،فإذا كان هذا الأثر القانوني لن يكون مميزا للقرار الإداري إلا إذا كان مرده ترتيبه إلى الإرادة المنفردة الملزمة للسلطة المختصة بإصداره.

وعنصر «الإرادة» يفترض أولا أن هناك نية ما اتجهت  بها الإدارة إلى ترتيب أثر قانوني معين،فإن تخلفت هذه النية لم تكن هناك إرادة للشيء أصلا.

أما عن الإنفراد في تحديد هذه الإرادة ،فلا يشترط لتوافره أن يصدر القرار عن فرد واحد فقط،فليست العبرة في ذلك بعدد أعضاء السلطة الإدارية الذين يصدرون القرار،وإنما العبرة بالإرادة التي يمثلونها .فقد يشترك في إصدار القرار أكثر من فرد  يتعلق عماهم بمراحل تكون وإصدار القرار المختلفة ومع ذلك فإن القرار يعتبر صادرا بالإرادة المنفردة  طالما أن هؤلاء الأفراد يمثلون-رغم تعددهم –جهة إدارية واحدة.

كذلك فإن طبيعة القرار الإداري  كقرار صادر بالإرادة المنفردة  للإدارة لا تتغير حتى ولو كان في نفاذه  وترتيب آثاره معلقا على موافقة بعض الأفراد.

لابد من التمييز بين القرار الإداري  وما قد يختلط به من أعمال  تقوم بها الإدارة بإرادتها المنفردة وسواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب  يقدم إليها من المعني بالأمر.

أولا :القرارات التفسيرية

وهي تلك القرارات التي تتخذها  السلطة التنفيذية  يناء على نص تشريعي بهدف تفسير  قانون معين.وسمة هذه القرارات أمها لا تحدث أثرا قانونيا تنحصر مهمتها في تفسير  نص تشريعي معين  بهدف إزالة ما يعتريه من إبهام أو غموض.مثل هذه القرارات  التي لا تأتي بجديد تأخذ ذات الحكم  للنص المفسر .

ونفهم من ذلك  أن القرارات التفسيرية عموما لا تنشئ بذاتها آثارا قانونية جديدة  ولا تعدل أو تلغي  ما هو موجود منها،وأكثر من ذلك فإنه محظور عليها ذلك،فإن تجاوزت سلطة التفسير حدود التفسير  تكون قد خالفت القانون وبالتالي تقبل دعوى الإلغاء ضد القرار  وتنتهي بحكم ملغى لهذا القرار  لتجاوزه حدود التفسير  بإحداثه آثار  مست المراكز القانونية القائمة.

ثانيا :القرارات المؤكدة

ويقصد بهذه القرارات ،تلك الأعمال الصادرة من الإدارة  والتي تؤكد فيها مضمون  قرار سابق:فأهم ما يميز القرار المؤكد وحدة مضمونه وموضوعه مع مضمون وموضوع قرار سابق عليه.ولذلك فإن هذه القرارات لم تأت بجديد بالنسبة للمراكز القانونية للأفراد المخاطبين بها ،فالأثر القانوني قد نجم  عن القرار الأول دون الثاني المؤكد له ،وبالتالي فإن القرار الأول فقط  هو الذي يجوز الطعن فيه بالإلغاء.

أي أن القرارات المؤكدة تأخذ-من حيت دعوى الإلغاء-نفس الحكم الساري على الإجراءات التنفيذية والأعمال المادية وإن اختلفت في طبيعتها.

ولكي يسري هذا الحكم عليها ،وجب في هذه القرارات ألا تخرج سلبا أوإيجابا عن القرارات السابقة  عليها والتي جاءت توكيدا لها.

وإذا كان القرار المؤكد قد خالف جزئيا القرار السابق.ومع ذلك يمكن الطعن  بالإلغاء في القرار الثاني  بأكمله في الحالات الآتية:

1       إذا أنشأ نظاما قانونيا مختلفا عن ذلك الموجود في القرار السابق.

2       إذا كان القرار المؤكد قد صدر بناء على دراسة وفحص  نص عليها القرار السابق.

3       إذا كان الجزء الجديد في القرار المؤكد لا يقبل التجزئة عن سائر الأجزاء الأخرى المطابقة للقرار السابق.

ولكي يكون القرار الجديد مؤكدا لما سبقه ينبغي أن يتطابق الاثنان  معا في المضمون  وفي الأسباب الدافعة لإتحادهما،فمجرد التطابق في المضمون دون الأسباب  لا يجعل من القرار الجديد مؤكدا لما سبقه.فمثلا لو جاء قرار  بذات المضمون  لقرار سابق  إلا أنه اعتمد  في أسبابه على قانون  غير الذي  اعتمد عليه القرار السابق،يكون هذا القرار الجديد  مخالفا للأول وبالتالي يجوز الطعن فيه  ولكن مجرد الاختلاف  في إجراءات صدور  القرار أو في تاريخ  نفاذه لا يجعل مع القرار الثاني مخالفا للقرار الأول ولا يقبل الطعن  فيه بالإلغاء.

 وترجع الحكمة من عدم قبول دعوى الشطط في استعمال  السلطة ضد القرار المؤكد ،لكان معنى ذلك امتداد-بغير نص-لفترة الطعن بالإلغاء في القرار السابق.

هناك سبب آخر وهو أن القرار المؤكد لا يحدث أثر قانونيا بذاته،وإنما الأثر القانوني قد نتج عن القرار الأول الذي تحصن بفوات ميعاد الطعن.

ثالثا:الأعمال المادية للإدارة

فيما يتعلق بهذه المجموعة  من الأعمال ،تكون المسألة المثارة يصددها هي قبول دعوى الإلغاء أو عدم قبولها.

ولعل من الأسباب التي تحول دون قبول الطعن بالإلغاء في العمل المادي،أن آثار هذا العمل قد وقعت بالفعل ،وهي آثار مادية بحتة،وبالتالي لا فائدة من إلغاء العمل ،إذ ينصهر  العمل  مع أثره المادي بمجرد وقوعه،وفي الحالات التي لا يندمج فيها العمل مع أثره كالإمتاع عن تصحيح خطأ مادي  في بيان نجاح ،فإن إزالة هذه الأضرار يتطلب أمرا يوجه القاضي إلى الإدارة ،وهذا مالا يملكه قاضي الإلغاء،والأثر المادي لا يمكن طلب  إلغاؤه من القاضي.

والملاحظ هنا أن الأعمال المادية سابقة على القرار فهي من مراحل الإعداد له وتأخذ حكم الأعمال  التحضيرية ،فما يشوبها من أوجه بطلان  لا تثار على انفراد وإنما مع القرار  الصادر بالاعتماد عليها.

أعمال مادية لاحقة على القرار:وهنا تتخذ الإدارة من الأعمال المادية لوضع قرار إداري موضع التنفيذ،وفي هذه الحالة لا يجوز الطعن في هذه الأعمال على انفراد لأنها ليست قرارا،وإنما يجب رفع الدعوى على القرار ذاته في المواعيد المحددة  ثم يضاف إلى طلب  الإلغاء طلبا مستعجلا بوقف الإجراءات المادية« أي التنفيذ»[2].

ولكن قد تبدأ الإدارة مباشرة في التنفيذ دون وجود قرار مسبق ،أي لا يوجد فاصل زمني بين إصدار القرار  وبين تنفيذه،وهنا اعتبر القضاء أن التنفيذ بهذه الصورة ينم ضمنا على وجود قرار إداري والطعن الموجه ضد الأعمال المادية بالتنفيذ هو موجه في نفس الوقت لهذا القرار  الضمني الذي لا ينفصل عن أعمال التنفيذ وبالتالي تقبل الدعوى بالإلغاء.

رابعا :الدوريات والمناشير

الدورية أو المنشور كإجراء إداري تصدره سلطة إدارية مختصة  للأعوان التابعين لها بهدف  تأويل أو تفسير  التشريعات و التنظيمات القائمة أو التذكير بالقواعد الموجودة وكيفية تطبيقها وأن المجمع عليه قضاء هو عدم قابلية المنشور التأويلي أو التفسيري للطعن فيه بالإلغاء،وهي لا تعد مصدرا من مصادر المشروعية الإدارية،إلا إذا أضافت قواعد ومقتضيات غير موجودة في القانون.وعلى هذا الأساس قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكم لها:«الدورية المتعلقة بتسوية مراقبة  مخالفات قواعد السلامة الطرفية بإضافتها مقتضيات  زجرية جديدة تكون  قد تجاوزت مجال التأويل والتفسير التشريعي ويكون مصدرها قد تجاوز حدود سلطاته،والاعتماد على مقتضيات الدورية  في سحب وثائق الحافلات ورخص السائقين يشكل تطبيقا لمقتضيات مناقضة القانون وحيادا عن المشروعية....»[3]

القرار الإداري عمل صادر عن سلطة إدارية وطنية

     يجب أن يكون  القرار الإداري صادرا عن سلطة وطنية،لأن دعوى الإلغاء تعتبر وسيلة لرقابة تصرفات السلطات الإدارية الوطنية،بغية محاسبتها عندما تنحرف عما يلزمها به القانون ،إعمالا لمبدأ المشروعية، وبذلك يكون طبيعيا أن القرارات  الإدارية الصادرة  من سلطات أجنبية لا تخضع لولاية القضاء الوطني،ولا يستطيع أن يطعن مقيم في المغرب  أمام المجلس الأعلى في قرار صادر  من جهة إدارية أجنبية،بحجة أنه أثر على حقوقه،لأن هذا القرار يعتبر-لصدوره من جهة أجنبية-خارجا عن سيادة الدولة وبالتالي فهو لا يخضع لرقابة  قضائها.

      وبالنسبة للقرارات الإدارية الصادرة عن جهات وطنية تعمل خارج حدود الدولة ،فإن قبول الطعن  فيها بالإلغاء يتوقف على معرفة مصدر السلطة التي تستمد منها تلك الجهات قراراتها.

     لكي تكتمل القرار الإداري مقومات ذاتيته يجب أن يكون صادرا عن سلطة إدارية وطنية مقترنا صدوره باستعمال وسائل القانون العام  وليس وسائل القانون الخاص،فيتجسد بذلك  في تعريف القرار الإداري عنصر السلطة  كأساس للقانون الإداري  ليفترق به عن أعمال الأشخاص  المعنوية الخاصة وعن الأعمال التشريعية  التي تصدر عن السلطتين  التشريعية والقضائية والتي لا تعتبر قرارات إدارية.

ويشمل تحديد أشخاص  القانون العام الذين  يكونون السلطة الإدارية:الأشخاص العامة التقليدية المركزية واللامركزية ،وأيضا بعض الهيآت التي اعتبرها القضاء أشخاصا عامة وإن لم تكن كذلك  بحسب الأصل.ولا يلزم اعتبار القرارات الصادرة من هذه الأشخاص العامة قرارات إدارية أن تصدر عن ممثليها بالتحديد وإنما يكفي أن تصدر من أي عضو من أعضائها مادامت قد اتخذت في حدود الاختصاصات  التي خولها له القانون .أما بالنسبة للأشخاص المعنوية  الخاصة فقد استقر  القضاء على عدم اعتبار  قراراتها إدارية  حتى ولو باشرت نشاطا ذا نفع عام ،وبالتالي فإن أعمالها تخضع لرقابة القضاء العادي لا لرقابة القضاء الإداري مع الاستثناء من القاعدة.[4]

‌أ          وجوب أن تكون السلطة الإدارية سلطة وطنية

لا يكفي أن يكون القرار الإداري صادرا من جهة إدارية،وإنما يجب أيضا أن تكون  هذه الجهة وطنية وليست أجنبية .

ذلك بأن أحكام القضاء تقضي أن مناط  اختصاص القضاء الإداري بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية هو أن يكون القرار الإداري صادرا من جهة إدارية وطنية تطبق قوانين البلاد وتستمد سلطتها منها بحيث  يكون معبرا عن الإرادة الذاتية لهذه الجهة بوصفها سلطة عامة وطنية.والعبرة في تحديد جنسية السلطة الإدارية  التي أصدرت القرار ليست بجنسية أعضائها وإنما بمصدر السلطة التي تستمد منها ولاية إصدار القرار  التي تعمل تطبيقا لها.فإذا كانت تعمل بسلطة مستمدة  من الحكومة  المغربية وحدها كانت جهة إدارية مغربية ولو كان بعض أعضائها أجانب.أما إذا كانت تعمل بمقتضى  سلطة مستمدة  من حكومة أو هيأة أجنبية  أو دولية فإن قراراتها لا تعد صادرة من جهة وطنية ولو كان كل أعضائها وطنيين.

وتطبيقا لذلك فإن القرار يعد صادرا عن سلطة أجنبية في الحالات الآتية:

1       إذا صدر عن سلطة احتلال:

لأنه في هذه الحالة لا يعبر عن الإرادة الذاتية لسلطة وطنية وإنما عن الإرادة الذاتية لسلطة الإحتلال الأجنبية.

2       -إذا صدر من قبل ممثلي الدولة الأجنبية أو المنظمات الدولية المقيمين على أرض الوطن:

فالقرارات التي تصدر من سفراء وقناصل الدول الأجنبية وأعضاء المنظمات الدولية كالجامعة العربية والأمم المتحدة لا تعتبر قرارات وطنية،لأنهم في إصدارها يعبرون عن الإرادة الذاتية لحكومتهم الأجنبية أو للمنظمة الدولية التي يتبعونها.وفي هذا الإطار قضى قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد929 المؤرخ في18/12/2003 مايلي:«قرار منظمة الإيسيسكو يطرد أحد موظفيها لا يدخل  في اختصاص القضاء الإداري .فالمنظمة المذكورة تتمتع بحصانة  تماثل الحصانة المقررة للبعثات الدبلوماسية ولم يكن الحكم المستأنف على صواب عندما صرح بانعقاد الاختصاص للنظر في الطلب المعروض».

‌ب      نطاق أعمال السلطة الإدارية

يتحدد نطاق  الأعمال الإدارية بما يباشره ممثلي وأعضاء السلطة الإدارية في إطار وظيفتهم الإدارية في ارتباطهم بإدارة وبنشاط الأشخاص المعنوية العامة.وكل ما يخرج عن هذا الإطار يقع في دائرة أحكام القانون  الخاص واختصاص القضاء العادي.على أن هناك طائفة من إعمال السلطة  التنفيذية تفلت من أي رقابة قضائية على وجه الإطلاق،وهي ما تسمى بطائفة أعمال السيادة التي تتحصن ضد الرقابة القضائية لاعتبارات خاصة تتصل بمصالح الدولة العليا:

           I           يجب أن يصدر العمل الإداري في نطاق الوظيفة الإدارية:

لا يكفي أن يصدر القرار من ممثلي أو أعضاء إحدى السلطات الإدارية حتى يمكن اعتباره  قرارا إداريا،وإنما يجب أن يصدر هذا القرار  في حدود الوظيفة الإدارية.

وفي حالة ما إذا كان  لعضو السلطة الإدارية صفتان ،إحداهما إدارية والأخرى غير إدارية ،فإن القرارات التي يصدرها بصفته الإدارية  هي وحدها التي تتوافر لها مقومات القرار الإداري.فرجال الشرطة القضائية على سبيل المثال  يباشرون وظيفتين:وظيفة إدارية وهي وظيفة الضبط الإداري،ووظيفة قضائية وهي  وظيفة الضبطية القضائية.فلا تعتبر من أعمالهم قرارات إدارية إلا تلك الصادرة في نطاق وظيفة الضبط الإداري فقط.

وفي هذا الإطار قضت الغرفة الإدارية  في قرار لها عدد 389 المؤرخ في 11 ماي 2005 ما يلي:« إن القرار لكي يكون إداريا يجب  أن يصدر في مجال ممارسة النشاط الإداري...إن الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف عندما يمارس الإختصاص المعطى له بمقتض الفصل 270 من قانون المسطرة الجنائية في شأن ذوي الامتياز القضائي يمارس نشاطا قضائيا ولا رقابة عليه في ذلك من طرف القضاء الإداري»

          II          استبعاد أعمال السيادة:

فالأعمال التي تصدرها السلطة التنفيذية«كإدارة»هي وحدها التي يمكن أن تعتبر قرارات إدارية إذا توافرت لها مقومات القرارات الإدارية.أما الأعمال التي تصدرها «كحكومة » فتخرج لإعتبارات خاصة عن نطاق رقابة القضاء،ليس فقط القضاء الإداري وإنما أيضا القضاء العادي  وسواء تعلق الأمر بطلب إلغاء أم بطلب تعويض.

ومن هنا جاءت تسميتها «بأعمال السيادة » كما أنها تسمى أيضا« بأعمال الحكومة» بالنظر إلى طبيعتها الخاصة  كأعمال صادرة في نطاق الوظيفة الحكومية للسلطة التنفيذية.

على أن البحت في طبعة الأعمال التي تصدرها السلطة  التنفيذية لتحديد  ما يدخل في نطاق وظيفتها الحكومية وما يدخل  في نطاق وظيفتها  الإدارية ،لم يكن بدوره بالأمر الميسور  في كل الأحوال.ولذا فقد سلم  الفقه الأمر إلى القضاء ليقرر هو حسبما  يراه ما يعتبر من أعمال السيادة وما يخرج عن نطاقها، واقتصر من جانبه على حصر وتصنيف  الأعمال التي قرر القضاء بأنها من أعمال  السيادة في قائمة يضيق نطاقها  حسب الظروف.

     ü            الأعمال التي تنظم علاقة السلطة  التنفيذية  بالسلطة التشريعية :

يندرج تحت هذه الطائفة  القرار الصادر بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء البرلمان. ولكن القرارات التي تصدر أثناء العملية الانتخابية ،كالقرارات الصادرة من لجان فحص طلبات الترشيح مثلا،تعتبر قرارات إدارية عادية.

     ü            الأعمال المتعلقة  بعلاقة الدولة بغيرها  من الحكومات والهيآت  الأجنبية:

وتشمل هذه الطائفة القرارات التي تصدرها  الدولة بخصوص علاقاتها مع الدول والمنظمات الأجنبية مثل  إنشاء علاقات دبلوماسية  أو قطعها،اتخاذ قرارات مقاطعة وإجراءات ضغط سياسي ،قبول أو رفض قرارات  المنظمات الدولية والمحاكم  الدولية.وتشمل أيضا التعليمات  الصادرة من الحكومة لممثليها الدبلوماسيين في الخارج.وكذلك الأعمال المتعلقة  بحماية الرعايا الوطنيين  في الخارج.كما تشمل الأعمال المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقات الدولية:مفاوضات –توقيع تصديق.

الأعمال المتعلقة بالحرب:

لكي يعتبر القرار متصلا بالحرب وبالتالي من أعمال السيادة يجب أن يكون متصلا اتصالا مباشرا بعملية من العمليات الحربية.

بعض الأعمال المتعلقة بالأمن الداخلي :

ليست كل الأعمال التي تصدرها السلطة التنفيذية ويتصل موضوعها بالأمن الداخلي للدولة تعتبر داخلة في نطاق نظرية أعمال السيادة،بل أن بعضها فقط تنطبق عليه هذه النظرية،فما تتخذه الدولة من عمل سياسي للمحافظة على كيانها أو مصالحها  العليا الأساسية يعتبر عملا  من أعمال السيادة،وما تقوم به الدولة من أعمال أخرى  أو إجراءات استثنائية أو عادية لتنفيذ القوانين القائمة يعد أعمالا إدارية .وعلى ذلك إذا كان قرار إعلان حالة الطوارئ مثلا يعد من أعمال السيادة فإن القرارات الصادرة تطبيقا له تعد قرارات إدارية عادية وليست من أعمال السيادة.

‌ج       التمييز بين الأعمال الإدارية وأعمال السلطتين التشريعية والقضائية

لكي نكون بصدد قرار إداري يجب أن تكون الجهة التي أصدرته قد تصرفت بصفتها هيئة إدارية استخدمت وسائل القانون العام في تحقيق آثار قانونية بإرادتها المنفردة ،وذلك بمجرد الإفصاح عن إرادتها .ومقتضى ذلك أن الأعمال الصادرة من قبل السلطة التشريعية  أو القضائية بوصفها كذلك تخرج  عن رقابة القضاء الإداري على الأقل فيما يخص قضاء الإلغاء،ويحكم القضاء الإداري هنا  بعدم الإختصاص لا بعدم القبول.

‌أ          التمييز بين القرار الإداري والعمل التشريعي

لما كانت الاختصاصات تتداخل أحيانا    بين سلطات الدولة المختلفة تطبيقا  لمبدأ الفصل النسبي بحيث تتداخل الاختصاصات  بن السلطات أحيانا  بما يحقق الصالح العام .وعلى ذلك تقوم السلطة التشريعية  بأعمال هي من اختصاص السلطة التنفيذية ،كما قد تقوم السلطة التنفيذية بأعمال هي أصلا  من اختصاص السلطة التشريعية.لذلك يكون هناك تداخل في الأعمال القانونية  وغموضا يحيط بها :فهل يعد العمل الذي تقوم به السلطة التشريعية في نطاق الوظيفة الإدارية  وبالضرورة عملا تشريعيا؟أم أنه بحكم مضمونه وطبيعته يعد عملا إداريا؟.ولذلك رأينا  من المناسب أن نتولى  بالدراسة كيفية التفرقة بين القرار الإداري والعمل التشريعي واحتمالات وجود قرارات إدارية  ضمن الأعمال التي تصدرها السلطة التشريعية ،وكذلك طبيعة الأعمال المشرعة الصادرة من رجال السلطة التنفيذية.

تتمثل أهمية هذه التفرقة العلمية في الآتي:

1       خضوع القرارات الإدارية لنظام قانوني مغاير  للنظام  الذي تخضع له الأعمال التشريعية فالأفعال الإدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضا،وعلى ذلك لا يجوز الطعن  بالإلغاء ضد العمل التشريعي لان المنازعة هنا لا تعتبر منازعة إدارية.

2       إن القانون يخضع لرقابة قضائية من نوع خاص  وهي ما تسمى بالرقابة الدستورية  ويباشرها القضاء الدستوري.

3       يترتب على التمييز بين القرار الإداري والعمل التشريعي-إضافة لما سبق-تحديد كل عمل منهم في سلم القواعد القانونية .فالنظام القانوني الوطني يشتمل  على العديد من القواعد القانونية،وهذه القواعد لا تحتل مرتبة  واحدة  ولا تتساوى في القيمة ،وإنما تشكل ما يعرف بالهرم القانوني  المكون من درجات متعددة.في قمة هذا الهرة  نجد الدستور  كعمل للسلطة التأسيسية ،ثم يليه مقاما القانون التنظيمي  ثم القانون العادي الصادر من البرلمان،ثم نجد أعمال السلطة التنفيذية« القرارات الإدارية »تحتل المرتبة التالية وأخيرا نجد الأعمال  المادية للإدارة[5].

     ومع ذلك فإن هناك حالات معينة  استخدم فيها القضاء  المعيار الموضوعي للتمييز بين العمل الإداري والعمل التشريعي كما هو الحال بالنسبة  للقرارات الصادرة  من رئيس كل من مجلسي البرلمان بشأن موظفي المجلس.

     فوفقا للمعيار الشكلي تعتبر هذه القرارات أعمالا تشريعية، إلا أن القضاء الإداري قد اعتبرها-موضوعيا-من طبيعة الأعمال الإدارية وبالتالي قرر اختصاصه بنظر طعون الإلغاء عليها.فالسلطة التشريعية تتخذ العديد من الأعمال منها القرانين  المشرعة  أي القوانين التي تضع قواعد عامة  مجردة،ومنها أيضا القوانين الغير مشرعة  فهي لا تضع قواعد عامة مجردة  وإنما تتضمن حلولا فردية  مثل قانون  ربط الميزانية ،قانون منح امتياز،الموافقة على عرض فرض ،وهذه القوانين غير المشرعة  اعتبرها القضاء  في حكم القانون شكلا ،لأنها صادرة من السلطة  التشريعية ،طبقا للإجراءات التي يحددها الدستور  لسن القوانين،رغم أنها تتفق في طبيعتها  ومضمونها مع القرار الإداري الفردي ،ولكن الدستور يوجب عرضها على البرلمان  للموافقة عليها ،إما لأهميتها الخاصة وإما لتأثيرها على أموال الدولة  وإما لمساسها بالمصالح العامة .ومنها أيضا الأعمال البرلمانية  وهي تلك المتعلقة بالنظام الداخلي للبرلمان  وبحقوق أعضائه وواجباتهم  وتلك التي تستهدف  إلى المحافظة  على النظام في داخل المجلس  كوضع اللائحة الداخلية وتوقيع عقوبة  على أحد أعضائه .وتشمل كذلك القرارات  التي يصدرها  المجلس ولجانه في رقابته للسلطة التنفيذية ،وكل هذه الأعمال البرلمانية تعتبر  في حكم القوانين ولا  ولا تخضع لولاية الإلغاء عملا بالمعيار الشكلي .ومنها أخيرا القرارات الخاصة بموظفي  البرلمان والتي اعتبرها القضاء الإداري-تطبيقا للمعيار الموضوعي-أعمالا إدارية.ومثالها تعيين موظفي البرلمان  وترقيتهم إذ يجب ألا نخلط بين الأعمال المتعلقة  بشؤون أعضاء البرلمان  وتلك المتعلقة بشؤون موظفي  البرلمان ،فأعضاء البرلمان يقصد بهم ممثلو الشعب الذين لهم الحصانة البرلمانية  ويمارسون الوظيفة التشريعية،

   فكل الأعمال التي تتعلق  بهم تعتبر أعمالا برلمانية محصنة ضد رقابة القضاء العادي والإداري،أما موظفو  البرلمان فهم المنتمون للتنظيم الإداري،فهم كسائر  موظفي الدولة  في الأجهزة الأخرى،وحينما يصدر رئيس المجلس في حقهم قرارات معينة فهو يتخذها  بصفته رئيسا إداريا وليس بصفته التشريعية .

   وعلى ذلك كانت هذه القرارات عضويا وموضوعيا إدارية طبقا للمفهوم الذي تبنيناه للجهة الإدارية مصدرة القرار وكان من حق هؤلاء الموظفين الطعن  فيها أمام قضاء إداري.

ب القرار الإداري والعمل القضائي

     تتخذ الإدارة من الأعمال القانونية ما يحدث تغييرا  في المراكز القانونية  العامة والخاصة،ويكلفها المشرع في كثير من الأحيان بمهمة السهر على حماية النظام  القانوني للدولة ،وعلى استقرار الأوضاع الأمنية  والذود عن حقوق الأفراد وحرياتهم  من كل خطر سمكن أن يشكل  تهديدا  لهذه الحقوق  وتلك الحريات.

    أضف إلى ذلك أن المشرع  يجعل  من الإدارة أحيانا  الحكم فيما ينشأ بينهم  من خلافات وصراعات ،ونص على تشكيل هيآت إدارية  مكلفا إياها باختصاص قضائي  مثل مجالس التأديب ،والهيآت الإدارية ذات الاختصاص القضائي.نفهم من ذلك أن الفصل  في خصومة  ليس وفقا على أجال  السلطة القضائية  ويمكن أن يقوم به رجال الإدارة أو هيأت تتبع عضويا جهة الإدارة.

   والعكس صحيح فيما يتعلق  بالسلك القضائية ،فهي وإن كانت مكلفة أصلا  من قبل المشرع بحماية النظام  القانوني للدولة وحسم ما قد ينشأ  بين أفراد ها وهيأتها  من منازعات بأحكام تحوز حجية الشيء المقضي به ،إلا أنها تتولى أحيانا إصدار الكثير من الأعمال التي قلما تختلف من ماهيتها  والغرض منها عن سائر الأعمال التي تكون الإدارة على رأسها.فمثلا مهمة القاضي أصلا إصدار« أحكام قضائية» فيما رفع إليه من دعاوى بشأن  نزاعات معينة،إلا أن المشرع أضاف إلى هذه المهمة  مهاما أخرى إدارية  كإصدار الأوامر من قاضي الأمور الوقتية،وإصدار قرارات إدارية  تتعلق بالحياة الوظيفية لرجال القضاء والنيابة،فهي قرارات صادرة  في شأن موظفين عموميين.

     وضباط الشرطة القضائية  يتولون لأصلا القيام بالأعمال التي تتصل بكشف الجرائم وجمع الاستدلالات الموصلة للتحقيق في الدعوى،ويقومون بها لحساب النيابة العامة  وتحت إدارتها وإشرافها وذلك بهدف  الوصول إلى الجاني وملاحقته  وتقديمه إلى العدالة،إلا أن الموظف الذي يقوم بعمل الضبط القضائي  في كثير من الأحيان  يكون من رجال الضبط الإداري مثل رجال الشرطة.والضبط الإداري من صميم الوظيفة الإدارية التي تضطلع  بمهمة المحافظة  على الأمن العام،يترتب على ذلك  أن الموظف نفسه يمكن له أن يتخذ أعمالا قانونية  تنتمي تارة لوظيفة الضبط الإداري وهي قرارات إدارية،وتارة أخرى لوظيفة الضبط القضائي فتعد أعمالا قضائية  لها نظامها القانوني الخاص.وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية  في حكم لها  بتاريخ14-02-2002 تحت عدد 17 ما يلي :«إن النيابة العامة وإن كانت عضويا جزءا  من السلطة القضائية أناط  بها  المشرع البحت في الجرائم طبقا لقواعد المسطرة الجنائية،فإنها تقوم باختصاصات ولائية إدارية ».وقضى حكم للمحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 20-052008 تحت رقم 172 ما يلي:«إن المعايير التي تتمسك بها النيابة  العامة لا تتناقض مع ما تتخذه  هذه الأخيرة من قرارات  ذات طبيعة إدارية ومنها فتح أجل جديد للتعرض بناءا على الفصل 29 من الظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري».

     الخلاصة أن التداخل بين العمل الإداري والعمل القضائي أم أمر قائم  وكثير الحدوث،مثل هذا التداخل يزيد الأمر تعقيدا  حينما نريد أن نفرز الأعمال الإدارية  والأعمال القضائية ،فبأي معيار يتم مثل هذا التمييز؟والحقيقة التي لا تخفى على أحد  أن هذا التمييز أمر حتمي ولازم ،وترجع أهميته إلى عوامل كثيرة  نذكر منها:

اختلاف النظام القانوني لكل عمل  منهم على حدة،فالقرار الإداري يعد من أعمال الإدارة القانونية،فقد نظم المشرع طريقة  إصدار مثل هذا العمل ،وشروط مشروعيته ،وطرق الطعن  فيه أمام القضاء الإداري،أما الأعمال القضائية .فقد اختصها المشرع بأحكام خاصة  لا تسري إلا عليها دون غيرها  من حيث إجراءات صدورها ،والجهات المختصة  بإصدارها ،وطرق الطعن فيها،والجهات المختصة بالفصل  في هذه الطعون.

أيضا  معرفة نوع العمل تعد أمرا هاما لتحديد مسؤولية الدولة عن هذا العمل،فللإدارة مسؤولية كاملة عن جميع أعمالها.أما بالنسبة للأعمال القضائية فالمبدأ السائد هو عدم مسئولية  الدولة عن هذه الأعمال، واستثناء  وبنصوص خاصة  يقرر المشرع المسؤولية  عن بعض هذه الأعمال (الفصل613،612ق م ج 620(مراجعة الأحكام )والفصل400 ق م م مخاصمة القضاة).

وبالرجوع إلى القرارات والأحكام  القضائية  نجد ان القضاء الإداري استعمل المعيار الموضوعي لتحديد الأعمال الإدارية والأعمال القضائية،وعلى هذا الأساس قضت المحكمة الإدارية  بوجدة في حكم لها :«تعتبر القرارات التي تتخذها النيابة العامة بمناسبة القيام بإجراءات الدعوى العمومية من تحقيق واتهام وإصدار أوامر بالإيداع بالسجن كما هي منصوص عليها بقانون المسطرة الجنائية من قبيل الأعمال القضائية التي لا تختص المحاكم الإدارية بمراقبة مشروعيتها سواء في إطار دعوى الإلغاء أو في إطار المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن الأعمال المذكورة»[6]

الفقرة الاولى :أركان القرار الإداري وانواعه

أ‌-       اركان القرار الاداري:

      تتمثل أركان القرار الإداري  في الإختصاص والشكل والمحل والسبب والغاية.

وترتبط عيوب القرار الإداري-التي تؤدي إلى عدم مشروعيته-بأركانه المشار إليها ،فإذا علق بأي ركن  من تلك الأركان شوائب أو اكتنفته عيوب فإنه يصبح غير مشروع،ويكون قابلا للطعن فيه بالإلغاء وإزالة آثاره.

Œ    الاختصاص

   الإختصاص يعني صلاحية السلطة  الإدارية موضوعيا ومكانيا وزمنيا  للتعبير عن إرادتها او بعبارة أخرى القدرة القانونية لاتخاذ القرار،بمعنى آخر يعرف الاختصاص  بأن القدرة القانونية  على مباشرة عمل إداري معين ،ويسبه البعض الاختصاص في القانون  العام بالأهلية في القانون الخاص،فالشخص المختص و كامل الأهلية كلاهما قادر على القيام  بعمل قانوني معين.إلا أن هذا التشابه  لا يحجب  الاختلاف الجوهري بين الفكرتين، حيث أن قواعد الإختصاص تصبو إلى حماية  المصلحة العامة،بينما ترمي قواعد الأهلية إلى حماية الشخص ذاته.

    وليست قاعدة التخصص في حقيقتها إلا تطبيقا لمبدأ تقسيم العمل ،ما دام العمل الحكومي هو عمل  جماعي،فإن المصلحة تقضي بأن يقتصر عمل كل موظف على نوع واحد  يتفرع له ويجيده.

    ولقد كان  عيب الإختصاص من أقدم أوجه الإلغاء ظهورا في ساحة القضاء الإداري،كما أنه يعتبر العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام ،مع ما يترتب على ذلك من نتائج،أهمها أن القاضي يتصدى له من تلقاء ذاته حتى إذا لم يثره الخصوم.ويتخذ عدم الإختصاص عدة صور،فقد يكون عيب عدم الاختصاص بسيطا إذا كان واقعا فبما بين   السلطات  الإدارية المختلفة ،ويسمى حينئذ اعتداء على الاختصاص أو تجاوز للإختصاص.وقد يكون عيب هذا الإختصاص جسيما، فيسمى غصبا للسلطة إذ صدر القرار من شخص لم يعين في الوظيفة العامة أو كان تعيينه غير مشروع.

أولا ،عيب عدم الإختصاص البسيط

يظهر العيب في الحالات الآتية:

‌أ          عيب عدم الاختصاص المكاني

     يلاحظ أن الأشخاص الذين يملكون سلطة اتخاذ القرار ليسو على درجة واحدة ولايتهم الإقليمية.حيث لأن البعض منهم  تمتد ولايته لتشمل إقليم الدولة بأكمله ا لوزراء.والبعض الآخر يتحدد النطاق المكاني لإختصاصه بحدود مدينة معينة  كرئيس مجلس المدينة.

    وإذا كان وزير الداخلية  يشمل اختصاصه  إقليم الدولة ،فإن الوالي مثلا ينحصر اختصاصه المكاني في نطاق محافظته ،فإذا أصدر قرارا إداريا  من اختصاص محافظ إقليم آخر ،فإنه يكون معيبا بعيب عدم الإختصاص عمال الإدارة العامة  بوضوح.

‌ب      عيب عدم الاختصاص الزماني

    لا يباشر  الموظف مهام وظيفته بصفة دائمة،فرابطته بالإدارة مرهونة بأمد معين ،فإذا أتى تصرفا أو اتخذ  قرارا متجاوزا هذا الأجل ،كان مشوبا بعيب عدم الإختصاص  الزماني وكان جديرا للإلغاء.وتنتهي رابطة  الموظف بالغدارة  إما بترك الوظيفة إلى غيرها أو أثر ترقية،وإما بالإحالة إلى المعاش  لبلوغ السن القانونية المقررة لترك الخدمة  أو قبل بلوغها سواء بفصله أو إحالته إلى الاستيداع أو باستقالته.

وفي جميع هذه الأحوال لا يجوز للموظف أن يباشر تبعات وظيفته إلا في غضون المدة المقررة لتوليه تلك  الوظيفة،فإذا باشر عملا بعد الأجل  المحدد لوظيفته كان مشوبا بعيب عدم الإختصاص من حيث الزمان.

‌ج       عيب عدم الإختصاص الموضوعي

    يجب أن تكون الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الإداري،مالكة لسلطة إصداره،وإلا شاب تصرفها  عيب عدم الإختصاص من حيث الموضوع.الذي يتمثل في حالات اعتداء السلطة المركزية على اختصاصات الهيآت اللامركزية،أو اعتداء جهة إدارية  على اختصاص جهة أخرى.

     وكما يظهر عيب عدم الإختصاص الموضوعي في صورة إيجابية  علة النحو السابق تبيانه،يظهر أحيانا في صورة سلبية،كأن يعتقد الموظف  أنه غير مختص أو يتجاهل اختصاصه ويحجم عن اتخاذ القرار الذي يقع في إطار صلاحيته.

ثانيا :عيب عدم الاختصاص الجسيم

     ويطلق عليه اصطلاح اغتصاب الوظيفة،ومغتصب الوظيفة  العامة هو الشخص الذي  يعتلي الوظيفة ويباشر  مهامها دون قرار مشروع أو غير مشروع بتعيينه فيها.كأن يصدر قرار إداري من فرد ليست له لأي صفة في مباشرة الوظيفة  العامة،أو يعتدي أحد موظفي السلطات  الإدارية على اختصاص السلطتين  التشريعية  أو القضائية والعكس صحيح.

    وقد أكد القاضي الإداري في العديد من قراراته:«يكون عيب عدم الاختصاص ،كأحد وجوه عدم المشروعية،على درجة من الجسامة عندما تقوم السلطات الإدارية باغتصاب الاختصاصات المخولة للسلطات الأخرى داخل الدولة  بما في ذلك الاختصاصات  التي تعود لمؤسسة الملك»[7].وهي مؤسسة لها مكانتها  الدستورية ،وفي هذا الإطار قضى  قرار لمحطمة الاستئناف  الإدارية بالرباط  مؤرخ بتاريخ 28-3-2007 تحت عدد 144 ما يلي:«على الرغم من إشارة إدارة الأمن الوطني في محضر تبليغها للمستأنف عليه  لمقرر العزل بأنه تم  إعداد مشروع  ظهير يعزل  المعنى بالأمر ،فهذا لا يفيد  بأن الطاعن تم عزله بمقتضى ظهير ،ذلك بان الإدارة المذكورة عمدت  غلى تنفيذ اقتراح المجلس  التأديبي الممثل  في عزل الطاعن  الذي لا يعدو أن يكون مجرد عمل تحضيري من دون انتظار موافقة الجناب الشريف على هذا الاقتراح،مما يجعل القرار يشكل تجاوزا في استعمال السلطة لعيب عدم الاختصاص».

    ويعتبر من قبيل المغتصب للوظيفة كذلك ،الشخص الذي تنحصر عنه الصفة  الوظيفية  لسبب من الأسباب،ومع ذلك يستمر في مباشرة اختصاصاتها والقيام بتابعاتها.

   وتختلف الصور العملية لمغتصب الوظيفة العامة في الظروف العادية عنها في الظروف الاستثنائية.ففي الظروف العادية قد تقتصر هذه الصورة  على حالة واحدة أو على فرد بعينه ،كأن ينتحل شخص صفة رجل من رجال البوليس ويباشر سلطته البوليسية على هذا الأساس. أو يدعي شخص أنه من جباة الضرائب ومكلف من قبل الدولة في جمعها ويستولي على أموال الدولة  دون وجه حق .

    أما في الظروف الاستثنائية فإن هذه الصورة   تكون أكثر انتشارا وتتخذ شكلا جماعيا، يشمل عددا كبيرا من الأفراد الذين يتقلدون  الوظائف العامة ، إما من تلقاء أنفسهم .أو بناء على  تكليف من حكومة  ثورية يعتبرون عمالها.

   ولا يعتبر المغتصب  في علاقة بالإدارة كالموظف  الذي تقلد الوظيفة العامة  طبقا لاوظاعها المشروعة ،لأنه لم يصدر من الإدارة  قرار مشروع أو غير مشروع بتقليده الوظيفة ، لذلك فهو لا يخضع لأحكامها ولا يستفيد من مزاياها.

   وبتفرع على ذلك ان مغتصب  الوظيفة العامة لا يجوز له أن يطالب الإدارة  بما أنفقه لحسابها  إلا على أساس دعوى  الإثراء بلا سبب.

    إن مطالبة الإدارة في هذا السبب باسترداد تلك النفقات تكون مستندة  إلى نظرية الإثراء  بلا سبب ، لان الفضولي إنما يقتصد  بفعله مختارا أداء خدمة للغير   بشرط ألا يناله من هذه الفضالة  أي غرم مالي ،فهو متبرع بالخدمة ذاتها دون نفقاتها ، ولا يعمل لمصلحته بل لمصلحة الغير .أما منتحل الوظيفة  فلا يعتبر فضوليا .لأنه لم يكن متبرعا  بالخدمة التي أداها  وإنما مغتصب لها ،فهو بذلك يعتبر شخصا سئ النية ،وتصرفاته التي قام بها  لم تكن لمصلحة الغدارة .وإنما يكون مدفوعا هنا  باعتبارات شخصية ،لذلك لا يستطيع مطالبة الغدارة باسترجاع تلك المبلغ  إلا على أساس الإثراء على حسب الغير.

     وقد يصبح مغتصب الوظيفة موظفا فعليا ،إذا اْوحت الظروف المحيطة به بان تقلده لهم الوظيفة كان معقولا،ويظهر ذلك عندما يشغل الوظيفة  وتطول مدة بقائه فيها،بحيث يستشف  الجمهور بأنه الموظف  القانوني ويتعاملون معه على هذا الاسا س،فالمظاهر الخارجية  قد خدعت الجمهور  بأنه الموظف القانوني، وبالتالي تصبح تصرفاته سليمة إعمالا لنظرية الموظفين الفعليين.

