من إعداد : طلبة ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان الفوج الثاني.
تـــقـــديــم:
مكن المشرع المغربي الإدارة بوسيلتين من اجل القيام بمهامها، أولها القرارات الإدارية وثانيها العقود الإدارية، ففيما يخص الأولى فإنها تصدر عن إرادتها المنفردة والمتسمة بطابع الإلزام والإجبار في الحدود المقررة قانونا، أما الثانية فتتجلى في الاتفاقات التي تبرم بين الإدارة كسلطة قائمة على تحقيق المصلحة العامة وبين الأفراد أو الشركات الخاصة من اجل انجاز عمل معين يحقق المنفعة العامة بشكل مباشر.
والعقود الإدارية تعتبر عملا قانونيا يدخل في إطار المجالات التي تتقاطع فيها أعمال الإدارة بالمتعاقدين معها من اجل إشباع الحاجات المرفقية للمواطنين سواء تعلق الأمر بأشغال أو بخدمات...
وباعتبار أن العقد الإداري عمل قانوني فانه يرتب حقوقا والتزامات على كلا الطرفين، غير أن مركز الإدارة أسمى من مركز المتعاقد معها، وذلك نظرا للشروط الاستثنائية التي يمكن أن يتضمنها العقد، مما أدى إلى إقرار حق المتعاقد في اللجوء إلى القضاء لاستئناف حقه والدفاع عن مركزه باعتبار أن الحق في التقاضي هو حق دستوري.
وتجدر الإشارة إلى أن جل التشريعات ومن بينها المغرب، قامت بتنظيم هذه العلاقة التعاقدية بترسانة قانونية تهدف من خلالها إلى التقليل من المنازعات التي قد تحدت جراء تنفيذ هذه العقود الإدارية، لكن مع ذلك نلاحظ مجموعة من القضايا والمشاكل التي تطرح أمام المحاكم من اجل حل الخلافات بشأنها بين الطرفين المتعاقدين وذلك ناتج عن تطور هذه العقود كنتيجة لتطور الأنماط الاقتصادية والاجتماعية من جهة ولتطور طرق تدبيرها بشكل مباشر أو عن طريق الاقتصاد المختلط من جهة أخرى.
في حالة وقوع نزاع حول العقد الإداري المبرم، فالمشرع جعل الاختصاص من نصيب المحاكم الإدارية، وذلك حسب طبيعة النزاع، حيث أن هناك من النزاعات ما يعرض على قضاء الإلغاء ومنها ما يكون من اختصاص القضاء الشامل وذلك شريطة تقدم من له المصلحة في ذلك برفع الدعوى القضائية.
فقضاء الإلغاء يعتبر قضاء المشروعية لكونه وجد للدفاع عن المشروعية والمصلحة العامة أكثر من الدفاع عن الحقوق والمصالح الخاصة، وقاضي الإلغاء هو قاضي مختص فقط في طلبات إلغاء القرارات المعينة دون إمكانية توجيه أوامر محددة للإدارة.
نشأت دعوى الإلغاء في فرنسا تحت اسم الطعن بتجاوز السلطة كتظلم إداري له الشكل القضائي ثم من بعد ذلك تحول ليكون دعوى قضائية بالمعنى الدقيق لها، أما فيما يخص المغرب فقد عرف قضاء إسلاميا قبل الحماية ولم يعرف معه مبدأ فصل السلطات القضائية والإدارية إلا انه مع ذلك عرفت هذه الحقبة أنظمة المراقبة تلزم الحاكم والمحكومين على حد سواء (ديوان المظالم).
أما فيما يخص مرحلة الحماية فلم يعرف المغرب دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، لأن هذه المرحلة تميزت بعدم وجود قضاء إداري مختص مما نتج عنه وحدة القضاء وازدواجية القانون.