والتدخل الذي يقصده المشرع،يتطلب أن يكون الجاني قد قام بالإضافة إلى انتحال  صفة الموظف  بأعمال إيجابية من أعمال الوظيفة  التي اغتصبها ،فمجرد انتحال صفة الموظف  لا يعتبر لذاته  دليلا على اقتحام الوظيفة العامة  والانخراط في سلكها .

فالأكاذيب،مهما بالغ المتهم فيها ،لا تعتبر تدخلا في أعمال الوظيفة  طالما لم يقم الجاني بعمل من أعمال تلك الوظيفة.

    غير أن هناك حالات يعتبر تصرف الجاني فيها اغتصابا للوظيفة،حتى إذا لم يقم بعمل من أعمالها ،وهي التي يقوم المغتصب  بوسائل احتيالية  ودعمها بمظاهر  خارجية توحي  بأنه صاحب الوظيفة  التي اغتصبها.

  وعيب عدم الاختصاص كأحد وجوه عدم المشروعية  يكون على درجة من الجسامة  عندما تقوم السلطة  الإدارية باغتصاب الاختصاصات  المخولة للسلطة  الأخرى داخل  الدولة،ويكون قرارها هو الآخر قرار مشوب يعيب عدم الاختصاص الجسيم .ولابد من الإشارة  أن القرار المعيب  بعيب عدم الاختصاص لا يمكن  تصحيحه بإجراء لاحق من الجهة المختصة.[8]

    الشكل

   لا تتقيد  القرارات الإدارية  كقاعدة عامة  بشكل معين تصدر فيه.فهي تعبير عن إرادة جهة في نطاق سلطتها الملزمة،بغية إحداث مركز قانوني،في أي صورة كان ذلك التعبير.

ولكن قد يتطلب  القانون اتخاذ إجراءات معينة او أتباع أشكال خاصة عند إصدار قرار إداري معين،كأن يستوجب إجراء تحقيق  أو استشارة هيئة خاصة  قبل إصدار القرار، أو أن يكون القرار بناء على اقتراح جهة معينة،أو أن يكون مسببا،وهذه الشكليات تكون ضمانة لإصدار قرارات سليمة ،بغية حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الغدارة وتسرعها في إصدار القرار.

وفي تلك الحالات إذا تجاهلت  الغدارة الشكل  أو الإجراءات التي يتطلبها القانون لبعض القرارات الإدارية، كانت مشوبة بعيب الشكل ،وعلى هذا الأساس قضت المحكمة الإدارية بمكناس  في حكم لها :«إن قرارات مجلس الوصايا هي قرارات إدارية  عادية بطبيعتها  وتخرج عن نطاق المادتين  الثالثة والرابعة  من قانون تنظيم الوصاية على الجماعات السلالية ،ويتعين تبعا لذلك على الجهة  المصدرة لها  تعليلها تعليلا كافيا واقعيا وقانونا»[9].وبخصوص التعليل كشرط  شكلي في بعض القرارات  الإدارية قضى حكم محكمة الاستئناف بالرباط عدد 522 الصادر بتاريخ16/4/2008 الجماعة القروية لعين اللوح  ضد سميرة أبرباش ما يلي :«إن الإشارة في بناءات القرار الإداري المطعون فيه إلى محضر  المجلس التأديبي ،لا يغني عن الإفصاح في صلب هذا القرار عن الأسباب المبررة لإتحاده مما يعد خرقا للفقرة ب من المادة 2 من القانون 01-03 المتعلق بإلزام الغدارات العمومية بتعليل القرارات الإدارية،ويكون القرار المذكور بالتالي متسما بتجاوز السلطة لعيب الشكل وموجبا للإلغاء».

Ž    المحل

    محل القرار الإداري هو الأثر القانوني الذي يحدثه القرار في المركز أو المراكز  القانونية القائمة،بإنشاء مركز قانوني  جديد  أو بتعديل مركز قانوني قائم أو إلغائه.

    ومحل القرار الإداري-أسوة بالتصرفات القانونية قاطبة-يجب أن يكون ممكنا وجائزا قانونيا.

 فإذا كان محل القرار غير ممكن أو كان مستحيلا كان القرار منعدما ،كأن يصدر قرار بتعيين موظف في درجة ليس لها منصب مالي  أو لم ترد في الميزانية.

كذلك يتعين أن يكون محل القرار  مشروعا،فلا يخالف النظام العام أو حكم القانون،فالقرار الذي يقضي بأمر مخالف للنظام العام يكون باطلا،لان محله غير جائز،فالقرار الإداري الذي يخرج على الأحكام  الموضوعية للقانون،يغدو معيب،من حيث محله بعيب مخالفة القانون.

     ü            عيب مخالفة القانون

   ويعتبر عيب مخالفة القانون  أهم أوجه إلغاء القرار الإداري وأكترها شيوعا من الناحية العلمية ،لأن رقابة الإختصاص  والشكل تعتبر رقابة خارجية  لا تنصب على مضمون القرار  وفحواه،أما رقابة القاضي لمحل القرار فهي رقابة هدفها التأكد  من احترام الغدارة للقواعد  القانونية الموضوعية ، وهي لصيقة بمحل القرار الإداري ومضمونه.

   إن مخالفة القانون الذي نتصدى له  والذي ذكرته قرارات القاضي  الإداري المتعاقبة يحمل معنى أضيق،بحيث ينصب على محل القانون الإداري ،أي الأثر القانوني الذي يترتب على القرار حالا ومباشرا.

وعيب مخالفة القانون هو الخروج عن الأحكام الموضوعية للقانون سواء بشكل مباشر  أو عن طريق الخطأ في التفسير أو التطبيق.

وقد أفصح المشرع عن ذلك بقوله  في الفقرة قبل الأخيرة من المادة العشرون(20) من قانون المحاكم الإدارية« ويشترط في طلب إلغاء القرارات  الإدارية أن يكون مرجع  الطعن عدم الاختصاص أو عيبا في الشكل  أو مخافة القوانين أو السبب أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة».

ولا تقتصر كلمة القانون الذي تلتزم الغدارة بالخضوع  لأحكامه،على القواعد التي تضعها السلطة التشريعية،وإنما تشمل كل قواعد القانون الوضعي،أيا كان مصدرها وأيا كان شكلها.أي سواء كانت مكتوبة او عرفية.

     ü            صور  مخالفة القانون

     قد تكون مخالفة القانون صريحة عمديه ،كأن يحرم القانون على الإدارة أمرا  فباشره وقد تأخذ المخالفة  صورة الخطأ في تفسير القانون، بحيث تجاوز الغدارة نية المشرع، وقد تتمثل المخالفة في صورة الخطأ في التطبيق

‌أ          المخالفة الصريحة

   وتثبت المخالفة الصريحة للقانون إذا قامت الإدارة بعمل يحرمه القانون،أو أحجمت على إتيان عمل يوجبه القانون ، متجاهلة هذا الأخير كليا أو جزئيا .وبذلك تتمثل تلك المخالفة  في صورة امتناع عمدي عن تنفيذ أحكام القانون.

‌ب      الخطأ في تفسير القانون

وفي هذه الحالة لا تنتهك الإدارة  القانون بشكل صريح  أو مباشر،أي تتجاهل وجود القاعدة القانونية ،وإنما تعترف بوجودها  وتحاول تطبقها ،ولكن تسبغ عليها مدلولا  يختلف عن المعنى المقصود منها.فهناك تفسير للقاعدة القانونية  تتمسك به الإدارة،وتفسير يتمسك به من يطعن بالقرار الإداري.

‌ج       الخطأ في تطبيق القانون

ويتمثل الخطافي تطبيق القانون في حالة ما إذا وضع القانون قيودا معينة على بعض الحقوق أو ضرب شروطا محددة لإمكان استعمالها فتجيء الإدارة  بقيود من عندها  أو تشدد في الشروط القائمة.وبذلك تكون الغدارة قد باشرت  السلطة التي منحها  إياها القانون بالنسب لغير الحالات التي نص عليها أو دون ان تتوافر  الشروط التي حددها  القانون لمباشرتها  كأن يوقع الر الرئيس الإداري عقابا تأديبيا على احد العاملين  دون ان يكون قد اقترف ذنبا يبرر توقيع الجزاء التأديبي ضده.

 

 

    السبب

سبب القرار الإداري هو الحالة الواقعية أو القانونية التي دفعت لاتخاذ القرار.لابد لكل قرار إداري من سبب والسبب هو تلك الوقائع المادية التي تبرر صدوره.[10]

   وسبب القرار الإداري وإن كان يخرج عن إرادة الإدارة ويستقل عنها،إلا انه هو الذي يحركها ويدفعها لاتخاذ قرارها.

   ولا يقصد بالباعث هنا الغاية أو الهدف من إصدار القرار ،بل الأسباب والظروف الواقعية أو القانونية التي تحدت قبل مولد القرار وتدفع إلى إصداره.فسبب القرار سابق عليه،في حين أن غايته لاحقة  لصدوره وتكون من نتائجه،حيث أن القرار الإداري يجب أن يبتغيا دائما  الصالح العام.

    الغاية

    ويعتبر القرار الإداري أحد الوسائل الإدارية  الرئيسية التي يلجأ إليها عمال الإدارة العامة من أجل تحقيق أغراضها.ويجب أن يبتغي هذا القرار دائما  تحقيق الصالح العام على اختلاف أشكاله.وقد يحدد القانون للإدارة هدفا معينا في نطاق المصلحة العامة يجب أن تعمل على  تحقيقه.وهنا لا يطف الغرض-المصلحة العامة-وإنما يتعين عليها أن تولى وجهها شطر الهدف الخاص،فإذا خرجت عنه ولو كان تصرفها  من نطاق المصلحة كلية،إلا أن ذلك التصرف يعتبر انحرافا عن الهدف المخصص للإدارة.

   وقد يرسم المشرع للإدارة إجراءات محددة بغية بلوغ هدف معين،وهنا يتعين على القرار الإداري أن لا يعرض عن تلك الإجراءات ويتقمص سواها.

   وقد تسيء الإدارة استعمال الإجراءات الواجب إتباعها، بأن تحاول استخدام إجراءات أخرى،لا تتضمن ذات  الضمانات  المقررة للأفراد في الإجراءات التي أعرضت  عنها الإدارة  وتعد هذه  الحالة صورة من صورة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف.

    والقرار الإداري عندما يصبو تحقيق المصلحة  العامة أو المصلحة التي  عينها لها المشرع،وسلك الوسيلة التي حددها المشرع إن كان هذا الأخير قد فرض وسيلة معينة،يكون قرارا إداريا سليما في غرضه لا يلحقه عيب الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها.

    ولكن إذا باشرت الإدارة السلطة الممنوحة  لها لتحقيق أغراضه بعيدة عن الصالح العام أو تحقيق غرض غير  الذي قصد المشرع ،فإنها تعتبر قد انحرفت بالسلطة ،وقد يكون الانحراف عن الهدف العام  أو عن الهدف الخاص أو عن كليهما.

لذلك فإن عيب إساءة استعمال السلطة يرتبط بالغاية  التي يصبو القرار الإداري إلى تحقيقها.

ب - أنواع القرارات الإدارية

   ذهب فقهاء القانون العام إلى تقسيم القرارات الإدارية مذاهب شتى حسب الوجهة التي ينظرون منها إلى القرار.حيث قسمها البعض من حيث التكوين إلى قرارات بسيطة وأخرى مركبة،وقسمها البعض الآخر من حيث خضوعها للرقابة  القضائية إلى قرارات غير قابلة للطعن فيها الإلغاء أو التعويض وأخرى تخضع للرقابة القضائية إلغاءا وتعويضا،وذهب آخرون إلى تقسيمها من حيث الإيجابية والسلبية إلى قرارات إدارية إيجابية يتجلى فيها موقف الإدارة  الإيجابي سواء بالمنح أو بالمنع  وقرارات سلبية لا تعلن فيها الإدارة  عن إرادتها الصريحة إزاء موقف معين يتعين  إصدار قرار بشأنه ،وقد اكتفى جانب من الفقه بتقسيم تلك القرارات من حيث العمومية والتجريد إلى قرارات فردية وأخرى لائحية وتنظيمية.

ونظرا لأن جميع القرارات الإدارية الداخلية في التقسيمات  المتقدمة تعتبر واحدة ،مهما تعددت،فقد اقتصرنا على التقسيم الموضوعي لتلك القرارات،حيث تنقسم بالنظر إلى مداها وعموميتها إلى قرارات فردية وأخرى تنظيمية.

Œ    القرارات الفردية

   تصدر القرارات الفردية لمعالجة حالات فردية،فهي تخاطب فردا أو أفرادا معينين بدواتهم. وتختلف القرارات الإدارية التنظيمية عن القرارات الإدارية الفردية ،في أن الأولى تعد من حيث الشكل  أعمالا إدارية لصدورها من السلطة التنفيذية،ولكنها تعتبر من حيث المضمون بمثابة القانون،فهي تضع قواعد عامة بمجرد مثل القوانين الصادرة من البرلمان،لذلك فإن هذه القرارات تعتبر استثناء من مبدأ فصل السلطات الذي جعل مهمة وضع القوانين من اختصاص السلطة التشريعية .وبالتالي فإن هذه القرارات  تنطبق  على كل من تتوافر فيه الشروط الموضوعية الواردة فيها،وبناء عليه،فإنه لا يمكن معرفة من تنطبق  عليهم هذه القرارات عند صدورها،فمجال تطبيقها غير محدد بحالات معينة.

   ويتميز القرار التنفيذي بأنه لا يستفيد بأنه موضوعه بمجرد تطبيقه،بل يظل قابلا للتطبيق في المستقبل،بعكس القرار الفردي الذي ينقضي  مفعوله بمجرد تطبيقه على الحالة التي صدر بشأنها.

   وتكون القرارات الإدارية التنظيمية واجبة الاحترام وملزمة لجميع سلطات الدولة بما فيها تلك التي أصدرتها والتي تملك تعديلها في كل وقت، بيد أن هذا التعديل يجب أن يكون بإجراء عام،أما الخروج على تلك القرارات في التطبيقات الفردية  فهو غير مشرع ،إلا إذا كانت القرارات التنظيمية  ذاتها أو القاعدة التنظيمية بصفة عامة تسمح بذلك وبشرط مراعاة الشروط المقررة في تلك الحالة.

     فالإدارة تلتزم باحترام ما تتضمنه هذه القرارات من قواعد قانونية رغم أنها هي التي وضعت تلك القواعد،ومن تم فهي لا تملك الخروج عليها أو مخالفتها بقرارات إدارية فردية،فإذا أرادت أن تعدل في تلك القرارات أو تلغيها أو تستبدل بها غيرها،فإن ذلك يكون وفقا لمقتضيات الصالح العام.

       فالقرارات التنظيمية تنشئ مراكز قانونية عامة،وهذه المراكز تخضع دائما لقاعدة التعديل والتغيير وفقا لما تمليه اعتبارات الصالح العام ،بحيث يسري عليها القانون أو القرار التنظيمي الجديد،وذلك بخلاف القرارات الفردية التي لا يمكن تعديلها أو تغييرها-متى صدرت سليمة-إلى في الأحوال أو بالشروط التي يقررها القانون.

   وبذلك يتبين أنه إذا كانت الإدارة  تملك أن تعدل أو تغير في القرارات الإدارية التنظيمية وفقا لاعتبارات الصالح العام ،فإنها تملك ذات السلطة في القرارات الإدارية الفردية ، بحيث أن اختصاصها في القرارات الأخيرة يكون مقيدا.

فالقرارات التنظيمية تكون دائما قابلة للتغير  تبعا لتغير الظروف التي صدرت في ظلها،دون أن يكون لأحد التمسك  بوجود حق مكتسب  له في استمرار العمل بها.لأن الحق المكتسب  لا يتكون في ظل قاعدة تنظيمية عامة خاضعة للتغيير في أي وقت،إلا إذا طبقت تطبيقا فرديا على الشخص وأصبح له مركز قانوني ذاتي في ظلها.وذلك حتى تتاح الفرصة للإدارة  في تصحيح مسارات قراراتها التنظيمية،وتلافي ما شابها من عيوب بحيث تغدو متفقة  مع دوام سير المرافق العامة.

   ويترتب على ذلك أن الإدارة لا تستطيع  أن تلغي القرارات الإدارية الفردية السليمة إذ أنشأت حقوقا مكتسبة  للغير بغية استقرار الأوضاع الإدارية.أما بالنسبة للقرارات الإدارية الفردية  المعيبة والتي يفترض صحتها إلى أن يطعن فيها بالإلغاء فإنه يجوز للإدارة  إلغاؤه  خلال المدة المحددة  للطعن فيها بالإلغاء،فإذا لم تستعمل الإدارة حقها  في الإلغاء في تلك المدة ،فإن القرار يتحصن بانتهائها ،ولا يستطيع المعني به الطعن فيه بالإلغاء،وتتقيد بالتالي سلطة الإدارة في إلغائه بضرورة احترام الحقوق المكتسبة أسوة بالقرارات الإدارية الفردية السليمة.

   ويحظر على الغدارة أيضا تطبيقا لقاعدة الحقوق المكتسبة سحب قراراتها الإدارية الفردية  السليمة وعدم المساس بها،وهو ما أدى إلى إعمال مبدأ عدم رجعية  القرارات الإدارية.أما بالنسبة للقرارات الإدارية الفردية المعيبة،فإن الإدارة تستطيع سحبها خلال المدة المقررة  للطعن فيها بالإلغاء،فإن انتهت تلك المدة دون أن تستعمل الإدارة حقها في السحب أو الطعن بالإلغاء،فإن القرار يغدو سليما ،وتسبغ عليه قاعدة الحقوق المكتسبة،فلا تستطيع الإدارة سحبه بغية احترام  المراكز القانونية التي تولدت عنه.

    القرارات التنظيمية

    القرارات التنظيمية هي عبارة عن القواعد العامة المجردة التي تختص  السلطة التنفيذية بإصدارها طبقا لأحكام الدستور وتنطبق على عدد غير محدود من الأفراد الذين تتوافر فيهم الصفات المحددة بها،وعلى شتى الحالات التي تتضمن الشروط الواردة بها،ولا يهم في ذلك عدد من تنطبق عليهم تلك القرارات،حيث أن كثرة آو قلة الحالات لا تغير من طبيعتها،طالما أنها تشمل قواعد عامة وموضوعية،تنطبق على أشخاص معينين بأوصافهم لا بدوا تهم.[11]

وقد تصدر الإدارة هذه القرارات  في الظروف العادية،وقد تصدرها في الأحوال غير العادية.

أولا ،المراسيم التي تصدر في الظروف العادية

‌أ          المراسيم التنفيذية

    وتصدر هذه المراسيم بغية تنفيذ أحكام القانون،تسمى أحيانا بالمراسيم التكميلية،فهي توضع لتنفيذ القرانين الصادرة  من المجلس التشريعي ،وذلك بإيراد الجزئيات والتفصيلات اللازمة لوضعها موضع التطبيق،سواء طريق تيسير تطبيقها وتفسير غموضها أو تفصيل مجملها،أو تحديد الإجراءات اللازمة لإعمال قواعدها العامة.فالمراسيم التنفيذية تهدف إلى تسهيل تطبيق القانون في الأمور الجزئية  والمسائل التفصيلية التي لا يتسع وقت البرلمان  إلى التعرض لها.

وبذلك يمكن القول بأن المراسيم التنفيذية هي بمثابة قواعد عامة  ثانوية جاءت لكي تشد أزر القواعد الأصلية التي أوردها القانون،فإذا كان هذا الأخير يسن القواعد العامة الرئيسية والهامة،فإن المراسيم التنفيذية تضع القواعد العامة التفصيلية الثانوية.وهي منصوص عليها في الفصل  89من الدستور الذي يؤكد على أن «تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين».

‌ب      المراسيم المستقلة

تعد بمثابة التشريع الثانوي الذي تباشره الإدارة في مجال العملية التشريعية حتى أطلق عليها المراسيم المستقلة،فهي بمثابة قواعد عامة لا ترتبط بتنفيذ قانون معين،ويكون الهدف منها حماية النظام الشامل للأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة،حيث تتضمن بعض القيود على ممارسة الأفراد لحقوقهم وحرياتهم الفردية،كالمراسيم الخاصة بالطرق العامة،أو المحلات الخطرة والمقلقة للراحة.

وتنقسم المراسيم المستقلة إلى نوعين:

1.    القرارات التنظيمية الضبطية

    وتصدر هذه القرارات بمعرفة الإدارة دون أن تكون مستندة إلى قانون سابق،بغية الحفاظ على النظام العام الشامل للآمن العام والصحة العامة والسكينة العامة.وهي خاصة بالشرطة الإدارية أو الضبط الإداري.

2.    القرارات التنظيمية للمرافق العامة

  تصدر الغدارة هذه القرارات لكي تنظم بها المرافق العامة، وحالة الموظفين وشؤون وظائفهم ،دون أن تكون مستندة إلى نص تشريعي،أسوة بقرارات الضبط.لذلك فإنها تعتبر المراسيم المستقلة أو القائمة بذاتها،فهي بمثابة تشريع ثانوي تتولاه السلطة التنفيذية.

ثانيا المراسيم التي تصدر في الظروف الاستثنائية

قد تنتاب الدولة ظروف حرجة تتطلب عملا سريعا وحازما لمواجهتها قبل  أن يستفحل  الخطر ويفلت الزمام من يد الدولة،لذلك منحت الإدارة سلطات استثنائية للتصدي لتلك الظروف،تتمثل في نوعين من المراسيم هما:مراسيم الضرورة والمراسيم التفويضية.

    وحق الإدارة في الالتجاء  إلى تلك اللوائح  يكون مقيدا بشروط محددة في الدستور،لأنها عادة ما تمس حقوق المواطنين وتنال من حريتهم،ولكن يقابل هذه القيود  التي ترد على سلطة الإدارة أثناء  قيامها بهذين النوعين من اللوائح،قوة كبير ترتفع بها إلى مصاف القانون الصادر من السلطة التشريعية،وبالتالي تستطيع الإدارة عن طريقهما أن تنال من القانون أو تغير من أحكامه.

     ü            مراسيم الضرورة

    تجد هذه المراسيم سندها في نظرية الضرورة التي تبرر خروج الدولة  على القانون في أحوال الضرورة،حيث أن الدولة هي التي وضعت القانون وهي التي تلتزم بأحكامه في سبيل تحقيق صالحها،ولكن لا خضوع عليها في ذلك  إذا كان تحقيق صالحها يتطلب عدم الخضوع ،فالقانون وسيلة لتحقيق غاية،وهي حفظ الجماعة،فإذا لم يؤد القانون تلك الغاية،فلا خضوع له،وعلى الحكومة أن تطرحه جانبا إذ تعارض مع مصلحة الجماعة.

ومراسيم الضرورة نجدها واضحة في الدستور،التي يعتبرها هي الأخرى استثناء،إذ تمارس من قبل السلطة التنفيذية عوض البرلمان،لكن بشروط معينة ولفترة ضيقة جدا.

     ü            المراسيم التفويضية

  وهي عبارة عن مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية ببناء على تفويض من السلطة التشريعية،في موضوعات يشترط الدستور فيها صدور قانون.

    ورغم أن الدستور الحالي قد حدد نطاق القانون على نحو معين  لا يستطيع أن يتعداه ،إلا أنه قرر إمكان تفويض البرلمان للحكومة في هذا النطاق   المحدد على الوجه الذي صرحت به .لهذا فإن الحكومة تستطيع أن تصدر لوائح تفويضية في المجال المحدد للمشرع العادي،في الوقت الذي لا يستطيع فيه البرلمان أن يتعدى الدائرة الضيقة المحددة له.

    ولا تستطيع الحكومة  أن تصدر مراسيم  تفويضية،إلا إذا طلبت من البرلمان السماح لها بإصدارها ،لتستعين بها في تنفيذ برامجها.فالبرلمان لا يفوض الحكومة من تلقاء نفسه في تنظيم المسائل المختص بها،وإنما يجب أن تطلب منها لحكومة أن يضع قانونا يخولها في ظل فترة محددة  اتخاذ الإجراءات اللازمة بصدد موضوعات معينة تدخل أصلا  في اختصاص المشرع.وبناء على تفويض البرلمان،تستطيع الحكومة أن تنظم  تلك الموضوعات بواسطة قرارات يطلق عليها مراسيم التفويضية،لأنها تكون صادرة  بناء على تفويض من المشرع.

  ويجب أن يحدد البرلمان في قانون التفويض المدة التي تملك الحكومة في ثناياها  أن تصدر الأوامر اللازمة لتنفيذ برامجها،وكذلك المدة التي يجب  أن تعرض على البرلمان قبل انقضائها مشروع القانون الخاص بإصدار تلك الأوامر،وأن يعين موضوعات هذه الأوامر.

    فالدستور يحدد طبيعتها،والشروط التي يجب أن تتم  فيها والشروط التي يجب أن تصبح فيها القرانين عادية:«يصدر القانون عن البرلمان  بالتصويت،وللقانون أن يأذن للحكومة  أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة بمقتضى مراسيم،تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ،ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها،غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها...».

ويبدأ العمل بالأوامر التي تصدرها الحكومة من تاريخ نشرها،وتملك الحكومة عن طريقها تعديل أو إلغاء القوانين المعمول بها،ومتى انقضت المدة التي حددها البرلمان للحكومة لكي تصدر خلالها الأوامر اللازمة لتنفيذ برامجها،فإنه لا يجوز لها  أن تصدر شيئا يتعلق بالموضوعات التي تدخل في نطاق التشريع لأنه بانقضاء هذه المدة،فإنه لا يجوز تعديل تلك الموضوعات أو إلقاؤها إلا بقانون.

   ولكن ذلك لا يعني أن هذه المراسيم تخول الحكومة سلطة ممارسة الوظيفة التشريعية ذاتها،وإنما لا يعدو الأمر أن يكون السماح للحكومة في استخدام سلطتها اللائحية بصفة استثنائية بالشروط وفي الحدود التي يقررها قانون التفويض،لكي تصدر أوامر تتعلق بالموضوعات الداخلية في اختصاص المشرع فهذه الأوامر تظل محتفظة  بطابعها كقرارات إدارية تخضع لرقابة الإلغاء إلى أن يصدق عليها البرلمان.

الفقرة الثانية : نفاذ القرار الإداري وزواله

أ - نفاذ القرار الإداري

    إذ صدر القرار الإداري مستوفيا لأركانه،فإنه يكون نافذا  في حق الإدارة بمجرد صدوره،ولكنه لا يحتج به على أفراد إلا من تاريخ العلم به بإحدى وسائل العلم المعترف بها.

وإذا كان ذلك يقصد على القرارات الإدارية الفورية إلا أنه لا ينطبق على القرارات المعلقة على شرط أو المضافة إلى اجل،حيث لا يحتج بها إلا عند تحقيق أو حلول الأجل.

  ويقصد بتنفيذ القرار الإداري إظهار آثاره إلى حيز التطبيق،ويجئ في مرحلة لاحقة  على النفاذ.ذلك لأن القرار الإداري عندما يعتبر نافذا قانونيا،فإنه يكون قابلا لإحداث آثاره من تاريخ نفاذه.

  ولقد حدد المشرع ميعادا قصيرا،ترفع خلاله دعوى الإلغاء حتى تكوم مقبولة،هو شهران في القانون المغربي.وتقول المادة الرابعة ميعاد رفع الدعوى أمام المحاكم فيما يتعلق بطلبات  الإلغاء ستون يوما من تاريخ  نشر القرار الإداري المطعون فيه.

  والحكمة في جعل هذا الميعاد قصيرا هي توفير عنصر الثبات  والاستقرار للمراكز القانونية التي نشأت للأفراد بناء على أعمال الإدارة.

ويسري ميعاد رفع دعوى الإلغاء ابتداء من تاريخ نشر القرار الإداري محل الطعن أو إعلانه للمعني به.وذلك لأن النشر والإعلان  هما الوسيلتان  اللتان يتحقق بهما قانونا علم الأفراد بالقرارات الإدارية،إضافة إلى وسيلة العلم اليقيني.

وقد استقر القضاء الإداري على أن عبء الإثبات في واقعي النشر والإعلان،يقع على عاتق الغدارة.

ونظرا للصعوبات التي تكتنف كيفية إثبات الإعلان دون النشر،فقد استقر القضاء على قبول كل وسيلة تؤدي إلى حصول  هذا الإعلان،فقد يكون ذلك مستمدا  من توقيع صاحب المصلحة  على أصل القرار أو صورته بالعلم،أو من محضر التبليغ،ويجوز قبول إيصال البريد  إذا ما أرسل التبليغ عن طريق البريد،وأخفق المعني به في إثبات عدم حصوله.

   القضاء يطبق نظرية العلم اليقيني التي تعني حلول العلم الفعلي أو الحقيقي بالقرار محل إعلانه أو نشره، بحيث يقوم مقام الإعلان أو النشر في معرفة بدئ سريان تاريخ رفع الدعوى،فإذا قام الدليل القاطع وفقا لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته على علم المعنى بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا بحيث يكون شاملا لجميع محتويات هذا القرار،بدأ ميعاد الطعن فيه من تاريخ هذا العلم،ولو لم ينشر أو يعلن إلى المعني.

   والقضاء الإداري المغربي اعتنق نظرية العلم اليقيني منذ مدة طويلة.لأنه إذا كانت نصوص القانون قد حددت واقعية النشر والإعلان لبدء الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء،فإن القضاء الإداري لم يلزم حدود النص، فهو لا يرى الإعلان والنشر  إلا قرينتين على وصول القرار المطعون فيه  إلى علم المعني،وأنه إذا كانت قرينة العلم المستفادة من النشر أو الإعلان ليس مما يقبل إثبات العكس،فليس ما يمنع ثبوت العلم بدونهما،فإذا قام الدليل القاطع وفقا لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته على علم المعني بالقرار علما يقينيا،بدأ ميعاد الطعن في القرار من تاريخ هذا العلم.

ب‌-   تنفيذ القرار الإداري

   إذا صدر القرار الإداري صحيحا ممن يملك سلطة إصداره  فإنه يكون قابلا للتنفيذ،فالقرارات الإدارية يفترض فيها الصحة والسلامة بمجرد صدورها إلى أن يثبت العكس،لذلك فإنها تكون واجبة النفاذ ،وعلى الأفراد وضعها موضع التطبيق.حتى إذا ظهر أنها  متعارضة في بعض الأحيان  مع مصالحهم الخاصة.

   فإذا وجد أحدهم أن القرار الإداري قد شابه عيب يبطله،يكون له الحق في التظلم منه إلى الغدارة نفسها عن طريق التظلم الإداري،أو أن يلجأ إلى القضاء الإداري للطعن فيه بالإلغاء.أما إذا لجأ الأفراد إلى القوة في مقاومة القرارات الإدارية وامتنعوا عن تنفيذها،فإنهم يتعرضون للجزاءات الجنائية،فوق ما تملكه الغدارة ذاتها من توقيع  عقوبات إدارية.لان القرارات الإدارية تحوز  قوة الشيء المقرر، ،قياسا على قوة الشيء المقضي به بالنسبة للأحكام القضائية.

    ولا يترتب كقاعدة عامة على رفع دعوى الإلغاء وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه،وهذا ما يقرره القاضي الإداري حينما قضى:

   حيث إن إيقاف تنفيذ قرار إداري يكون بصورة استثنائية وفقا لما هو  منصوص عليه في الفصل 24 من القانون رقم90-41 بشأن أحداث المحاكم الإدارية وأن ذلك يقتضي:

   كون الوسائل المعتمد عليها في الموضوع تكتسي درجة معينة من الجدية.

أن يكون الضرر الناجم عن تنفيذ القرار من الضرر الذي يؤثر في المركز القانوني لطالب إيقاف التنفيذ[12]،فقرارات الإدارة تكون واجبة النفاذ دون حاجة إلى إذن من القاضي بتنفيذها،فهي ذات أثر تنفيذي مباشرة أسوة بالأحكام القضائية النهائية التي يوقف تنفيذها الطعن فيها.وبذلك تستطيع الإدارة أن تلزم الأفراد بإرادتها المنفردة فيما تتخذه من قرارات إدارية رغم الطعن فيها أمام القضاء الإداري.

    فلو كان الطعن في قراراتها أمام القضاء  يوقف تنفيذها،لترتب على ذلك إتاحة  الفرصة أمام الأفراد للإسراف في رفع دعوى الإلغاء لسبب ولغير سبب، ولأدى ذلك إلى تعطيل مصالح الدولة وهيأتها المختلفة.

    لذلك أباح المشرع المغربي في حالات معينة وقف تنفيذ القرار،وجاري القاضي الإداري المشرع في الخروج على القاعدة المتقدمة وقضى بوقف تنفيذ القرار إذا توافرت الشروط الآتية:

أن يطلب المدعي الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري.

أن يكون من شأن تنفيذ القرار الإداري حدوث أضرار يتعذر تداركها.

أن يكون الطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة مبنيا على أسباب جدية.

ج - زوال القرار الإداري انتهاء الآثار القانونية المترتبة عليه.

   وهذا الانتهاء قد يكون بمعرفة  الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو الجهة الرئاسية لها،وقد يكون بمعرفة القضاء عن طريق التجاء  المعني به إلى القضاء بغية إلغاء القرار إذا شابه عيب يبرر ذلك.

   ونظرا لأن الطريق الثاني يدخل في مجال دراسة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة،فلم يبق إلا الطريق الأول وهو نهاية القرار الإداري بمعرفة الإدارة.

وهناك حالات ثلاث ينتهي فيها القرار إداريا:

ü  الحالة الإولى: ينتهي آثار القرار الإداري  بالنسبة للمستقبل فحسب ،وهو ما يسمى بالإلغاء.

ü  الحالة الثانية:تمحى آثار القرار الإداري بالنسبة للماضي والمستقبل وتعتبر كأن لم يكن وهو ما يطلق عليه سحب القرار.

ü  الحالة الثالثة:إنهاء القرار الإداري الفردي السليم بالنسبة للمستقبل  عن طريق صدور قرار إداري آخر،يسمى بالقرار المضاد.وهو عبارة عن قرار إداري يصدر بمقتضى نص قانوني، ويهدف إلى تعديل أو إلغاء قرار إداري فردي سليم ونهائي بالنسبة للمستقبل،فهو بمثابة إجراء إداري يتم بمقتضاه إلغاء أو تعديل قرار سليم من حيث المستقبل ولا ينعطف على الماضي وإلا اصطدام بقاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية.

1)    الإلغاء

   يقصد بالإلغاء إنهاء الآثار القانونية للقرار الإداري بالمسبة للمستقبل وذلك اعتبارا من تاريخ إقدام الإدارة على هذا الإجراء وبهذا تظل الآثار القانونية  للقرار سارية المفعول بالنسبة للفترة السابقة.

وقد يكون الإلغاء شاملا للقرار بأكمله،وقد يكون جزئيا بنصب على بعض آثاره.

ونظرا لان القرارات الإدارية تنقسم بالنظر إلى مداها وعموميتها إلى قرارات فردية وأخرى تنظيمية،لذا فإننا نوضح سلطة الغدارة في إلغاء تلك القرارات بنوعيها.

    أن الإدارة تستطيع في أي وقت أن تلغي قراراتها التنظيمية،لان هذه القرارات تنشئ مراكز قانونية عامة تخضع دائما لقاعدة التعديل والتغيير وفقا لما تمليه اعتبارات الصالح العام .بحيث يسري عليها القرار التنظيمي الجديد، دون أن يكون  لأحد التمسك بوجود حق مكتسب له في استمرار العمل بها،بخلاف القرارات الفردية حيث لا يمكن تعديلها أو إلغائها متى صدرت سليمة،إلا بالشروط التي يقررها القانون،لان سلطة الغدارة إزاء القرارات الإدارية الفردية تكون مقيدة.

فاحترام الحقوق المكتسبة المتولدة من القرار الإداري الفردي يقف عقبة أمام الإدارة في سبيل تعديل أو إلغاء قرارها الإداري المشروع.

وبناء عليه،فإذا أصدرت الإدارة قرارا إداريا فرديا وكان سليما،ولكنه لم يتمخض عن حق مكتسب لأحد الأفراد،فإن الإدارة تستطيع أن تعدل هذا القرار أو تلغيه في أي وقت.

أما إذا كان القرار الإداري الفردي معيبا وقابلا للطعن فيه بالإلغاء فإنه يجوز للغدارة إلغائه خلال المدة المحددة للطعن فيه بالإلغاء،دون التمسك بفكرة الحقوق المكتسبة،لأن هذه الحقوق لا تتولد عن قرارات غير مشروعة،فإذا انتهت مدة الطعن في القرار دون إلغائه  قضائيا أو إداريا،فإنه  يتحصن و يغدو سليما  ولا يستطيع الأفراد الطعن فيه بالإلغاء، وتتقيد سلطة الغدارة في إلغائه بضرورة احترام الحقوق المكتسبة.

2)    السحب

    يقصد بسحب القرار الإداري زوال كافة آثاره سواء في الماضي أو المستقبل،وبذلك يعتبر القرار المسحوب كأن لم يكن من تاريخ إصداره.وهو كذلك إعدام القرار الإداري من طرف مصدره أو من طرف السلطة التي تعلوه،وذلك بمحو آثاره بالنسبة للماضي والمستقبل ، فيصبح كأن لم يكن ويزول بأثر رجعي كليا أو جزئيا ،في إطار الشروط المنظمة لعملية السحب والمتمثلة في عدم شرعية القرار واحترام أجل ستين يوما من صدوره.[13]

   ولا تستطيع الإدارة أن تسحب قرارا إداريا تمحص عنه حقوقا مكتسبة للغير،احتراما لقاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية ،وهذا ما أكدته أحكام المحاكم  الإدارية« انه من الأمور المسلمة أن القرارات الصحيحة  لا يجوز سحبها أو تعديلها» فإذا كانت الإدارة لا تستطيع  أن تلغي قرارا إداريا   سليما ولد حقا للغير، فإنه لا يجوز لها أيضا ان تسحبه.ففي قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد رقم 39 بتاريخ 9/1/2008،الوكيل القضائي للمملكة ضد احمد عراقي،قضى ما يلي:«إن القرار الإداري المشروع والمحصن بمرور اجل 60 يوما  على تاريخ إصداره،لا يمكن للإدارة سحبه ولا التراجع عنه لأنه يكون قد ولد مركزا  قانونيا قارا وحقا مكتسبا  لصاحبه تحت طائلة اعتبار قرار السحب خارجا عن إطار المشروعية».

   غير أنه يجوز –خلافا للأصل العام- الإدارية أن تسحب القرارات  الخاصة بتوقيع الجزاءات على الموظفين، حتى إذا كانت مشروعة،على ألا يؤدي  السحب لا إلى التأثير  فيما يكون قد اكتسب من حقوق،فإذا أصدرت الإدارة قرارا سليما بفصل  موظف  ثم رجعت  لاعتبارات إلى سحب القرار ،فإن تصرفها يغدو سليما ،إلا إذا كانت وظيفة المفصول قد شغلت بآخر،حيث لا تجرأ الإدارة هنا على سحب قرار الفصل لاصطدامه بقاعدة الحقوق المكتسبة،ويترتب على ذلك أن القرارات الإدارية الفردية التي لم    تكتسب الغير حقا أو مركزا ذاتيا يجوز سحبها  حتى إذا كانت  مشروعة ،ويجوز للإدارة أيا ان تسحب  القرارات الإدارية التنظيمية، حتى إذا كانت سليمة لان هذه القرارات لا تنشئ مراكز ذاتية وإنما مراكز عامة،ليس لأحد التمسك بحق مكتسب  في ظلها.

   أما بالنسبة لسحب القرارات  الإدارية الفردية غير المشروعة،فإن الأمر يقتضي أولا التفرقة بين القرارات المنعدمة والقرارات الباطلة بطلانا نسبيا.

    فالقرارات الفردية المعيبة  يجوز للإدارة أن تسحبها خلال المدة المقررة للطعن فيها بالإلغاء، فقد قضى حكم المحكمة  الإدارية بالرباط،عدد9 بتاريخ12-01-1995 بوقشيش محمد ضد وزير الصحة:«من بين شروط  السحب أن يكون القرار داخل  أجل الطعن بالإلغاء»، وهي ستون يوما من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه  أو إعلان صاحب الشأن به.فإذا انتهت مدة الطعن  في القرار دون ان تسحبه الغدارة،فإنه يغدو قرارا سليما  غير معرض للسحب أو الإلغاء،وذلك بدافع الرغبة في حتمية  استقرار الأوضاع الإدارية،أما القرارات غير المعيبة أو المعدومة فقضى حكم للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء:«القرار القاضي بسحب  قرار تمتيع الطاعن بالاستفادة من المغادرة الطوعية دون أن يكون القرار المسحوب معدوما أو صدر نتيجة  غش أو تدليس من المستفيد منه وتحصن بمرور أجل الستين يوما المقيدة للسحب...قرار غير مشروع»[14].

    ولابد من الإشارة كذلك أنه من المبادئ التي كرسها القضاء والفقه هو مبدأ عدم رجعية القرارات  أي عدم المساس بالحقوق  المكتسبة  أو بالمراكز القانونية التي تحققت من قبل  لصالح الأفراد،وتطبيقا لهذا المبدأ يمنع على الإدارة إصدار مقرر بمفعول رجعي أو إصدار  مقرر تسحب بمقتضاه مقررا آخر أنشا حقا لصالح المستفيد منه .وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية في العديد  من قراراتها نذكر منها القرار عدد1009 بتاريخ 29/6/2000،وكذا ما أكدته العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية  نذكر منها حكم المحكمة   الإدارية بمراكش المؤرخ بتاريخ 10/5/2005 تحت عدد 64 جاء فيه :«إن    الطعن في القرار المعدوم غير مقيد بآجال  الطعن المنصوص عليه في قانون المحاكم الإدارية، وأن إعادة ترتيب الموظفة  بعد مرور عدة سنوات  عن صدور القرار القاضي بتعيينها بالسلم الثامن يشكل خرقا لمبدأ عمل رجعية القرارات الإدارية ومبدأ الحقوق المكتسبة» .

  أما القرارات المنعدمة التي لا تتولد عنها مراكز قانونية يجوز للإدارة أن تسحبها في أي وقت مهما طال عليها الأمد.

3)    القرار المضاد

   متى صدر القرار الإداري صحيحا ممن يملك سلطة إصداره فإنه يكون قابلا للتنفيذ بإخراجه إلى حيز العمل  وإظهار حقيقته في الحياة العملية.حيث انه في القرارات الإدارية الصحة والسلامة بمجرد صدورها إلى أن يثبت العكس.

  غير أن هذه الحصانة ليست مطلقة،لان هذا يتنافى مع حسن سير الغدارة وبذلك يكون المقصود  بحصانة القرارات الإدارية الفردية السليمة عدم المساس  بها  إلا عن طريق قرار مضاد يصدر بالإجراءات التي يحددها القانون وفي الحالات التي يقتضيها، فهذا القرار هو بمثابة  قرار إداري يلغي ضمنا قرارا إداريا فرديا مشروعا.على أن ينصب الإلغاء على المستقبل-مع استمرار أثاره التي تولدت في الماضي في ظل القرار الأول سليمة.

فإذا أصدرت الإدارة قرارا إداريا سليما بتعيين أحد الموظفين فإنها لا تستطيع إلغاء هذا القرار متى أرادت ،ولا يجوز للإدارة أن تلغي قرارا إداريا مشروعا  رجعي تطبيقي لقاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية.

أما بالنسبة لإلغاء القرارات الإدارية السليمة بالنسبة للمستقبل ،فإذا كانت الإدارة  تملك أن تعدل أو تغير في القرارات الإدارية التنظيمية وفقا  لاعتبارات الصالح العام فإنها لا تملك ذات السلطة في القرارات الإدارية الفردية.فاللوائح تنشئ مراكز قانونية عامة،تخضع دائما لقاعدة التعديل ،بحيث يسري عليها القانون أو القرار الجديد،بخلاف القرارات الإدارية الفردية  التي لا يمكن تعديلها أو تغييرها متى صدرت  سليمة إلا في الأحوال وبالشروط التي يقررها القانون وهذا هو جوهر  مهمة القرار المضاد.

     فالقرار المضاد هو عبارة عن قرار  إداري ينصب على قرار إداري فردي  سليم فيحدث فيه  تعديلا لبعض بنوده أو تغييرا له بأكمله،ويقتصر أثره بالنسبة للمستقبل .وبذلك يحل القرار المضاد محل القرار السابق من انحصار  أثره سواء في الإلغاء أو التعديل بالنسبة للمستقبل.فالحقوق والمزايا التي كفلها القرار  الإداري  السليم لمصلحة  فرد من الأفراد لا يمكن التطاول  عليها أو النيل منها إلا بقرار مضاد تصدره سواء السلطة التي  أصدرت القرار الأول أو غيرها،وفقا للشروط والإجراءات  التي تنص عليها الأنظمة.

وقد تقتصر مهمة القرار المضاد  على مجرد إعدام القرار الإداري الفردي السليم مستقبلا.سواء كليا أو جزئيا  دون أنتحل آخر  بدلا منه كالقرار الصادر بإلغاء ترخيص ممنوح لأحد الأفراد،وقد يكون الإلغاء مجرد  استبدال القرار الأول  بقرار آخر  بحيث يلغيه كليا أو جزئيا ،فقرار إلغاء الوظيفة للصالح  العام يحوي في طياته قرار تعيين الموظف في تلك الوظيفة.

المطلب الثاني:العقود الإدارية

    تعتبر  العقود الإدارية من قبيل الأعمال القانونية التي تصدر من جانبين ،هما الادارة والمتعاقد معهما،بحيث يتولد عن اتفاقهما  عقود تحدد حقوقهما والتزاماتهما.ولكن ليس كل العقود والتي تكون الإدارة طرفا فيها  تغدو عقودا إداري،وبما تعد كذلك تلك التي تكون مصطبغة بطابع السلطة العامة

لا تخضع عقود الإدارة لنظام قانوني واحد .ولكنها تنقسم إلى :عقود الإدارة التي تخضع لأحكام القانون الخاص.

     ü            عقود الإدارة التي تخضع لأحكام القانون الخاص.

     ü            عقود الإدارة التي تخضع لأحكام القانون العام،وهي التي يطلق عليها اصطلاح العقود الإدارية.

تختلف العقود الإدارية اختلافا جوهريا  عن عقود القانون الخاص التي تبرمها الإدارة،ذلك أن هذا النوع  الأخير من العقود تحكمه قواعد القانون الخاص  ويسري عليه –كقاعدة عامة-ما يسري على العقود  التي يبرمها الأفراد  فيما بينهم.أما العقود الإدارية فتتجلى فيها امتيازات  السلطة العامة والتي لا نظير لها  في علاقات الأفراد  فيما بينهم نظرا لمقتضيات  سير المرافق العامة.كما تقوم هذه العقود على أسس  معينة كما هو الشأن  بالنسبة لسائر نظريات القانون  الإداري،فهي من صنع القضاء الإداري،حقيقة ان المشرع كثيرا ما تدخل ليسن  بعض الأحكام القضائية  في مادة العقود الإدارية   ونظمها بتشريعات مدونة،ولكن الأسس العامة لهذه العقود  ما تزال في مجموعها  قضائية،ومن ثم فإن أحكامها  وأسسها تتطور باستمرار لتستجيب لحاجات المرافق العامة المتجددة.

   فقواعد وأنظمة العقود الإدارية بالمغرب،بالرغم من استقلاليتها وخصائصها ، ففي معظمها تم اقتباسها من الأنظمة الفرنسية ،بمعنى آخر بالرغم من أن معظم الأحكام   تم  تنقيلها غير أن هذا التنقيل  لم يمنع من بناء وتكوين أنظمة قانونية مستقلة.[15]

  تعتبر العقود الإدارية  من قبيل الأعمال القانونية  التي تصدر من جانبين ،هما الإدارة والمتعاقد معها، بحيث يتولد عن اتفاقهما  عقود تحدد حقوقهما والتزاماتهما .[16]

وحين تبرم الإدارة العقد باعتبارها سلطة  عامة تظفر بحقوق  وتتحلى بامتيازات يحرم منها الطرف الآخر وتظهر هذه الامتيازات  في تضمين العقد  شرطا غير مألوفة في العقود المدنية،فضلا عن أن العقد الإداري  تتبع في إبرامه وسائل معينة لا مثيل لها في نطاق التعاقد الخاص.والعقود الإدارية أسوة بالعقود المدنية عبارة عن تقابل إرادتين  على إحداث حقوق وواجبات  متبادلة،لذا فإن أركانها التي يشيد عليها تتفق وأركان العقود المدنية، وإن كان لكل من العقدين نظاما قانونيا مغايرا.

     فالعقود الإدارية تستهدف تحقيق المصلحة العامة، وهذا الهدف يجب أن يسود شروط العقد وعلاقة المتعاقدين  في تطبيقه وتفسيره وإنهائهن لذلك يكون للإدارة دائما الحق في تنفيذ العقد وتغيير شروطه  وفي إنهائه في أي وقت طالما أن المصلحة  العامة تقتضي ذلك.

   علما أن منازعات العقود الإدارية من اختصاص محاكم القضاء الإداري ،وهذه المنازعات بدورها تنقسم إلى منازعات القضاء الشامل ومنازعات قضاء الإلغاء ،فعلى ضوء التنظيم القانوني لعملية العقد الإداري يتم التفريق دائما بين نوعين من القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية في شأن العقود         الإدارية،القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية  أثناء المراحل التمهيدية لإبرام العقد وهي شأنها شأن  أي قرار إداري نهائي  ينطبق عليها الأحكام الخاصة بالقرارات  الإدارية النهائية ،ثم القرارات التي تصدرها الإدارة تنفيذا لبند من بنود العقد واستنادا إلى نص من نصوص ،وهذه القرارات تختص  بها المحاكم الإدارية على أساس اعتبار  هذه المحاكم ذات الولاية الشاملة للنظر في منازعات العقود الإدارية.

الفقرة الاولى :مفهوم العقود الإدارية وأنواعها

1)    مفهوم العقود الادارية :

    ليس كل عقد تبرمه الإدارة عقدا إداريا يخضع لأحكام  وقواعد القانون العام بل يقتصر ذلك على فئة خاصة من عقود الإدارة  وهي التي يطلق عليها اصطلاح العقود الإدارية ،فكيف يمكن  تمييز العقود الإدارية عن عقود الأفراد وعقود الإدارة التي تخضع لأحكام وقواعد القانون الخاص؟

إن العقود الإدارية قد تكون  محددة بالقانون،وتعتبر عقودا إدارية بقوة القانون كون موضوعها يتعلق بمرفق عمومي والقانون هو الذي يحدد طابعها الإداري،وهناك عقود إدارية لم يتدخل المشرع لتحديد طبيعتها ونظامها، ومن تم  فقد اوجد القضاء مجموعة من المبادئ العامة تستعمل كمعايير لتمييزها عن العقود الخاصة.

علما أن المعيار القضائي لتمييز العقود الإدارية بمرحلة توظيف المعيار العضوي الذي ينظر إلى طبيعة  الشخص العام الذي يكون  طرفا فيها،ثم بمرحلة المزاوجة بين المعيارين العضوي والمادي.[17]

‌أ          المعيار التشريعي ،العقد الإداري بقوة القانون

   يرتبط هذا المعيار ارتباطا وثيقا بمفهوم السلطة ،وعملية تحديد العقد الإداري وفق هذا المعيار تكون ناتجة عن إرادة واضحة،إذ بمقتضاها يحدد المشرع  طبيعة العقد الذي تكون الإدارة طرفا فبه مع الإشارة إلى ان وصف العقود التي تهم هذه المجالات  قد يكون  بشكل مباشر عندما تصدر قوانين تحدد طبيعتها،أو بشكل غير مباشر  عندما يسند التشريع مهمة الاختصاص للبت في النزاعات المرتبطة بها إلى هذه الجهة القضائية أو تلك.

ومن العقود التي أعطاها المشرع صفة العقود الإدارية  انطلاقا  من هذا المعيار،عقود الصفات العامة،صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات المنظمة بمقتضى مرسوم 2 المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام الصفقات العامة والمقتضيات المتعلق بمراقبتها وتدابيرها،والقاضي الإداري أكد بدوره هذا المعيار من خلال بعض القرارات والأحكام،وعلى هذا الأساس  قضت الغرفة الإدارية:«الصفقة تعتبر عقدا إداريا  بنص القانون وبالتالي لا حاجة للبحت  عن وجود شروط  غير مألوفة في العقد المتعلق  بالصفقات المبرمة لصالح الإدارة للقول بأن الآمر لا يتعلق بعقد في مجال القانون الخاص»[18] .

وتوضيحا لمفهوم الصفقة وعناصرها ومقوماتها الأساسية قضت الغرفة الإدارية في قرار آخر:«لا جدال فيه  أن الصفقة العمومية إذا كانت فعلا تعتبر عقدا إداريا بنص القانون،فإن ذلك يتوقف  أولا وأخيرا على وجوب  توفير عناصر الصفقة  العمومية،أي أن تقوم الغدارة  المعنية بالآمر بفتح باب المناقصة أو المزايدة ليفوز من يعنيه الأمر بالصفة المذكورة.».[19]

وقضت المحكمة الإدارية بمراكش :«إذا كان الأصل في الصفقات العمومية  أنها عقود إدارية بحكم القانون كلما استجمعت شروطها ،فإنها لا تكون كذلك إذ ما تم إبرامها على ضوء مقتضيات الفصل 51 من مرسوم 14أكتوبر1976 الذي يرخص  للإدارة التعاقد في إطار القانون الخاص دون صفقة مكتوبة بناء على سندات  طلب كلما كانت الأشغال والخدمات لا تتجاوز 100.000.00 درهم».[20]

‌ب      المعيار القضائي :العقد الإداري بطبيعته  القضائية

يشترط في قيام العقد الإداري أن يكون أطرافه أشخاصا معنوية عامة كالدول  والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية،وأن يتعلق بتنظيم واستغلال و تسيير المرفق العام،وأن يتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة في التعاقد العادي،وأن تكون هذه الشروط كلها مجتمعة في العقد لإضفاء الطابع الإداري عليه.

وهكذا،لا يعتبر العقد  إداريا إلا إذا كان أحد أشخاص القانون العام طرفا فيه ،إلا أنه ليس ضروريا أن يكون كل عقد استوفى هذا الشرط إداريا،فقد  تقدم الدولة أو أحد أشخاص القانون العام على إبرام عقد،متبعة في ذلك أساليب القانون  الخاص طالما قدرت  أن هذا الأسلوب أجدى ويحقق الصالح العام أكثر من وسائل القانون العام التي يغلب عليها طابع الجمود والتعقيد.

لقد استقر القضاء الإداري على أن العقد الإداري هو كل اتفاق  يبرم بين طرفين أحدهما أو كلاهما من أشخاص القانون العام.وأن يكون متصلا بنشاط مرفق من حيث سيره أو تنظيمه،وتظهر فيه نية تطبيق أحكام القانون العام،بما يحتوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.بمعنى ومناط العقد الإداري أن تكون الإدارة أحد أطرافه وأن يتصل  بنشاط المرفق العام من حيث تنظيمه وتسييره بغية خدمة أغراضه  وتحقيق احتياجاته ومراعاة لوجه المصلحة العامة وما تقتضيه من تغلبها على مصلحة الأفراد الخاصة،وأن يأخذ العقد بأسلوب القانون وما ينطوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.سواء تضمن العقد هذه الشروط أو كانت مقررة بمقتضى القوانين والمراسيم.

ويتبين من المعيار القضائي لتعريف العقد الإداري،أن معيار تمييزه يكمن في عناصر ثلاثة نسردها تبعا فيما يلي:

أولا:أن يكون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام

     لكي يكون العقد إداريا يجب أن يكون أحد طرفيه شخصا معنويا عاما،أي يجب أن تكون الإدارة(الدولة،الجماعات المحلية،المؤسسات العمومية) طرفا في العقد ،فإذا خلا العقد من ذلك،فإنه لا يكون إداريا،لأن أحكام القانون العام  جاءت لكي تحكم نشاط الإدارة،دون الأنشطة الخاصة.ولكن ليس كل العقود التي تكون الإدارة طرفا فيها تعد عقودا إدارية.مع مراعاة أن التفويض في القيام بمهام المرفق العم المخول من قبل الأشخاص العامة لبعض أشخاص القانون الخاص  يضفي على العقد الصبغة الإدارية بالرغم من أن القائم بها هو شخص معنوي خاص.إذ من المقرر قضاء ا أنه متى ظهر أن تعاقد الفرد أو الهيآت الخاصة كان في الحقيقة  لحساب الشخص المعنوي العام  ومصلحته فإن هذا التعاقد  يكسب صفة العقد الإداري إذا ما توافرت  فيه  العناصر الأخرى  التي يقوم عليها معيار تميز العقد الإداري،وعلى هذا الأساس قضت الغرفة الإدارية[21] :«العقود التي تبرمها الشركات المكلفة بتسيير المرفق العمومي  والتي تتضمن شروطا وجزاءات غير مألوفة  في عقود القانون الخاص والتي تكشف عن عدم التكافؤ في الإلتزامات تعتبر عقودا إدارية  تختص بالنظر فيها المحاكم  الإدارية». وقضى في قرار آخر :«يعتبر العقد إداريا ،إذا كانت الصفقة المتنازع حول طبيعتها القانونية قد أبرمت من أجل إيصال الماء الشروب في إطار مرفق عام،وفي نطاق المرسوم  المتعلق بصفات الأشغال  المبرمة لحساب الدولة ولو كانت طرفاها أشخاص القانون الخاص،مادامت الشركة صاحبة المشروع في مركز المفوض له من قبل السلطات العامة المختصة لأجل  التخفيف من الكثافة السكانية لمدينة فا س»[22].

كما أن وجود الإدارة طرفا في العقد  ليس كافيا لتحويله إلى عقد  إداري إذا لم يتوفر فيه الشرطان الآخران.وعلى هذا الأساس قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها:«وحيث إن أساس إسناد الاختصاص  للقضاء الإداري في منازعات  العقود الإدارية،ومن بينها الصفقات العمومية  هو وجود شخص معنوي عام  كطرف أساسي فيها ثم أن يكون هدفها هو خدمة  مرفق عمومي أو أن تتضمن  شروطا غير مألوفة  في القانون الخاص،وهما الشرطان اللذان أكدهما  المجلس الأعلى  في القرار رقم 1127 بتاريخ 11-10-2001 في الملف الإداري عدد 1366،4-1-2001، غير أنه إن اختلا فقد العقد  صبغته الإدارية وتحول إلى عقد عادي مدني أو تجاري بحسب موضوعه، ما لم يكن التعاقد قد تم لفائدة الشخص المعنوي العام.

وحيث إنه في نازلة الحال ،فبالرجوع إلى وثائق الملف  وكما هو واضح أيضا من المقال الافتتاحي فإن المدعى عليها شركة مجهولة الاسم، وبالتالي لا يمكن تصنيفها  ضمن الأشخاص  المعنوية العامة، كما لا يوجد من بين وثائق  الملف  ما يفيد أن بناء الفندق كان لحساب أحد الأشخاص المعنوية العامة،الشئ الذي يجعل العقد فاقدا لشرط وجود  شخص معنوي  عام طرف فيه وهو الشرط الذي في غيابه لا مجال لبحث باقي أحدي شروط العقد الإداري، وبالتالي يجعله فاقدا لصبغته الإدارية التي هي مناط اختصاص القضاء الإداري.

وحيث إنه من جهة ثانية فلجوء الشركات الخاصة إلى بعض المقتضيات المضمنة في مرسوم الصفقات العمومية من أجل إنجاز عملياتها  التجارية لا يضفي على تلك العمليات الصبغة الإدارية»[23] .

ثانيا:اتصال العقد بنشاط مرفق عام

تعد الصلة بين العقد والمرفق العام عنصرا جوهريا  في تعريف العقد الإداري، فضلا عن أنها ترتب آثارا هامة في أحكام تنفيذ هذا العقد فإذا كان العقد الإداري أحد وسائل غدارة المرفق العم فيجب أن تدمغ مبادئ تنفيذه بمبادئ  سير المرفق العام الذي أبرم من أجله.

  ويلاحظ ان درجة اتصالا لعقود الإدارية بنشاط المرفق العام لم تكن واحدة في شتى العقود، وإنما تتفاوت حسب نوع العقد، وحسب ما إذا كان المتعاقد يساهم في إدارة المرفق العام   بطريقة مباشرة أو لأخرى غير مباشرة .فطالما أن العقود الإدارية تؤسس على أحكام استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، فيجب أن يكون لذلك مبرراته ،بأن تكون هذه العقود  ذات صلة بالمرفق العام ، وبذلك تتميز العقود الخاصة بسمة   معينة منا طها احتياجات المرفق  العام الذي يستهدف العقد الإداري تسييره  وتغليب وجه المصلحة  العامة على الصالح الخاص.

 لا يعتبر العقد الذي تكون الإدارة طرفا فيه  إداريا  إلا إذا اتصل بنشاط مرفق عام  سواء كان هذا المرفق إداريا أو اقتصاديا  أو اجتماعيا. ومهما تعددت صورة الإتصال  بالمرفق العام  سواء من حيث تنظيمه  أو إدارته  أو استغلاله أو المساهمة في إدارته  ومشاكل ذلك من صورة الاتصال  في مجال الحياة العملية. وعلى هذا الأساس قضت المحكمة بالرباط ». وحيث ينبغي التسليم  بداية بأن العقد الإداري هو ذلك العقد الذي  يكون أحد طرفيه على الأقل، شخصا معنويا عاما ويكون الهدف  منه ضمان   تنفيذ مرفق عمومه أو تسييره، وأنه من أجل تقرير الصبغة الإدارية  للعقد المبرم من طرف شخص  معنوي  عام في غير حالة العقود الإدارية المسماة،فقد أجمع الفقه والقضاء على استعمال معيار المرفق العام في العقد المذكور،وهو المعيار الذي يتم البحت عنه في مضمون محله   والذي ينبغي  أن يجسد  تلك الحاجة  العامة التي يكون إشباعها   داخلا ضمن إحدى المهام  المسندة للشخص المعنوي العام المتعاقد أو تكون لازمة لأداء المرفق لمهامه بصفة كاملة.

 وحيث إنه بالرجوع إلى كل من الفصل الثاني من الظهير الشريف الصادر  بتاريخ 9غشت 1963،  المتعلق بإحداث المكتب الوطني للسكك الحديدية ،وكذا الفصول 6و8و10و11 من دفتر التحملات  المصادق عليه  بموجب المرسوم  الملكي بتاريخ  25  أبريل  1967 يتبين من بين  المهام الموكولة للمكتب الوطني للسكك الحديدية باعتباره  مؤسسة عمومية هو إنشاء وصيانة  خطوط السكك الحديدية  واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة   لضمان سلامة استغلالها  وعدم التسبب في عرقلة السير.

 وحيث إن الإجراءات المتعلقة ببناء الحائط أو إعادة   بنائه  حول خطوط السكك الحديدية  التي تخترق التجمعات البشرية  وإن كان من بين أهدافها  وقاية المواطنين  من التعرض لحوادث السير  في التجمعات المذكورة ، فإن من بين أهدافها أيضا   ضمان سلامة استغلال تلك الخطوط  وعدم التسبب في عرقلة السير  وهي من بين المهام  المسندة  بالنصوص المشار إليها أعلاه إلى المكتب الوطني للسكك الحديدية ،ذلك أنه ومع انه ومع التسليم يكون إنجاز الأشغال المذكورة  إنما كان لفائدة  حماية المواطنين ، فإنها سواء بصفتها  تلك او باعتبارها من الأعمال اللازمة لأداء الخدمة التي أنشئ من اجلها المكتب المدعى عليه، فإنها أعمال غير منفصلة عن  تنفيذ المرفق العمومي وأدائه بصفة كاملة، ومن تم يكون العقد الآمر بها  عقدا إداريا وتكون المنازعة الناشئة عنه من اختصاص المحاكم الإدارية طبقا لمقتضيات المادة الثامنة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.[24]

كما قضت المحكمة الإدارية بمراكش في حكم لها:«تعد عقود إدارية تلك التي تبرمها وزارة الأوقاف في إطار المرفق  الذي تضطلع بتسييره وتنظم في إطاره رحلات  الحج للمواطنين المغاربة [25]»  في مقابل غياب ارتباط العقد بالمرفق العام  واحتياجاته قضت  الغرفة  الإدارية بالمجلس الأعلى:« إن العقد الذي أبرم بين المكتب الوطني للسكك الحديدية  وبين شركة لبناء مرا ئب داخل المجموعة السكنية لموظفي المكتب المذكور ليس عقدا إداريا  لأنه لا يتعلق بتنفيذ إحدى المهام التي أسس من أجلها المرفق[26]».

ثالثا :احتواء العقد على شروط استثنائية

    إن الإدارة  في سبيل تسيير  مرافقها  العامة تقوم بإبرام عقود لا تختلف  عن تلك التي يبرمها الأفراد فيما بينهم، حيث تتبع إزاء تلك العقود   وسائل القانون الخاص أسوة بالأفراد، كما أنها قد تبرم  عقودا مغايرة  للعقود التي يكونها الأفراد، فتلجأ إلى تضمينها  أساليب القانون العام ، وذلك باحتوائها على شروط استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص ولا نظير لها في علائق الأفراد بعضهم ببعض.

فالإدارة إذ تقوم بإبرام نوعين من العقود،  وتتبع في تكوينهما وسائل مغايرة .بيد انه لا يقصد بالعقود الإدارية تلك التي تكون  الإدارة طرفا فيها، وإنما يقصد بها العقود التي تحتوي  على شروط استثنائية غير مألوفة  في القانون الخاص.

يقصد بالشروط الاستثنائية ،تلك الشروط الغريبة بحكم طبيعتها  في علاقات الأفراد،لأنها تؤدي  إلى عدم  المساواة  بين المتعاقدين  فأعطي للشخص العام وضعا متميزا في مواجهة التعاقد معها.

والشروط التي يتضمنها العقد نفسه ، أو قد  تنص عليها  دفاتر التحملات والشروط المحال عليها في العقد،أو ان تكون  مقررة  بمقتضى القوانين ، أو آن يستفاد من طبيعة المرفق العام، أي أنها لا يشترط آن تكون رضاءية.

   علما أن الشروط المتعلقة  بنظريات القانون الإداري،كنظرية الظروف الطارئة او تلك المتعلقة بالحق  في إعادة  التوازن المالي، والمتعلقة بأثر العقد  بالنسبة للغير ،تعتبر شروطا استثنائية غير مألوفة .وعى هذا الأساس  قضت الغرفة الإدارية  في حكم لها :« حيث يتضح في تصفح العقد  أن الفصل الرابع ينص على بعض المقتضيات غير المألوفة في العقود العادية ذلك أن الفصل المذكور يخول مدير الصندوق الوطني للقرض الفلاحي  الحق في التعاقد المبرم  مع المستأنف وإرجاعه إلى إدارته الأصلية دون تحمل آي تعويض ،وحيث إنه من الواضح  أن الإدارة قد سلكت  وسائل القانون العام في تعاملها مع المتعاقد معها لان الشرط المشار إليه ليس من نفس الشروط والمقتضيات التي توجد عادة في عقود  القانون الخاص»[27] .

   وعلى هذا الأساس  كذلك قضت المحكمة الإدارية بالرباط:«وحيث إنه ما دام العقد الرابط بين وزارة التجهيز  ونادي الأشغال  العمومية هو عقد إداري كما سبق بيانه أعلاه  ونص في بنده الثالث   على أن كل الحقوق  التي يستفيد منها النادي  مرهون بضرورة الحفاظ  على النظام العام  واستغلال مركز استقبال    والندوات فيما أعده له،كما نص على أن الغدارة تحتفظ  بحقها في مطالبة النادي  باتخاذ كافة الترتيبات المفيدة لتسهيل مرور التظاهرات ... فغنه يبقى للغدارة-وزارة التجهيز-حق التدخل في الخلاف او النزاع  الذي قد يقع بين النادي والمتعاقد معه حفاظا  على السير  العادي للنادي  وتحقيق الأهداف المتوخاة  من إنشائه ،وهذا في حد ذاته   يضفي على العقد الرابط بين المسير  والنادي صبغة العقد الإداري،وبالتالي يبقى القضاء الإداري هو المختص في النزاعات  الناشئة عن تنفيذ البندين معا»[28].

 وتضمين العقد شروطا استثنائية غير مألوفة،يعتبر ذليلا على اتجاه نية الغدارة بالأخذ بأسلوب القانون العام، واتجاهها إلى إضفاء طابع السلطة العامة في العقد. ومن تم  رغبتها في خضوع هذا العقد للقانون الإداري وللقضاء الإداري بمعنى ،يعتبر هذا الشرط أساسيا في تبيان العقد الإداري،لآن الشروط الاستثنائية  التي لم يألفها  الأفراد  تؤدي إلى منح أطراف التعاقد امتيازات أو تحملهم بالتزامات تغاير في طبيعتها بنود العقد الخاضعة لأحكام القانون الخاص.

     وقد استقر القضاء الإداري على أن المعيار المميز  للعقد الإداري  يكمن في تضمين هذا العقد أسلوب  القانون العام وما ينطوي عليه  من شروط استثنائية  غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، سواء ضمن العقد تلك  الشروط  أو كانت مقررة بمقتضى القوانين .وهو ما قررته الغرفة الإدارية ،«وحيث أنه إدا كان شرط المؤسسة  العمومية  قائما بالنسبة للطرفين  وإدارة المرفق العام وتوفر عناصر  المنفعة العامة ماثلة،فإن الأمر يتعلق على شرط أساسي  آخر لا يمكن إغفاله وهو أن تكون هناك شروط غير مألوفة تخوى أحد الطرفين اللجوء إلى جزاء معين  في حالة إخلال الطرف أللآخر  بالتزاماته التعاقدية[29]»مجمل القول،لا يكفي لقيام العقد الإداري أن تكون الإدارة طرفا فيه،وأن يتصل بنشاط مرفق عام ،بل يجب أن تستخدم الإدارة أسلوب القانون العام بما يتضمنه من وسائل استثنائية في نطاق القانون الخاص.

    فعلاقة العقد بالمرفق العام  إذا كانت ضرورية لكي يعتبر العقد إداريا فإنها ليست كافية  لمنحه تلك الصفة اعتبارا بان قواعد القانون العام   ليست ذات علاقة حتمية بفكرة  المرفق العام ،إذ أنه مع اتصال  العقد بالمرفق  العم، فإن الإدارة قد لا تلجأ في إبرامه إلى أسلوب القانون العام  لما تراه من مصلحته في العدول عن ذلك إلى أسلوب القانون الخاص ،فتتبع في شأنه ما يتبعه الأفراد  في تصرفاتهم الخاصة، ومن ثم فإن المعيار المميز للعقود  الإدارية عما عداها عقود القانون الخاص  التي تبرمها الإدارة ليس هو صفة  المتعاقد بل موضوع العقد ذاته متى اتصل  بالمرفق العام على أي شكل من الأشكال.

لقد استقر القضاء الإداري المغربي في أحكامه  إلى المعيار الثلاثي  في تمييز العقد الإداري حيث أكدت :إن العقد يعتبر إداريا إذا كان أحد طرفيه شخصا معنويا عاما ومتصلا بمرفق عام  ومتضمنا شروطا غير مألوفة  في نطاق القانون الخاص، فإذا تضمن عقد هذه الشروط الثلاثة مجتمعة  كان عقدا إداريا يختص به القضاء  الإداري»[30].

    لا يعتبر العقد إداريا إلا إذا  كانت الدولة او احد أشخاص القانون العام طرفا فيه، إلا انه ليس ضروريا أن يكون كل عقد استوفى هذا الشرط إداريا،فقد تقدم الدولة آو احد أشخاص  القانون العام على إبرام عقد،متبعة في ذلك أساليب القانون  الخاص طالما قدرت أن هذا الأسلوب  أجدي ويحقق الصالح العام أكثر  من وسائل القانون العام التي يغلب عليها طابع الجمود والتعقيد.

وقد استقر الفقه والقضاء الإداريان على أن العقد إداري هو كل اتفاق يبرم  بين طرفين أحدهما او كلاهما من أشخاص القانون العام.وان يكون متصلا بنشاط مرفق  عام من حيث سيره أو تنظيمه،وتظهر فيه نية تطبيق مبادئ القانون العام،وان يكون متصلا بنشاط مرفق عام من حيث سيره او تنظيمه،وتظهر فيه نية تطبيق مبادئ القانون العام، بما يحتوي عليه من شروط استثنائية  غير مألوفة في القانون الخاص.

2)    أنواع العقود الإدارية

  من اجل إصباغ الطبيعة الإدارية على العقود المبرمة من طرف الأشخاص العامة، درج الفقه والقضاء على التمييز بين نوعين منها:

‌أ          العقود الإدارية بقوة القانون:وهي تلك العقود التي ينص القانون صراحة على أنها عقودا إدارية ويضع لكل منها نضاما قانونيا  خاصا  وهي ما يطلق  عليها العقود الإدارية المسماة بمعنى،العقود التي أصبغ عليها المشرع وصف  الإدارة وسماها ،كصفقات الأشغال والتوريدات  والخدمات التي تم تنظيمها بمقتضى مرسوم 30دجنبر 1998 المعدل بمرسوم 5فبراير  2007 المتعلق بتحديد شروط وأشكال  إبرام الصفقات العامة والمقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها.

‌ب     العقود الإدارية بطبيعتها :وهي العقود التي لا تدخل  ضمن الطائفة السابقة،ومع ذلك فإن الإجهاد القضائي  متعمد على التسليم بصبغته الإدارية ،كلما كان أحد أطرافها شخصا   عاما وكانت تهدف إلى إشباع حاجة عامة.وتتضمن شروط غير مألوفة في القانون الخاص .أو بمعنى آخر هي تلك العقود التي لا يرد بشأنها  نص قانوني صريح يقضي باعتبارها  عقودا قانونية،وإنما البحت في طبيعتها يثبت توفر كافة شروط العقد الإداري فيها ،مما يحتم اعتبارها عقودا إدارية بطبيعتها،ويطلق عليها بعض الفقهاء العقود الإدارية بتحديد القضاء.

يمكن تقسيم العقود الإدارية على النمط المعروف  في القانون الخاص :فمنها ما يرتب التزامات  في جانب كل  من الطرفين المتعاقدين.

وهذا هو الأصل في العقود الإدارية ،كما هو الشأن في عقود القانون الخاص.ومنها ما يرتب التزامات في جانب كل من الطرفين المتعاقدين.

وهذا هو الأصل في العقود الإدارية ،كما هو الشأن في عقود القانون الخاص .ومنها ما يرتب التزامات  في جانب واحد.

Œ    عقد امتياز

الامتياز أو ما يعبر عنه بالالتزام  يشكل أسلوبا بواسطته يكلف الشخص  المعنوي العام أحد الأشخاص من القانون الخاص فردا آو شركة لإدارة  المرفق العام واستغلاله لمدة محددة في نطاق عرض يبرم بينه وبين  الملتزم الذي يستعمل أمواله  وعماله لإدارة المرفق تحت مسؤوليته [31] وعلى هذا الأساس يمكن تعريف عقد الامتياز  بأنه عقد إداري يتولى الملتزم –فردا كان او شركة-بمقتضاه وعلى مسؤوليته ،إدارة مرفق عام اقتصادي  واستغلاله مقابل رسوم يتقاضاها من المنتفعين،مع خضوعه للقواعد  الأساسية الضابطة لسير المرافق العامة.

‌أ          طبيعة عقد الإمتياز

ويمتاز عقد التزام المرافق العامة بأنه يحتوي  على نوعين من الشروط:

شروط تعاقدية  تحكمها قاعدة أن العقد  شريعة المتعاقدين ، وهي شروط لا تمتد إلى كيفية أداء الخدمة للمنتفعين والتي يمكن الاستغناء عنها لو أن الإدارة تولت استغلال المرفق بنفسها.وشروط تنظيمية تملك الإدارة تعديلها في كل وقت وفقا لحاجة المرفق العام.

  وهذا هو التكييف السائد حاليا ،والذي قال به القاضي الإداري[32] هو يعني أن الإمتياز عقد من بعض الوجوه، وتنظيم لمرفق عام من وجه آخر،وبذلك فله طبيعة عقدية،وطبيعة تنظيمية ،وهذه الطبيعة المختلطة أو المزدوجة  تجعل الإمتياز يشتمل على نوعين من الشروط:

شروط عقدية، و شروط تنظيمية ،فبما أن موضوع الامتياز يتعلق بموضع عام ، فإن القواعد والشروط المتعلقة  بتنظيم المرفق  وسيره ونشاطه،يعود الاختصاص فيها إلى الإدارة ،المسؤولية عن المرافق العامة،وذلك لأن الشروط التنظيمية تستطيع الإدارة  بمفردها تعديلها أو تغييرها  وفقا لمقتضيات المصلحة العامة  ومن دون  حاجة لموافقة الملتزم(صاحب الامتياز )شأنها في ذلك شأن القواعد والشروط في المرافق العامة التي تدار مباشرة  من قبل الإدارة العامة ، مع هذا الفراق وهو وجوب تعويض  الملتزم إذا أدى  هذا التعديل  أو التغيير إلى الإخلال بالتوازن المالي للعقد.

   أما الشروط العقدية فيكون الملتزم  بالنسبة لها  في وضع قانوني ذاتي  وهي الشروط التي يتضمنها العقد  وتتعلق بالمنافع المالية للمتعاقد (الملتزم) كمدة الالتزام ، والمزايا المالية الأخرى من إعانات سنوية ،أو ضمان لحد أدنى من الربح،أو التوازن المالي للعقد،فكل هذه الشروط العقدية الأصل فيها،عدم جواز تعديلها أو تغييرها من قبل الإدارة العامة بمفردها ،وإن تعلقت بعقد إداري.

هذا يمكن التمييز بين النصوص العقدية والنصوص التنظيمية في عقد الامتياز على أساس أن النصوص التعاقدية  هي تلك النصوص التي لا حاجة  لوجودها فيما لو استغل المرفق العام من قبل الإدارة  مباشرة،وعلى العكس فالنصوص التنظيمية  هي تلك النصوص التي تبقى الحاجة  فيما لو استغل  المرفق العام  من قبل الإدارة مباشرة ،ومثال النصوص التنظيمية النصوص المتعلقة  باستغلال المرفق العام ، وبالتعريفة وبأوضاع العمال.

بينما النصوص المتعلقة بالمدة ،أو بضمان  حد أدنى من الربح أو الإعانة المالية،لا يمكن تصور وجودها في المرافق العامة المدارة مباشرة ،ولهذا فهي شروط عقدية.

ب تكوين عقد الامتياز

 الإمتياز  كعقد إداري يخضع للأحكام العامة التي تحكم  تكوين العقود الإدارية، والتي تتم بعدة أعمال  قانونية يشترك في القيام بها عدد من أعضاء  السلطة الإدارية وهذه الأعمال هي الإذن بالتعاقد ،ثم إبرام العقد ،وأخيرا التصديق على التعاقد. وإبرام العقد يدخل في اختصاص الرئيس  في السلطة المركزية ( الوزير بالنسبة لوزارته)،أما التصديق فيعود للسلطة الوصاية المركزية بالنسبة لعقود السلطات اللا مركزية،وللسلطة الرئاسية بالنسبة لعقود أعضاء السلطة المركزية وذلك حسبما تحدده القوانين .

لذلك فإن إبرام  عقد الامتياز،أي إقرار شروطه  والتوقيع عليه لا يجعله نهائيا ،فالإدارة لا تعتبر ملزمة  إلا بعد  التصديق على العقد،على أنه إن تم التصديق،اعتبر العقد موجودا من تاريخ إبرامه  لا من تاريخ التصديق عليه،إما إذا امتنعت السلطة عن التصديق،فيعتبر العقد وكأنه لم يكن.

أما اختيار المتعاقد في العقود الإدارية ،فالقاعدة ان الإدارة ليست حرة فيه،وإنما عليها إتباع طرق معينة أهمها وأكثرها تطبيقا(طريقة المناقصات)،وطريقة التعاقد بدون مناقصة،ولكن بالنسبة لعقد الامتياز  فالتشريعات عادة لا تلزم الإدارة  بإتباع إجراءات المناقصة لاختيار الملتزم،لأن الاعتبار الأول في الامتياز  يرتبط بالمؤهلات الفنية،والإمكانيات المالية للملتزم،وبالنظر لضخامة المشروعات  التي تعطي بهذه الطريقة عادة،ولقلة من تتوافر  فيهم هذه الشروط،لا تتحقق المنافسة الصحيحة (والتي هي الغاية  من إجراءات المناقصة)،بالإضافة إلى أن الملتزم لا يريد الحصول من الإدارة على ثمن أو سعر معين كالمقاول لأول المورد مثلا،وإنما يتقاضى ذلك  من المنتفعين.

ويشمل عقد امتياز والذي يجب  أن يأخذ شكلا كتابيا ،على العناصر الآتية :

1       قائمة الشروط أو دفتر الأعباء:وتعد الإدارة هذه القائمة قبل التعاقد وبالاستفادة  من القوائم النموذجية الموجودة  لمختلف أنواع المشروعات ، وهكذا تضع  بدقة قواعد استغلال المرفق العام وحقوق والتزامات كل من الطرفين ،وعلى المتعاقد ان يحدد موقفه  من هذه الشروط بقبولها أو رفضها.

2       الاتفاق:وهو أداة الامتياز وله طبيعة مزدوجة عقدية ،وتنظيمية.

3       لابد أن يشتمل العقد على الشروط والإجراءات التنفيذية لتطبيقه.

    عقد التدبير المفوض

   لتدبير المفوض هو ترجمة للعبارة الفرنسية gestion déléguée وهو في مفهومه القانوني الواسع يعني قيام إحدى الهيآت العامة بإسناد تسيير أحد مرافقها إلى الغير.وعقد التدبير المفوض هو عقد إداري تعهد بمقتضاه السلطة العامة المفوضة لمفوض له داخل المجال المحدد في نطاق التفويض باستغلال وتدبير المرفق العام لمدة محددة تنتهي بانتهاء مدة العقد مع إمكانية تجديد مدته.

‌أ          الطبيعة القانونية لعقد التدبير

قبل إصدار قانون التدبير  المفوض رقم 05-45 لم يكن أي تعريف للتدبير المفوض من قبل المشرع المغربي[33]،غير أن هناك محاولات  لمجموعة من أساتذة القانون الإداري لتحديد مدلول هذا العقد.

 عرفه الأستاذ أحمد بوعشيق:عقد إداري تعهد السلطة الفوظة للمفوض له داخل  المجال الترابي المحدد في مدار التفويض  باستغلاله وتدبير المرفق العام الصناعي والتجاري المحلي لمدة نحدده تنتهي بانقضاء مدة العقد.[34]

 عرفه الأستاذ اليعقوبي محمد:كل تدبير لمرفق عام  بواسطة شخص معنوي ،وتستثني الجماعات العمومية،والمؤسسات العمومية المنظمة للمرفق،وغالبا ما يوكل تفويض تدبير المرافق العامة للخواص.