وبعد الاستقلال وجد المغرب نفسه أمام مخلفات نظام الحماية الفرنسية التي تميزت بوجود تنظيمات معقدة ومتنوعة في مجالات شتى، مما جعله يستحدث نظاما قانونيا وقضائيا يلائم هذه التغيرات وكان من بين هذه الإنشاءات: إنشاء المجلس الأعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 عهد إليه النظر في الطعون بالإلغاء ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب الشطط في استعمال السلطة، إضافة إلى النظر في الطعون بالنقض ضد الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم الأخرى...ثم إحداث المحاكم الإدارية بموجب القانون رقم41.90 الذي يعتبر لبنة في تدعيم بناء دولة الحق والقانون...
أما القضاء الشامل فيعرف هو ذلك القضاء الذي يخول للقاضي تصفية النزاعات المعروضة عليه كليا، فيلغي القرارات المخالفة للقانون إن وجدت ويرتب على ذلك نتائج كاملة من الناحية الايجابية أو السلبية.
إذن فماذا نقصد بالعقود الإدارية؟ وما هي معايير تمييزها عن باقي العقود الأخرى؟ وما هو حدود اختصاص كل من قضاء الإلغاء والقضاء الشامل في المنازعات الناتجة عن هذه العقود؟
للإجابة على هذه الأسئلة سوف نتتبع التصميم التالي:
المبحث الأول: العقد الإداري وحدود اختصاص قضاء الإلغاء في المنازعات الناشئة عنه.
المبحث الثاني: القضاء الشامل وحدود اختصاصه في منازعات العقود الإدارية.
المبحث الأول: العقد الإداري وحدود اختصاص قضاء الإلغاء في المنازعات الناشئة عنه.
للحديث عن حدود اختصاص قضاء الإلغاء في المنازعات العقود الإدارية فإنه لابد لنا أن نعرف هذه الأخيرة ونحدد معايير تمييزها عن باقي العقود الأخرى (المطلب الأول) ثم التطرق إلى اختصاص قضاء الإلغاء في هذه المنازعات من خلال (المطلب الثاني).
المطلب الأول:تعريف العقد الإداري ومعايير تميزه عن باقي العقود.
في هذا المطلب سنتطرق إلى تعريف مفهوم العقد الإداري (الفقرة الأولى) ثم الحديث عن المعيار القانوني والقضائي في تمييز العقود الأخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:مفهوم العقد الإداري.
في ظل تدخل الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها وتعدد وتنوع أنشطتها عرف العقد الإداري مفاهيم وتعاريف كثيرة يصعب حصرها كلها ...
فمجلس الدولة الفرنسي عرفها بأنها تلك العقود التي يبرمها شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تظهر فيها نيته في الأخذ بأحكام القانون العام ويتجلى ذلك في تضمين تلك العقود شروط عير مألوفة في العقد الخاص...
أما في التشريع المصري، فقد اعتبرت المحكمة الإدارية العليا المصرية العقد الإداري بأنه ينبثق عن اتفاق يكون احد طرفيه شخصا معنويا عاما بقصد إدارة مرفق عام وتظهر فيه نية الأخذ بأساليب القانون العام، من خلال انطوائه على شروط غير استثنائية وغير مألوفة في تعاملات الأفراد.
سواء تمتعت الإدارة بامتيازات وسلطات لا يتمتع بها الأفراد أو بمنح المتعاقدين معها السلطات الاستثنائية في مواجهة الغير فإنه لا يتمتع بها في حالة تعاقده مع الأفراد، أما بخصوص القضاء المغربي فقد قضت محكمة النقض في إحدى قراراتها على أنه (لا يكفي لاعتبار العقد إداريا أن يتضمن العقد شروطا ومقتضيات غير مألوفة في القانون العادي .بل يتعين أن يتوفر شرط ثالث وهو أن يتعلق العقد بتسيير مرفق عمومي ،وان طبيعة العقد وإن كان مبرما بين مؤسسة عمومية وهي المكتب الوطني للكهرباء وبين الطاعن ويتضمن شروطا غير مألوفة في العقود الخاصة إلا أن العقد المذكور لا يتعلق بتسيير مرفق عام وبالتالي فان الأمر لا يتعلق بعقد إداري يخضع للنزاع المتعلق باختصاص المحاكم الإدارية، ولكن بعقد عادي يرجع للمحكمة ذات القضاء الشامل أو الكامل للبث في النزاع...لأن النزاعات المتفرعة عن العقود المبرمة مع المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري أو الصناعي لا تدخل ضمن العقود الإدارية لان العقد المذكور لا يتوفر فيه شرط أساسي وجوهري وهو تعلقه بتسيير مرفق عام) .