 اعتبر الأستاذ عبد الله حداد:بأنه طريقة جديدة من بين الطرق  المعتمدة لتسيير المرافق العامة،تتشابه مع عقد الإمتياز ،وتختلف عنه لأن المدة الزمنية لعقد الإمتياز  تكون أطول ،كما ان الملتزم يتعهد بتوفير  الأموال  والمستخدمين بينما في التدبير المفوض تبقى التجهيزات  في ملكية الإدارة كما يحتفظ المفوض له  بالمستخدمين مع مراعاة حقوقهم.[35]

نفس التوجه للأستاذ عبد السلام البقالي الذي اعتبر أن التدبير  المفوض يجد أصوله في أسلوب OUTA الامتياز،لكن يختلف عن هذا الأخير يعسر الإصلاح الضمني له لخصوصيات معينة ذكرها.[36]

انطلاقا من هذه التعريفات يمكن تعريف عقد تدبير  المرفق العام من خلال مميزاته باعتباره أسلوب جديد  لخصوصه المرافق العامة،وبمعنى آخر هو أسلوب جيد  لتدبير المرافق العامة عن طريق تفويتها للخواص.[37]

مميزات عقد التدبير المفوض

 التدبير المفوض عقد إداري تعهد بمقتضاه السلطة العامة المفوضة لمفوض له داخل المجال الترابي  المحدد في مدار التفويض  باستغلال وتدبير  المرفق العام لمدة  محددة تنتهي بانتهاء مدة العقد مع إمكانية تجديد مدته.

يتميز عقد« التسيير المفوض»  بمجموعة من الخصوصيات نذكر منها :

إن  عقد التدبير المفوض عقد إداري يشمل  ثلاثة عناصر  أساسية اتفاق ،دفتر التحملات والملاحق.

1       طريقة إبرام العقد :إذا كان عقد الامتياز  يتم إبرامه بحرية دون  اللجوء إلى مسطرة الإشهار  والإعلان عن المنافسة،فإن إبرام عقد« التسيير المنتدب» يتم بطرق متعددة :فهو إما يتم بحرية  عن طريق الاتفاق المباشر أو يتم عن طريق الإنفاق المباشر، أو يتم عن طريق المباراة أو عن طريق  العروض حسب الأشكال ،ووفقا للمقتضيات التشريعية  والتنظيمية الجاري بها العمل  في مجال الصفقات العمومية والمنظم بمقتضى قانون رقم 05-54.

   ومن جهة أخرى ،فإن مرسوم 30دجنبر  1998 والمعدل بمرسوم 5 فبراير 2007 حول الصفقات العمومية  للدولة يستثني  في فصله الثاني   عقود الامتياز من تطبيق مقتضياته ،وبالتالي فإن عقد «التسيير المفوض»  ومادام يخضع للقواعد السارية المفعول في مجال الصفقات  العمومية،فإنه بذلك يختلف  عن عقود الامتياز  فيما يتعلق بعملية الإبرام.

2       مدة العقد :مدة عقد الإمتياز  تتراوح بين 30و99 سنة ،في حين أن مدة عقد« التسيير المفوض»  منصوص عليها في قانون  التدبير المفوض،إذ نصت المادة 13 على أن تكون مدة كل عقد تدبير مفوض محددة، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار  في المدة طبيعة الأعمال المطلوبة...».

3       شكل الرقابة:إذا كانت عقود الامتياز ،تخضع من حيث الرقابة  لظهير 14 أبريل1960 المتعلق بالرقابة المالية للدولة على المؤسسات العمومية  والشركات ذات الامتياز ،والمنظمات المستفيدة من الدعم المالي العمومي،فإن عقود« التسيير المفوض» تخضع بالإضافة إلى هذه الرقابة ،لرقابة لجينة الضبط أو لآليات الافتحاص الخارجي  والتدقيق بمبادرة من وزير الداخلية،والوزير المكلف بالمالية.

 

 

Ž    عقد الأشغال العامة

 يمكن تعريف عقد الأشغال العامة بأنه عبارة عن اتفاق  بين الإدارة وأحد الأفراد أو الشركات بقصد القيام ببناء أو ترميم أو صيانة عقارات لحساب شخص معنوي عام،وبقصد تحقيق منفعة عامة ، في نظير المقابل المتفق عليه ، ووفقا للشروط الواردة بالعقد.

‌أ          تعريف عقد الأشغال العامة

المقصود بالأشغال وفق المادة الأولى من مقرر الوزير الأول الصادر بتاريخ  12 يوليوز 1999 بشأن تطبيق المادة 72 من مرسوم 30 دجنبر 1998 والمعدل بمرسوم 5 فبراير 2007 المتعلق بتحديد  شروط وأشكال إبرام الصفقات العمومية ما يلي :

·        أشغال تهيئة المباني   وصيانتها وإصلاحها .

·        أشغال  تهيئة المنشآت والطرق والشبكات  وصيانتها وإصلاحها.

·        أشغال تركيب المعدات المختلفة...

 بمعنى آخر أن عقد الأشغال  العامة هو عقد مقاولة  بين شخص من أشخاص القانون العام، وفرد أو شركة بمقتضاه  يتعهد المقاول بالقيام  بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة في عقار لحساب هذا الشخص المعنوي، وتحقيقها لمصلحة عامة مقابل ثمن يحدد في العقد».

علما أن عقد الأشغال العامة يعد من العقود الإدارية بتحديد من القانون ،وعلى هذا الأساس قضت الغرفة الإدارية في قرار لها :«إذا كان ينبغي حسب الإجتهاد القضائي  أن تتوفر في العقود الإدارية  ثلاث شروط لإخضاعها  للقانون العام   وبدونها تعتبر من العقود المدنية ،فإن عقد الأشغال العامة باعتباره اتفاقا  بين المقاول والإدارة للقيام بتنفيذ أشغال البناء وترميم وصيانة  البنايات والبنية العقارية لفائدة أحد الأشخاص  العامة لغرض تحقيق المصلحة العامة إنما يعتبر من العقود الإدارية بتحديد من القانون»[38].

‌ب      عناصر عقد الأشغال العامة

 على أنه لكي يكون ثمة أشغال عامة يجب توافر العناصر الآتية:

أولا :يجب أن ينصب  موضوع العقد على عقار

   فكل اتفاق  يكون موضوعه منقولا ت  مملوكة للإدارة ،لا يمكن اعتباره من عقود الأشغال العامة ،حتى ولو اعتبر العقد إداريا ،ومهما كانت ضخامة المنقول .وعلى هذا الأساس لا تعتبر عقودا من عقود الأشغال  العامة الاتفاقات  التي تكون محلها  ترميم وصيانة الشاحنات .

وعلى العكس من ذلك ،يعتبر العقد من عقود الأشغال العامة   إذا تناولت  الأشغال عقارا بالتخصيص  كإقامة خطوط  هاتفية  ومد أسلاك الكهرباء وقنوات الماء الصالح للشرب.

وإذا كان المعنى الأصيل للأشغال  العامة يتناول أساسا  أعمال البناء والترميم     كبناء دور  المصالح الخارجية  للوزارات ،وإقامة الجسور والسدود ...إلخ،فإن القضاء قد توسع في فكرة  الأشغال العامة فأدخل فيها كافة الأعمال المتعلقة بالصيانة،ومثال ذلك  صيانة وتطهير العقارات،وعلى هذا الأساس قضى حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء:«حول الدفع بعدم الاختصاص النوعي ،فإن العقد الإداري الأساسي وتكملته أبرم مع مؤسسة عمومية  لتحقيق المنفعة العامة  هي صيانة وتطهير عقاراتها ،فتكون بذلك شروط العقد الإداري  محققة أي عقد إداري للأشغال العامة»[39] .

ثانيا :يجب أن يتم العمل لحساب شخص معنوي عام

ليس من الضروري أن يكون العقار ،محل الشغل،مملوكا لشخص معنوي عام ،بل يكفي أن يتم العمل  «لحساب» شخص معنوي عام،ولو كان محله عقارا خاصا .

    ويكون العمل  قد تم لحساب شخص معنوي  عام  في هذه الحالة إذا كان للشخص المعنوي  العام إشراف مباشر ودقيق  على الأعمال موضوع العمل.أو كان مصير العقار  أن يؤول  إلى الشخص المعنوي العام في نهاية مدة معينة.

ثالثا :يجب أن يكون الغرض من الأشغال موضوع العقد تحقيق نفع عام

ارتبطت فكرة الأشغال العامة بالمرفق العام في قضاء مجلس الدولة الفرنسي ،فاعتبرت أشغالا عامة تلك التي تتم على عقارات مخصصة لمرفق عام،ولو كانت غير مملوكة للإدارة أو داخلة في نطاق الدومين الخاص.ولكن المجلس فصل أيضا بين فكرة الأشغال العامة والمرفق العام ،فاعترف بصفة الأشغال العامة،لأعمال تمت على عقارات غير مخصصة  لمرافق عامة،كما أن كون العقار مخصصا  لمرفق عام،لا يستتبع بالضرورة أن تكتسب الأشغال التي تتم عليه صفة الأشغال العامة.[40]

وهكذا كما انفصلت فكرة الأشغال العامة عن الأموال العامة،انفصلت أيضا عن فكرة المرفق العام، وأصبح يكفي أن تستهدف الإدارة  من ورائها مصلحة عامة مع تحقق الشرطين السابقين.

يمكن تعريف عقد الأشغال العامة بأنه عبارة عن اتفاق بين الإدارة وأحد الأفراد أو الشركات بقصد القيام ببناء أو ترميم أو صيانة عقارات لحساب  شخص معنوي عام،وبقصد تحقيق منفعة عامة ،في نظير المقابل المتفق عليه،ووفقا للشروط الواردة بالعقد.

عقد الأشغال العامة هو عقد مقاولة  بين شخص من أشخاص القانون العام،وفرد أو شركة بمقتضاه بتعهد المقاول بالقيام  بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة في عقار لحساب  هذا الشخص المعنوي، وتحقيقها لمصلحة عامة مقابل ثمن يحدد في العقد».

    عقد التوريد

    عقد التوريد من العقود المنصوص عليها  في مرسوم الصفقات  العمومية الصادر بتاريخ 30دجنبر 1998، حيث نصت المادة الأولى المتعلقة  بنطاق تطبيق هذا المرسوم :» يهدف هذا المرسوم إلى تحديد الشروط  والأشكال التي تبرم بموجبها صفقات الأشغال والتوريدات...».وهو نفس التعريف الذي أورده مرسوم  5 فبراير 2007 وعقد التوريد على عكس عقود الامتياز  والأشغال العامة،ليس عقدا إداريا باستمرار،بل من الممكن أن يكون من طبيعة إدارية أو خاصة وفقا لما يتضمنه من أحكام.

‌أ          تعريف عقد التوريد

    عقد التوريد هو اتفاق بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة يتعهد بمقتضاها الفرد أو الشركة بتوريد منقولات  معينة للشخص المعنوي  «لازمة لمرفق عام مقابل ثمن معين».

فموضوع عقد التوريد هو باستمرار  أشياء منقولة ، كالبضائع أو مواد التموين أو البنزين ...إلخ.ولا يمكن أن يكون  محله العمل في عقار  بطبيعته أو بالتخصيص وإلا  أصبح عقد أشغال عامة .

ويعتبر عقد التوريد من العقود الفورية  التي ينقضي بتسليم  البضاعة  المتفق عليها مطابقة لأمر التوريد حسب ما قضت به محكمة  الاستئناف  الإدارية بالرباط بتاريخ 26-9-2007 تحت عدد634.

فوفق المقرر الصادر عن الوزير الأول،بتاريخ12 يوليوز1999 بشأن تطبيق المادة 72 من مرسوم الصفقات  العمومية ،فالتوريدات : المنتجات الغذائية للاستعمال البشري،«المنتجات الغذائية للاستعمال الحيواني،مواد البناء الآلات والحديديات،لوازم الرصاصة الصحية،التوريدات الكهربائية...إلخ».

ومن عقود التوريد التي اعترف لها القضاء الإداري بالصفة الإدارية،الاتفاق على توريد البنزين، وهو ما قضت به المحكمة الإدارية بمراكش :«وحيث أن العقد المبرم بين  المدعي  والجماعة بشأن  تزويدها  بمادة البنزين  وتنفيذه على دفعات  متعددة خلال مدة تزيد  عن سنة  وثلاثة أشهر  يعتبر أخدا باتجاه الفقه والقضاء  المغربي  عقد توريد بغض النظر عن مبلغه  وهو عقد إداري بطبيعته  نظرا لخصائصه الذاتية  وكونه سيساهم   في تسيير مرفق عمومي».[41]

    وكذا الاتفاق  على توريد مجموعة من الأجهزة التلفزية لمؤسسة  الإذاعة والتلفزة وهو ما قضت به الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى:« وحيث أنه بالرجوع  إلى سندات الطلب  يتضح أن الأمر يتعلق  بتوريد مجموعة من الأجهزة  التلفزية لمؤسسة الإذاعة  والتلفزة المغربية،مما يفيدان  الهدف منه تسيير المرفق العام المذكور وبالتالي يدخل في نطاق الفصل8من قانون90-41 باعتباره عقدا إداريا أحد طرفيه مؤسسة عامة للدولة   وموضوعه اقتناء أجهزة  لسيرها فلم يكن الحكم  المستأنف على صواب عندما  اعتبر المنازعة تتعلق بعقد خاص».[42]

   وكذا الاتفاق على توريد مجموعة من الألبسة ،وهو ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط :وحيث إنه بالرجوع إلى العقد المبرم  بين المدعي عليه،والذي يلتزم بمقتضاه الطرف المدعي  بتوريد مجموعة من الألبسة الرياضية لفائدة المكتب المدعى عليه لتخصيصها لفائدة  المخيم  الصيفي لأطفال مستخدميه،يتبين أنه أبرم وفقا لمقتضيات الفقرة 2 من المادة 21 من المرسوم الصادر بتاريخ 30دجنبر 1998 أي تبليغ مسطرة طلب العروض المحدودة.وحيث إن العقود التي يتم إبرامها وفقا لمرسوم 30 دجنبر 1998 تعتبر عقودا إدارية بقوة القانون  دونما حاجة  إلى بحت مدى توافر باقي المعايير ...  وبالتالي فإن عقد التوريد الذي يبرم  بين شخص عام وشركة خاصة وفقا لمقتضيات  مرسوم 1998،عقد إداري»[43].

‌ب      صور عقد التوريد

وتتخذ عقود التوريد  في العمل صورا مختلفة من أشهرها بالتمييز بين أن يقتصر التوريد على مرة واحدة،وبين لأن يتم التوريد على دفعات متعددة :ويتفرع من عقد التوريد  في الوقت الحاضر ،بالنظر إلى انتشار  الصناعة ،عقود مقاربة أهمها:

1       عقود التوريد الصناعية

فالعنصر الأساسي في عقود التوريد العادية ، هو تسليم منقولات يتفق على مواصفاتها مقدما ،ويكون المتعاقد  حرا في المصدر  الذي يحصل  عليها منه. ولكن في عقود التوريد الصناعية، يقوم بجواز التسليم عنصر آخر هو عنصر صناعة البضائع المتفق على توريدها،ومن ثم يكون للإدارة حرية كبيرة  في التدخل أثناء إعداد تلك البضائع.

2       عقود التحويل

تكون هذه الحالة حين تسلم الدولة  منقولات إلى إحدى  الشركات لتحويلها  إلى مادة أخرى ،ثم يعاد تسليمها إلى الدولة.وهذا الاتفاق كما هو واضح ،اتفاق مركب ،يعتبره القضاء الإداري  عقد توريد  وفقا لقاعدة وحدة الاتفاق. إذا كانت فكرة التوريد هي المهيمنة  على الاتفاق.[44]

3       عقد النقل

 هو اتفاق بمقتضاه يتعهد فرد أو شركة بنقل أشياء  منقولة للإدارة أو بوضع شاحنات تحت تصرفها .وقد يكون موضوع  العقد مقصورا على مرة واحدة أو عدة مرات منتظمة. والأحكام القانونية  لهذا العقد هي بذاتها أحكام عقد التوريد ولا تختلف إلا فيما يتعلق بموضوع كل منهما: فموضوع عقد النقل ،يتعلق بنقل أشياء منقولة،أما الموضوع الثاني  فيقوم على توريد منقولات،كما أن كلا منهما يكون إداريا أو مدنيا وفقا لطبيعته الذاتية.

 ويحدث  أن يقوم خلط بين عقد النقل  من ناحية،وعقد الامتياز من ناحية أخرى ،إذا كان موضوع عقد الامتياز ينصب على نقل الأشياء،والغالب أن يكون ثمة امتياز إذا كان النقل منتظما  وبمقتضى رسم معين مقدما ، وكان مسموحا به لإدارة ولأفراد على السواء. ويكون عقد نقل إذا كان النقل مقصورا على مرة واحدة  أو على مرات غير محددة مقدما ،وغير مسموح به للأفراد.[45]

يعتبر عقد النقد مدنيا ،إذا ما اقتصر صاحب  الشاحنة على وضع شاحنته تحت تصرف الإدارة بذات الشروط المألوفة في العقود التجارية ، ودون أن يتضمن العقد شروطا  غير مألوفة ،أو أن يخول صاحب الشاحنة  التدخل مباشرة  في نطاق المرفق العام . وعلى العكس من ذلك يصبح العقد إداريا  إذا انطوى على شروط استثنائية  وغير مألوفة .

    عقد تقديم المعاونة أو المساعدة

   يتم تسمية  هذا العقد بعقد  عرض المساهمة في نفقات مشروع  ذي منفعة عامة  وهو عقد إداري يتعهد بمقتضاه شخص باختياره  وبإرادته الحرة  بأن يشترك في نفقات مشروع من مشاريع المرافق العامة.

‌أ          تعريف عقد تقديم المعاونة والمساعدة

 عقد تقديم المعاونة هو عقد بمقتضاه   يلتزم شخص من أشخاص القانون الخاص أو العام  بالمساهمة نقدا أو عينا  في نفقات مرفق  عام  أو أشغال عامة .فقد يتقدم إلى الإدارة فرد من الأفراد   بعرض المساهمة كمالك  يعرض المساهمة  في نفقات إنشاء  طريق يؤدي  إلى أملاكه،أو يعرض شخص من أشخاص القانون العام  أو القانون الخاص،الاشتراك في نفقات بنية لمرفق عام.فإذا ما قبلت الإدارة العرض،انعقد بين الإدارة  ومن يتطوع  بالمساهمة  عقد إداري هو عقد تقديم  المعاونة.

 وهذا العقد يسومه أحيانا  عرض المساهمة في نفقات مشروع  ذي نفع عام،وهو عقد إداري يتعهد بمقتضاه شخص برضائه  واختياره  بأن يشترك في نفقات مشروع من مشروعات الأشغال  العامة او المرافق العامة، وقد يصدر من احد الأفراد أو من أحد الأشخاص  المرفقية  كالمؤسسات العامة،وقد يكون المتعهد  ذا مصلحة في  تعهده أو غير ذي  مصلحة فيه، وقد يكون بعوض أو يتمخض تبرعا،وقد يكون مبتدأ من تلقاء المتعهد أو مثارا من جانب الحكومة، كمل لو عرضت على إحدى المدن  إنشاء مدرسة بها بشرط  مساهمتها في نفقاتها فساهمت فيها  ،وقد تكون المساهمة بمبلغ من المال أو بشيء عيني  كأرض أو غيرها ،ولكن مهما اختلف صور هذا العقد وتباينت أوصافه ،فهو يقوم على المساهمة الاختيارية في مشروع ذي نفع عام.

والأصل  أن يكون  التطوع بالمساهمة اختياريا ولو جاء نتيجة طلب من الإدارة  ،أو بإغراء من جانبها .ويستطيع من يتقدم بالمعاونة أن يسحب  عرضه قبل أن تقبله الإدارة .أمالا إذا قبلته فقد انتهى الأمر بالنسبة إلى  المتقدم ،وأصبح ملزما بعرضه.أما بالنسبة إلى الإدارة فالأصل  أن عقد تقديم المعاونة  لا يولد التزاما  في جانبها،فهي ليست ملزمة  بالقيام بالمشروع  الذي قدم العرض من أجله حتى ولو قبلت العرض صراحة،بل تملك العدول عنه. وإذا هي فعلت فإنه لا تقوم مسؤوليتها عن ذلك بناء على خطأ تعاقدي.

وكل ما يسلكه المتعاقد الآخر في هذه الحالة هو  التحلل من التزامه بتقديم ما اتفق عليه .وهو لا يولد التزامات  في جانب الإدارة.لأنه ليس من ألازم أن يولد العقد التزامات في جانب الطرفين في جميع الحالات،فمن العقود مالا يرتب التزامات  إلا في جانب واحد ونلك هي طبيعة عقد تقديم المعاونة،ثم أن هذا العقد،عند تنفيذه قد يرتب التزامات في جانب الإدارة ،وذلك إذا اقترنت المعاونة  المقدمة بشروط مشروعة ،مثل توريد خدمات معينة بالمجان لمن قدم المعاونة.فحينئذ تسأل الغدارة إذا اقتصرت في أداء تلك الخدمة.

‌ب      خصائص عقد تقديم  المعاونة

لابد من التأكيد على أن القاضي الإداري يقرر اعتبار عقد تقديم المعاونة إداريا باستمرار إذا تعلق بتنفيذ أشغال عامة.ومرجع ذلك إلى ان القضاء   يعتبر عقد الأشغال العامة  إداريا باستمرار،ويعتبر عقد تقديم المعاونة  إذا ما اتصل بأشغال عامة من قبيل الأشغال العامة ،ويأخذ حكمها.أما إذا لم يتصل  عقد تقديم المعاونة إذا ما اتصل بأشغال عامة من قبيل الأشغال العامة،ويأخذ حكمها.أما إذا لم يتصل عقد تقديم المعاونة بأشغال عامة،بل بتنظيم مرفق عام ،فإن القضاء الإداري لا يعتبره عقدا إداريا  بتحديد القانون،بل يكون إداريا أو مدنيا بحسب خصائصه الذاتية.

    عقد القرض العام

   هو عقد بمقتضاه يقرض أحد الأفراد (أو البنوك)باختياره الحر مبلغا من المال للدولة (أو لشخص آخر من أشخاص القانون العام)مقابل تعهدها بدفع  فائدة  سنوية محددة ،وبرد القرض وفقا للشروط في نهاية الآجل المحدد.

وهي على خلاف القروض العامة الإجبارية التي تتم بإرادة السلطة  العامة المنفردة «فالقرض العام الإجباري  ضريبة من حيث أنه مفروض على الأفراد،وإن كان يحتفظ  بصفته كقرض من حيث ما يدره من فوائد وما يعطيه من حق في استرداد قيمته»   .

هذا وتعد الدولة من العقود التي تدخل المنازعات بشأنها في اختصاص القضاء الإداري،وهي كذلك على خلاف قروض المؤسسات  الخاصة التي تخضع لأحكام  القانون التجاري واختصاص المحاكم  التجارية.وعلى هذا الأساس  قضت المحكمة الإدارية  بمراكش في حكم لها:وحيث أن المدعي عليه (البنك الشعبي ) مؤسسة بنكية لها صبغة تجارية ولا تخضع للقانون العام :«...وحيث لما كان عقد القرض المطلوب التعويض فسخه يعتبر عقدت مدنيا تحكمه قواعد القانون الخاص ،فإن أمر البت في أي نزاع بشأنه  يرجع  إلى القضاء العادي »  .مع مراعاة أن طبيعة العقد يكون إداريا أو مدنيا وفقا لطبيعة الذاتية.وأحيان وما إذا كان قرضا للدولة أو قرضا لأشخاص  معنوية عامة أخرى.وإذا كان في الغالب أن قروض الدولة هي عقود إدارية ،أما عقود الأشخاص العامة الأخرى  فإنها تكون إدارية أو مدينة  بحسب ما تحتوي عليه من شروط.

الفقرة الثانية : تنفيذ العقد الإداري ونهايته

أ‌-       تنفيذ العقد لإداري

    العقود الإدارية عن العقود المدنية في أنها تستهدف تحقيق مصلحة عامة  لسير العمل في مرفق عان، وأن كفتي المتعاقدين فيها غير متكافئتين،إذ يجب أن يراعى فيها دائما  تغليب الصالح العام على مصلحة الأفراد،وهذا الهدف يجب أن يسود  شروط العقد   وعلاقة  المتعاقدين  في تفسيره وتطبيقه وإنهائه ،لذلك يكون للإدارة  دائما الحق في تنفيذ  العقد وتغيير شروطه،وفي إنهائه في أي وقت طالما أن الصالح العام يقتضي ذلك.

    ولا ريب أن علاقة المتعاقدين في العقود الإدارية  لا تستند  إلى شروط العقد فحسب  وإنما أيضا إلى القواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة  بالمرفق العام .وهذا بخلاف العقود المدنية التي تحكمها قاعدة  العقد شريعة المتعاقدين  وعدم انفراد أحد الطرفين بتعديل شروطها آو إنهائها.

وسوف نتعرض فيما يلي  لسلطات الإدارة  في مواجهة  المتعاقد معها،وحقوق هذا الأخير في مواجهة الأولى.

اولا - سلطات الإدارة المتعاقدة

   لا مراء في أن السلطة  بين العقد الإداري والمرفق العم ترتب آثارا هامة في مجال تنفيذ هذا العقد،الذي يعتبر وسيلة  من وسائل تسيير المرفق العام،وبالتالي يجب أن تدمغ  أحكام تنفيذه  بطابع القواعد اللازمة لسير المرفق العام الذي أبرم من أجله .

فاتصال العقد الإداري بخدمة مرفق عام يجعله متميزا  ببعض الأحكام الخاصة المغايرة لقواعد القانون المدني.

  لذلك يكون للإدارة سلطات في مواجهة المتعاقد معها غير معروفة في القانون الخاص أهمها ما يلي:

‌أ          سلطة الرقابة

   تعتبر الرقابة من أهم الآثار التي تترتب  على اتصال العقد بنشاط مرفق عام ،وهي عبارة عن نشاط إنساني  يتجه شطر عملية تنفيذ العقد الإداري، مركزا على توقع حدوت الأخطاء ومحاولة إيجاد المخرج لتجنبها  والتغلب عليها عن طريق قياس النتائج المحققة ومقارنتها بالمعايير الموضوعة.

ولا تستمد الإدارة سلطتها في الرقابة  من النصوص المنخرطة في العقد  فحسب،وإنما من فكرة المرفق  العام الذي أبرم العقد من أجله ،فإذا كانت الإدارة غير قادرة  على أن توفر بنفسها المواد والحاجات التي يقتضيها سير المرفق وعهدت  بهذه الأمور  إلى الأفراد ،فإن ذلك لا ينفي مسؤوليتها  عن إدارة المرفق العام بانتظام واطراد،مما يتطلب منها رقابة النشاط الخاص القائم على تنفيذ العقد.

  بيد أن سلطة الرقابة التي تمارسها الإدارة  إزاء المتعاقد معها ،ليست مطلقة،وإنما لها حد،بحيث تصبح خارجه اعتداء لاحقا ،حيث انه من المقرر لا حرية مع الاضطراب في تطبيقها او إساءة استعمالها،لذلك يجب أن تخضع  سلطة الرقابة  لاعتبارات رئي فيها حماية  المتعاقد من تعسف الإدارة ،من أهمها:

 يجب على الإدارة أن تترسم خطى  مبدأ المشروعية  وهي بصدد ممارسة سلطة الرقابة .

لا يجوز للإدارة وهي بصدد ممارسة الرقابة أن ترمي إلى تحقيق هدف لا يمت بصلة للمرفق العام موضوع التعاقد.

لا يكون من شان تلك الرقابة مخالفة موضوع العقد أو تعديله.

‌ب      سلطة توقيع الجزاءات

    إذا كانت التزامات المتعاقد مع الإدارة تتصل بالصالح العام ،لذلك فإن كل إخلال بهذه الالتزامات ،يشكل بالإضافة إلى الإخلال بالتزام تعاقدي  مساسا بالمرفق العام موضوع العقد،الذي يعلق الجمهور أهمية كبيرة عليه ويصاب بعنت كبير إذا ما شل أو توقف عن مواصلة رسالته في تقديم خدماته الجوهرية.

لهذا إذا امتنع المتعاقد عن التنفيذ أو تأخر أو أهمل في أدائه  فإنه يكون مقصرا في  تنفيذ التزامه وتوقع عليه جزاءات من قبل الإدارة المتعاقد بغية الاستمرار في تنفيذ الالتزام المتعلق بالمرفق العام وإزالة دواعي الإخلال أو التقصير.

 والجزاءات التي يتعرض إليها المتعاقد الذي أخل بالتزاماته كثيرة ومتنوعة أهمها :

·        الجزاءات المالية

يجوز للإدارة مطالبة المتعاقد معها بتعويض الضرر الذي أصابها من جراء تأخيره  في تنفيذ التزاماته .وهذا التعويض وإن كان ظاهره  جبر الضرر إلا أن يحوي في طياته إرغاما للمتعاقد على تنفيذ التزاماته  حتى يستطيع المرفق العام أن يستمر في أداء  خدماته الجوهرية .

ولا تخل مطالبة المتعاقد بالتعويض  بحق الجهة الإدارية  في توقيع غرامة إذا تأخر  المتعاقد في تنفيذ ما التزم به ، ودون حاجة إلى اتخاذ إجراءات إدارية  أو قضائية.

وتوقع الغرامة بمجرد حصول التأخير واو لم يترتب عليه أي ضرر دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار.

ومن المشاهد أن التعويض يختلف  عن الغرامة المالية ،حيث لا يحكم به القاضي إلا إذا ثبت الضرر ،كما أنه يقدر وفقا لجسامة الضرر  الذي حاق بالإدارة من جراء  تصرف المتعاقد معها ،أما الغرامة فهي عبارة عن مبلغ إجمالي  تقدره الإدارة مقدما وتوجب  توقيعها إذا أخل المتعاقد بتنفيذ التزام معين.ولاسيما فيما يتعلق بالتأخير في التنفيذ.

·        وسائل الضغط والإكراه

تكمن الحكمة من تخويل الإدارة توقيع جزاءات ضد المتعاقد معها  في الحالات التي تقتضيها في ضرورة تنفيذ العقد والعمل على سير المرفق  العام  بانتظام واستمرار،لذلك فإن الإدارة المتعاقدة ،وإنما عليها إن تلجأ  إلى وسائل وأساليب  من شأنها ضمان دوام سير  المرفق العام ،ومن بين تلك الوسائل أن تحل الغدارة نفسها محل المتعاقد معها في تنفيذ  ما التزم به أو تسند التنفيذ إلى شخص آخر على أن يكون الحلول على حساب  المتعاقد الذي قصر في تنفيذ التزاماته وعلى مسؤوليته المالية أو وضع المشروع تحت الحراسة  وما يشكل ذلك من الطرق التي تهدف الإدارة من وراءها ضمان  تنفيذ العقد الإداري،وضرورة استمرار سير المرفق العام  بالتالي لأن العقد لا يكون إداريا  إلا إذا كان متصلا بمرفق عام.

وتعتبر وسائل الضغط التي تستعملها الإدارة  ضد المتعاقد معها بمثابة  جزاءات مؤقتة لا ينتهي معها العقد.وإنما تستند تنفيذه إلى غير  المتعاقد الأصلي  وعلى مسئولية  هذا الأخير،وبذلك يكون الهدف منها إكراه  المتعاقد الذي أخل بالتزاماته التعاقدية على الوفاء  بها بغية ضمان استمرار سير المرفق العام الذي أبرم العقد الإداري من أجله.

‌ج       سلطة تعديل العقد

أن سلطة الإدارة في تعديل العقد ليست مطلقة ،وإنما ترد عليها بعض القيود،منها ألا تؤدي تلك السلطة إلى تعديل النصوص المنظمة بالروابط المالية ،وبدون ذلك يكون للمتعاقد  الحق في الامتناع  عن إجراء هذه التعديلات،بل وطلب  فسح التعاقد.

ولقد أقر القضاء الإداري حق الإدارة في تعديل عقودها إذا استحدث ظروف لم تكن متوقعة وقت إبرام العقد بقولها ،وسلطة الإدارة في تعديل العقد ليست  مجرد مظهر للسلطة  الإدارية التي تتحلى بها  وإنما منا طها  احتياجات المرفق العام، فهي نتيجة ملازمة لفكرة هذا الأخير  التي بها تفسر  قواعد القانون  الإداري وتبرر أحكامه،وبذلك تكون هناك علاقة بين  سلطة الإدارة في تعديل عقودها  واعتبارات سير المرفق العام.

‌د         فسخ العقد

يفسح العقد في حالة خطأ المتعاقد الجسيم  أو إذا كان الفسخ يحقق صالحا عاما،والحالات التي يفسخ فيها العقد ويصادر فيها التأمين النهائي هي:

1       إذا استعمل المتعاقد الغش أو التلاعب في تعامله مع الجهة الإدارية المتعاقدة.

2       إذا شرع بنفسه أو بغيره بطريق مباشر  أو دون ذلك في رشوة أحد موظفي الجهات الخاضعة  لأحكام هذا القانون.

3       إذا أفلس المتعاقد أو أعسر .

ويشطب اسم المتعاقد  في الحالتين الأولى والثانية من سجل المتعهدين  أو المقاولين  وتخطر وزارة المالية ،ويجوز للإدارة المتعاقدة  الرجوع  على المتعاقد بالتعويضات الازمة رغم فسخ العقد ومصادرة التأمين.

ويجوز للجهة المتعاقدة  بالإضافة  إلى ما تقدم فسخ العقد إذا  أخل  المتعاقد بأحد شروطه  ودون حاجة إلى  الذهاب للقضاء .

وإذا توفي المتعاقد كان للإدارة إما فسخ العقد ورد التأمين-إذا لم يكن لها مطالبات قبل المتعاقد-وإما الإذن للورثة  بالاستمرار في التنفيذ،شريطة أن يعينوا وكيلا عنهم وتوافق الإدارة على ذلك.

ثانيا :حقوق المتعاقد مع الإدارة

حقوق المتعاقد مع الإدارة هي نتائج  التزامه  بتنفيذ العقد على النحو  المحقق لأهداف الإدارة المبتغاة من إبرام العقد،وأخص حق للمتعاقد وأهمه هو حقه في الحصول على المقابل  النقدي والذي يتمثل عادة في قيمة الأعمال  محل التعاقد.

وفضلا عن ذلك الحق فإن للمتعاقد الحق في استمرار التوازن المالي للعقد فإذا ما انقلبت اقتصاديات العقد  سواء بفعل الإدارة الناتج عن إجراءاتها   الإدارية أو التشريعية أو بفعل  عوارض تنفيذ العقد الإداري ينشأ للمتعاقد الحق في إعادة  التوازن المالي للعقد.

وقد يترتب على تقديم  المتعاقد لأعماله أو خدماته خارج نطاق العقد إثراء  الإدارة على حسابه بلا سبب فيثور أمر تعويضه عن ذلك .

وعند إخلال الإدارة بالتزاماتها  التعاقدية فإن المتعاقد  ينشأ له حق آخر  هو حقه في الحصول على التعويض  المناسب عن عدم التزام الإدارة  بالتزاماتها العقدية .

وسوف نعرض فيما يلي لكل حق  من حقوق المتعاقد  مع الإدارة في مبحث مستقل  على النحو التالي:

·        حق الحصول على المقابل النقدي .

·        حق إعادة التوازن المالي للعقد .

·        حق التعويض على الافتقار  الناشئ عن إثراء الإدارة بلا سبب.

·        حق التعويض عن إخلال الإدارة  بالتزاماتها التعاقدية.

‌أ          حق الحصول على المقابل النقدي

الحصول على المقابل النقدي هو أول حقوق المتعاقد،ى  بل إنها تكاد تكون هدفه  من تنفيذ العقد، وبالتالي فإن الإدارة تلتزم بأداء  المقابل النقدي  المحدد بالعقد فور تنفيذ مضمون العقد.

ويتم حصول المتعاقد النقدي إما بصورة كاملة  بعد تنفيذ العقد ،أو بحصول على جزء من مقابل  كدفعه مقدمة ثم يحصل  على الباقي   على دفعات بحسب ما ينفذ من العقد.

  وتتحدد عناصر المقابل النقدي  المستحق للمتعاقد في الثمن المتفق عليه  في نصوص العقد مضافا  إليه قيمة الأعمال الإضافية  التي تستجد أثناء التنفيذ أو الأعمال  التغيرية التي تصدر للمتعاقد في ضوء الثمن المحدد بالعقد ومع الأخذ في الاعتبار كمية الأعمال أو الأصناف  محل الأوامر التغيرية  وأثرها على توازن العقد  وإمكانية تعديل  الأسعار باتفاق  الطرفين أو بما تقدر جهة الإدارة  عند الإخلاف ،وكل تأخير عن الأداء  في أحكام القاضي  الإداري يبرر التعويض عن الضرر  اللاحق  بالمتعاقد من جراء التأخر عن الأداء ،  وفي هذا الإطار قضت  المحكمة الإدارية  بالرباط بتاريخ 30/9/1999 تحت عدد  790 ما يلي :«لا يمكن  للمتعاقد مع الإدارة  أن يتحمل وزر الإجراءات والشكليات الإدارية  المعقدة  من أجل الحصول  على مستحقاته ، مما يبرر الحكم بالتعويض عن الضرر  اللاحق به من جراء التأخر عن الأداء»  . وهو نفس التوجه  الذي ذهبت  إليه  المحكمة الإدارية بمكناس بتاريخ

26/12/2002 تحت عدد 3 ،شركة النجاح ضد بلدية خنيفرة.

‌ب      حق إعادة التوازن المالي للعقد

وحق المتعاقد في التعويض لإعادة  التوازن المالي للعقد قد تنظمه أحكام العقد أو القانون وقد تنظمه  النظريات  المختلفة التي تعتمد حاجة المرفق العام  وضرورة  انتظامه وسيره باطراد.

والإخلال بالتوازن المالي إما أن يرجع إلى استخدام الإدارة سلطتها  المقررة لتعديل العقد ،أو إلى ما يطرأ على تنفيذ العقد  من عوارض تتمثل في فعل الأمير والظروف الطارئة  والصعوبات المادية غير المتوقعة التي تصادف التنفيذ ،وإما أن يرجع سبب الإخلال  بالتوازن إلى الافتقار الذي لحق بالمتعاقد والإثراء الذي أصاب الإدارة من جراء تنفيذ المتعاقد أعمالا إضافية مفيدة للمشروع المتعاقد بشأنه بالشروط التي سترد فيما بعد،وفي كل الأحوال  فإن  إعادة التوازن تعني حصول  المضرور لا على التعويض بالقدر الذي يزيل أسباب الخلل الحاصل بتوازن العقد.

·        حق التعويض عن تعديل  العقد

    تختلف العقود الإدارية  عن العقود المدنية  في أنها تستهدف مصلحة عامة ،وهي تسيير المرافق العامة عن طريق الاستعانة  بالنشاط الفردي ،مما ينبغي معه أن يراعى فيها دائما وقبل كل  شيء تغليب وجه المصلحة  العامة ومن أجل تحقيق  هذا الهدف خولت  جهة الإدارة  سلطات وامتيازات  استثنائية ،بقصد الوفاء بحاجة المرافق العامة وضمان سيرها وانتظامها واستمرارها.

   ومن أهم هذه الامتيازات والسلطات الاستثنائية« سلطة الإدارة في تعديل العقد»  وهي الطابع الرئيس لنظام العقود الإدارية حيث تشمل حق تعديل العقد أثناء تنفيذه ،وتعديل مدى التزامات المتعاقد معها على نحو لم تكن معروفة  وقت إبرام العقد ،فتزيد من الأعباء الملقاة على عاتقه أو تنقصها ،وتتناول الأعمال أو الكميات المتعاقد عليها بالزيادة أو النقص على خلاف ما ينص عليه العقد ،وذلك كلما اقتضت حاجة المرفق هذا التعديل.

 

وعند ئد فليس للمتعاقد مع الإدارة  أن يحتج على الأوامر الصادرة  إليه بإجراء  أعمال إضافية أو بأحداث تغييرات في الأعمال أو الكميات أو بتعديل  أحد شروط العقد بحجة قاعدة  الحق المكتسب،أو قاعدة العقد شريعة المتعاقدين ،ذلك أنه حتى ولو لم يوجد  نص يخول الإدارة إجراء تلك التعديلات،فإن قيلم العقد الإداري على فكرة استمرار المرافق العامة تفترض مقدما حدوث التغيير اللازم في ظروف العقد تبعا لمقتضيات  سير المرفق،واتصال العقد به وضرورة الحرص على انتظامه.

 ومتى ما كان ما تقدم  فإن الأعباء التي ستلقي  على عاتق المتعاقد مع الإدارة من جراء استخدام سلطة التعديل  يتعين أن تكون في الحدود  الطبيعية والمعقولة  ، وألا يكون  من شأنها  إرهاق  المتعاقد فلا يجوز أن تتجاوز إمكانياته الفنية أو المالية  أو الاقتصادية إلا أن ما يحدثه  التعديل من إخلال بتوازن العقد المالي  يوجب  على الإدارة تعويض المتعاقد التعويض العادل عن الأضرار  التي تلحق بمركزه التعاقدي  أو تلك التي تقلب الظروف المالية للعقد.

وفيما يلي نعرض لأهم المبادئ القانونية المبنية لحق المتعاقد مع الإدارة  في إعادة التوازن المالي.

·        حق التعويض عن فعل الأمير

    حق المتعاقد مع الإدارة في الحصول على تعويض  يجبر  الضرر اللاحق  به نتيجة  المساس بالتوازن المالي للعقد لا يكون في حالة اتجاه الإدارة  إلى تعديل العقد فقط،وإنما يتم أيضا  عندما تستخدم  الإدارة بوصفها سلطة عامة وليس بصفتها التعاقدية  سلطتها في اتخاذ إجراءات من شأنها أن يسوء مركز المتعاقد معها.

  ففعل الأمير كما قضت بذلك  المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 28/4/2003 تحت عدد 426، هو كل عمل يصدر  عن سلطة عامة  دون خطأ من جانبها ينجم عنه  مركز المتعاقد  في عقد إداري ويؤدي إلى التزام الإدارة  المتعاقدة  بتعويض المتعاقد المضرور عن كافة الأضرار التي تلحقه  من جراء ذلك بما يعيد التوازن المالي للعقد.

   ولقد حددت أحكام القضاء  الإداري شروط نظرية فعل الأمير ،كما تعرضت لأسس التعويض المترتب عن اتخاذ الإدارة للإجراءات المؤثرة على التوازن المالي للعقد.

أن يكون ثمة عقد من العقود الإدارية.

أن يكون الفعل الضار صادرا من جهة الإدارة المتعاقدة.

أن ينشأ عنه ضرر للمتعاقد لا يشترط فيه  درجة معينة  من الجسامة.

افتراض أن الإدارة المتعاقدة  لم تخطئ حين اتخذت عملها الضار  فمسئوليتها عقدية بلا خطأ.

أن يكون الإجراء الصادر من الإدارة  غير متوقع.

أن يلحق المتقاعد ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام...».

·        حق التعويض عن الظروف الطارئة

إذا طرأت خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية  كانت أو اقتصادية  أو من عمل جهة إدارية أخرى غير الجهة الإدارية المتعاقدة  ولم تكن في حسبان المتعاقد خسائر فادحة  تختل  معها اقتصاديات العقد اختلالا جسيما  فإن المتعاقد يكون له الحق في التعويض،وذلك بأن تشاركه جهة الإدارة  في تحمل نصيب من الخسارة . ووفق قرارات وقرارات  وأحكام القضاء  الإداري فإن الظروف الطارئة  هي تلك الظروف  التي لا يمكن  توقعها من جانب  منجز الصفقة  وأدت إلى حدوث تغييرات  تمثلت في تمديد مجال  إنجازها وأدى هذا التمديد إلى حدوث اختلال في التوازن المالي(قرار استئنافي الرباط بتاريخ 30-5-2007.

وقد اشترط القاضي الإداري  أن تكون  الخسارة  جسيمة ويقدرها القاضي،وليس مجرد نقص في الربح،فهذا النقص ليس من شأنه  قلب اقتصاديات العقد.

حق التعويض عن الصعوبات المادية غير المتوقعة

 وهي نظرية ومفادها  أنه عند تنفيذ  العقود الإدارية –وبخاصة –عقد الأشغال العامة-قد تطرأ صعوبات مادية استثنائية لم تدخل في حساب  طرفي العقد  وتقديرهما عند التعاقد ،فتجعل التنفيذ أشد وطأة  على المتعاقد مع الإدارة ،وأكثر كلفة.

وعلى ذلك فإنه –ومن باب العدالة –يجب تعويض المتعاقد مع الإدارة بزيادة  الأسعار المتفق عليها في العقد زيادة تغطي (جميع) الأعباء والتكاليف التي تحملها ، والتعويض في هذه الحالة لا يعتبر معاونة مالية جزئية  للمتعاقد أو مشاركة له  فيما تحمله  من خسارة كما هو الحال في نظرية الظروف الطارئة ،وإنما التعويض هنا يتعين أن يكون «تعويضا كاملا»   عن جميع الأضرار التي لاحقت  بالمتعاقد على أن  تتحقق كافة شروط النظرية الموجبة للتعويض.

‌ج       حق التعويض عن التضرر  الناشئ  عن إثراء الإدارة  بلا سبب

     يعرف الإثراء بلا سبب بكونه كل منفعة  مادية أو معنوية  يمكن تقويمها بالمال ،كاكتساب مال جديد أو انقضاء دين أو إشباع حاجة مادية أو معنوية،ما دام  يمكن تقدير هذه الحاجة ،ولقيام الإثراء بلا سبب  لابد من توافر مجموعة من الشروط ترتبط بالشق  المادي والقانوني  وكذا ضرورة  توافر العلاقة  السببية بين واقعتين  الإثراء والافتقار.

  على ضوء هذا التعريف  لنظرية الإثراء بلا سبب، يثور التساؤل  عن ما يقوم به المتعاقد مع الإدارة من أعمال  خارج نطاق العقد،وعادت بالنفع والفائدة  على الإدارة ... ما حكم هذه الأعمال وما مدى جواز مطالبة المتعاقد بقيمتها؟

   الأصل انه لا يجوز للمتعاقد من تلقاء نفسه وبغير أمر عقدي أن يتدخل بتنفيذ أية أعمال  إضافية  على المرفق العام ،فقد يكون من شأن هذه الأعمال  إلحاق الضرر بالمرفق،أو وضع الإدارة  أمام الأمر الواقع  الذي من شأنه تغييرها لخطتها  في استخدام المشروع  أو إجراء تعديلات  مكلفة  لتتماشى مع ما أدخله  المتعاقد على المشروع من أعمال ،بل إن للإدارة  أن تأمر المتعاقد  بإعادة الحال  إلى ما كان عليه  إذا كان ذلك ممكنا ،ولها بأسلوب التنفيذ  المباشر  أن تتولى هي  وعلى حساب  ذلك المتعاقد إعادة الحال  إلى ما كان عليه.

   أما في الأحوال  التي يتم  إصدار آمر  عمل للمتعاقد ،ويكون ذلك الأمر صادرا  عن الإدارة خارج نطاق وحدود العقد المبرم مع ذلك المتعاقد،فهنا تثور  مسألة صفة  من أصدر الآمر ومدى اعتبار ذلك الأمر وتنفيذه بمثابة عقد متضمنا الإيجاب والقبول وبالتالي ترتيب الأثر  اللازم  على ذلك  بتمكين المنفذ للأعمال  من الحصول  على قيمتها التي يتفق عليها الطرفين.

إلا أنه في غالب الأحوال لا يمكن الاعتراف  للآمر الصادر  من غير سلطة  التعاقد بصفة الإيجاب ومن ثم للتنفيذ من جانب المقاول بصفة القبول،وبالتالي نصبح أمام عمل من أعمال الفضالة قام به المقاول من نفسه  أو حتى ولو قام به بأمر من أحد أفراد الإدارة وبغير الإجراءات  الرسمية للتعاقد ففي هذه الحالة نضحي أمام  نظرية الإثراء  بلا سبب التي تكون هي الحل  العادل لتعويض المقاول عن الأعمال التي نفذها خاصة إذا كان من شأن هذا العمل  أن يعود بالنفع والفائدة لصالح  المرفق العام،وأن تثري به الإدارة فإنها يتعين عليها –والحالة هذه-أن تعوض المقاول عن الافتقار الحاصل له بمقدار  ما أثرت به.

   وقد اعترف القاضي الإداري بحق المقاول  في عقد الأشغال العامة بالمطالبة بالتعويض عن الأعمال الإضافية  التي نفذها من تلقاء نفسه دون طلب من الإدارة  بشرط أن تكون هذه الأعمال من مستلزمات حسن التنفيذ للمشروع،أو أن ينتج عنها فائدة للإدارة ،وكان أساس هذا القضاء استعارة أحكام نظرية  الإثراء بلا سبب الواردة بالقانون المدني،وحدد التعويض بوجوب أن يعادل النفع الذي عاد على الإدارة وبما لا يجاوز الافتقار الذي لحق بالمقاول من جراء تنفيه لتلك الأعمال. وفي هذا الإطار قضى حكم للمحكمة الإدارية  بفا س المؤرخ بتاريخ30-4-2002 تحت عدد239 ما يلي :«ان تحقيق الإدارة لنفع من الأشغال  المنجزة لفائدتها خارج  شروط الصفقة ، والتي تترتب عنها افتقار الذمة  المالية للجهة  المنجزة لهذه الأشغال ،تتطلب تطبيق المقتضيات القانونية  لقانون الإلتزامات والعقود  بما فيها  مبدأ الإثراء  بلا سبب».

 ومن أحكام  القضاء الإداري  التي أقرت التعويض  على أساس نظرية الإثراء  بلا سبب الأحكام التالية

        1.        إذا تم التنفيذ كله أو بعضه  دون أن يكتمل  إبرام العقد ،

        2.        عدم التصديق على العقد  من سلطة الوصايا

        3.        إذا كان العقد باطلا لعدم  اختصاص السلطة المتعاقدة بإبرامه.

‌د         حق التعويض من إخلال الإدارة بالتزاماتها التعاقدية

إذا كانت الإدارة تملك من الامتيازات والسلطات ما يمكنها من إجبار المتعاقد معها على عدم الإخلال  بالتزاماته العقدية ،فإن المتعاقد يملك حق المطالبة  بالتعويض إذا أخلت  بأي من التزاماتها التعاقدية،

والغالب ان نصوص العقد الداري  لا تنظم تفصيلا  الجزاءات المترتبة على إخلال الغدارة بالتزاماتها كما نظمت الجزاءات المترتبة على فشل المتعاقد على تنفيذ التزاماته بالعقد،وإنما يحصل المتعاقد  على حق التعويض عن إخلال الإدارة بالتزاماتها بوسيلة اللجوء  إلى القضاء .وفي هذا الإطار قضى حكم للمحكمة  الإدارية بمراكش المؤرخ بتاريخ 2-5-2001 تحت عدد 109 ما يلي :«إذا كانت الغدارة تملك اتجاه  المقاول سلطة المراقبة ،فإن إقدامها على توقيف  الأشغال وعدم  تنفيذ ما التزمت به ،يجعل المدعية  مستحقة للتعويض عن الخسارة»   .

ثالثا -التزامات المتعاقد مع الإدارة

المتعاقد مع الإدارة –شأنه شان أي متعاقد –يلتزم بمجموعة من الالتزامات أخصها احترام شروط العقد وما انطوت عليه من التزامات،إلا أن الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية تضفي على المتعاقد مع الإدارة التزامات متعددة يتعين عليه الانصياع لها حتى دون النص عليها.

وأهم الالتزامات التي توجبها طبيعة العقد الإداري على المتعاقد مع الإدارة  الالتزام بالتنفيذ الشخصي للأعمال محل التعاقد وما يرتبط بذلك من قواعد وقود تحكم  أداء العمل وتنفيذه وحدود إسناد هذه الأعمال آو جزء منها لمقاولي الباطن،وكذا مدى جواز النزول عن العقد أو الحقوق الناجمة عنه،كما يلتزم المتعاقد مع الإدارة بالتنفيذ في المدة المحددة لإيجاز  العمل محل  التعاقد وعدم جواز تأخير تسليم الأعمال عن الميعاد المحدد  عقديا  وما يترتب على ذلك  من آثار وجزاءات  حددها العقد ،ويلتزم أيضا بضمان سير المرفق العام ،وذلك كله فضلا عن التزامه  بتنفيذ الأعمال  محل التعاقد وفقا للشروط  والمواصفات المبنية بشروط التعاقد  وتسليم الأصناف  آو الأعمال تسليما ابتدائيا ثم انتهائنا  وما يرتبط بذلك من التزامات  فرعية آو أصلية  كالتزام صيانة  الأعمال  لمدة معينة  ثم التزم المتعاقد مع الإدارة  بضمان سلامة الأعمال سواء  أكان  ذلك وفقا لضمان  العشري الذي تحدده القوانين او أي مدد ضمان أخرى تحددها شروط التعاقد.

ü     الالتزام بالتنفيذ الشخصي.

ü     الالتزام بالتنفيذ في المدة  المحددة .

ü     الالتزام بضمان سير المرفق العام .

ü     الالتزام بتنفيذ الأعمال  محل التعاقد وتسليمها

ü     الالتزام بضمان سلامة الأعمال.

أ‌          الالتزام بالتنفيذ الشخصي

  يجب أن يتم تنفيذ العقد الإداري بواسطة المتعاقد مع الإدارة شخصيا ، ذلك هو المبدأ العام الذي يحكم العلاقة التعاقدية  بين الإدارة والمتعاقدين معها،وعلى ذلك فإن هذا الالتزام  يتطلب ضرورة أن يبذل المتعاقد الجهد المناسب في التعاون الشخصي  مع الإدارة  في تنفيذ العقد بنفسه من جهة ،وألا يتناول عن العقد او جزء منه أو يتعاقد،في شانه من الباطن  إلا بموافقة  واعتماد جهة الإدارة.

ب‌      التزام المتعاقد بالتعاون الشخصي في تنفيذ العقد

يلتزم المتعاقد مع الإدارة بان يقوم بنفسه بتنفيذ أعمال  العقد ،إذ من المقرر أن التزاماته حيال جهة الإدارة هي التزامات شخصية  يسأل عنها هو ذاته ومن ثم يلتزم بالتعاون الشخصي في تنفيذ العقد... ولكن ما هي حدود هذا التعاون الشخصي ومداه؟

ü     عدم جواز التنازل عن العقد  أو التعاقد من الباطن دون موافقة الإدارة

التنازل عن العقد هو أن يحل  المتعاقد مع الإدارة غيره محله لتنفيذ العقد كليا،أما التعاقد من الباطن  فهو أن يحل المتعاقد مع الإدارة غيره في تنفيذ بعض أجزاء العقد

وأولى النتائج المترتبة على التزام المتعاقد مع الإدارة بالتنفيذ الشخصي للعقد أنه لا يجوز له التنازل عن العقد أو التعاقد من الباطن دون موافقة  الإدارة وهذا الأثر مترتب بموجب الطبيعة  المميزة للعقد الإداري حتى ولو لم بنص على ذلك  في العقد.

الآثار  القانونية الناجمة  عن التنازل أو التعاقد من الباطن دون موافقة  الإدارة

إذا تنازل المتعاقد  مع الإدارة عن العقد للغير  أو تعاقد معه من الباطن  دون موافقة  الإدارة  فإن هذا التنازل وذلك التعاقد  لا ينفذان في مواجهة الإدارة  ويظل المتعاقد الأصلي  وحده دون غيره  مسؤولا عن تنفيذ العقد،فضلا عما يترتب  على ذلك التصرف  من مسؤولية عقدية في حق المتعاقد  مع الإدارة  تلزمه بتعويضها عما يسببه  ذلك التصرف لها من أضرار.

الآثار القانونية الناجمة عن اعتماد  الإدارة للتنازل عن العقد أو للتعاقد من الباطن

نفرق هنا بين كل من حالتي التنازل والتعاقد من الباطن:

1       حالة التنازل عن العقد المعتمدة من جهة الإدارة

في هذه الحالة يخرج المتعاقد الأصلي  من العلاقة العقدية  مع الإدارة وينشأ بين الإدارة  والمتنازل  إليه علاقة عقدية جديدة  مباشرة فيصير وحده المسؤول  عن تنفيذ العقد للمرحلة المقبلة،كما ينتقل اليه التزام صيانة الأعمال جميعها سواء المنفذة بمعرفة المتنازل أو تلك التي ستنفذ  بمعرفة المتنازل إليه ،إلا أن كلاهما  المتعاقد الأصلي  والمتنازل إليه يظلا مسؤولا عن ضمان العشري لسلامة الأعمال كل في حدود ما نفذه.

2       حالة التعاقد من الباطن المعتمد من جهة الإدارة

وفق المادة 84 من مرسوم 5 فبراير 2007 فإن التعاقد من الباطن عقد يتعهد بموجبه  صاحب الصفقة إلى الغير تنفيذ جزء من صفقته ،ويظل صاحب الصفقة  مسؤولا  شخصيا عن جميع الالتزامات الناتجة عن الصفقة سراء اتجاه صاحب المشروع  أو اتجاه العمال أو الغير.

ولقد أضحى التعاقد من الباطن  أحد الضرورات  التي لا غنى عنها في الكثير من العقود وخاصة عقود الأشغال  العامة لحسن التنفيذ وسرعته أن حجم الأشغال التي تنفذ وحجم الأعمال المطلوبة  وطبيعتها والتخصصات  المتعددة اللازمة لإنجاز  الأعمال صارت أمورا أساسية تستوجب تعاون المتعاقد الأصلي مع العديد من مقاولي الباطن أو الموردين  ومن ثم فإن الكثير  من عقود الأشغال العامة  صارت تضع   ضمن شروطها إلزام المتعاقد الأصلي مع الإدارة بأن يتعاون مع مجموعة محددة  من الاختصاصيين  توجب عليه التعاقد معهم من الباطن  دون غيرهم ،وتترك له حرية اختيار  بعض من يتعاقد معهم من الباطن .

ووفقا للقواعد والشروط التي تضعها الإدارة ضمن عقودها الإدارية  فان جهة الإدارة تمنح نفسها  حق رقابة سداد المتعهد  الأصلي لمستحقات  المتعاقدين معه من الباطن  بحيث لا تسمح  له بصرف مستحقاته  لديها قبل التأكد  بطريقة أو بأخرى  من سداده لمستحقات  متعاقدي الباطن  أو تقديم الأسباب المبررة لذلك،كما تنظم أحكام القانون  المدني وسائل المتعاقدين  من الباطن في مواجهة المتعاقد الأصلي  وفي مواجهة رب العمل.

ومسؤولية المتعاقد الأصلي عن تنفيذ الأعمال هي مسؤولية أصلية لا تتأثر  بموافقة الإدارة على قيامه بالتعاقد من الباطن مع بعض الاختصاصيين، وهي مسؤولية مقترضة  حتى ولو لم ينص  عليها في العقد ما لم ينص على  خلاف ذلك.

ب الالتزام بالتنفيذ في المدة المحددة

    مدة تنفيذ العقد الإداري  هي أحد مظاهر أهمية  العقد الإداري، إذ أن تسيير المرفق العام  وانتظامه يرتبط ارتباطا وثيقا  بأن يتم التنفيذ في الميعاد المحدد لذلك ،ومن هنا كان التزام التنفيذ في المدة المحددة التزاما  يحمله ويكلف  به المتعاقد مع الإدارة  ويترتب  على مخالفته توقيع الجزاء  المناسب الذي يبدأ بغرامة التأخير المقررة وينتهي بسلطة الغدارة في سحب العمل وتنفيذه  على حساب المتعاقد المقصر أو فسخ العقد.

   ومدة تنفيذ العقد  هي مدة تحددها الإدارة  قبل طرح الأعمال  محل التعاقد أو قبل طلب تورد الأصناف المطلوبة وليس للمتعاقد  الإدارة ثمة رأي في تحديد المدة ،وإنما عليه أن يقوم بتسعير  عطائه في ضوء تلك المدة التي تؤثر سلبا  أو إيجابا على قيمة عطائه.

     والعقد الإداري قد تكون له مدة إجمالية  يتم بانقضائها تنفيذ العقد،وقد ينقسم العرض إلى مراحل متعددة   لكل مرحلة مدة محددة  وللمشروع بكامله  مدة إجمالية ،وذلك سواء أكانت كل مرحلة على حدة تمثيل انجازا جزئيا من العقد يمكن  الاستفادة  منه باستلامه،أم كانت مدد المراحل  قد حددت لحت المتعاقد  مع الإدارة  على إنجاز العقد في ميعاده المقرر  بوسيلة إنجاز كل مرحلة  فيما حدد لها من ميعاد،وبالتالي فإن غرامة التأخير  الموقعة  على المتعاقد المقصر  في التنفيذ قد تحدده عن التأخير  الذي يتجاوز إجمالي مدة العقد، أو قد تحدد عن التأخير  الحاصل عن مدة كل مرحلة  على حدة حتى ولو تم إنجاز  العمل محل التعاقد ضمن المدة الكلية لمجموع المراحل.

§        أثر عدم النص على مدة محددة لتنفيذ العقد

     إذا لم ينص  العقد على ذلك ،فغن الغدارة لا تستطيع أن تفرض مددا  للتنفيذ لم يتفق عليها الأبناء على نص في العقد.ويناط بالقاضي وحده  في هذا الفرض تقدير المدة العادية  للتنفيذ بمراعاة ظروف كل حالة، وما يجري عليه العمل  في العقود المماثلة ،وما كانت تقصده نية الطرفين ،ومما شابه ذلك مما قد يساعد عل تحديد هذه المدة».

§        بدء سريان مدة تنفيذ العقد

   الأصل أن يبدأ تنفيذ العقد من التاريخ الذي يحدده العقد،فإذا خلا العقد من تحديد لتاريخ بدء التنفيذ، ولم يتطلب لذلك إجراء  جوهريا يبدأ التنفيذ من تاريخ حصوله  فغن تنفيذ العقد  في هذه الحالة يبدأ من تاريخ  توقيع العقد ، أي من التاريخ المعتمد به  كتاريخ لإبرام  العقد سواء كان هذا التاريخ هو تاريخ الإخطار بقرار إرساء المناقصة  باعتباره قبولا لإيجاب  المتعاقد المتمثل في عطائه،وسواء كان هذا التاريخ هو تاريخ  توقيع  الطرفين  على العقد.

إلا أن الكثير  العقود الإدارية وخاصة عقود الأشغال العامة  تعتد ببدء سريان مدة تنفيذ العقد اعتبارا من تاريخ صدور  أمر المباشرة أي الأمر ألمصلحي بالبدء في التنفيذ ،أو اعتبارا من التاريخ الذي يحدده  أمر المباشرة وهو عادة التاريخ المعتبر عند وصول  أمر المباشرة  إلى علم المتعاقد.

وقد تتطلب بنود العقد التزام الإدارة بإصدار أمر المباشرة  ،وبالتالي فإنها غما أن تحدد  ميعادا معينا لا تتجاوز الإدارة لإصدار أمرها المشار إليه، وقد لا تحدد بنود العقد ميعادا يجب صدور الأمر خلاله  أو بنهايته  وفي هذه الحالة الأخيرة يجب على الغدارة  أن تصدر  أمر المباشرة  خلال مدة معقولة وفقا للمتعارف عليه بحسب طبيعة الأعمال آو الأصناف محل العقد.

     ü            الآثار المترتبة على عدم تنفيذ العقد في المدة المحددة لذلك

إن إخلال المتعاقد مع الإدارة بالتزام التنفيذ في المدة المحددة بالعقد بترتب عليه توقيع الجزاء المتمثل غالبا في غرامة التأخير  المحددة ببنود التعاقد،وأيضا سلطة الإدارة في سحب العمل وتنفيذه على حساب المتعاقد أو فسخ العقد.وفي هذا الإطار قضت محكمة الاستئناف  الإدارية بالرباط في قرار لها بتاريخ 27-2-2008 تحت رقم 241:«إن المتعاقد في عقد الصفقة  يعتبر ملتزما  بالاستمرار في تنفيذ بنود العقد تحت طائلة مساءلة عن فعله السلبي... أن المرض الذي أصاب المتعاقد على فرض ثبوته لا يشكل إلا ظرفا  مؤقتا  يمكنه من الاستفادة من الإعفاء أو التخفيض من غرامات التأخير،ولا يشكل قوة قاهرة  يستحيل معها تنفيذ الصفقة استحالة مطلقة، وبالتالي فإن مصادرة الإدارة للضمانة لها ما يبررها» .

د   الالتزام بضمان سير المرفق العام

رغم أن المرفق العام من حيث إنشائه وسيره  وانتظامه  باطراد أول  واجبات  والتزامات الإدارة في مواجهة  جموع المواطنين المستفيدين  من ذلك المرفق ،إلا أن المتعاقد مع الإدارة صار شريكا للإدارة  متضافرا  معها في الالتزام بضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد.

وأبرز ملامح هذا الالتزام أن ليس للمتعاقد مع الإدارة  الدفع بعدم التنفيذ أو الموقف عن تنفيذ العقد الإداري لأي سبب مهما كان ،وإنما  يتعين عليه الاستمرار  دوما في التنفيذ ما دام  ذلك في استطاعته ،ثم يطالب جهة  الإدارة بالتعويض عن إخلالها بالتزامها  إن كان لذلك مقتضى  وكان له فيه  وجه  حق،إذ  على ما سلف البيان  لا يسوغ للمتعاقد  مع الإدارة الامتناع  عن تنفيذ العقد  بإرادته المنفردة .وهو ما قضت به المحكمة الإدارية  بمراكش  في حكم لها بتاريخ 24-5-200 تحت عدد 115 :«إن المدعية لا تستطيع في هذه الحالة  الاستفادة من الدفع  بعدم  التنفيذ المقرر  في القانون الخاص حفاظا عل سير المرافق العامة  بانتظام واطراد»   .

ب نهاية العقود الإدارية

    قد تنتهي العقود الإدارية  نهاية طبيعية ، لذات الأسباب التي تنتهي بها العقود  في نطاق القانون الخاص. ولا يختلف  الحال  في مجال القانون الإداري  عنه في مجال  القانون المدني . ولكن العقود الإدارية قد تنتهي نهاية مبتسرة ،قبل آجالها الطبيعي.وهنا توجد الأحكام المميزة  للعقود الإدارية عن غيرها  من عقود القانون الخاص.

Œ    نهاية العقود الإدارية نهاية طبيعية

1       تنتهي العقود بصفة عامة –ومن بينها العقود الإدارية –نهاية طبيعية  في الحالتين الآتيتين:

أولا : انتهاء العقد (أو انقضاؤه) لتنفيذ ما يترتب عليه  من التزامات تنفيذا كاملا. فعقد الأشغال العامة أو التوريد مثلا،والذي نفذ فيه المتعاقد  التزاماته،بإتمام الأعمال المطلوبة في الحالة الأولى،وتسليم البضائع في الحالة الثانية ، ينقضي متى أدت الإدارة الثمن كاملات للمتعاقد.

ثانيا : انقضاء العقد لنهاية  المدة المحددة  لبقائه :

ذلك أن من العقود الإدارية ،ما يرتبط بقاؤه  بمدى زمني  محدد.ومثال ذلك عقود الالتزام ،والتي يجب ألا  تزيد  مدتها على ثلاثين  سنة كما ذكرنا ،وعقود الأشغال  العامة المتعلقة بصيانة  بعض المنشآت  لمدى  زمني  محدد،وعقود التوريد لمدة محدودة،وعقود الإيجاز....إلخ

في كل هذه الحالات  ينتهي العقد بحلول  المدة المتفق عليها فيه.

2       غير أنه يجب التمييز  في هذا الخصوص  بين  العقود الفورية ، والعقود الزمنية:

فالعقود الفورية تنقضي بالتنفيذ إلى غير رجعه .

أما العقود الزمنية  فقد تتولد عنها بعض الآثار  رغم انقضاء المدة ،بحيث يكون للمتعاقد  الذي يستمر  في  تنفيذ التزاماته التعاقدية  بعد مرور المدة  الحق في مطالبة الإدارة بالمقابل ،وذلك في الصورتين التاليتين :

‌أ          حالة الموافقة  على التجديد الصريح أو الضمني :ولا صعوبة في حالة التجديد الصريح .ولكن يدق الأمر  في حالة التجديد الضمني .إذا كانت ظروف الحال تكشف  عن رضاء  ضمني  من جانب الإدارة والمتعاقد  على الاستمرار في التنفيذ  رغم انقضاء المدة المتفق عليها .

‌ب     حالة استمرار  ملتزم المرافق العام في أدار الخدمة  المنوطة بالمرفق العام،بشرط حسن النية،وثبوت  فائدة  الخدمة للإدارة  فحينئذ ،يعوض مجلي الملتزم بصرف النظر عن فكرة التجديد الضمني للعقد.

    نهاية العقود الإدارية نهاية غير طبيعية

قد لا يبقى العقد الإداري حتى ينتهي نهاية طبيعية بالتنفيذ أو بانقضاء المدة كما في الحالة السابقة ، بل يحدث أن ينتهي  نهاية مبتسرة  وقبل الأوان  ويمكن إرجاع  انقضاء  العقد في هذه الحالة الأسباب الآتية:

أولا: الفسخ باتفاق الطرفين  آو التقابل

ثانيا:الفسخ القضائي

ثالثا :الفسخ عن طريق الإدارة

رابعا : وهناك حالات خاصة تصدر فيها  قوانين لتنظيم كيفية إنهاء بعض العقود في ظروف معينة.

وفيما  يلي نعرض لدراسة الحالات السابقة.

اولا - الفسخ باتفاق الطرفين أو التقابل

قد تنتهي العقود الإدارية نهاية متيسرة إذا اتفق المتعاقد ووجهة الإدارة على إنهاء العقد قبل نهايته الطبيعية، ذلك أن إلزام  العقد الإداري إنما يستند إلى رضاء الطرفين ، وبالتالي فغنه  يزول برضائهما أيضا ،ولا صعوبة في هذا المجال ‘ذ تطبق الأحكام المدنية في هذا الصدد.

 ولابد لإنهاء العقد بهذه الصورة من موافقة الجهة  التي تملك ويجب  أن تظهر إرادتها واضحة ،ولكن لا يشترط  أن تفرغ تلك  الإرادة  في  صورة معينة .وقد يكون الفسخ الإتفاقي مصحوبا  بتعويض المتعاقد  عما فاته  من تكملة  تنفيذ العقد أو بلا تعويض لما يتفق عليه يتفق  عليه المتعاقدان ،فذلك مما يترك  لحريتهما المطلقة.

الفسخ بقوة القانون

 ينقضي العقد بقوة القانون  في بعض الحالات  متى  تحققت  شروط معينة منها:

أ‌-       هلاك  محل العقد () فإذا هلك محل  العقد ، انقضى القد بقوة القانون . وقد يكون هلاك المحل  بسبب خارجي عن الطرفين ، وهنا ينقضي العقد دون  ان يحتمل أي   من الطرفين  تعويضا بسبب هذا الانقضاء.

 وقد يكون مرجع الهلاك  إلى عمل  الإدارة ،وحينئذ نكون  على الحد الفاصل  بين  إنهاء العقد بقوة القانون ، وإنهائه بالطريق الإداري. وهنا قد يصحب  إنهاء العقد ، تعويض المتعاقد  عن هذه النهاية المبتسرة لعقده ، وذلك  في حالة ما إذا  هلك المحل  نتيجة لإجراء عام ،فحين ئد لا يعوض المتعاقد إلا إذا توافرت  شروط نظرية عمل الأمير.

ب‌-  إذا تحققت  شروط معينة  منصوص  عليها في العقد :فمتى تحققت تلك الشروط ينفسخ  العقد بقوة القانون من تاريخ تحققها

ج- :إذا تحققت أسباب  معينة  منصوص عليها في القوانين أو اللوائح.

وأحيانا يصدر تشريع يقضي بإنهاء بعض أنواع العقود ، وذلك لأسباب  في جميع الحالات السابقة  يتم الفسخ بقوة  القانون  من تاريخ تحقق أسبابه.

ثانيا - الفسخ القضائي

 والفسخ القضائي هو الذي يتعين أن ينطق به القاضي بناء على طلب أحد الطرفية.

والأسباب التي من اجلها  يحكم القضاء الإداري  بالفسخ عديدة :

                ü الفسخ القضائي بسبب القوة القاهرة.

                ü الفسخ القضائي كجزاء للإخلال بالالتزامات العقدية.

                ü الفسخ كموازن لحق الإدارة في التعديل.   

 

                ü  حالة القوة القاهرة

تؤدي القوة القاهرة إلى إعفاء المتعاقد من التنفيذ.وبالتالي فإن الإدارة في هذه الحالة  لا تستطيع إرغامه على التنفيذ،ولا أن توقع  عليه عقوبات بقصد تحقيق هذه الغاية،كما أنها لا تستطيع أن توقع عليه غرامات التأخير.ولكن ما أثر القوة على العقد؟

إن المسلم به في القانون  المدني ،أن القوة القاهرة ،والسبب الأجنبي بصفة عامة ،يؤدي إلى انفساخ العقد من تلقاء نفسه.وبهذا المعنى  تعتبر القوة القاهرة  من الأسباب القانونية لانفساخ العقد.فإذا التجأ المتعاقد إلى القضاء للحصول على حكم بان استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي ،فغن الحكم في هذه الحالة يقرر الفسخ ولا ينشئه.

إن للقوة القاهرة وضعا خاصا في نطاق العقود الإدارية،ذلك أن القضاء الإداري قد توسع في معنى القوة القاهرة ،فأصبح لها معنيان في قضائه:

‌أ          المعنى الأول :وهو المعنى الأصيل  للقوة القاهرة،وهي الحادث الخارجي ،الذي يستحيل دفعه ،والذي يؤدي إلى استحالة  التنفيذ استحالة مطلقة ، حيث قضت  محكمة الاستئناف  الإدارية بالرباط في قرار لها بتاريخ 27/2/2008 تحت رقم 241 :« أن واقعة  مرض المتعاقد على فرض ثبوتها لا تشكل إلا ظرفا مؤقتا ، ولا يمكن إدخاله  ضمن  حالات  القوة القاهرة لانتفاء  عنصر استحالة دفع الحادث ، ما دام انه بإمكان المستأنف الاستعانة يشخص يخر لتنفيذ بنود الصفقة»  فهل تؤدي القاهرة في هذه الحالة إلى انقضاء العقد بقوة القانون ؟

يتعين  في هذه الحالة  التفرقة بين  الفسخ الذي يطلبه المتعاقد ، وذلك الذي تطلبه الإدارة:

ففيما يتعلق بالمتعاقد ،أنه يتعين  عليه أن يلجأ إلى القضاء للحصول على حكم بانفساخ العقد للقوة القاهرة.

أما فيما يتعلق بالإدارة  فإنها تستطيع  إنهاء  العقد بقرار منها استنادا إلى القوة القاهرة ، فيصبح الفسخ هنا فسخا إداريا.

وهذا الرأي يضع في الاعتبار الظروف الخاصة بالعقود الإدارية ، والتي تستلزم الاستمرار في أداء الخدمة حتى لا يتوقف المرفق مهما كان الثمن.

 وبالتالي يجب  ألا  يترك للأفراد حرية تقدير ما يعتبر من القوة القاهرة ، مع مراعاة أن هذا الحل لن يثقل عليهم في شيء اللهم إلا في رفع  الأمر لإلى القضاء للتأكد من ان يستند إليه المتعاقد  هو من قبيل القوة القاهرة التي لا شك فيها.

‌ب     المعنى الثاني للقوة القاهرة ،وهو أن الظرف الطارئ يمتاز عن القوة القاهرة ،لأنه لا يؤدي إلى استحالة  تنفيذ الالتزام ،بل يجعل ذلك التنفيذ مرهقا.وبالتالي فإن المتعاقد لايمكنه أن يستند إلى هذا الظرف للمطالبة  بتحرره من التنفيذ ،أي بانقضاء العقد ،بل فقط بإعفاء المتعاقد من بعض الحقوق وفي هذا الإطار قضت المحكمة  الإدارية بمراكش  بتاريخ 7/6/2000 تحت عدد 117 ما يلي :«ان انتشار وهجوم الفئران ،وإتلاف نسبة من الاغراس موضوع  الصفقة  يشكل ظاهرة غير متوقعة لابد للمتعاقد مع الإدارة فيها...ولا يحول دون إعفاء المتعاقد  من الضمان» 

                ü  الفسخ القضائي كجزاء  لخطأ المتعاقد

رأينا عند دراسة الجزاءات التي تترتب على الإخلال بالإلتزامات العقدية إن للمتعاقد المضرور أن يطالب بفسخ العقد قضائيا ،إذا بلغت المخالفة حدا كبيرا  من الجسامة ،لا تجدي في مواجهة الجزاءات الأخرى ورأينا أيضا موقف الإدارة يختلف عن موقف المتعاقد في هذا  الخصوص على النحو التالي:

أولا : بالنسبة للمتعاقد :لابد من أن يلجا إلى القضاء للحصول  على حكم  بفسخ  العقد في جميع الحالات،كما سبق أن ذكرنا. القضاء لا ينطق بالفسخ  إلا إذا أخطأت الإدارة خطأ جسيما .وإذا حكم به فإن آثاره ترتد إلى يوم رفع الدعوى،كما أنه يتم على مسؤولية  الإدارة.وكل ذلك وفقا للتفصيل الذي عرضنا له من هذا المؤلف.

ثانيا :بالنسبة إلى الإدارة :تستطيع الإدارة ،كما هو معروف ،أن تلجا إلى فسخ العقد بقرار إداري منها استنادا إلى خطأ المتعاقد في تنفيذ التزاماته العقدية.ولكن القضاء يستثني من ذلك حالة امتياز المرافق العامة ،فيجعل  إنهاءها من اختصاص القضاء إلا إذا تضمن العقد حكما يقضي بغير ذلك.

وللإدارة بطبيعة الحال ،أن تنزل عن استعمال حقها في نشخ العقد ،وتسلك سبيل التقاضي كالمتعاقد الآخر ،حتى تضمن عدم رجوع المتعاقد  عليها بالتعويض،وهو ما أكدته المحكمة الإدارية  بمراكش في حكم لها بتاريخ16-4-2003 تحت عدد 89 حين قضت : «لا مانع يمنع للغدارة من الالتجاء إلى القضاء الإداري بشأن  فسخ العقد ما دامت ترى في ذلك ضمانة للطرفين أفضل مما هو لفائدة  بمقتضى بنود العقد أو دفتر الشروط العامة»

تملك الإدارة حق التدخل  في مجال العقود العقود الإدارية،وزيادة التزامات المتعاقد  أو إنقاصها . ولقد ذكرنا أن هذا الحق مشروط بألا تتجاوز تلك التعديلات  حدودا معينة ،وألا تؤدي  إلى قلب اقتصاديات العقد رأسا على عقب ،أو إلى تغيير جوهره بحيث  يصبح المتعاقد وكأنه  عقد جديد ما كان ليقبله  لو عرض عليه  عند التعاقد لأول مرة .-وإذا وجد أن التعويض لن يجديه  في مواجهة  الظروف الجديدة –أن يلجأ إلى  القضاء للمطالبة بفسخ العقد.

وإذا  حكم القاضي بالفسخ ،فإن أثاره تريد إلى تاريخ رفع الدعوى .ويصحب هذا النوع  من الفسخ تعويض باستمرار،يغطي جميع ما يلحق المتعاقد من أضرار ،وما يفوته من كسب ،بسبب الحكم بفسخ العقد ،لأن مرجع الفسخ بالفرض ،إلى تصرف الإدارة.

                ü  الفسخ عن طريق الإدارة

إن حق الإدارة في فسخ العقود الإدارية بقرارات  تصدر منها ،من الخصائص البارزة  التي تميز نظام العقود الإدارية ،عن النظام المقرر في القانون الخاص.ولدراسة هذه الوسيلة من وسائل انقضاء العقود يميز الفقهاء بين حالتين:

أولا :حالة الفسخ المنصوص عليه في العقد أو بمقتضى نص في القوانين أو المراسيم المنظمة للصفقات العمومية.

ثانيا: حالة الفسخ خارج نطاق النصوص.

     ü            الفسخ المنصوص عليه

قد يتم النص على حق الإدارة في فسخ العقد،في شروط ذلك العقد.وهنا لا صعوبة في الأمر،لأن هذا التقليد مألوف في عقود القانون الخاص .وكل ما في الأمر  ،أن النص في العقد الإداري صراحة  على حق  الإدارة في الفسخ كجزاء لمخالفة  معينة،لا يمكن أن يحجب  حقها في الالتجاء إلى جزاء الفسخ في حالة ارتكاب  المتعاقد لمخالفات  أخري غير تلك المنصوص  عليها في العقد ،نظرا لأن الإدارة  لا تستمد حقها  في توقيع  هذا الجزاء  من نصوص العقد،ولكن من طبيعة العقد الإداري .ولهذا قلنا إن الإدارة لا تستطيع أن تتنازل عن سلطتها  تنازلا كاملا أو جزئيا.وكل ما لهذه الشروط من أثر،إنما يظهر في حالة الحكم بالتعويض عن الأضرار التي تصيب المتعاقد نتيجة لإخلال الإدارة بالتزاماتها التعاقدية ،على التفصيل الذي سبق ذكره.

 

وقد يرد النص على حق  الإدارة في فسخ العقد في نصوص القوانين والتشريعات المنظمة للصفقات العمومية.

     ü            الفسخ غير المنصوص  عليه

يعتبر الفسخ من أخطر  القرارات التي قد تتخذها الإدارة  في مواجه المتعاقد لاسيما وأنه قد يكون مقرونا بجزاءات تبعية،والمسلم في هذا الخصوص  أن حق الإدارة في إنهاء عقوده اهو أمر مسلم به ،حتى ولو لم يرتكب  المتعاقد أي خطأ.

وأساس حق الإدارة في إنهاء العقود  قبل الأوان،هو ذات الأساس الذي شرحناه عند دراسة حق الإدارة في تغيير بعض شروط العقد.ولهذا فإن الأحكام التي ذكرناها بخصوص  حق التعديل تصدق  في هذا المجال ،باعتبار أن الإنهاء ينصب على الشرط  الخاص بمدة العقد ،فيتعين أن تجد ظروف  تستدعي هذا الإنهاء ،وأن يكون رائد الإدارة  في الالتجاء إليه  تحقيق الصالح العام.ومن ثم  فإن للإدارة أن تنهي العقود الإدارية إذا أصبحت غير ذات فائدة  للمرفق العام،أو أوضحت تحقق المصلحة العامة المقصودة.

ولما كان  حق التعديل يتناول جميع العقود الإدارية ،فإن سلطة الإنهاء تمتد إلى جميع العقود  الإدارية أيضا،بشرط تحقيق الأساس  الذي تقوم عليه ،وإن كان تمت بعض العقود الإدارية  التي يكون من العسير تحقيق شروط التعديل فيها.فحق التعديل –بما فيه سلطة الإنهاء –لا يمكن  استعماله إلا لتحقيق صالح المرفق.

والعقود المالية بطبيعتها  لا تمس المرافق العامة بطريق مباشر،وبالتالي لا يجوز إنهاءها قبل الأوان .ومثال ذلك عقد القرض العام،فإنهاء مثل هذا العقد  لابد وأن يستهدف تحقيق  مصالح مالية للإدارة –وللإحاطة بمدى حق الإدارة  في إنهاء العقود الإدارية،يتعين مراعاة الأحكام التالية:

أولا :حق الإدارة في إنهاء العقود الإدارية ليس سلطة مطلقة ،تلجأ إليها الإدارة  كيفما أرادت .ولكنها سلطة تقديرية ،يجب أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة.ومن الأسباب التي تبرر الالتجاء إلى تلك السلطة ،زوال الغرض الذي من أجله تعاقدت  الإدارة

ثانيا :إن الإدارة حين تستعمل تلك السلطة ،إنما تستعملها تحت رقابة القضاء.وللقاضي الإداري بناء على طلب المتعاقد أن يتحرى الأسباب الحقيقية  التي دفعت الإدارة إلى إنهاء العقد.ويصح القرار  الصادر بالإنهاء غير مشروع،إذا قام الإنهاء على سبب غير سليم ذ،أو إذا استهدفت الإدارة مصلحة غير المصلحة العامة...إلخ.