انطلاقا مما سبق فان العقد الإداري حتى يعتبر كذالك فلابد من توفره على مجموعة من الشروط والتي بانتفاء أحدها يفقد العقد مقومات العقد الإداري وهي:
1- أن يكون احد طرفيه شخص من أشخاص القانون العام .
2- أن يكون مضمونه تسيير المرفق العام سواء عن طريق تنظيمه أو استغلاله أو تنفيذ بنوده .
3- أن يضم العقد شروط غير مألوفة في العقود الخاصة .
فالشرط الأول يعد عنصرا أساسيا ومفترضا لان العقد لا يمكن أن يكون إداريا إلا حين أن يكون أحد أشخاص القانون العام طرفا فيه (الدولة –الجماعات المحلية...).
أما الشرط الثاني فان مبرره الحقيقي أن مقتضيات سير المرافق العامة بانتظام هي وحدها التي تعطينا مبررا لما يتضمنه القانون الإداري من الخروج عن المألوف في القانون الخاص وعلى منطق القواعد التي تسود وتحكم علاقات الأفراد فيما بينهم.
وأخيرا فيما يخص الشرط الثالث، فانه يعد كذالك شرطا مهما وضروريا لكونه يعتبر من أهم عناصر التمييز ذلك أن الدولة أوأحد أجهزتها عندما ترتدي رداء السلطة العامة وتعاملت بشروط غير مألوفة في القانون الخاص فإن العقد هنا يكون عقدا إداريا.
أما إذا حدث العكس، أي عندما تنزل الدولة منزلة الأفراد وتتعاقد فان العقد هنا لا يكون من قبيل العقود الإدارية.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن العقد الإداري لكي يكون صحيحا يجب أن تتوفر أركانه بالإضافة إلى الأركان الشكلية كالكناية الموضوعية بالرضا وتلقي الإيجاب والقبول من الإدارة المتعاقدين معها والأهلية والمحل والسبب.
ولأن المغرب لا يعرف نظاما قانونيا موحدا، لكونه يسير نحو اعتماد القضاء المتخصص (القضاء الإداري والتجاري مثلا) فان العقد لا يخضع لنظام قانوني واحد من مما يستوجب معايير لتفرقة أو تمييز العقد الإداري عن غيره من العقود (العقد المدني مثلا) ومنه إلى تحديد القاضي المختص في النظر في النزاعات التي يثيرها.
ولإضفاء الصبغة الإدارية على العقود درج كل من المشرع (القانون) والقضاء على التمييز بين هذه العقود وغيرها. إذن فماذا نقصد بهذه المعايير وكيف تميزت هذه العقود عن غيرها.
الفقرة الثانية : معايير التمييز العقد الإداري.
سنتطرق في هذه الفقرة إلى المعيار القانوني في تمييز العقد الإداري (أولا) وكذلك المعيار القضائي (ثانيا).
أولا: المعيار القانوني .
المشرع يلعب دورا بارزا في تحديد ماهية العقد ونوعه، وهنا قد ينص – المشرع-على أن العقد إداري بقوة القانون دون البحث في طبيعته كما انه يضع له نظاما قانونيا خاصا به وبالتالي يجعل الاختصاص في هذه العقود والمنازعات الناشئة عنها للقضاء الإداري وحده عندما يكون هناك قضاء إداري متخصص...
ففي التشريع الفرنسي المقارن ظهر هذا التحديث عند بداية الثورة الفرنسية حينما نص المشرع الفرنسي على إدارية بعد العقود وخص مجلس الدولة ومجالس الأقاليم بالنظر فيما تثيره من منازعات سعيا منه لتطبيق مبدأ فصل السلطات من جهة، والفصل بين الوظيفة القضائية والإدارية من جهة أخرى، وذالك بمنع القضاء العادي من التصدي لأعمال الإدارة.
ومن بين هذا العقود التي جعلها المشرع الفرنسي من اختصاص القضاء الإداري نجد:
1- عقود الأشغال العامة وذلك بمقتضى القانون 28 بليفوز للسنة الثامنة الثورة.
2- عقود الثورية وذلك بمقتضى المرسوم الصادر في 11/06/1806
3- عقود القرض العام التي تبرمها الدولة بمقتضى القانون الصادر في 17/01/1790 و 26/09/1793.
4- العقود التي تتضمن شغلا للدومين بمقتضى المرسوم الصادر في 17/06/1938 .
أما في التشريع المغربي فيعرف نظام التمييز بين نوعي عقود الإدارة ويرى ضرورة هذا التمييز، خاصة وان القانون المطبق على كليهما مختلف، فعقود الإدارة الخاصة تخضع لقواعد القانون الخاص المنصوص عليه في ظهير الالتزامات والعقود، في حين تخضع العقود الإدارية لقواعد متميزة مصدرها تشريعي او قضائي وهي قواعد القانون الإداري .
والمقصود بالعقود الإدارية في القانون هي تلك العقود التي وضع لها المشرع المغربي نظاما قانونيا خاصا ونص صراحة على أنها عقود إدارية.
فمن العقود التي أعطاها المشرع المغربي صفة العقود الإدارية بقوة النص القانوني نجد عقود الصفقات العمومية بموجب المرسوم الصادر في 20 مارس 2013 والتي يدخل في إطارها عقود الامتياز أو الالتزام (LA CONCESSION DES SERVICES PUBLIC ) وهي عقود خاصة بإدارة المرافق العامة الاقتصادية وبمقتضاه تعهد الإدارة العامة إلى أحد الأفراد بإدارة احد المرافق العامة لمدة معينة على نفقته الخاصة وتحت مسؤوليته ومقابل ذالك يتقاضى رسوما من المنتفعين...
وكذلك عقود الأشغال العمومية (LE MARCHE DE TERAVAUX PUBLICS) وهو اتفاق بين الإدارة العامة وأحد المقاول القطاع الخاص على القيام ببعض الأشغال العمومية لقاء أجر معين يتفق عليه العقد وبهدف تحقيق منفعة عامة .
وينضاف إليه ما سبق كذلك عقد التوريد (LE MARCHE DE FOURNITURE) والذي بمقتضاه يتعهد أحد أفراد أو إحدى الشركات الخاصة بتوريد سلع أو أجهزة معينة لصالح شخص معنوي عام مقابل ثمن معين يتفق عليه في العقد وبهدف تحقيق المصلحة العامة... وكذلك عقد النقل (LE MARCHE DE TRANSPORTS) وعقد تقديم المعاونة(L’OFFRE DE CONCOURS) وعرض القرض العام (LE CONTRAT D4EMPRUNT PUBLIC) .
وكما هو الشأن في وجود عقود إدارية بنص قانوني، فان هناك عقود أخرى يطلق عليها اسم عقود إدارية بالطبيعة، وهي تلك العقود التي لم يرد بشأنها نص قانوني صريح باعتبارها عقودا إدارية وإنما يترك الأمر إلى البحث في طبيعتها لإثبات مدى توفرها على شروط العقد الإداري اللازمة، والقضاء هو الذي يتولى هذه المهمة،إذن فماذا نقصد بالمعيار القضائي في تحديد العقود الإدارية ؟
ثانيا :المعيار القضائي.
لا شك أن القضاء شكل ولا زال يشكل دعامة حقيقية لوضع المعايير والضوابط القانونية في جل الجوانب القانونية التي يشوبها نقص أو التي تحتاج إلى تفسير وذلك عن طريق اجتهاده، ولطالما ساهمت أحكامه الإدارية بشكل خاص في إرساء قواعد النظرية العامة للعقد الإداري بما يتضمنه دائما من مبادئ قانونية.