ثالثا :ولكن سلطة  القاضي محدودة  في هذه الحالة ،فهي مقصورة على التحقق من جدية السبب الذي استهدفته الإدارة.ولكنه لا يملك التصدي  لبحث مدى ملائمته إنهاء العقد للسبب الذي قام عليه الإنهاء.وهكذا تختلف  رقابة القضاء  في هذا المجال عنها في حالة رقابة  فسخ  العقد كجزاء لخطأ المتعاقد:ففي هذه الحالة الأخيرة ،للقاضي أن يبحث  مدى ملائمة الفسخ كعقوبة للخطأ المنسوب إلى المتعاقد.

رابعا :إذا ثبت للقضاء الإداري أن القرار الصادر بإنهاء العقد لا يقوم على سبب مشروع  ،فإنه يملك الحكم بالتعويض كقاعدة عامة ،ويوازي سلطة الإدارة الخطيرة في إنهاء العقد حق المتعاقد في الحصول على تعويض.وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكم لها تحت عدد 246 بتاريخ 5/5/2003 ما يلي :« للجهة  الإدارية  أن تنهي العقد في أي وقت تشاء دون وقوع خطأ من المتعاقد إذا اقتضى الصالح العام ،بشرط تعويض المتعاقد تعويضا كاملا» .

غير أن التعويض  يخضع  للأحكام العامة المقررة في هذا الصدد.

ومنها شرط حصول ضرر من جراء  إنهاء العقد.فإذا ثبت  أن فسخ العقد لم يرتب  ضرر للمتعاقد فلا تعويض عند تحديد التعويض،يلجأ القاضي إلى النصوص أولا ،فإذا لم يكن  ثمة نص في القوانين أو في العقد ذاته،فإن القضاء الإداري يتبع القواعد الآتية في تحديد قيمة  التعويض:إن التعويض الذي يحكم به في هذه الحالة ،هو التعويض الكامل ،الذي يغطي جميع ما لحق المتعاقد من خسارة ،وما فاته من كسب.ويدخل في تقدير  التعويض ،الأضرار المعنوية.

على هذا القضاء الإداري يستبعد من التعويض الذي يمنحه عنصر الأرباح التي تفوت المتعاقد من جراء الفسخ،في حالة  ما إذا ثبت أن إنهاء العقد كان مرجعه إلى ظروف خارجية لا يد للإدارة فيها ،وتجعل الفسخ نتيجة لا يمكن تجنبها على الأقل من حيث الواقع.

المبحث الثاني :اسس الرقابة القضائية على القرارات الادارية

يرتكز القضاء الإداري على مبادئ المشروعية ،فقد عرفت أحكام القضاء الإداري منذ الحماية تطورا ملحوظا سعيا إلى حماية الحقوق والحريات العامة.

المطلب الاول: مبدأ المشروعية

الفقرة الاولى : تعريف مبدأ المشروعية

يقصد بمبدأ المشروعية أو كما يطلق عليه بعض الفقهاء« مبدأ سيادة القانون » خضوع الدولة بجميع سلطاتها وأفرادها لقواعد عامة مجردة وملزمة موضوعة سلفا ،  يحترمها كل من الحاكم والمحكوم  على السواء ، ويشمل نطاق تطبيقه جميع السلطات الحاكمة  في الدولة ،فكل السلطات العامة تخضع للقانون  وتلتزم حدوده .

إن هذا المبدأ الذي يطلق عليه تارة مبدأ المشروعية وتارة أخرى  مبدأ سيادة القانون ،يقضي دائما بخضوع الإدارة  للقانون والالتزام بأحكامه . ولا يقصد بالقانون معناه الضيق أي القانون الصادر عن السلطة  التشريعية فقط ،  بل يقصد به القانون بالمعنى  الواسع الذي يشمل مجموعة القواعد القانونية الملزمة المكتوبة والغير المكتوبة  طبقا لمبدأ تدرجها .

الفقرة الثانية : مصادر المشروعية

    ويمكن حصرها في مصادر مكتوبة تتمثل في أحكام الشريعة الإسلامية،الدستور،القوانين الصادرة عن الجهاز التشريعي  والقرارات التنظيمية . ومصادر غير مكتوبة تتمثل أساسا في الأعراف الإدارية والمبادئ العامة للقانون.

Œ    أحكام الشريعة الإسلامية

     المملكة المغربية باعتبارها دولة إسلامية، كان بديهيا أن تمثل فيه الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا من مصادر القانون  الإداري والمشروعية ، والتي تحتل مركز الصدارة  في هذا المجال على اعتبار أن دستور  المملكة أكد في ديباجته أن :«المملكة المغربية دولة الإسلام» . فيما نص الفصل175  أن :«النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة ».ويستخلص من اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر القانون الإداري ضرورة احترام السلطات العامة لأحكامها ،فكل عمل صادر عن السلطات الإدارية مخالف  لتلك الأحكام يتصف بانعدام المشروعية  والقاضي ملزم بإلغائه.

    ويمكن الاستشهاد في هذا المجال  بما سارت وفقه على سبيل المثال  ،المحكمة الإدارية بفاس ، لما استندت على مبادئ التشريع الإسلامي لإبطال قرار إداري: وحيث أنه بالرجوع إلى المشرع الإسلامي يتبين أن الإسلام  يسوي بين الرجل والمرأة في عق التعليم ،وقد كان الرسول (ص) أول من طبق هذا المبدأ ،وحيث أنه وعلى مقتضى ما ذكر يكون القرار المطعون فيه  قد تعارض مع مبدأ المساواة وبالحق في التعليم  وأضل بهذه المبادئ الدستورية العليا[46].

    أحكام الدستور

    يعد الدستور القانون الأساسي للدولة ،وهو قانون تخضع لمقتضياته على حد سواء السلطات التشريعية ، التنفيذية ،والقضائية ، وعليه فأحكام القانون الإداري والسلطات الإدارية ملزمة باحترام مقتضياته .

   ولعل أهم إشكالية  تطرح كلما تعلق  الأمر بتناول الدستور باعتباره مصدرا من مصادر المشروعية ،تحديد القيمة القانونية لإعلانات الحقوق المنفصلة عن الدساتير ، ويطرح نفس المشكل بالنسبة للديباجات المتصدرة للدساتير والمتضمنة للمبادئ والمثل السامية التي تبناها واضعوها .

    جانب من الفقه يرى أن إعلانات الحقوق ومقدمات  عن الدساتير تحظى بقيمة قانونية أعلى من قيمة نص الدستور نفسه ،ويترتب عن ذلك أن تكون تك المبادئ ملزمة ليس فقط للسلطات الإدارية ، بل أيضا للسلطة التأسيسية أصلية  كانت أم فرعية عند وضعها للدستور  جديد  أو إدخال تعديلات على وثيقة دستورية  قائمة .فيما يرى اتجاه آخر أن تلك الإعلانات والمبادئ لها قيمة مساوية  فقد للدستور ،وتحظى بنفس القوة القانونية ،وعليه كان بإمكان البرلمان –وفق هذا الاتجاه- تناولها بالتعديل في الدول ذات الدساتير المرنة ،فيما اتجه فريق ثالث إلى إنكار أية قيمة قانونية لإعلانات الحقوق معتبرا أنها لا تشكل سوى توجهات سياسية ،أخلاقية ،وفلسفية ذات قيمة أدبية ليس إلا.

وحيت أن الرابطة قوية بين القانون الإداري والدستوري، لذلك نجد الدستور يتضمن عادة العديد من الفصول التي تستهدف وتنظم الإدارة،ومثال ذلك القواعد الخاصة  باللامركزية الإدارية(الفصو135الى 146من دستور 2011) . والقواعد المتعلقة بإحداث المؤسسات العمومية بقانون،أو بتقرير النظام الأساسي للوظيفة العمومية بقانون. والضمانات القانونية المعترف بها  للموظفين المدنيين والعسكريين (الفصل 71من الدستور) ، وحق تولي الوظائف العامة ومبدأ مساواة المرأة والرجل (الفصل19). وعليه،يحتوي الدستور على بعض القواعد المنظمة للإدارة ومن ثمة وجب اعتبارها مصدرا مباشرا من مصادر القانون الإداري،ويطلق عليه جانب من الفقه الأسس الدستورية للقانون الإداري.[47]

Ž    التشريع العادي أو القانون العادي

المقصود بالقوانين هنا ،هي تلك الصادرة عن البرلمان حيث الإدارة ملزمة  بالخضوع لمقتضياتها  واحترام مضامينها،وكل مخالفة تجعل تصرفاتها غير مشروعة وبالتالي باطلة .وتفاديا لكل ليس لهذا المجال ،اللازم التأكيد أن مفهوم القانون خضع لتحولات حيث أصبح اليوم له معنى واسع يتضمن في نفس الوقت التشريع العادي (البرلمان) والتشريع الفرعي(الحكومة)،قياسا على النهج الذي سلكه الدستور الفرنسي لسنة 1958 بخصوص تحديد مجالي القانون واللائحة  ،وهو ما أعطى الحق  للحكومة للتدخل في التشريع.بناء عليه بعض المراسيم  من المحتمل إن تختلط بالتشريع الصادر عن البرلمان الشئ الذي يصبح معه ضروريا  التمييز بين المراسيم

 عن غيرها من الأعمال المشابهة. décrets-lois التشريعية ،أو مراسيم بمثابة قانون

هناك على الأقل ثلاثة أنواع من المراسيم التشريعية المتخذة من قبل الحكومة في هذا المجال :

‌أ          المراسيم التي تتخذها السلطة التنفيذية بإذن مجلس النواب بناءا على مقتضيات الفصل 70  من الدستور الحالي [48]،الذي أكد بهذا الخصوص أن القانون إذا كان  يصدر عن البرلمان بالتصويت،فبإمكانه  أن يأذن للحكومة أن تصدر  قوانين في ظروف من الزمن محدودة  ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص عادة القانون باتخاذها، ويجري العمل  بتلك المراسيم بمجرد نشرها.إلا أنه يجب عرضها على مجلس  النواب بقصد المصادقة عند انتهاء الآجال الذي حدده القانون ،ويعتبر قانون الإذن باطلا في حالة حل النواب أو مجلس المستشارين ،أما في حالة مصادقة البرلمان على تلك المراسيم فإنها تصبح قانونا بالمفهوم الضيق.

‌ب     المراسيم التي تتخذها الحكومة بناء على معطيات الدستور الحالي[49] الذي ينص أنه :«إذا لم يتم في نهاية السنة المالية ،أو صدور الأمر بتنفيذه بسبب إحالته إلى المجلس الدستوري ،فإن الحكومة  تفتح بمرسوم الإعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية بقصد الموافقة»

المراسيم التشريعية  المتخذة بناء على الفصل 70 من الدستور الحالي[50] ،الذي يعطي الإمكانية للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة  بين الدورات مراسيم قوانين باتفاق مع اللجان البرلمانية المعنية بالامر   في كلا المجلسين ،ويجب عرضها بقصد المصادقة أثناء الدورة الموالية  العادية لمجلس النواب  او مجلس المستشارين ،وبعد المصادقة تصبح قانونا عاديا .

هذه القوانين متى كانت صادرة  عن الحكومة بإذن من البرلمان ،أو تمت المصادقة عليها  فيما بعد تعتبر من مصادر القانون  الإداري،وعليه فنشاط الإدارة في هذا المجال  مقيد وتصرفاتها يجب أن لا تخالف محتوى تلك القوانين لأنها  تعد أساس  شرعية تصرفاتها .

    القرارات التنظيمية

القرارات الإدارية التنظيمية هي قرارات صادرة عن الحكومة،وتتخذ شكل القواعد العامة والمجردة الموجهة إلى الأشخاص  الذين تنطبق عليهم الشروط الواردة في تلك القواعد .والإدارة ملزمة باحترام مقتضياتها ،ولا تستطيع مخالفتها  بواسطة القرارات الإدارية الفردية.

هذه القرارات لما كانت ذات مدى عام،وتخاطب مجموعة من الأشخاص  غير محددين بذاتهم ،فإنها شبيهة بالقوانين  العادية من حيث الشكل  وإن كانت تصدر عن الحكومة[51] . وتختلف عن القرارات الفردية  الموجهة إلى شخص أو أشخاص محددين ،بل القرارات التنظيمية  لا تنتهي بتطبيقها مرة  واحدة وتظل قائمة متى توفرت الشروط القانونية  لإدخالها حيز النفاذ[52]. والقرارات الإدارية التنظيمية يجب التمييز بينها : فمنها ما يصدر في الظروف العادية،وهي القرارات التنظيمية لتنفيذ القوانين أو ما يسمى بالمراسيم التنفيذية [53]،والقرارات في الظروف العادية ،وهي القرارات التنظيمية  لتنفيذ القوانين أو ما يسمى  بالمراسيم التنفيذية ،والقرارات التنظيمية المستقلة (اللوائح المستقلة )[54].وهناك تلك التي تصدر في الظروف الاستثنائية ،وتسمى بالقرارات  التنظيمية للضرورة أو مراسيم الضرورة [55]، والقرارات التنظيمية التفويضية(لوائح التفويض).[56]

كل هذه القرارات التنظيمية  هي أعمال صادرة  عن الحكومة لها قوة إلزامية مما يستتبع ضرورة احترامها والتقيد بمضمونها،فلا يمكن إلغاؤها   أو تعديلها إلا باحترام الإجراءات والشكليات المنصوص عليها قانونا.كما أن مخالفاتها للحقوق المكتسبة ،وللمبادئ العامة للقانون يؤدي إلى بطلانها،وعليه تشكل مصدرا أساسيا من مصادر القانون والمشروعية الإدارية.

    الاجتهاد القضائي

كانت الأحكام القضائية  تحظى بحجية الشئ  المقضي به  أي أن الأحكام بعد صدورها عن الجهة القضائية المختصة ، واستنفاذها لجميع طرق الطعن تصبح نهائية توفيرا للاستقرار القانوني داخل نظام الدولة ، فإن الإدارة شأنها في ذلك شأن الخواص،ملزمة بالامتثال لمقتضياتها .والإدارة لما كانت ملزمة بالخضوع لقرارات القضاء،فإن غير ذلك مؤداه خرق القانون ومخالفة مبادئ المشروعية ،وعليه فالسوابق القضائية تعد في بعض الفرضيات دور المشرع في وضع قواعد القانون الإداري،بل وفي دوره في تفسير ،توضيح،وتكميل تلك النصوص متى كانت مبهمة وغامضة.

    العرف

ظهور العرف الإداري مرتبط بإتباع الإدارة في تسيير وتدبير شؤونها  لمجموعة من التصرفات وسلوك متواتر،والتي تتحول بفعل عال التكرار والاستمرارية لتكتسي  صفة القاعدة القانونية الملزمة الواجب عدم مخالفتها .ولئن كان العرف مجرد تعبير ضمني لما تقوم به الإدارة في أداء وظائفها،فإن قيامه مرهون بتوفر ركنين :ركن مادي وركن معنوي.

الركن المادي:أن يكون إتباع الإدارة لسلوك أو تصرف معين بصفة منتظمة واعتيادية  وبدون انقطاع ، فإذا سقط هذا الشرط فلا يرتفع العمل الذي دأبت الإدارة على نهجه إلى مستوى القاعدة العرفية الملزمة.

الركن المعنوي:إحساس وشعور الإدارة بإلزامية التصرف أو السلوك الذي درجت على إتباعه،والعرف يجب ألا يكون قد  نشأ مخالفا لنص قائم ،كما يجب التمييز بين العرف الإداري والتسامح الإداري.فالأول ملزم ولا تستطيع الإدارة مخالفته أو إغفال تطبيقه ،أما الثاني فهو غير ملزم  ولا يؤدي إلى فقدان أو اكتساب  أي حق مما وجب معه الجزم أن التسامح الإداري لا يعتبر مصدرا من مصادر القانون الإداري.تبقى الإشارة بهذا الخصوص ،أن التزام الإدارة بالقواعد العرفية  لا يجعل تلك القواعد  أدبدية وسرمدية ،فالإدارة قد تتغاضى عن تطبيقها إن هي قررت إحلال محلها قواعد جديدة كلما اقتضت المصلحة العامة ودواعي العمل الإداري ذلك .

    المبادئ العامة للقانون:[57]

 مكانة ومركزا متميزين بين مصادر القانون الإداري ،بحيث أنه من الصعب أن نجد لها  مثل هذه المكانة في ظل أي فرع من فروع القانون الأخرى.

ولعب القضاء الإداري  الفرنسي  في هذا المجال دورا رياديا ،لاسيما مجلس الدولة الذي ساهم  في كيفية في إرساء  هذه المبادئ ،تدعيمها ،والكشف عنها .ومن الناحية  الزمنية البحثة يعود تاريخ  ظهورها ،والعمل بها إلى سنة 1940،عقب اجتياح القوات الألمانية لفرنسا  إبان الحرب العالمية الثانية  وسقوط الجمهورية الثالثة ،وإقامة حكومة مؤقتة (حكومة فينشي) وهو وضع أدي إلى انهيار النظام المؤسساتي  والسياسي الفرنسي ، وسقوط النصوص الدستورية وما تتضمنه  من حماية لحقوق  الأفراد وحرياتهم في مواجهة الإدارة ،فابتكر مجلس الدولة الفرنسي المبادئ العامة وأقر بإجبارية العمل وفقها ،وفرض على الإدارة احترام  مقتضياتها  وإلا أصبح نشاطها  غير مشروع .وقد سار القضاء الإداري في الدول المتأثرة بالنظام الفرنسي على نفس الوثيرة  والتقليد،وعليه نجد لهذه المبادئ تطبيقا فعليا في أحكام وقرارات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.

والمبادئ العامة للقانون ،متنوعة وكثيرة ،وقد حاول الفقه تجميعها  وتأصيلها بحيث يتفرع عن كل أصل  العديد من المبادئ الفرعية .فهناك من الفقهاء من أرجعها  جميعا إلى مبدأ الحرية،ومبدأ المساواة ، ومنهم من أضاف إليها مبدأ استقرار المعاملات،ومبدأ تلبية احتياجات العمل الإداري،ومتطلبات الصالح العام.

وعليه تفرع عن مبدأ الحرية مبدأ حرية الاعتقاد ،وعن مبدأ المساواة مبادئ المساواة في تولي الوظائف  العمومية ،وفي تحمل الضرائب ،والنفقات،والتكاليف،والحق في حصول على خدمات  المرافق العامة ....إلخ.

ومن تفريعات مبدأ استقرار المعاملات  مبدأ قوة الشئ المقضي به،وعدم رجعية القرارات الإدارية.أما مبدأ متطلبات الصالح العام  فقد تفرعت عنه مبادئ سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد وديمومتها، وتوسيع سلطات واختصاصات  الإدارة في الظروف الاستثنائية ،وقابلية العقود الإدارية للتعديل من طرف الإدارة وحدها

دون رضاء الأفراد.وهي مبادئ كلها يؤطرها  مبدأ جوهري وأساسي :«مبدأ المشروعية الإدارية»  أي مبدأ سمو علو القانون وسيادته  داخل الدولة ،وفق هذا التصور  تكون كافة أعمال وأنشطة السلطات الحاكمة بل والأفراد خاضعة لأحكام القانون .يستتبع تبني هذا المبدأ نتيجة حاسمة مفادها خضوع كافة الأعمال المادية الصادرة  عن جميع الهيئات العامة ،الإدارة على وجه الخصوص،لنوع من الرقابة القضائية ،ووجود قضاة يتمتعون بقدر مهم من الاستقلال والحياد والنزاهة والانضباط، ومن الناحية الشكلية يترتب كخلفية أساسية على مبدأ المشروعية  وجوب مراعاة نوع من التدرج ،والترتيب،والأوليات بين القواعد القانونية.

والمتتبع لتطور القضاء المغربي ،سيلاحظ أنه منذ ان تم إنشاء الغرفة  الإدارية بالمجلس الأعلى  سنة 1957، فهذه المؤسسة القضائية  تبنت العديد من المبادئ العامة للقانون التي عمل بها من قبل مجلس الدولة الفرنسي،واعتبرت عدم الامتثال  لمحتواها من طرف الإدارة  مسألة تؤدي إلى بطلان وعدم شرعية قراراتها.

 ومن أهم المبادئ العامة للقانون التي اعتدت بها الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى  والمحاكم الإدارية بالمغرب :

مبدأ قوة وحجية الشيء المقضي به[58]

مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية [59]

مبدأ ضمان ووجوب حق الدفاع[60]

مبدأ وجوب حق احترام الحقوق المكتسبة ،وإلزاميتها للإدارة [61]

مبدأ عدم إمكانية تعدد العقوبة والجزاء على الفعل الواحد[62]

ومبدأ حرية التجارة والصناعة.[63]

ويلاحظ أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وكذا المحاكم الإدارية  المحدثة بقانون 90-41 تعمل على الاستعانة بها في مجال مراقبة مدى مشروعية القرارات الإدارية.

المطلب الثاني: موازنة مبدأ المشروعية

مما لا شك فيه ،أن  خضوع الإدارة لمبدأ المشروعية  في جميع الحالات والظروف يعتبر المثل الأعلى لحماية حقوق وحريات  الأفراد ويشكل صرحا  متينا لدولة الحق والقانون.

غير أن تقييد الإدارة بذلك المبدأ بكيفية صارمة  ومطلقة، من شأنه أن يوصم عمل الإدارة  بطابع الآلية والروتين ويسلب منها روح الابتكار  والخلق والإبداع ولذلك   كان طبيعيا أن يتم  تطبيق ذلك المبدأ(مبدأ المشروعية) بشيء من المرونة ،خاصة وأن مقتضيات  التطور الحديث  قد استلزمت تدخلها في  كثير من مجالات  الحياة التي كانت من قبل محظورة عليها  والتي تلتمس فيها الإدارة  منفذا للخروج على ذلك القيد وعذرا يبيح لها موازنة المصلحة العامة مع مصلحة الأفراد.

ونتيجة لهذه المقتضيات ابتدع الفقه والقضاء بل والمشروع  أيضا بعض النظريات  التي تسمح للإدارة  بالخروج على مبدأ المشروعية  في حالات محددة  تعتبر بعض منها من عوامل موازنة لهذا المبدأ(نظرية الظروف الاستثنائية  ونظرية السلطة التقديرية ) بينما تعتبر إحداها  استثناءا  حقيقيا  له(نظرية أعمال السيادة)

الفقرة الأولى : نظرية الظروف الاستثنائية

من المسلم به أن القوانين تصاغ عادة لمواجهة الظروف  العادية للجماعة، إلا أن  هذه الجماعة قد تتعرض من حين لآخر  لظروف  غير عادية توصف  بالظروف الاستثنائية  كالحروب والزلازل والفيضانات وغيرها ، فتلقي على الإدارة أعباء جسيمة  من أجل مواجهتها،إلا أن الإدارة عندما تقوم بتحقيق ذلك لا تستطيع أن تواجه تلك الظروف الاستثنائية  بنفس السلطات والقوانين التي يتم بها تسيير وتنظيم  الظروف العادية .لذلك ومن اجل  الحفاظ على سلامة الدولة وحماية أمنها  ومن أجل ضمان سير  مرافقها بانتظام واطراد  تمنح الإدارة سلطات  استثنائية  تسمح لها بالخروج على قواعد المشروعية  العادية بحيث تصبح  تصرفاتها  غير المشروعة في الأحوال  العادية تصرفات  مشروعة في الظروف الاستثنائية.

ونظرا لخطورة  السلطات الاستثنائية  التي تتمتع بها الإدارة في الظروف الاستثنائية،فإن الغدارة قد تتوارى  وراء الظرف الاستثنائي للإساءة  إلى حريات الأفراد  وحقوقهم بما يتجاوز القدر  الازم.ومن أجل تفادي ذلك  عمل القضاء الفرنسي  وعلى رأسه مجلس الدولة  على موازنة السلطات الاستثنائية  للغدارة بضمانات مقابلة  للأفراد عن طريق تطبيق المبدأ المشهور : «الضرورة تقدر بقدرها»،فلا السلطات الاستثنائية  إلا للضرورة  وبالقدر اللازم فقط.

وقد انتهى القضاء إلى وضع مجموعة  من الشروط لتطبيق نظرية  الظروف الاستثنائية:

أولا :وجود ظرف استثنائي وغير عادي يبرر استعمال السلطات الاستثنائية من طرف الإدارة،كحدوث فيضان أو انتشار أوبئة أو غزو خارجي أو حرب أهلية  أو اضطرابات داخلية...ألخ

ثانيا :استحالة مواجهة الظروف الاستثنائية  باستعمال السلطات المقررة  لتنظيم الظروف العادية .

ثالثا:استخدام السلطات الاستثنائية  بهدف تحقيق الصالح العام.

رابعا:ممارسة السلطات الاستثنائية بقدر ما تتطلبه  الضرورة  وفي حدود الزمن الذي تبقى فيه الظروف الاستثنائية قائمة.

ويراقب القضاء هذه الشروط  ،فإذا انتفت إحداها أصبح العمل  الإداري غير مشروع  يستوجب إلغاءه وإبطاله من طرف القضاء.

الفقرة الثانية :نظرية السلطة التقديرية

تمثل السلطة التقديرية للإدارة  الجانب المقابل للسلطة المقيدة،فإذا كان المشرع يحدد في حالات معينة مجالات تدخل الغدارة ووسائل هذا التدخل  ووقته، ويحدد الشروط والإجراءات الخاصة بهذا التدخل، فإن المشرع قد يعمد  أيضا وفي حالات أخرى  إلى تمتيع الإدارة  بقدر من الحرية  في التصرف  تستعمله حسب  الظروف والملابسات .فيعطيها الخيار  بين عدة حلول  سواء بالتدخل  أو الامتناع  عن التدخل واختيار الحل  المناسب بين عدة حلول ،واختيار وقت التدخل وذلك حسب تقديرها لظروف كل حالة على حدة .وبعبارة أخرى فإن الإدارة في حالة  السلطة التقديرية  هي التي تقرر وحدها  ما إذا كان الإجراء  المزمع اتخاذه ملائما أو غير ملائم.وفي هذا المعنى يقول احد الفقهاء أنه:«إذا تمتعت الإدارة بسلطة تقديرية فإن معنى  ذلك ان القانون قد منحها الحرية  في مباشرة نشاطها دون أن يضع شروطا وقيودا تكبل من حريتها الأمر الذي يعطي للإدارة  حرية تقدير ملائمة أعمالها».[64]

‌أ          تعريف السلطة التقديرية[65]

يعرف الفقيه ديلوبادر:السلطة التقديرية بأنها ذلك الهامش من الحرية التي تتركها مصادر المشروعية للإدارة في ممارستها للنشاط الإداري[66].ويعرفها الفقيه ميشو:بأنها السلطة التي تتصرف بها الإدارة عندما لا يكون التصرف قد أملى عليها مسبقا،بينما يرى الفقيه بونار:أن الإدارة تكون إزاء سلطة تقديرية حينما يترك لها .

القانون الذي يمنحها اختصاصات معينة الحرية في أن تتدخل أو تتمتع عن التدخل ووقت هذا التدخل  وطريقته ومضمون القرار الذي تصدره في هذا الشأن».[67]

ويرى الفقيه جيرون :أن هذه السلطة  توجد عندما لا تكون الإدارة  ملزمة بالقانون لاتخاذ موقف معين  ويكون لها الاختيار بين أن تعمل أو تمتنع وإذا تصرفت  فإن لها الاختيار بين عدة قرارات[68] .ويعرفها بعض الفقه العربي بأنها تلك الحرية  التي تتمتع بها الإدارة  في مواجهة كل من الأفراد والقضاء لتختار،في حدود الصالح العام ،وقت تدخلها ووسيلة هذا التدخل  وتقدير خطورة بعض الحالات.[69]

‌ب      أهمية السلطة التقديرية

تظهر أهمية السلطة التقديرية للإدارة في كثير من النواحي يمكن تلخيصها  في الحالات التالية :

     ü            تفادي عيوب الاختصاص المقيد

إن الإدارة قد لا تستطيع في كثير من الحالات  مواجهة بعض الحالات  بأسلوب الاختصاص المقيد  فيؤدي ذلك إلى الأضرار بمصالح الأفراد  وإلى شل حركة الإدارة الحكومية .ولذلك فإن منح الإدارة جانب من  السلطة التقديرية يمنحها القدرة على الابتكار وإيجاد الحلول الملائمة  والمناسبة لمواجهة حركة التحول السريع  في مختلف  المجالات الاقتصادية  والاجتماعية وبصفة عامة مواجهة  مختلف الحالات الطارئة.

‌ج       فكرة الاستحالة الفنية وفاعلية  العمل الإداري.

ويتجلى ذلك من خلال عدم تمكن المشرع بل واستحالته في تصور جميع ظروف وملابسات  الحياة الإدارية ،ومن تم استحالته لوضع قواعد عامة  ومجردة تعالج  كافة تفاصيل الوظيفة الإدارية،ولذلك كان لابد من تمنيع الإدارة بقدر من الحرية لمواجهة الظروف الطارئة والحالات المستجدة ومعالجتها  في أسرع وقت ممكن وبشكل يضمن المرونة والفعالية في العمل الإداري[70].

     ü            جوانب التقيد والتقدير في القرارات الإدارية

إن عملية تحديد عناصر التقيد  والتقدير في القرارات الإدارية من شأنها أن تلقي ضوء قويا على نظرية السلطة التقديرية وتباعد على كشف نطاقها وحدودها.

القضاء الإداري

 وفي هذا الصدد  يمكن القول أن القرارات الإدارية ليست  على درجة واحدة من التقيد والتقدير ، فهناك من القرارات تتقيد فيها السلطة الإدارية إلى حد كبير، بينما توجد قرارات أخري تتمتع فيها الإدارة  بسلطة تقديرية واسعة، بل أضف إلى ذلك أن القرار الإداري الواحد  تختلف أركانه من حيث التقيد والتقدير  وذلك على النحو التالي :

     ü            ركن الاختصاص

يجمع الفقه والقضاء  على أن الإدارة لا تمتلك أية سلطة  تقديرية في مجال الاختصاص .فسلطتها إزاء هذا الركن  سلطة مقيدة بقواعد الاختصاص  التي من النظام العام ،فلا تمتلك الإدارة  الخروج عليها أو مخالفتها.

     ü            ركن الشكل والإجراءات 

إن ركن الشكل يمثل المظهر الخارجي للقرار الإداري.ومن المعلوم أن القانون قد يشترط بعض الشكليات والإجراءات  لإصدار القرارات الإدارية ، وفي هذه الحالة ينبغي على الغدارة احترام  إرادة المشرع وعدم الخروج عليها،ففي مثل هذه الحالات تصبح الإدارة أمام  سلطة مقيدة  تستلزم إصدار  القرار الإداري  طبق الإجراءات والشكليات  التي ينص عليها القانون.

إلا أنه في الحالة التي لا يشترط فيها القانون  مثل هذه الشكليات  فإن القرار الإداري  يصبح صحيحا ومشروعا،إذ تكون سلطة الإدارة غير مقيدة  بل سلطة تقديرية تسمح لها بإفراغ القرار في الشكل الذي تراه مناسبا.

     ü            ركن السبب

السبب في القرارات الإدارية هو مجموعة الوقائع التي تحدث وتسبق القرار فتدفع رجل الإدارة إلى إصداره.

ويعرفه الفقه والقضاء على أنه :« الحالة الواقعية أو القانونية التي تسوغ تدخل الإدارة لإصدار القرار بقصد إحداث أثر قانوني معين.....».

والأصل أن الإدارة لا يمكن أن تؤسس قراراتها على وقائع غير موجودة فأسباب هذه القرارات يجب أن تكون محققة الوجود وقائمة من وقت طلب إصدارها إلى وقت صدورها،بحيث تصدر تلك القرارات قائمة عليها باعتبارها أسسا صادقة ولها قوام في الواقع ،وان المفروض في كل قرار إداري  حتى ولو صدر خال من ذكر أية أسباب ،أن يكون مستندا في الواقع إلى دواع قامت لدى الغدارة  حين إصداره،وإلا كان القرار باطلا  لفقدنه ركنا أساسيا  هو سبب وجوده ومبرر إصداره .وينبني على ما سبق أن الإدارة لا تمتلك سلطة تقديرية  في تقدير وجود السبب من عدمه .فهو حالة قانونية أو واقعية إما تكون أو لا تكون ،فلا تستطيع أن تؤسس قراراتها على أسباب وهمية وغير موجودة.

وانطلاقا من هذه الحقيقة ،فإن الاجتهاد الفقهي قد استقر على أن الإدارة لا تمتلك سلطة تقديرية فيما يتعلق  بركن السبب،وخاصة فيما يتعلق بوجود الوقائع  من الناحية القانونية والمادية ،ولا تظهر تلك السلطة التقديرية  إلا فيما يتعلق بتقدير أهمية الوقائع وخطورتها وعلاقتها بالقرار،فذلك مما تستقل الإدارة  بتقديره بكامل الحرية ،

لأنه يدخل ضمن  عناصر الملائمة التي تخرج  من نطاق  مراقبة القضاء كمبدأ عام.

     ü            ركن المحل

إن محل القرار الإداري ،هو الأثر القانوني الذي يترتب عليه  حالا ومباشرة متى كان ممكنا  وجائزا قانونا.

وسلطة الإدارة إزاء ركن  المحل  قد تكون مقيدة وقد تكون تقديرية ،فتكون سلطة الإدارة مقيدة بالنسبة لركن المحل عندما تحدد القواعد القانونية الأثر القانوني الواجب على الإدارة ترتيبه في قرارها ،وذلك بهدف مواجهة  حالة أو حالات واقعية معينة.

مثال ذلك:إذا ما اشترطت القاعدة القانونية  على الإدارة وجوب منح  رخصة البناء لطالبها عند توفر شروط معينة.في هذا المثال ليس للإدارة سوى منح الترخيص وما بترتب عليها من آثار قانونية إذا كانت الشروط القانونية المطلوبة متوفرة.

وتكون سلطة الإدارة تقديرية بالنسبة لركن المحل،وذلك في الحالات التي تمنح فيها القواعد القانونية  للإدارة الحرية في اختيار الحل الحل القانوني المناسب  من بين عدة  حلول قانونية ،لمواجهة حالة أو حالات واقعية  معينة،ففي هذه الحالة يكون للإدارة  سلطة تقديرية  في ترتيب الأثر القانوني الذي تراه ملائما  مع الحالة الواقعية  التي تواجهها .كما تكون للإدارة سلطة تقديرية في اختيار وقت تدخلها لإصدار قرارها.

وهكذا،فإن المسلم  به أن للإدارة سلطة تقديرية واسعة في تقدير ملائمة إصدار قرار معين أو عدم إصداره ،ذلك أن مجرد توافر أسباب معينة لا يجبر الإدارة على التدخل.

فإذا ارتكب موظف خطأ تأديبيا،فإن للإدارة حرية  توقيع جزاء تأديبي على الموظف أو صرف النظر عن هذا الخطأ،وقيام اضطرابات معينة لا يلزم الإدارة بفرضها بالقوة بل قد تلجأ إلى وسائل أخرى لمواجهة هذه الاضطرابات أو قد ترى الامتناع عن التدخل فيها،كما أن للإدارة أن تترخص في اختيار وقت إصدار قرارها وفقا لما تراه ملائما.

ومع التسليم في هذا المجال للإدارة بسلطة تقديرية واسعة،إلا أن القضاء الإداري قد أخضع ممارسة هذه السلطة لبعض القيود وذلك للتوفيق بين ضرورة حماية فاعلية العمل الإداري وحماية حقوق المواطنين.

‌د         دور القضاء في مراقبة  السلطة التقديرية

الاتجاه الحديث للقضاء الإداري، تحقيقا منه للعدالة والإنصاف ،بدأ يتدخل في السلطة التقديرية  للإدارة  من خلال مراقبته  للملائمة بالقدر الذي يساعده  على الكشف  عن عيوب المشروعية في القرارات الإدارية.

وقد ابتدع القضاء الإداري الفرنسي نظرية الخطأ الواضح في التقدير بينما  ابتكر القضاء الإداري المصري نظرية مماثلة هي نظرية الغلو.أما القضاء الإداري المغربي فقد اطرد اجتهاده على عدم مراقبة  جانب الملائمة التي هي من إطلاق السلطة التقديرية ،وإن كانت بعض الأحكام الصادرة منذ وقت قريب عن بعض المحاكم الإدارية تكشف عن تحول نسبي في الاجتهاد السابق ومن خلال تبني نظرية الغلو المسار إليها سابقا.

أولا :نظرية الخطأ الواضح في تقدير الوقائع

     تعتبر نظرية الخطأ الواضح في التقدير من النظريات الحديثة التي ابتدعها القضاء الإداري الفرنسي من أجل اقتحام مجال السلطة التقديرية التي ظلت لزمن طويل من السلطات المطلقة للإدارة والتي لا يمكن للقضاء أن يخضعها لمراقبته.

وقد صدرت عدة أحكام واجتهادات عن القضاء الإداري عن القضاء الإداري الفرنسي، تأخذ بفكرة الخطأ الواضح في تقدير  الوقائع ومن ذلك قرار مجلس الدولة  في قفي قضية لاكرونج[71]،وقراره في قضية المطبعة الفرنسية ماسبيرا[72].كما أكد نفس الاجتهاد في مجال ملائمة القرارات التأديبية التي ظلت زمنا طويلا مجالا محجوزا للإدارة وخاضعا لسلطتها التقديرية.ومن اجتهادات مجلس الدولة في هذا المجال قراره الصادر في قضية لوبو الصادر بتاريخ يونيو [73]1978.

ثانيا:فكرة الغلو في القضاء الإداري المصري

    ظهرت فكرة الغلو أو عدم الملائمة  الظاهرة في قضاء المحكمة الإدارية  العليا المصرية،حيث جاء في أحد أحكامها أنه:وإن كانت للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية  سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يصاحبه  من جزاء بغير معقب عليها في ذلك،إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة  شأنها في ذلك شأن أية سلطة  تقديرية أخرى  إلا يشوب استعمالها غلو ،ومن صور هذا الغلو  عدم الملائمة الطاهرة بين درجة خطورة  الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره.

ومعيار عدم المشروعية ليس معيارا  شخصيا وإنما هو معيار موضوعي  قوامه أن درجة خطورة الذنب الإداري لا يتناسب البتة  من نوع الجزاء ومقداره،وغني عن البيان أن تعيين الحد الفاصل  بين نطاق المشروعية  ونطاق عدم المشروعية  في الصورة المذكورة مما يخضع  أيضا لرقابة هذه المحكمة.[74]

إن هذا التطور في اجتهاد المحكمة  الإدارية العليا المصرية  يعتبر تأييدا لما ذهبت إليه  محكمة القضاء الإداري من قبل[75] ،كما تعتبر خروجا على الاجتهاد  التقليدي الذي كان يمتنع من خلاله القضاء الإداري  المصري من التعقيب  على مقدار الجزاء التأديبي  لكون السلطة التأديبية تترخص  في تقدير التناسب  بين الفعل  موضوع المؤاخذة  والجزاء التأديبي،ولأن تقدير ذلك يخرج  بوصفه أحد عناصر ملائمته القرار عن نطاق سلطة القاضي.

ثالثا:مدى مراقبة القضاء المغربي للسلطة التقديرية

‌أ          المبدأ العام:إن القضاء الإداري المغربي منذ إحداث الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى،لا يذهب إلى حد مراقبة  السلطة التقديرية للإدارة،فقد أعانت تلك الغرفة  في كثير من القرارات  الصادرة عنها ،امتناعها عن مد رقابتها على جانب الملائمة  في السلطة التقديرية  الممنوحة للإدارة   في كثير من المجالات.

ويعتبر القرار الصادر بتاريخ 26-11-1962 في قضية« محمد الدامج» من أولى القرارات التي أعلنت  فيها الغرفة  الإدارية من عدم مراقبة  تقدير أهمية ونوعية العقوبة ومدى تناسبها ولائمتها مع الجريمة التأديبية  لأن  ذلك مما تستقل  الإدارة تقديره ولا معقب عليها من القضاء الإداري.وقد تواترت قرارات المجلس الأعلى مؤكدة هذا الاتجاه تاركة  للإدارة حرية تقدير الوقائع وملائمة قرارات التأديب.ولم يقتصر المجلس الأعلى من تطبيق الموقف السابق على قرارات التأديب[76]،بل اتجه إلى تطبيقه أيضا على القرارات  المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والمالية ،ويظهر ذلك أيضا من خلال قرار الغرفة  الإدارية الصادر في 20ينلير1970في قضية« الشركة الكتراس ضد مدير مكتب الصرف » الذي جاء فيه على أن :«مكتب الصرف كان مستقلا  بتقدير ملائمة أو عدم  ملائمة منح الترخيص المطلوب الذي  يتعلق بميدان حيوي من الاقتصاد الوطني ولا يخص استثمارات  جديدة مقبولة من طرف  لجنة الاستثمارات،ولا معقب عليه في ذلك متى  أن ما عيب من خطأ قانوني ومادي لم يثبت وما دامت  الطالبة لم تستدل صراحة وبحجج منتجة  بالانحراف في استعمال السلطة».

كما أن الغرفة الإدارية  طبقت نفس المبدأ السابق على قرارات الترخيص  لممارس مهنة وكيل بأسواق  الجملة للخضر والفواكه التي ينظمها ظهير 07-08-1962 حيث تتمتع الإدارة في ظله بسلطة تقديرية واسعة  في إعداد لوائح المرشحين  وتعيين الوكلاء عن طريق الانتقاء،دون أن يلزمها القانون المذكور بتبرير  اختيارها أو تعليله.ومن أجل ذلك فقد رفضت  الغرفة الإدارية التعقيب على التقدير الذي أجرته الإدارة في رفض طلب أحد الأفراد الرامي إلى الحصول على ترخيص  لمزاولة مهنته وكيل سوق الجملة  للخضر والفواكه بالدار البيضاء مادام لم يثبت لديها (أي الغرفة الإدارية ) أن القرار المطعون فيه قد ارتكز على وقائع خاطئة أو أن الإدارة قد انحرفت  عن مقتضيات النصوص الجاري بها العمل[77].

وفيما يتعلق بقرارات الترخيص بالتنقيب عن المعادن،قررت الغرفة الإدارية أن لمدير المناجم حسب ظهير 15 شتنبر 1957 كامل الصلاحية في تقدير أهلية  أرباب رخص التنقيب  في التجديد أو عدمه،وأن القرار المطلوب إلغاؤه غير مشوب  بعيب الشطط في استعمال السلطة  لما لمدير المناجم  من سلطة تقديرية  في هذا الشأن واعتماده  في قراره بالرفض على وقائع لم يطعن المعنى بالأمر في صحتها»[78].

‌ب     ملامح التطور: يتجلى من خلال الأمثلة  السابقة للاجتهاد المستقر والمتواتر للغرفة  الإدارية، إن القاضي الإداري كقاضي مشروعية لا يتجاوز حدود سلطته ليراقب السلطة التقديرية  للإدارة،لأن من شأن ذلك أن يخرجه من مهمته كقاضي مشروعية إلى قاضي ملائمة .إلا أن هذا الموقف  قد تغير بفعل التطور النوعي الذي عرفه القضاء الإداري  الذي يسعى إلى تحقيق العدالة  والإنصاف والبحث عن التوازن المنشود بين امتيازات الإدارة وحقوق الأفراد  وحرياتهم ،وتبعا لذلك قضت الغرفة  الإدارية بإلغاء قرار وزير الشؤون  الخارجية الذي استدعى المدعية  التي  كانت في وضعية إلحاق،من فرنسا إلى المغرب ووضعها هن إشارة إدارتها التي هي وزارة التربية الوطنية لصدوره في وقت غير مناسب .وهكذا فقد اعتبرت  الغرفة الإدارية أن الوقت  الذي تم فيه استدعاء المعنية بالأمر غير مناسب  لأن الإدارة لم تراعي فيه الظروف العائلية  والشخصية للمعنية بالأمر  التي قامت بتسجيل أبنائها  في المدارس الفرنسية وتطلب ذلك منها مصاريف باهظة ، إضافة إلى المرض الذي كانت مصابة به المدعية   في عينيها والذي كان يضطرها إلى متابعة العلاج الطويل وإجراء عملية جراحية  وإلا فقدت بصرها، وكانت الوزارة على علم بهذه الظروف ومع ذلك  اتخذت قرارها بإرجاعها   إلى المغرب ووضعها رهن إشارة  إدارتها الأصلية.وقد جاء في حيثيات  هذا القرار ما يلي:

« وحيث أن وزارة الخارجية على علم تام   بأن طالبة الإلغاء التحقت بالمغرب  مع زوجها لقضاء عطلتها السنوية ولم تتلق أي إشعار منها لتغيير  وضعيتها في نهاية السنة الدراسية  السابقة ،ثم رجعت إلى مقر عملها  حيث قامت مع زوجها  بتسجيل أولادها  الثلاثة  في المدارس التي يدرسون  بها منذ شهر شتنبر، وهو الذي يبتدئ فيه الموسم الدراسي بفرنسا ،وأن تسجيلهم هذا تطلب مصاريف ...كما أن مبالغ السفر من ذهاب وإياب بلغت ...وزيادة على هذا،فإنها كانت مصابة بمرض في عينيها ومشرفة على فقدان بصرها  إن لم تتابع هناك علاجا طويلا ومتبوعا بعملية جراحية وإن هذه الظروف الحرجة عرضت على وزير الشؤون الخارجية في الرسالة الاستعطافية الموجهة إليه.

وحيث أنه لم يستنتج  مما تقدم أن القرار المطلوب إلغاؤه مشوب بالشطط في استعمال السلطة لكونه لم يراع الظروف العائلية للمعنية بالأمر[79]».

ويبدو أن القضاء الإداري المغربي قد ذهب بعيدا  في مجال رقابته  على السلطة التقديرية وخاصة في مجال  تأديب الموظفين ،فقد خطى القضاء المغربي خطوة إيجابية  نحو فرض رقابته على سلطة الإدارة  التقديرية  من خلال استعماله لنظرية« الغلو» فقد في حطم المحكمة  الإدارية  بالرباط  في قضية بوليل محمد ضد وزير  العدل بتاريخ23مارس1995 أن :«للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ  العقوبة المناسبة  في حق الموظف حسب خطورة الأفعال المنسوبة إليه  ومدى تأثيرها داخل المرفق العام،ولا تكون ملزمة بظروف التخفيف  الذي  تكون المحكمة الجنائية أو الجنحية  قد منحتها  له اعتبارا لظروف  اجتماعية .وأن هذه السلطة التقديرية لا رقابة  للقضاء عليها   مادام لا يشبه أي علوما دامت المخالفة الثابتة في حق الموظف  تتنافى  ومهنته كمربي داخل  المؤسسة  من بين أهدافها اصطلاح المنحرفين  وإرجاعهم  إلى جادة الصواب  وليس المساهمة والمساعدة على الزيادة في انحرافهم كما فعل الطاعن[80]».

وقد عادت المحكمة الإدارية بالرباط لتطبق نظرية  الغلو في مناسبة أخري،حيث جاء في حكمها الصادر بتاريخ 20مارس1997 في قضية بشبكي عبد الله ضد المدير العام للأمن الوطني ما يلي:

«وحيث أن للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة المناسبة  في حق الموظف حسب خطورة  الأفعال المنسوبة إليه ومدى تأثيرها داخل المرفق العام ،وأن هذه السلطة التقديرية لا رقابة  للقضاء عليها ما لم يشبها غلو التقدير .

وحيث ولئن كان الطاعن قد تجاوز  فعلا حدود اختصاصه،باعترافه شخصيا ،في تصرفه المشار إليه أعلاه مع التلميذ الذي اعتدى على الأستاذ أثناء اجتيازه لامتحان البكالوريا ،إلا أن معاقبته على هذا التصرف غير اللائق بعقوبة العزل ،ينم عن غلو في التقدير ،إذ لا تتناسب هذه العقوبة بتاتا مع خطورة الفعل المرتكب ،مما يكون معه القرار المطعون فيه مشوبا يتجاوز السلطة ويتعين الحكم بإلغائه[81]».

إن هذا التطور الهام الذي عبرت عنه المحكمة  الإدارية بالرباط  في مجال مراقبة السلطة  التقديرية ،أصبح محل اهتمام من قبل المجلس الأعلى  الذي ظل زمنا طويلا يرفضه ، فقد بدأت الغرفة الإدارية بالمجلس  الأعلى توسع من الحد الأدنى للرقابة ،وتبحث في مدى ملائمة القرار المتخذ،أي أصبحت تفرض رقابتها على عناصر الملائمة  التي تنفرد الإدارة  بسلطة تقديرها ،متجاوزة بذلك الفاصل  المصطنع بين مفهومي المشروعية  والملائمة في الرقابة  على القرارات الإدارية .وهكذا جاء في قراره الصادر بتاريخ 13 فبراير 1997 ما يلي :

«لكن حيث أنه وكما أشار إلى ذلك الحكم  المستأنف،فإن الطاعن باعتبار مهنته كرجل للقوة العمومية ،كان عليه أن يحافظ ما أمكن على سلامة المواطنين ،وأن لا يفرط في أدوات وإشارات لا يستعملها عادة إلا رجل الشرطة،وأن الخطأ المرتكب من طرفه  بتسهيل حصول شخص مدني عليها بصورة  غير مباشرة  يعتبر خطأ جسيما يبرر العقوبة المتخذة في حقه ،وأن تمسك الإدارة بأن عقوبة فصل الطاعن  المستأنف كانت مبررة بالأفعال الخطيرة  التي ارتكبها كان في محله.وقد طبقت المحكمة الإدارية  بالدار البيضاء في حكم لها عدد 433 بتاريخ22-09-2004،محمد بفقير ضد وزير العدل هذه النظرية ».

الفقرة الثالثة: نظرية أعمال السيادة

تعتبر أعمال السيادة من أخطر امتيازات الإدارة على الإطلاق،لأن القرار لعما من أعمال الإدارة  بأنه من أعمال السيادة أو الحكومة،يقتضي إخراجه من رقابة القضاء ويضفي عليه حصانة مطلقة تبعده من دعوى الإلغاء ودعوى التعويض.وتعتبر نظرية دعوى السيادة من صنع القضاء،حيث ابتدعها مجلس الدولة الفرنسي من أجل تحصين بعض القرارات  الإدارية معتمدا  في ذلك على مجموعة  من المعايير الفقهية ،إلى أنه سرعان ما تم هجرها  لتبقى مسألة تحديد أعمال  السيادة في اختصاص  القضاء الإداري نفسه.

     ü            كيفية تحديد أعمال السيادة

لم يتفق الفقهاء على معيار واحد يحدد أعمال  السيادة أو أعمال الحكومة ويميزها  عن سائر أعمال الإدارة  الأخرى،ولذلك اتجه الفقه إلى أحكام القضاء للكشف عن أعمال السيادة.ومن أهم المعايير التي  قيل بها نذكر المعايير الآتيتين:

     ü            معيار الباعث السياسي

وطبقا لهذا المعيار تكون أعمال السيادة هي الأعمال التي تتخذها  الحكومة بدافع سياسي،أي إذا كان العمل يتصل بالسيادة  العليا للدولة ويستهدف حماية  الدولة داخليا أو خارجيا.

إلا أن هذا المعيار  قد تم هجره نتيجة للانتقادات التي تعرض لها،فقد قيل عنه أنه معيار بالغ الخطورة على حقوق الأفراد وحرياتهم ،فهو معيار متروك لحرية الإدارة تستعمله في كل حالة تريد تحصين عملها من رقابة  القضاء.

وأمام هذه الانتقادات كان من الطبيعي أن يتجه الفقه  والقضاء إلى محاولة صياغة  معيار آخر ،وقد اهتدى في ذلك  إلى معيار موضوعي يستند إلى طبيعة العمل ذاته.

     ü            المعيار الموضوعي المستمد من طبيعة العمل ذاته

ومقتضى هذا المعيار أن العبرة  بطبيعة العمل  ذاته أو موضوعه،وفي سبيل هذا المعنى  ميز أنصار هذا المعيار بين وظيفتين تقوم بمها السلطة التنفيذية :الوظيفة الحكومية والوظيفة الإدارية .

ووفقا لهذا التقسيم ،يكون العمل من أعمال السيادة إذا كان صادرا  عن السلطة التنفيذية بوصفها حكومة،بينما يكون العمل إداريا  إذا كان صادرا  منها بوصفها إدارة.

غير أن اعتماد هذا المعيار، لا يحسم المشكل إلا أن سرعان  ما يلقي عبئا آخر على القضاء يتمثل في تحديد نطاق وظيفة السلطة التنفيذية التي تقرر أعمال السيادة،وتحديد نطاق وظيفة السلطة التنفيذية التي تقرر أعمال الإدارة.

وقد حاول بعض الفقهاء إيجاد مخرج لذلك،فذهب بعضهم إلى القول بأن العمل يكون  من أعمال السيادة أو الحكومة إذا كان تنفيذا لنص دستوري،بينما يكون العمل إداريا إذا كان تنفيذا للقوانين العادية واللوائح.

ومع ذلك فإن هذا الرأي  لم يسلم من النقد،لأنه يفتقر إلى الدقة  وعدم الوضوح  فهناك أعمال تستند إلى الدستور ،ومع ذلك لم يعتبرها  القضاء من أعمال السيادة، مثل تعيين كبار الموظفين وإصدار اللوائح،كما أن هناك كثيرا من الأعمال التي تعتبر أعمال  سيادة ولكنها لا تستند  إلى نص الدستور.

     ü            قائمة أعمال السيادة بتحديد من القضاء

أمام الانتقادات التي وجهت إلى المعيارين السابقين ،وفشل المحاولات الفقهية لإيجاد معيار محدد لأعمال السيادة تخلى الفقهاء عن هذه المهمة  لصالح القضاء  الذي حمل على عاتقه هذا العبء.فأصبح تحديد أعمال  السيادة يتم بواسطة ما يقره  القضاء في هذا شأن ويمكن أن نذكر على سبيل المثال  الأعمال الآتية:

الأعمال التي تصدرها السلطة التنفيذية في خصوص علاقتها بالسلطة التشريعية كحل البرلمان ودعوته للانعقاد.

الأعمال المتعلقة بعلاقة الدولة  بغيرها من الدول.

بعض الأعمال الحربية.

بعض إجراءات الأمن الداخلي والخارجي.

أنظمة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.

المبحث الثالث:أسلوب الرقابة القضائية على الإدارة

تتبع الدول في تنظيم  الرقابة القضائية على أعمال الإدارة أساليب مختلفة ،فمنها ما يعهد بهذه الرقابة إلى القضاء العادي الذي  تتولى فيه المحاكم العادية الفصل في جميع المنازعات  أيا كانت  طبيعتها ،سواء كانت مدنية أو إدارية، وهذا هو الأسلوب الذي تأخذ به الدول الأنجلوسكسونية كانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية،وهي الدول التي تعرف  بنظام وحدة القضاء.

وهناك من الدول الأخرى من يعهد بتلك الرقابة  إلى الجهة القضائية المستقلة ،تسمى بجهة القضاء الإداري  التي تضم مجموعة من المحاكم  الإدارية ،تتولى الفصل في المنازعات الإدارية .بينما تختص المحاكم  العادية المنتمية للقضاء العادي بالنظر في المنازعات  المدنية .ويطلق على هذا النظام »نظام ازدواجية القضاء» وهو نظام يرتبط بفرنسا التي تعتبر مهده ومعقلة ومنها انتشر في بلاد أخرى.

وإذا كان النظامين القضائيين السابقين،يستند كل منهما في شأنه  على اعتبارات وأسس تاريخية ودستورية  وعملية تجعله يختلف عن النظام الآخر،فإن وجود اعتبارات سياسية  واقتصادية واجتماعية،قد أفرزت في المغرب نظاما  قضائيا  ذو طابع خاص،لا هو بنظام ازدواجية  القضاء ولا هو بنظام وحدة القضاء الخالص، مع الاخد بعين الاعتبار  التطورات المعاصرة  التي عرفها القضاء  الإداري بالمغرب  والمتمثلة في إحداث المحاكم  الإدارية بموجب القانون رقم 90-41.

 إن تحديد معالم  هذا النظام   وبيان مركزه بين النظامين السابقين  لا يأتي إلا بدراسة هذين الأخيرين، وتبعا لذلك سوف نقسم  هذا الباب  إلى ثلاثة فصول : نعالج في الفصل الأول : نظام وحدة القضاء،ونعالج في الفصل الثاني:نظام ازدواجية القضاء،بينما نخصص الفصل الثالث :لتحليل النظام القضائي المغربي ودوره في تحقيق مبدأ المشروعية الإدارية.

المطلب الأول :نظام وحدة القضاء

يقوم نظام وحدة القضاء المطبق في الدول الأنجلوسكسونية، بعدم وجود قضاء إداري منفصل  ومستقل عن القضاء العادي وعن الإدارة العاملة،فالدول التي تأخذ بهذا النظام تخضع نشاط الغدارة لمراقبة المحاكم العادية ، وتمنح لها الاختصاص  الكامل  في فصل أقضية الإدارة.

ويستند مبدأ وحدة القضاء في وجوده  على أسباب خاصة . وهي أسباب لا تزال لها أهميتها في الوقت الحاضر،وهي التي تبرر الإبقاء عليه  وعدم الانتقال إلى نظام القضاء  المزدوج ،أي عدم قيام قضاء إداري متخصص إلى جانب القضاء العادي ،وتنحصر أهم تلك الأسباب  فيما يلي :

أولا-  المبرر النظري

ويتمثل في التفسير الذي أعطاه الإنجليز لمبدأ الفصل بين السلطات ،والذي من مقتضاه أن تستقل كل سلطة من السلطات الثلاث التشريعية  والتنفيذية والقضائية في مزاولة  الاختصاص  المسند لها بمقتضى الدستور،فلا يجوز لأي منها  أن تتعدى على الاختصاصات  الأخرى.

وينبني على ذلك مادام الدستور قد حدد وظيفة السلطة  القضائية في حسم المنازعات  القانونية،ولما كانت المنازعات الإدارية  جزء من المنازعات القانونية ، فإنه لا يكون من مجموعها الجهاز القضائي،هي التي تختص وحدها بالفصل  في المنازعات القانونية،شواء كانت منازعات مدنية أو إدارية.

ثانيا : المبرر التاريخي والنفسي

 ويتجلى في الصورة التي ظلت عالقة  في أذهان الإنجليز عن مساوئ الهيئات  الإدارية التي كان قد تم إنشاءها في العصور الوسطى بغية  ممارسة بعض اختصاصات المحاكم الإدارية.

وفي نفس الوقت يتجلى في الثقة التي منحها الإنجليز  لقضائهم العادي الذي يعتبر في نظرهم الحصن  الحصين لحقوق  وحريات الأفراد،والمحقق لمبدأ الشرعية وسيادة القانون.

ثالثا المبرر الفني والمالي

ويتمثل فيما يراه أنصار هذا النظام ،من كونه يحقق ميزة البساطة  والوضوح في العمل القضائي،حيث يستبعد تطبيق هذا النظام  مشاكل النظام القضائي المزدوج ،والمتعلقة بحسم إشكالية تنازع الإختصاص وتعارض الأحكام.

كما يحقق هذا النظام ميزة أخرى متصلة بالجانب  المالي للدولة،فتطبيق هذا النظام يستبعد إمكانية  إرهاق مالية الدولة ، الذي يؤدي إليه خلق القضاء الإداري بسبب ما يتطلبه من أحدات للمحاكم الإدارية وأعداد للقضاة والموظفين.

حدود سلطة القاضي على أعمال الإدارة في نظام وحدة القضاء:

تتمتع المحاكم العادية  في أنظمة القضاء الموحد(انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية)عند النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها،بسلطات واسعة تتعارض ومبدأ استقلالية الهيآت القضائية والهيآت الإدارية.

فالمحاكم في انجلترا مثلا ،لا يقتصر اختصاصها عند فحص مشروعية  العمل الإداري،بل يمكن للقضاء أن يتدخل  في أعمال الإدارة، وذلك بتوجيه أوامر إليها  بأن يأمرها بالقيام بعمل معين أو الإمتناع عن أداء عمل ،وإما بتعديل القرارات التي تقوم الإدارة باتخاذها أو سحب  هذه القرارات.

وينبغي أن نشير في هذا الصدد ،أنه من المبادئ الأساسية في النظام الأنجلوسكسوني،والقائم على مبدأ وحدة القضاء،أنه لا يمكن في ظل هذا النظام  مساءلة الدولة ،استنادا إلى القاعدة المشهورة« إن الملك لا يخطئ» ،ولما كانت الدولة تتجسد في التاج،فإن الدولة لا تخطئ،ومن ثم لا يمكن إثارة إمكانية الدولة،ولا يجوز أن ترفع الدعوى ضدها .كل ما يبقى للأفراد المتضررين هو مقاضاة الموظف شخصيا.وقد بقيت هذه القاعدة  سارية المفعول في انجلترا حتى سنة 1947 حيث تم ابتداء من هذا التاريخ تقرير مسئولية  الدولة على نفس الأسس التي تقوم عليها مسؤولية الأشخاص الطبيعيين[82].

المطلب الثاني:نظام القضاء المزدوج

يقوم نظام القضاء المزدوج  على أساس وجود  جهتين قضائيتين :جهة القضاء العالي التي تنظر في المنازعات  الفردية طبقا لقواعد القانون الخاص،وجهة القضاء الإداري التي تتولى الفصل  في المنازعات الإدارية  وفقا لقواعد القانون الإداري.

وتعتبر فرنسا كما سبق أن أشرنا ،مهد هذا النظام ،(القائم على أساس وجود جهتين قضائيتين:جهة القضاء العادي وجهة القضاء الإداري) إلى مجموعة الأسباب والمبررات التاريخية والدستورية والعملية.

Œ    الاعتبارات التاريخية

وتتمثل في الصورة السيئة التي علقت بأذهان  رجال الثورة الفرنسية عن المحاكم القديمة في عهد الملكية المطلقة في فرنسا والتي كانت تسمى بالبرلمانات،حيث كانت هذه المحاكم تبالغ وتسرف بتدخلها في أعمال الإدارة إلى حد أن وصل بها الأمر إلى استدعاء رجال الإدارة لمناقشتهم في أعملهم الإدارية،بل ولتأمرهم بتنفيذ أوامرهم ونواهيها.

وقد كان هذا المسلك الذي اتخذته تلك المحاكم من الأسباب الرئيسية التي دفعت رجال الثورة الفرنسية إلى إلغاء تلك المحاكم ،ورغم ذلك فقد انتقل سوء الظن  وعدم الثقة  حتى بالمحاكم القضائية الجديدة التي حلت محل  المحاكم القديمة.

ولهذا السبب أيضا عمل مشرعو الثورة  الفرنسية على إبعاد الإدارة ومنازعتها  عن رقابة المحتكم القضائية العادية ،وقد كان لصدور قانون 16غشت 1790أثره الكبير والحاسم في فصل   الهيآت الإدارية عن الهيآت القضائية.

    الاعتبارات الدستورية

وتتجلى أساسا في تفسير رجال الثورة الفرنسية  لمبدأ الفصل بين السلطات تفسيرا خاصا،إذ ساد الإعتقاد لدى هؤلاء الرجال،أن المقصود بفصل السلط  هو الفصل التام والمطلق ،بحيث لا يستطيع أي منها  التدخل في أعمال أخرى .وقد كان من نتيجة هذا التفسير  فصب الهيآت الإدارية عن الهيآت القضائية.

Ž    الاعتبارات العملية

إذا كانت الإعتبارات السابقة  قد تجاوزتها الأحداث والظروف،فإن الإبقاء على هذا النظام في فرنسا والأخذ به في الدول الأخرى ،قد استلزمته اعتبارات عملية ،تتجلى في المحافظة على الإرث الثمين الذي يكون من مجموع قواعد ونظريات القانون الإداري بغية إرساء ودعم مبادئها والنظر في المنازعات الخاصة بها، تلك المنازعات التي تقوم على التوفيق بين فكرة الصالح العام التي تحكم  النشاط الفردي الأمر  الذي يتطلب وجود قضاء متخصص ذي خبرة ومعرفة  بالأصول العامة وبتلك الأفكار والمبادئ .أما المحاكم العادية فإنه ليس من اليسير عليها أن تقوم بهذه المهمة .فليس من السهل عليها  أن تطبق قواعد القانون الإداري الذي نمت وتطورت  في ظل القضاء  الإداري ،وهي غير محيطة بها ولا تستطيع الإلمام بها [83].

وبهذا تطور الأساس الذي تقوم عليه فكرة القضاء الإداري من عدم الثقة في المحاكم العادية لتدخلها في نشاط الإدارة،إلى عدم الثقة بتلك المحاكم لعدم كفاءتها ومقدرتها في تطبيق القانون.


 

المبحث الرابع:تطور القضاء الإداري بالمغرب  

المطلب الاول :  مرحلة ما قبل الحماية

         تميزت مرحلة ما قبل الحماية بنظام لايعرف مبدأ فصل السلطات، حيث كانت كل السلط تجتمع في يد السلطان هذا من جهة، ومن جهة ثانية سادت مبادئ الشريعة الإسلامية التي نظمت مختلف الأوضاع القانونية سواء من حيث علاقة الحكام بالمحكومين أو في علاقة الأفراد فيما بينهم .
وما ينبغي الإشارة إليه، أن المغرب عرف خلال فترة ماقبل الحماية وجود مؤسستين في إطار تنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين فيما يتعلق بالشؤون القضائية، فمن جهة مؤسسة رجل المظالم ومن جهة أخرى مؤسسة وزير الشكايات، وقد أنيطت بكل مؤسسة اختصاصات تشبه إختصاص القضاء الإداري الحديث.

الفقرة إلاولى :إختصاصات ديوان المظالم
       تعود الجذور التاريخية لديوان المظالم إلى عهد النبي (ص)، حيث كان يهتم بمراقبة السلطة الإدارية من عمال وولاة، فمن جهة كان ينظر في تعدي الولاة على الرعية والتعسف معهم، وهو اختصاص يتضمن ولاية الإلغاء والتأديب، ومن جهة ثانية يختص بالنظر في جور العمال فيما يجبونه من أموال (وهو يشبه اختصاص القضاء الإداري الحديث في مجال المنازعات الضريبية)، لكنه يزيد عليه من حيث سلطة والي المظالم في تنفيذ الحكم برد ما أخذ عن جباية الأموال على حق الدولة .
       والناظر في المظالم، وجب أن يتوفر فيه مجموعة من الصفات، فعليه أن يكون جليل القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر العفة كثير الورع، لأنه يحتاج إلى سطوة الحماة وثبات القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين وأن يكون بجلال قدره نافذ الأمر في الجهتين ويتكون مجلس المظالم من  :

*   الحماة والأعوان لجلب القوي وتقويم الجريء 

*   القضاة والحكام لاستعلام ما يثبت عندهم من حقوق الفقهاء ليرجع إليهم فيما أشكل عليه من الأمور

*   الكتاب ليثبتوا ماجرى بين الخصوم وما توجب لهم أو عليهم من حقوق

*   الشهود ليشهدوا على ما أوجبه من حق وأمضاه من حكم.


ومن حيث اختصاصات والي المظالم فقد كانت تنقسم إلى عشرة أقسام :

*   تعدي الولاة على الرعية والنظر في سيرتهم

*   جور العمال فيما يجبونه من أموال فيرجع فيه إلى القوانين

*   كتاب الدواوين لأنهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم فيما يستوفونه ويوفونه منه فيتصفح أحوال ما أوكل إليهم

*   تظلم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخرها عنهم وإجحاف النظر بهم، فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل

*   رد الغصوب، وتنقسم إلى قسمين: غصوب سلطانية وغصوب ذي الأيدي القوية عن طريق القهر والغلبة

*   مشارفة الوقوف وهي ضربان عامة وخاصة

*   تنفيذ ما وقف القضاة من أحكامهم لضعفهم عن إنفاذها وعجزهم عن المحكوم عليه لقوته

*   النظر فيما عجز عنه الناظرون من الجلسة في المصالح العامة كالمجاهرة بالمنكر

*   مراعاة العبادات الظاهرة كالجمعات والأعياد والجهاد من تقصير فيها أو إخلال و النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين.

الفقرة الثانية  : دور وزير الشكايات في المنازعات الإدارية
         تعد مؤسسة وزير الشكايات من أهم السمات التي ميزت التنظيم القضائي السائد في فترة ماقبل الحماية، فوزير الشكايات يوجد بالقرب من السلطان في تشكيلة الحكومة المكونة من الصدر الأعظم، وزير الحرب، وزير المالية، بالإضافة إلى وزير الشكايات.هذا الأخير كانت توجه إليه الشكايات والتظلمات من عموم المواطنين في حق السلطات الإدارية المركزية أو المحلية، وقد كان يختار منها ما يعتبره مقبولا، ويلخصه ثم يعرضه على السلطان ليتخذ فيه القرار المناسب ، وكانت الغاية من السماح بمثل هذه الشكايات هو جعل حد لبعض المغالاة التي يمكن أن يقوم بها المشرفون على الإدارة ويرتكبون بذلك خروجا عن إرادة السلطان .[84]
         وتبعا لذلك، لم يكن القضاء مكلفا بمراقبة الإدارة بل كان القضاء نفسه معرضا لمثل هذه الشكايات، وذلك نظرا لعدم وجود فصل للسلطات، فالمواطنون كان يمكن أن يتظلموا أيضا ضد بعض القرارات الصادرة عن القضاء نفسه إلى وزير الشكايات كما كان يمكن التظلم ضد قرارات السلطات المركزية أو السلطات المحلية .
وبذلك يمكن لنا أن نقول، أن المغرب لم يعرف قضاء إداريا منفصل قبل الحماية، بل كانت تطبق على العموم قواعد الشريعة الإسلامية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. أما من حيث التسيير الإداري اليومي، فقد كانت تتكلف به السلطات العمومية التي لم تكن تعرف فصلا للسلطات وهو الأمر الذي لم يسمح بمراقبة السلطة القضائية للسلطة الإدارية.
        وقد بدأت هذه المرحلة تنتهي بمجرد بداية التغلغل الإستعماري بالمغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من قبل الدول الأوروبية، وتوجت هذه الأطماع بتوقيع معاهدة الجزيرة الخضراء الموقعة بتاريخ 7 أبريل 1906، وقد تضمنت هذه المعاهدة بنودا نصت على إدخال قواعد جديدة تتعلق بنزع الملكية، وتحديد البت قضائيا في النزاعات الخاصة بالأشغال العامة وعقود الامتياز، وذلك لضمان المصالح الخاصة للشركات الأجنبية المحمية من قبل دولها .
       وكانت تلك البنود هي أول تجربة لإدخال قواعد متميزة عن القانون الخاص، والتي لها ارتباط بالقانون الإداري ولكن نشير إلى أن تلك التجربة بقيت محدودة إلى أن جاءت الحماية الفرنسية التي عملت على خلق قواعد أساسية متميزة بالفعل عن القواعد الخاصة، وذلك دون الوصول إلى حد خلق قضاء إداري مستقل كما كان عليه الحال في ذلك الوقت في فرنسا .

المطلب الثاني : فترة الحماية
        تميزت المنظومة القانونية التي عرفها المغرب في عهد الحماية، بالعديد من الخصائص والتطورات التي ساهمت في إرساء نظام قضائي إداري متميز مستوحى من حيث مبادئه، من النظام القضائي الفرنسي، ووضعه في قالب محلي جديد يتماشى والطبيعة المؤسساتية للمغرب.

الفقرة الأولى : المحاكم العصرية
        بعد فرض الحماية على المغرب، اتجهت سلطات الحماية إلى إصدار مجموعة من القوانين لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية و الإدارية والقضائية للمملكة، وكان من أول هذه التشريعات الظهير الخاص بالتنظيم القضائي المؤرخ في 12 غشت 1913، حيث جاء الفصل 8 منه بتحديد بعض اختصاصات المحاكم العصرية في المادة الإدارية، ومن جهة أخرى قانون الالتزامات والعقود (الفصلين 79 و80) الذي نص على بعض المقتضيات المتعلقة بالمسؤولية الإدارية .
 أ- اختصاص المحاكم العصرية
        لقد وردت بعض هذه الاختصاصات في الفصل 8 من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي لسنة 1913 إذ يمكن إجمالها في ما يلي :
النظر في الدعاوى التي تهدف إلى تقرير مديونية الدولة والإدارات العمومية، إما بسبب تنفيذ العقود التي تبرمها وإما بسبب الأشغال التي تأمر بها .
جميع الأعمال الصادرة من الإدارة والضارة بالغير
الدعاوى المرفوعة من الإدارات العامة على الأفراد
كما نص المشرع من خلال الفصلين 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود، على مسؤولية الدولة عن أعمالها الإدارية، حيث جاء في الفصل 79
 " الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها"
الفصل 80: "مستخدمو الدولة والبلديات مسئولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم و عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم"
ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها     
بناء على هذه المعطيات، فإن النظام القضائي الذي وضعته سلطات الحماية عمل على تمييز القضايا الإدارية عن غيرها من القضايا، وبالتالي حمل الإدارة مسؤولية الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها، وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها ، وبالتالي إقرار مسؤولية الدولة أمام المحاكم العصرية.
وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم المدنية هي التي تبت في القضايا الإدارية، أما محاكم الصلح التي تدخل أيضا في المحاكم العصرية، فاختصاصها محصور فقط في القضايا البسيطة المتعلقة بالمادة المدنية والتجارية، مع مراعاة الإستئناف أمام المحاكم الإبتدائية ولا تبت في القضايا الإدارية.[85]

 ب- إستثناء قضاء الإلغاء:
        كانت المحاكم العصرية محرومة من النظر في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية أو بطلب تنفيذها، وإن كان ممكنا طلب التعويض عن بعض أعمال الإدارة إذا ألحقت ضررا بالغير .
من هنا يمكن القول، أن بعض السمات التي كانت تميز القضاء الإداري في فترة ماقبل الحماية ،كالنظر في جور العمال فيما يجبونه من أموال وتظلمات المواطنين في حق السلطات الإدارية المركزية والمحلية، قد تم الحفاظ عليها بمقتضى التنظيم القضائي في عهد الحماية، لكن مع إحداث بعض التطورات في هذا المجال.

الفقرة الثانية: مجلس الدولة الفرنسي

       نتيجة للقلق الذي انتاب الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب خاصة الموظفين منهم، وبعد سلسلة من الشكايات إلى الإدارة الفرنسية، سمحت هذه الأخيرة للموظفين العموميين بالمغرب (أجانب ووطنيين) بالتقدم بدعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية المشوبة بعيب الشطط في إستعمال السلطة أمام مجلس الدولة الفرنسي، وذلك وفقا لظهير 1928، وهذا كله اقتداء بالحل الذي اختارته سلطات الحماية من قبل في تونس سنة 1926

         أقر المشرع لمجلس الدولة الفرنسي بولاية الإلغاء ولكن في أضيق الحدود، وذلك من حيث الأشخاص الذين لهم الحق في الطعن بالإلغاء أو من حيث القرارات التي يطعن فيها، وهذا ما نص عليه ظهير فاتح شتنبر 1928 فيما يخص التقدم بدعوى الإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة ضد القرارات الإدارية الخاصة بالموظفين الفرنسيين الذين يشتغلون بالمغرب أمام مجلس الدولة الفرنسي.  
         وتبعا لذلك فإن التطور الذي عرفه القضاء الإداري بالمغرب خلال فترة الحماية لم يكن يعرف قضاء الإلغاء، وإنما كان يقتصر فقط على قضاء التعويض الذي تبت فيه المحاكم المدنية، هذه الأخيرة التي تعتمد على ازدواجية القانون (القانون الإداري والقانون الخاص)، مع منح هذه المحاكم الحق في البت في المادة الإدارية، وكلها سمات  جاء بها الفصل الثامن من ظهير 1913 التي تمثلت في :  
 - وحدة المحاكم وثنائية القانون
 - فصل السلطة القضائية عن السلطة الإدارية

كما أنه ظهر في التشريع المغربي، عدة نصوص قانونية أخرى، أسست قضاء إداري متميز، ومنح الاختصاص فيه للمحاكم العصرية، ومن أهم هذه النصوص نذكر:
 - قضاء نزع الملكية، وفي نفس السنة نجد كذلك قضاء الأملاك العامة سنة 1914.       
  - قضاء الضرائب  سنة 1924
  - قضاء المتابعات فيما يخص مستحقات الخزينة سنة 1935 
وفي أواخر الخمسينات قضاء الانتخابات
         رغم تعدد النصوص القانونية في المادة الإدارية، إلا أنها بقيت تزكي نفس الاتجاه المعمول به، أي القضاء الإداري الشامل الذي تدخل في حظيرته قضايا المسؤولية الإدارية
         بهذا يمكن التأكيد على أن المحاكم التي أنشئت في عهد الحماية كانت غير مختصة بالنظر في إلغاء القرارات الإدارية، بل يحضرعليها إصدار أي أمر للإدارة من شأنه عرقلة هذه الأخيرة .
إلا أنه ونتيجة للقلق الذي انتاب الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب خاصة الموظفين منهم، وبعد سلسلة من الشكايات إلى الإدارة الفرنسية، سمحت هذه الأخيرة للموظفين العموميين بالمغرب (أجانب ووطنيين) بالتقدم بدعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية المشوبة بعيب الشطط في إستعمال السلطة أمام مجلس الدولة الفرنسي، وذلك وفقا لظهير 1928، وهذا كله اقتداء بالحل الذي اختارته سلطات الحماية من قبل في تونس سنة 1926
إلا أن هذا الإستثناء لم يعرف أي تطبيقات جوهرية تذكر، وهذا راجع إلى التقييدات المسطرية والتكاليف المالية الباهضة، مما جعل الكثيرين يتراجعون عن رفع مثل هذه القضايا إلى القضاء حتى لو كانوا أصحاب حق.
         وبقطع النظر عن كل العيوب التي شابت التنظيم القضائي بالمغرب في المادة الإدارية، فالسمات العامة لهذا التنظيم مازالت مطبقة في أهم مظاهرها، باستثناء بعض التعديلات التي فرضها المغرب في عهد الاستقلال .

 

المطلب الثالث : وضعية القضاء الإداري بالمغرب بعد الاستقلال

الفقرة الأولى : مرحلة القضاء الموحد

أ - إحداث المجلس الاعلى سنة 1957  

       عرف التنظيم القضائي المغربي أول إصلاحاته بعد الاستقلال بإنشاء المجلس الأعلى بمقتضى ظهير رقم 1.57.223 الصادر في 27 شتنبر 1957 بكل غرفه (خمس غرف) وأهم غرفة ميزت هذا المجلس الغرفة الإدارية، غير أن تأسيس المجلس الأعلى لم يكن ثورة قضائية لأنه لم يأت بأي تغيير على صعيد النظرة القضائية المعمول بها حيث أن الغرفة الإدارية ليست بمحكمة مستقلة عن المجلس الأعلى وإنما تعد فقط غرفة كباقي الغرف المكونة للمجلس تنتمي للجهاز القضائي الموحد لأن المشرع سنة 1957 أبقى على مبدأ وحدة المحاكم كما عرف في المغرب منذ 1914 ، وبذلك فإن الاختصاص في المنازعات الإدارية موكول به إلى القضاء العادي المتمثل في المحاكم المدنية والمجلس الأعلى كل في حدود اختصاصاته .

         وما يهمنا هو الغرفة الإدارية التي تقاسمت الاختصاصات الإدارية مع المحاكم المدنية ،فسلطة المجلس الأعلى مبدئيا تقتصر على البحث في موافقة الحكم المطعون فيه للمبادئ والنصوص القانونية أو عدم موافقته لذلك، فإن وجد المجلس الحكم متفقا مع تلك المبادئ والنصوص القانونية قضى برد الطعن، وفي حالة العكس فإنه يقضي بنقض الحكم فقط وإعادة ملف القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض أو إلى محكمة أخرى مساوية لها من حيث الدرجة، فإذا أحال المجلس القضية على المحكمة التي أصدرت الحكم فإنه يتعين عليها أن تتشكل من قضاة لم يشاركوا في الحكم المطعون فيه أمام المجلس الأعلى، وذلك حتى تعيد النظر في جوهر النزاع على ضوء المبادئ والنصوص القانونية التي وردت في قرار النقض.[86]
كما أوكل المشرع للمجلس الأعلى الغرفة الإدارية اختصاصات بمقتضى الفصل 362 من قانون المسطرة المدنية حق النظر في :
- الطعون بالنقض ضد الأحكام القضائية الصادرة في القضايا التي يكون احد الأطراف فيها شخصا عموميا
- الطعون الموجهة ضد مقررات السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة  
وقد اشترط الفصل 359 من ق.م.م أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على المجلس الأعلى مبنية على أحد الأسباب التالية :
 - خرق القانون الداخلي 
- خرق قاعدة مسطرية أضرت بأحد الأطراف
  -عدم الاختصاص علما بأن الاختصاص يعد من النظام العام
 - الشطط في استعمال السلطة 
 -عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل
وبذلك فالمجلس الأعلى (الغرفة الإدارية) له اختصاصين اختصاص بصفته محكمة نقض ثم كذلك حق النظر في الطعون الموجهة ضد قرارات السلطات الإدارية، لكن اختصاص الغرفة الإدارية في هذا المجال غير مطلق وإنما هو اختصاص نسبي كما سنرى ذلك في تطرقنا لقضاء الإلغاء.

ب- إحداث قضاء الإلغاء[87]
        لقد صاحب إنشاء المجلس الأعلى إحداث قضاء الإلغاء من اجل الشطط في استعمال السلطة، ودعوى الإلغاء تعتبر من بين الركائز الأساسية في القضاء الإداري فهي تشكل أحسن أنواع الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، وأهم الوسائل القانونية لضمان حقوق الأفراد، بحيث تمكن الطاعن من التوجه إلى الجهات القضائية لإلغاء قرار إداري غير مشروع، وتعتبر هذه الدعوى دعوى عينية ضد قرار مخا لف للقانون.
ويقتصر دور القاضي في دعوى الإلغاء على تقرير ما إذا كان القرار الإداري المطعون فيه مخالفا للقانون أم لا، فإذا كان مخالفا فيصدر حكمه بإعدامه وإلغائه وفي حالة مطابقة القرار المطعون فيه للقانون فإنه يقضي برد الدعوى.
        وفي هذا الإطار قضى المجلس الأعلى بأنه ليست دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة دعوى بين الخصوم ولكنها دعوى ضد مقرر إداري بقصد التوصل إلى إلغائه بأثر قبل الكافة
والقرار الإداري هو الذي يصدر عن السلطات الإدارية بإرادتها المنفردة والملزمة بما لها من سلطة عامة ويكون من شأنه إنشاء أو تعديل أو إنهاء مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكنا وجائزا شرعيا وكان الغرض منه ابتغاء المصلحة العامة .
        غير أن الملاحظ هو أن اختصاص الغرفة الإدارية في هذا المجال (قضاء الإلغاء) ليس اختصاصا مطلقا طالما أن المقطع الثاني من الفصل 362 من ق.م.م اعتبر أنه: "يصح أن تبحث وتحكم كل غرفة في القضايا المعروضة على المجلس أيا كان نوعها" وهو ما أكده الفصل 10 من الظهير المنشئ للمجلس الأعلى.
        وبذلك فإن اختصاص الغرفة الإدارية في المجلس الأعلى فيما يخص قضاء الشطط في استعمال السلطة اختصاص نسبي طالما أن المشرع يبيح لأي غرفة النظر في اختصاص غرفة أخرى بحيث يجوز لأي قاض من قضاة المجلس النظر في أية قضية بغض النظر عن طبيعتها سواء كانت مدنية أو جنائية أو اجتماعية أو متعلقة بالأحوال الشخصية والميراث مع التسليم باختلاف هذه القضايا خصوصا تلك المتعلقة بالمنازعات الإدارية ذات الطبيعة المتميزة .
        فإحداث قضاء الإلغاء يشكل تطورا مهما على صعيد الترسانة القانونية وعلى صعيد ترسيخ دولة القانون والتأكيد على حرية الأفراد طالما أن هذا الإحداث يتيح لهم حق الدفع بإلغاء القرارات الإدارية المتصفة بالشطط في استعمال السلطة، وبالتالي المطالبة بحقوقهم أمام الجهات القضائية التي تسهر على المراقبة القضائية للأعمال الإدارية كالقرارات الفردية أو التنظيمية لأن المحاكم في عهد الحماية كانت محرومة من النظر في دعوى الإلغاء.

الفقرة الثانية : مرحلة  القضاء المزدوج

        إن انتقال المغرب من مرحلة القضاء الموحد نحو مرحلة القضاء المزدوج جاء نتيجة عوامل داخلية و خارجية، تتجلى في التحولات السياسية الاقتصادية و الاجتماعية التي عرفها المغرب في تلك الفترة، و كذلك الظروف الدولية التي عرفها العالم خاصة مع بداية التسعينات فبانهيار التجارب الاشتراكية، و تقوية جاذبية الأنظمة الليبرالية، والديمقراطية الغربية أصبح هاجس الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان من الانشغالات الأساسية للمنظمات الدولية .
و المغرب جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية، فهو عضو في أغلب المنظمات الدولية و صادق على مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى دمقرطة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان، و من هنا يمكن اعتبار إحداث المحاكم الإدارية بمثابة استجابة لهذه الحملة الدولية المطالبة بالديمقراطية و احترام حقوق الإنسان ، كما أن إرادة المغرب في تحقيق شراكة اقتصادية مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، لا تقتصر على مجرد القيام بإصلاحات اقتصادية و مالية، و إعادة النظر في القوانين، بل لا بد من القيام موازاة مع دلك بمجموعة من الإصلاحات التي تمس الجهاز القضائي و على الصعيد الداخلي بدأت بوادر الانفراج السياسي و الإرادة في بناء دولة الحق و القانون و تكريس الديمقراطية تظهر من خلال إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والإعداد لدستور 1992، كما بدأ بتجدر الوعي السياسي لدى المواطن المغربي، حيث ارتفعت الأصوات المطالبة بالحد من تعسفات السلطات الإدارية بتوسيع مجال مراقبتها، و تكريس مبدأ فصل السلط، و لا يخفى أن تغير المؤسسات رهين بتغير العقليات كما أن الإختلالات التي سادت النظام القضائي الذي كان سائدا آن ذاك من ازدواجية القانون ووحدة القضاء، أسفرت عن عدة صعوبات حيث أن القاضي لا يعرف أحيانا هل هو بصدد منازعة إدارية حيث يطبق عليها القانون الإداري أم منازعة مدنية و بالتالي يطبق عليها قواعد القانون الخاص، لعدم تخصص قضاة هذه المحاكم في المجال الإداري مما جعله غير قادر على مواكبة التحولات التي عرفها المغرب، وطرح ضرورة إنشاء محاكم إدارية متخصصة و قضاة متخصصين للرفع من مستوى الأحكام، و لتكريس الرقابة القضائية على القرارات الإدارية.
أ- إحداث المحاكم الإدارية [88] 
          لقد شكل الخطاب الملكي السامي لثامن مايو 1990 قفزة نوعية هامة في تدعيم البناء الديمقراطي بالمغرب وتطوير القضاء الإداري الذي يعتبر الدعامة الأساسية في استكمال بناء دولة الحق والقانون.
هكذا، أعلن جلالته في الخطاب المذكور على إنشاء سبع محاكم إدارية تغطي مجموع التراب الوطني عبر جهاته الاقتصادية السبع في مرحلة أولى تكون انتقالية مع عزمه على تعميم هذا النوع من المحاكم ليشمل باقي عمالات وأقاليم المملكة في مرحلة ثانية على ان تصبح المحاكم الحالية بمثابة غرف استئنافية لاحكام الاقاليم والعمالات .
وجاء الظهير الشريف رقم : 1.91.225 الصادر في 22 من ربيع الاول 1414 الموافق ل 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم : 90. 41 المحدث بموجبه محاكم إدارية، وبدأ العمل به في شهر مارس 1994. [89]
و بعد إحداث المحاكم الإدارية أصبحت هي المختصة بالمنازعات الإدارية، و بقيت المحاكم العادية مختصة بالمنازعات الخاصة، و قد اتبع المشرع طريقة النص على سبيل الحصر لتحديد اختصاصات القضاء الإداري.
لكن في الممارسة العملية يصعب تحديد مجال اختصاص كل جهة و تعيين المحكمة التي يمكن التقاضي أمامها ، حيث تم نقل الاختصاصات التي كانت موكولة إلى المحاكم الابتدائية تم محاكم الاستئناف في مجال القضاء الشامل إلى المحاكم الإدارية، ولكن رغم ذلك بقيت المنازعات الإدارية ذات الطابع العادي من اختصاص المحاكم العادية ،كما أن الاختصاصات التي كانت موكولة للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في مجال دعوى الإلغاء تم نقلها هي الأخرى إلى المحاكم الإدارية مع الاحتفاظ له ببعض الاختصاصات كاستثناء .
و نلاحظ في هذه المرحلة من تطور القضاء الإداري المغربي أن المتقاضين كان لهم الحق فقط في درجتين للتقاضي، وهي المحكمة الإدارية كدرجة أولى والغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) الذي كان آن داك يعتبر درجة استئناف بالنسبة للمنازعات الإدارية ، دون إمكانية الطعن بالنقض .
       وقد أحدث المشرع في هده المرحلة بمقتضى قانون المحاكم الإدارية جهة لم تكن معروفة في النظام القضائي المغربي سابقا، و هي المفوض الملكي على غرار الأنظمة التي تأخذ بازدواجية القضاء و على رأسها النظام الفرنسي واعتبر البعض أن المغرب بإحداثه لهده الجهة يكون قد انتهج نظام ازدواجية القضاء، لكن وإن كان قد نهج نظام ازدواجية القضاء على صعيد الدرجة الأولى فإنه احتفظ على وحدة القضاء على صعيد الدرجة الثانية ، و لتجاوز النقص الذي كان يعاني منه القضاء الإداري المغربي في هذه المرحلة تم إحداث محاكم الاستئناف الإدارية .
ب- إحداث محاكم الاستئناف الإدارية
           يعد إحداث محاكم الاستئناف الإدارية حدثا بارزا على المستوى المؤسساتي وذلك بمقتضى الظهير الشريف رقم 1-06-07 المؤرخ في 14فبراير 2006 بتنفيذ القانون رقم 80-03 الذي يحتوي على سبعة [90]أبواب تتضمن 21 مادة، وذلك بعد إنشاء المحاكم الإدارية بفارق زمني يقدر بـ 13 سنة.
جاء هذا القانون نتيجة ارتفاع عدد القضايا المستأنفة أمام المجلس الأعلى من مجموع الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية وباختلال البت فيها مما أدى إلى تراكم الملفات المستأنفة المعروضة على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وبالتالي فهذا يتنافى مع مبدأ سرعة البت المنشودة خاصة إذا علمنا أن المنازعة الإدارية تقوم غالبا بين طرفين غير متكافئين، طرف قوي هو الإدارة التي تسعى إلى حماية الحقوق والدفاع عنها، وطرف ضعيف وهو الفرد الذي يسعى إلى حماية حقوقه والدفاع عنها .

 كذلك من مبررات إحداث محاكم الاستئناف الإدارية توفير درجة ثانية من التقاضي عوض الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أي محكمة النقض حاليا، والتي كانت تفوت على المتقاضين إمكانية الطعن بالنقض وهي الإمكانية التي سيوفرها قانون محاكم الاستئناف الإدارية، فضلا عن ذلك فإن إحداث هذه المحاكم سيمكن من تقريب القضاء من المتقاضين والتعجيل بالبت في المنازعات الإدارية[91] .
فإنشاء محاكم الاستئناف الإدارية جاء من أجل تدعيم دولة الحق والقانون وتكريس مبدأ المشروعية وليشكل ضمانة إضافية لحقوق المواطنين ضد تجاوز وتعسف الإدارة مما يؤكد العزم على إقامة قضاء إداري مستقل ومتكامل على درجتين.

        وتجدر الاشارة إلى أنه بمقتضى القانون المعدل سنة 2009 للمادة 16 لم تعد محاكم الاستئناف الإدارية مختصة كأخر درجة في الطعون الانتخابية ، إذ أصبحت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مختصة من جديد كدرجة أخيرة للنظر عن طريق النقض في الدعاوى المتعلقة بالطعون الانتخابية
        و في المادة 17 من ق م ح الاستئناف الإدارية تعطي للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى حق النظر في الدعوى ليس فقط بكونه قاضي موضوع بل وقاضي وقائع وهذا استثناء مرتبط فقط بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة .

           وبالنظر إلى التعديلات الأخيرة التي أدخلها المشرع المغربي  شهر أكتوبر 2011  في التنظيم القضائي أصبحت  تخضع الأحكام الصادرة  عن محاكم الإستئناف الإدارية للطعن بالنقض أمام محكمة النقض أي المجلس الأعلى سابقا ، و تطبق في شأن مسطرة النقض القواعد الواردة في قانون المسطرة المدنية.[92]

         وقد نص الظهير الشريف رقم 25-11-1 بتاريخ 17 ماي 2011 على منح مؤسسة الوسيط (ديوان المظالم سابقا)[93]  اختصاصات تهدف إلى تحقيق تنمية إدارية وهي وسيلة ودية يتم اللجوء إليها لفض الخلافات بدل القضاء،وهي عملية هادفة تسعى إلى جعل عملية الإدارة وطرقها ووسائلها تتلاءم مع مرحلة التطور في بلد من البلدان، يتجلى دورها كذلك في خلق التواصل بين الإدارة والمتعاملين معها على أساس مبدأ العدالة والإنصاف من خلال ضبط إستراتيجية فعالة للحوار، وتهدف هذه المؤسسة إلى تشييد وبناء دولة الحق والقانون وتكريس المزيد من الضمانات لحماية حرية وحقوق الأفراد والجماعات من تعسفات الإدارة وتجاوزاتها. ويبقى الرهان الأول والأخير هو العمل على توعية المواطنين بوجود هذه المؤسسة وبأهميتها وتحسيسهم بضرورة الدفاع عن حقوقهم اتجاه الإدارة حتى يترسخ مفهوم الإدارة في خدمة المواطن قولا وفعلا.

 

خاتمة :

خلاصة لمجموع ما سبق يتبين ان القرارات الإدارية تعتبر من الامتيازات الهامة التي عهد بها القانون للسلطة الإدارية وذلك لأداء واجباتها تجاه المواطنين، والقانون لما خول الإدارة هذه الامتيازات كان يهدف إلى تحقيق غاية معينة، وبالتالي فالقرار الإداري ما هو إلا وسيلة لتحقيق هذه الغاية التي تكون دائما مصلحة عامة أو منفعة عامة، والمخاطبين به ملزمون بتنفيذه طواعية أو إكراها، إلا أن عليهم عدم التزام الصمت عن كل قرار إداري مضر بمركزهم القانوني لأن ذلك يكرس انعدام المشروعية، وبالتالي على الفرد المتضرر من القرار أن يلجأ إلى القضاء لرفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة، عندما يصاب بضرر من شأنه إعدام القرار الغير المشروع، فإذا كانت القرارات غير مشروعة ومست حقا من حقوق الأفراد ونالت بحرية من حرياتهم فإنها تخضع في هذه الحالة لمراقبة القضاء الذي يتولى رعاية حقوق الأفراد ضد تعسف الإدارة وذلك عن طريق إلغائها أو التعويض عنها أو هما معا، ومن هنا يتبين أن خضوع الإدارة لمبدأ المشروعية في جميع الحالات والظروف يعتبر المثل الأعلى لحماية حقوق وحريات الأفراد ويشكل صرحا متينا لدولة الحق والقانون.

     و بعد أن أوجد المشرع جهة قضائية مختصة بالنظر في المنازعات الإدارية ، أفضت اجتهادات مختلفة لتطوير الميدان الإداري ببنائه على أسس وقواعد متميزة عن قواعد القانون الخاص ،وتبعا لذلك القانون الإداري ينفرد  بخاصية الحداثة والمرونة وأيضا يعتبر قانونا قضائيا نظرا لدور القاضي الإداري[94]. فهذا الأخير يعمل على ملئ الثغرات عن طريق الكشف عن المبادئ العامة للقانون وذلك من أجل ضمان  احترام مبدأ الشرعية. [95]

ورغم هده الإصلاحات التي عرفها القضاء الإداري إلا أنه لا زال يعاني نوعا من النواقص لعدم قيام المواطنين برفع الدعوى بالمحاكم الإدارية على الإدارة وعدم تخصص القضاة الإداريين بشكل يخدم

المنازعات الإدارية ،بالإضافة إلى عدم تقريب القضاء الإداري من المتقاضين نظرا لمساحة المملكة وعدد السكان مقارنة بعدد المحاكم الإدارية  المحددة في سبع محاكم  إدارية و محكمتي إستئناف إدارية  وهي تتوزع على الشكل التالي :


 1
محكمة إدارية بالرباط .                                     - محكمة استئناف إدارية بالرباط                          
 2
محكمة إدارية بالدار البيضاء .                            -  محكمة استئناف  إدارية بمراكش              
 3
محكمة إدارية بفاس .
 4
محكمة إدارية بمكناس .
5
محكمة إدارية بوجدة .
 6
محكمة إدارية بمراكش.
 7
محكمة إدارية باكادير

فكيف  تشتغل هده المحاكم وما هي اختصاصاتها ؟


 

 

 لائحة المراجع

  ü د مصطفى قلوش:«الإطار القانوني والفقهي للقوانين التنظيمية»،م.م.إ.م.ث،عدد47،2002،ص.11

  ü الدكتور إسماعيل الصفاحي محاضرات في المفاهيم الأساسية للقانون العام الطبعة الثانية 2010-

  ü د عبد الله إدريسي :«المقاربة القضائية للعقد الإداري،المجلة المغربية  للإقتصاد والقانون»،عدد7،2003،ص.105.ومقاله المنشور بالمجلة المغربية  للإدارة المحلية والتنمية،عدد50،2003.

  ü كتابات الفقه  المغربي بخصوص .عقد التدبير المفوض،محمد يحيا،قراءة نقدية لمفهوم  التدبير المفوض على ضوء مستجدات القانون رقم05-54،م.م.إ.م.ت،عدد80يونيو2008.

  ü د محمد اشركي:«الأسس الدستورية للإدارة المغربية»،المجلة المغربية للقانون والاقتصاد والتنمية ،عدد 23،ص.37.

  ü في رسالة أزغاري أحمد لنيل الدراسات العليا في القانون العام،طبعة شتنبر 1984.

  ü د سليمان محمد الطماوي،النظرية العامة للقرارات الإدارية ،الطبعة الثانية،ص:25

  ü د حسن خليل،القضاء الإداري،1990،ص:94.

  ü د سليمان محمد الطماوي،النظرية العامة للقرارات الإدارية ،الطبعة الثانية،ص:25.

  ü د.سعيد عبد المنعم الحكيم،الرقابة على أعمال الإدارة،دار الفكر العربي،الطبعة الأولى،ص:470.

  ü الدكتور محمد يحيا : المغرب الإداري –الطبعة الثالثة– مطبعة ووراقة إسبارطيل  طنجة 2002.

  ü الدكتورة مليكة الصروخ : القانون الإداري –دراسة مقارنة- الطبعة الرابعة مع آخر المستجدات ، سنة 1998، مطبعة الجديدة الدار البيضاء.

  ü الدكتورة مليكة الصروخ : القانون الإداري –دراسة ومقارنة- الطبعة الخامسة مع آخر المستجدات، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة أكتوبر 2001.

  ü الدكتور محمد كرامي : الطبعة الأولى 2000، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.

  ü الدكتور نواف كنعان : القانون الإداري، الجزء الثاني، الطبعة الأولى سنة 2003، مكتبة دار الثقافة عمان.

  ü الدكتور الحاج شكرة : القانون الإداري، النشاط الإداري، الطبعة الأولى سنة 2005 طبع دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط.

  ü الدكتور محمد أنور حمادة : القرارات الإدارية ورقابة القضاء، دار الفكر الجامعي الإسكندرية سنة 2003.

  ü الدكتور رضوان بوجمعة : المقتضب في القانون الإداري المغربي، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء سنة 1999.

  ü الدكتور محمد مرغني خيري : الوجيز في القانون الإداري المغربي، الجزء الثاني، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط سنة 1978.

  ü الدكتور محمد حلمي : موجز مبادئ القانون الإداري، الطبعة الأولى ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي سنة 1978.

  ü الدكتور محمد البقالي : تأملات في مشروع إحداث ديوان المظالم، منشورات مجلة طنجيس للقانون والاقتصاد العدد 2 سنة 2001.

  ü د محمود محمد حافظ،«القضاء الإداري،دراسة مقارنة»،الطبعة الرابعة1968،ص.109.

  ü د .محمد مصطفى حسن،السلطة التقديرية في القرارات الإدارية،1974ص:98 وما بعدها

  ü الوجيز في قانون المرافق العامة الكبرى ،منشورات عكاظ،2001ص.152.

  ü -الدكتور حسن الرميلي، المختصر في التنظيم القضائي المغربي، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. ص 4 و 5

  ü - د المختار مطيع: ''دراسات وقائع دستورية وسياسية'' مجلة القانون العام والعلوم السياسية العدد الثالث 2001.

  ü د الحضري محمد، المختصر في التنظيم القضائي المغربي،2010 -

  ü ذة. نورة غزلان الشنيوي، التنظيم القضائي للمملكة، دراسة من صميم الإصلاح الشامل للقضاء المغربي الطبعة الثانية 1343هـ. 2013م، أكادير

  ü -عبد العزيز توفيق: موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة 2011 ص 150

  ü -عبد القادر باينه "المدخل لدراسة القانون الإداري والعلوم الإدارية دار النشر المغربية،الطبعة الثانية 2005،ص45

  ü الدكتورة مليكة الصروخ – القانون الإداري- الطبعة السادسة مع آخر المستجدات، نونبر2008-

  ü المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ـ سلسلة مواضيع الساعة، العدد 55، الطبعة الأولى 2007

  ü القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، ج.ر عدد 4229، بتاريخ 17 نونبر 1993

  ü -القانون رقم 80.03 المحدث بموجبه محاكم استئناف إدارية، ج.ر عدد 5398،بتاريخ 23 فبراير 2006


 

الفهرس:

Table des matières

مقدمة: 1

المبحث الاول: الوسائل القانونية للنشاط الإداري.. 4

المطلب الاول : القرار الإداري.. 4

الفقرة الاولى :أركان القرار الإداري وانواعه. 18

الفقرة الثانية : نفاذ القرار الإداري وزواله. 31

المطلب الثاني:العقود الإدارية. 38

الفقرة الاولى :مفهوم العقود الإدارية وأنواعها 40

الفقرة الثانية : تنفيذ العقد الإداري ونهايته. 60

المبحث الثاني :اسس الرقابة القضائية على القرارات الادارية. 82

المطلب الاول: مبدأ المشروعية. 82

الفقرة الاولى : تعريف مبدأ المشروعية. 82

الفقرة الثانية : مصادر المشروعية. 82

المطلب الثاني: موازنة مبدأ المشروعية. 89

الفقرة الأولى : نظرية الظروف الاستثنائية. 89

الفقرة الثانية :نظرية السلطة التقديرية. 90

الفقرة الثالثة: نظرية أعمال السيادة. 99

المبحث الثالث:أسلوب الرقابة القضائية على الإدارة. 101

المطلب الأول :نظام وحدة القضاء. 102

المطلب الثاني:نظام القضاء المزدوج. 103

المبحث الرابع:تطور القضاء الإداري بالمغرب.. 106

المطلب الاول :  مرحلة ما قبل الحماية. 106

الفقرة إلاولى :إختصاصات ديوان المظالم. 106

الفقرة الثانية  : دور وزير الشكايات في المنازعات الإدارية. 107

المطلب الثاني : فترة الحماية. 108

الفقرة الأولى : المحاكم العصرية. 108

الفقرة الثانية: مجلس الدولة الفرنسي. 109

المطلب الثالث : وضعية القضاء الإداري بالمغرب بعد الاستقلال. 111

الفقرة الأولى : مرحلة القضاء الموحد. 111

الفقرة الثانية : مرحلة  القضاء المزدوج. 113

خاتمة : 117

لائحة المراجع. 119

الفهرس: 122

 

 



[1] حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 12 بتاريخ 2-2-2000 مشكور الطاهر ضد رئيس المجلس البلدي للمنارة جليز:«إشعار الطاعن بالكف عن استعمال  آلات  هو مجرد إجراء تحضيري للقرار الذي تهدد الإدارة  باتخاذه وبالتالي فهو غير قابل للطعن  بالإلغاء».

حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 32 داودي علي ضد وزير الداخلية :جداول أعمال الدورات العادية  للجالس البلدية والقروية ليست قرارات إدارية تقريرية قابلة للطعن بدعوى الإلغاء».

حكم المحكمة الإدارية بأكادير  عدد22بتاريخ8-3-2001 سعاد اللوبين ضد وزير الصحة :قرار التوقيف المؤقت الصادر في إطار الفصل 37 من قانون الوظيفة العمومية ليس بقرار إداري.

وحيث يشترط لقبول الطعن بالإلغاء أن ينصب على قرار إداري نافذ في المركز القانوني للطعن.

[2] » عملية تحصيل الضرائب في حد ذاتها  تعتبر عملا ماديا  هذا العمل لا يتم إلا تنفيذا لقرار إداري تفصح به مصلحة الضرائب باعتبارها الجهة الإدارية.. لا يجوز النظر إلى واقعة تحصيل  الضريبة مستقلة عن القرار الذي وقعت تنفيذا له.».

راجع كذلك حكم المحكمة الإدارية  بمراكش بتاريخ14-3-2001 تحت عدد34 حيث فضت ما يلي :«امتناع كاتب الضبط عن تسجيل عريضة دعوى لا يشكل قرارا إداريا ،بل يعتبر مجرد عمل مادي  قام به المدعي  عليه في إطار وظيفته،وعلى هذا الأساس فإن الطعن فيه بالإلغاء لا يكون مقبولا».

[3] حكم عدد954 بتاريخ27-12-2006،شركة النقل سهيل ضد وزير التجهيز.حكم منشور بالمجلة المغربية للمنازعات القانونية،عدد مزدوج7/8،ص.331.

راجع كذلك حكم المحكمة الإدارية  بوجدة رقم 29 بتاريخ 13 مارس2007 الذي قضى ما يلي:«إن الدوريات والمناشير الصادرة عن الإدارة في إطار المبادئ العامة الأساسية لا يمكن اعتبارها متسمة بعدم المشروعية بالنظر إلى الأهداف الإيجابية المتوخاة منها طالما أنها لا تشكل خرقا للقوانين الجاري بها العمل ولا تتعارض معها».

[4] راجع تعليقنا الصادر في المجلة المغربية للإدارة المحليةوالتنمية،عدد66 تحت عنوان :«قرارات أشخاص القانون الخاص القابلة للطعن بالإلغاء».

وكذا راجع تعليق الميلودي بوطريكي :هل يمكن الحديث عن وفاة المعيار العضوي  لتحديد القرار الإداري،تعليق على حكم المحكمة  الإدارية بمراكش رقم45بتاريخ5-4-2005 الذي قضى بأن :لئن كانت المنظمة العلوية  لرعاية المكفوفين  التابع لها معهد  أبي العباس السبتي من أشخاص القانون الخاص،فإن الإعتراف لها بصفة المنفعة  العامة وكذا  سهرها على  تسيير نشاط مرفق عمومي...يجعل القرارات التي تتخدها أثناء تنفيذها  مهام المرفق العام قرارات إدارية...»منشور بالمجلة م.إ.م.ت،عدد72-73،ص.169.

[5] J.F.LACHAUME/La hiérarchie des actes administratifs en droit public francais, These,1965

[6]  حكم عدد25 بتاريخ 6-2-20076،محمد الداودي ضد وكيل الملك لدى ابتدائية وجدة،م.م.إ.م.ت.عدد74،ص:281. راجع كذلك حكم المحكمة الإدارية بمكناس  عدد 545 بتاريخ26/12/2007،إدريس سليكي  ضد القائد العام للدرى الملكي جاء فيه:«إذا كان لا يمكن مساءلة الدولة  من الأعمال القضائية إلا في إطار مسطرة مخاصمة القضاة،فإن تجاوز ضباط الشرطة القضائية  لاختصاصاتهم المحددة قانونا يعتبر من قبيل الأعمال القابلة للطعن فيها أمام المحاكم الإدارية»،منشور بالمجلة ،م.إم.ت عدد 81-82/2008،ص.315.

[7]  حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 1430،بتاريخ 26-6-2007،إدريس كرم ضد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء،م.م.إ.م.ت عدد75،175.

[8]  حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد63بتاريخ  20-7-1995بيزكاردن أحمد ضد رئيس مجلي الوصاية بوزارة الداخلية.

[9] حكم عدد56بتاريخ9-6-2005،جواد كملي ضد علال غازي ومن معه،المجلة المغربيةإ.م.ت.عدد76-77،2007،ص.142

[10] حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد151بتاريخ3-2-2000،إدريس برطالي ضد الجماعة القروية لمولاي بوسلهام.

[11] مصطفى قلوش:«الإطار القانوني والفقهي للقوانين التنظيمية»،م.م.إ.م.ث،عدد47،2002،ص.11.

[12]حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم267صادر بتاريخ31-07-1996،منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد1،ص.89.

[13]المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، حكم رقم 300 بتاريخ11-12-2006،أحمد عراقي ضد وزير التعليم العالي .م.م.إ.م.ث،عدد75،ص.215.

راجع كذلك قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد346 بتاريخ27-4-2006،الوكيل القضائي للمملكة ضد أحمد بوزغود الذي أكد:«قرارات التسوية المالية الخاطئة يمكن سحبها في كل وقت وحين لكونها لا تشكل بذاتها حقوقا وإنما يقتصر دورها على إبراز حقوق نشأت  عن قرارات سابقة»،(منشور بالمجلة م.م.إ.م.ت،عدد72-73،ص.211)

[14] إدارية الدار البيضاء،حكم عدد300بتاريخ11-12-2006،أحمد عراقي ضد وزير التعليم العالي.

[15] M.A BENABDELLAH :le contentieux contractuel, Ouvrage collectif, Indépendance nationale et système juridique au maroc,Ed la porte, Rabat 2000 ,p,189

عبد الله إدريسي :«المقاربة القضائية للعقد الإداري،المجلة المغربية  للإقتصاد والقانون»،عدد7،2003،ص.105.ومقاله المنشور بالمجلة المغربية  للإدارة المحلية والتنمية،عدد50،2003.

[16] -L.RICHER,Les contrats administratifs,Dalloz(connaissance du droit),1991.

-Droit des contrats administratifs,L.G.D.J,2eme  éd ,1999.

-D.POUYAND ,la nullité des contrat adminidtratifs,L.G.D.J.1991

-E FATOME ,Réflexions sur les notion de travail effectuées pour le compte d’une personne publique et de maitre d’ouvrage.C.J.E.C,1990,p.119.

-J.D DREYFUS ,contribution a une théorie générale des contrats entre personnes publique,et de maitre d’ouvrage.C.J.E.C ,1990,p.119.

-J.D DREYFUS,contribution à une théorie generale des contrats  entre personnes publique ,l’Harmattan,1997.

-N.POULET-GIBOT,la contractualisation des relation entre les personnes publiques ,R.F.D.A ,1999,p.551

 [17] -A.RAGALA, Eléments du contentieux des contrats de l’administration, REMALD,nْ41,2001,p63.

-p.WELL,le critere  du contrat administratif er crise ,Mélanges WALINE,Tome II ,p.831

[18] قرار عدد 788، بتاريخ 14 نونبر1996،منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى،منشورات المجلس الأعلى  في ذكراه الأربعين،1997،ص.740.

[19]قرار عدد664،حميد ازريكب ضد الجماعة الحضرية  للنخيل بمراكش ،قضاء المجلس الأعلى،عدد55،ص.211

[20] حكم عدد100،بتاريخ 10-10-1999،شركة بن زدي ضد جماعة المحرة،م.م.أ.م.ت،عدد مزدوج44-54،ص.104.

[21] قرار عدد 401،بتاريخ12-10-1995،الشركة الوطنية للتجهيز خليج طنجة ضد شركة البناء والأشغال مديطرال،م.م.أ.م.ت،عدد مزدوج 14-15،ص.156.

[22]  قرار عدد 725 ،بتاريخ 09-10-2003، مجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد 61،شركة  بلاشومار ضد وكالة إنقاد مدينة فاس ،ص.227

[23]حكم المحكمة الإدارية بالرباط ،حكم رقم 239 ،بتاريخ 02-03-2004.ملف  رقم 01-428 ش.ع.بين شركة مجموعة  أوكسيطك القدميري،وبين الشركة السياحية للخطوط الملكية المغربية،حكم غير منشور.ملاحظة أساسية وهي أن إدارية الرباط في حكم لها صادر في قضية شركة خليج طنجة وهي شركة خاصة أي شخص معنوي خاص.

[24] المحكمة الإدارية بالرباط،حكم رقم 1454 بتاريخ 11-12-2003 ملف رقم  02/82 ش.ع.بين شركة مالباهيا والدولة المغربية.

[25] حكم المحكمة الإدارية بمراكش،الدليل العملي،الجزء الثاني،ص.392.

[26] قرار عدد 402،الصادر بتاريخ 12-06-2003،منشور بمجلة  قضاء المجلس الأعلى،عدد61،ص.216

[27]  قرار عدد468،بتاريخ09نونبر1995،علال شعالي ضد شعالي ضد الصندوق الوطني للقرض الفلاحي ،مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد49-50،ص.156.

[28] المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،الدليل العلمي،الجزء الثاني،ص.372.

[29] قرار عدد1428،بتاريخ9أكتوبر 1997،منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد53-54،ص.307.

[30] حكم إدارية وجدة ،عدد93 بتاريخ 03-05-2000،عمر نيبو ضد جماعة أركمان،م.م.إ.م.ت،عدد34،ص.149.

[31]  -G.LIETEAUX :Identification de la concession de service publique ,R.A1968,p.715.

-J.DUFAU,la nayure juridique de la concession de service public, Mélanger chapus,1992,p147

[32]  راجع بعض احكام المحاكم الإدارية التي حددت موضوع الإمتياز:

-حكم  المحكمة الإدارية بالدار البيضاء،عدد35،بتاريخ26-06-1998،بين الشركة المغربية لنقل الأموات ضد المجموعة الحضرية للدار البيضاء،منشور بالمجلة المغربية للإدارة والتنمية المحلية.

-أمر استعجالي صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط،عدد44،بتاريخ13-02-2002،وزارة التجهيز ضد الأشغال العمومية،منشور م.م.إ.م.ت،عدد مزدوج44-45،ص.217.

[33]  باستثناء ما تم التنصيص عليه في المادة 39 من الميثاق الجماعي الجديد رقم:00-78.

[34] أحمد بوعشيق ،مرجع سابق ،ص:181.

[35] الوجيز في قانون المرافق العامة الكبرى ،منشورات عكاظ،2001ص.152.

[36]A.BEKKALI,la pratique de la gestion deleguee au maroc Reflexion sur la porte de la convention conclue entre entre la communaute urbaine de casablanca et la lyonnaise des eaux.le devenir du service public,p.111

اعتبر جانب من الفقه المغربي أن عقد التدبير المفوض بمثابة عقد امتياز ولم يفرق بينهما.

*A.BOUTAQBOUT,Le régime de la concession au maroc.R34.P.71CITé par  AMAL MECHERFI.

وهناك جانب من الفقه من اعتبر أن أسلوب التدبير المفوض يجد جذوره في التاريخ المغربي ويرجع إلى سنة 1914،حيث تم إنشاء الشركة المغربية لتوزيع الماء والكهرباء S.M.D

*M.BRAHIMI,l’experience de delegation des services publics urbains marchands

راجع كذلك كتابات الفقه  المغربي بخصوص .عقد التدبير المفوض،محمد يحيا،قراءة نقدية لمفهوم  التدبير المفوض على ضوء مستجدات القانون رقم05-54،م.م.إ.م.ت،عدد80يونيو2008.

 

[37] M.EL YAAGOUBI ,La gestion déléguée des services  publics locaux au Maroc .REMALD ,N ْ19 ,1997,p,14

[38] قرار صادر بتاريخ 20فبراير 1996،العون القضائي ضد فابيلن،غير منشور،أورده الأستاذ عبد الله ركالي وزاني،م.م.م.أ.ت،عدد41،ص69.

[39] حكم عدد 243 بتاريخ 23-09-1996،شركة تنظيف صناعي ضد الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي،منشور بالدليل العلمي للاجتهاد القضائي في المادة الادارية،للأستاد أحمد بوعشيق،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،سلسلة دلائل التسيير،عدد16،الجزء الثامن،ص.417.

[40] حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 13 فبراير سنة 1994 في قضية.one de Sarlat et soc, la mutuelle générale française ،ويتعلق بكنيسة قديمة مؤجرة  لمصلحة البريد.راجع كذلك حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ17/11/2005 تحت عدد1499 حيث قضى :«الوضع بالنسبة إلى عقود الأشغال العامة أنها عقود فورية تنقضي بتنفيذ كل من الطرفين المتعاقدين لالتزاماته المترتبة على العقد».

وراجع كذلك حكم لنفس المحكمة بتاريخ27/12/2004 تحت رقم1468 حيث قضى:«دعاوى الأشغال العمومية يرجع الإختصاص المحلي فيها إلى محكمة المكان الذي نفذت فيه تلك الأشغال».

[41] حكم المحكمة الإدارية بمراكش،عدد155 بتاريخ22-05-2002،الكرد ضد الجماعة القروية بالزالت،الدليل العملي،الجزء2،ص.373.

[42] قرار الغرفة الإدارية ،عدد904 بتاريخ11-12-2003،الوكيل القضائي للمملكة ضد شركة ريمبو،الدليل العملي،الجزء الثاني،ص.389.

[43]  حكم المحكمة الإدارية بالرباط،عدد1119 بتاريخ29-09-2003 ،البهلول احمد ضد المكتب الوطني للنقل ،حكم غير منشور.

[44] قرار محكمة الإستأناف الإدارية بالرباط، عدد634 بتاريخ26-9-2007 فب الملف رقم911/06/6 وكذا حكم المحكمة الغدارية بالدار البيضاء عدد293 يتاريخ 15/11/2000 آيت بوريد ضد جماعة المنصورية.

[45] Waline,traite de droit administratif,p566.

[46]   قرار المحكمة  الإدارية بفاس ،الحكم رقم295-17 يوليوز،جليلة المرابط ضد وزير التربية الوطنية،منشور بالمجلة المغربية للإدارة والتنمية المحلية،عدد22سنة 1998،ص:119.

[47] CF ,G.VEDEL,LES BASES CONSTUTIONNELLES DU DROIT ADMINISTRATIF,ARTICLE, PRECITE,E.D.C.E,1954.

راجع كذلك محمد اشركي:«الأسس الدستورية للإدارة المغربية»،المجلة المغربية للقانون والاقتصاد والتنمية ،عدد 23،ص.37.

 

[48] الفصل 70،من دستور 2011

[49] الفصل71،من دستور 2011

[50] الفصل 70 من دستور 2011

[51] CF,C.LA VAILLE L’evolution de la decision ,op.cit .l.g.d.j,PARIS 1974                

[52]CF.C.LA VAILLE.L ‘Evolution de la decision .op.cit.l.g.d.j. paris 1974

[53]راجع دستور 2011،

[54]راجع الفصل 90 من الدستور  الذي ينص بهذا  الخصوص  رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ، :«يحب أن تحمل التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين  بتنفيذها».

[55]  راجع دستور 2011

[56]راجع دستور 2011

[57] Cf.b.jeanneau, la théorie des principes généraux  du droit a l’épreuve du temps.e.d.c.e.

[58]Arrêt de la C.S.A 9/7/1957.GUERRA ,rec,p :55 et Arrêt de la c.s.a 18/5/1961,consort madelaine,rec,p :62n139.

[59]Arrêt de la c.s.a 28/05/1959,mohamed derchrif,rec,p :50nْ48 arret de la csa 9/3/1964,kanouni driss, rec,p :196,n  368 ْ

[60] Arrêt de la C.S.A.09/07/1959,ahmed be, yousef,rec,p :61, nْ56,arret delac.s.a,22/04/1963,societe d’expertises et des visites technique,rec,p :83 nْ25

[61] Arrêt de la C.S.A18/02/1962,william xall,,rec,p126, , nْ261

[62]Arrêt de la C.S.A,22/06/1964,ismail mehdi alaoui :217, nْ532

[63]Arrêt de la C.S.A,22/06/1964,Ahmed Oukrim ?REC ,P :204, nْ398,Arret de la C.S.A ,24/05/1965,bouchaib ben mohamed,rec,P : , nْ446.

[64] د.حسن خليل،القضاء الإداري،1990،ص:94.

[65]  راجع هذه التعاريف في رسالة أزغاري أحمد لنيل الدراسات العليا في القانون العام،طبعة شتنبر 1984.

[66] DELAUBADERE ,Traité élémentaire de droit administratif,1953,p :20.

[67] R.BONNARD,Le pouvoir discretionnaire des autorites rt le recours pour exces de pouvoire,R.D.P ?Paris,1923,pp :2-3.

[68]  أنظر هذا التعريف في رسالة أزغاري أحمد،مرجع سلبق.

[69] د.سليمان محمد الطماوي،النظرية العامة للقرارات الإدارية ،الطبعة الثانية،ص:25.

[70]  د.محمد مصطفى حسن،السلطة التقديرية في القرارات الإدارية،1974ص:98 وما بعدها.

[71] C.E, 15Fervrier1961,rec,P :121

[72] C.E, 2Novembre 1973,rec,P :611.

[73] C.E, 2Juin1978, LEBON, Les grand arrêts de la jurisprudence administrative.7éme édition ,Sirey :583.

[74]المحكمة الإدارية العليا،11نونبر1961،ق.563،س.7،المجموعة،ص:27.

[75]  محكمة القضاء الإداري،22أبريل،1952،ث590،ص:5،المجموعة،ص:868،أبريل1952.

[76]قرار المجلس الأعلىفي 19 فبراير1982،في قضية الاشهب عبد القادر  ضد وزير العدل (غير منشور)وقراره أيضا بتاريخ 29 أبريل1980،عدد162،في قضية محمد بن ادريس المعطي ضد وزير العدل(غير منشور).

[77]قرار المجلس الاعلى،الغرفة الإدارية،عدد166،عبد القادر العلوي لمحمدي،في19أبريل1974(غير منشور).

[78] قرار المجلس الأعلى الغرفة الإدارية،8أبريل 1966،بين السيد حسين مغلاتي ضد مدير المناجم،قرارات المجلس الأعلى1966-1970،طبعة أولى،1983،ص:18-19.

[79]  قرار المجلس الأعلى،عدد28 بتاريخ25-02-1975،قضية خديجة جلزيم(غير منشور).

[80]  حكم المحكمة الإدارية بالرباط،عدد90بتاريخ23-03-1995،بوليل محمد ضد وزير العدل،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد11،ذأبريل-يونيو1995،ص:75-76..

[81] حكم المحطمة الإدارية بالرباط،عدد265،بتاريخ20-03-1997،بوشبكي عبد الله ضد المدير العام للأمن الوطني،م.م.إ.م.ت،عدد20-21يوليوز-دجنبر1997،ص:113.

[82] د.سعيد عبد المنعم الحكيم،الرقابة على أعمال الإدارة،دار الفكر العربي،الطبعة الأولى،ص:470.

[83] د.محمود محمد حافظ،«القضاء الإداري،دراسة مقارنة»،الطبعة الرابعة1968،ص.109.

 -[84]  الدكتور حسن الرميلي، المختصر في التنظيم القضائي المغربي، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. ص 4 و 5

 

 د. المختار مطيع: ''دراسات وقائع دستورية وسياسية'' مجلة القانون العام والعلوم السياسية العدد الثالث 2001. [85]

 المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ـ سلسلة مواضيع الساعة، العدد 55، الطبعة الأولى 2007 [86]

 قبل صدور قانون المحاكم الإدارية كان المشرع المغربي يسمي دعوى الإلغاء بدعوى الشطط في استعمال السلطة[87]

 - ـ الحضري محمد، المختصر في التنظيم القضائي المغربي،2010[88]

 ـ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، ج.ر عدد 4229، بتاريخ 17 نونبر 1993[89]


ـ
القانون رقم 80.03  المحدث بموجبه محاكم استئناف إدارية، ج.ر عدد 5398،بتاريخ 23 فبراير 2006 [90]

[91]- ذة. نورة غزلان الشنيوي، التنظيم القضائي للمملكة، دراسة من صميم الإصلاح الشامل للقضاء المغربي الطبعة الثانية 1343هـ. 2013م، أكادير.

 

عبد العزيز توفيق: موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة 2011 ص 150[92]

 عرف المغرب باعتباره بلدا إسلاميا على مر التاريخ تطبيقات مختلفة لمؤسسة المظالم حيث اعتبرت الدراسات العربية الإسلامية أن ولاية المظالم هي أصل ما يعرف اليوم بالقضاء الإداري وتعد وزارة الشكايات في عهد ما قبل الحماية ومكتب الأبحاث والإرشادات في عهد الاستقلال أبرز نماذج ولاية المظالم في المغرب وقد جاءت مؤسسة الوسيط لتحل محل هذه الأخيرة التي كانت اعتماداتها المالية من ميزانية البلاط الملكي .[93]

 -عبد القادر باينه "المدخل لدراسة القانون الإداري والعلوم الادارية دار النشر المغربية،الطبعة الثانية 2005،ص45[94]

-- الدكتورة مليكة الصروخ –القانون الإداري- الطبعة السادسة مع آخر المستجدات، نونبر 2008[95]

المدونة القانونية الشاملة
المدونة القانونية الشاملة