وتسمى العقود الإدارية التي تولى القضاء تحديد طبيعتها بالعقود الإدارية بتحديد القضاء (مصطلح فقهي).
ووفقا للاجتهادات القضائية تعتبر عقودا إدارية تلك التي يبرمها شخص معنوي بقصد تسيير مرفق عام، وتظهر فيها نيته في الأخذ بأحكام القانون العام ويتجلى ذلك بتضمين تلك العقود شروطا غير مألوفة في القانون الخاص أو بالسماح للمتعاقد مع الإدارة بالاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام .
إداريا إلا إذا توفرت فيه المقاييس التي أخذ بها الاجتهاد القضائي والمتمثلة في وجود الإدارة طرفا فيه، وتنفيذ مهمة المرفق العام أو تنظيمه، بالإضافة إلى وجود شروط مخالفة للشروط الموجودة في العقود الخاصة... .
ومما تجدر الإشارة إلى تبيانه أن العقود الإدارية التي تبرمها الإدارة لتسيير مرافقها العمومية، تثير أحيانا مجموعة من النزاعات، لاسيما في حالة تعسف الإدارة في استعمال امتيازاتها، مما يستوجب تدخل الجهة القضائية المختصة-بناءا على طلب المتقاعد-لإنصافه، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول حدود اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية وهو ما سنجيب عنه تاليا...وكذلك التساؤل حول حدود اختصاص القضاء الشامل في هذه المنازعات؟ وهذا السؤال سنجيب عنه في مرحلة لاحقة من العرض.
المطلب الثاني : حدود اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية ودوره في تدعيم دولة الحق والقانون .
سنتحدث في هذا المطلب عن حدود اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية ( الفقرة الأولى ) ودوره في تدعيم دولة الحق والقانون ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : حدود اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية.
من المسلم به أن مجال قضاء الإلغاء في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية محدود جدا، ذلك أن قضاء العقود الإدارية هو المجال الأصيل للقضاء الكامل أو الشامل.
وكأصل عام فإن منازعات العقود الإدارية لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء، والسبب في ذلك حسب مجلس الدولة الفرنسي يكمن في نقطتين أساسيتين هما:
- أن دعوى الإلغاء لا يمكن أن توجه ضد العقود لأن من شروط قبولها وجود قرار إداري وهو التعبير عن الإدارة المنفردة، بينما العقد هو توافق إدارتين.
- أنه في مجال قضاء الإلغاء لا يمكن الاستناد إلى مخالفة الإدارة لالتزاماتها التعاقدية كسبب من الأسباب التي تجيز طلب إلغاء القرار الإداري. فدعوى الإلغاء هي جزاء لمبدأ المشروعية والالتزامات المترتبة على العقود الإدارية هي التزامات شخصية .
غير أن هذه القاعدة ليست مطلقة وإنما ترد عليها بعض الاستثناءات تتمثل أساسا في إمكانية الطعن بالإلغاء ضد القرارات المنفصلة عن العقد وهي قرارات تتخذها الإدارة بعيدا عن شروط وبنود العقد وتكون مصاحبة له سواء خلال تكوينه أو تنفيذه أو إنهائه (أولا ) كما يمكن للمستفيدين من عقود الامتياز رفع دعوى إلغاء ضد الأعمال التي تخل بالشروط اللائحية للعقد وذلك لضمان احترام الإدارة لمثل هذه الشروط ( ثانيا ).
أولا : إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة .
عندما كان القضاء يأخذ بنظرية الإدماج لم يكن يعترف بوجود القرارات الإدارية المنفصلة، ولم يعلم بإمكانية الطعن فيها بالإلغاء على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من العقد ... لكن بعد ظهورها مطلع هذا القرن بدأ مجلس الدولة الفرنسي يقبل فيها الطعن بالإلغاء، لكونها قرارات تساهم في تكوين العقد .
أما القضاء المغربي فصار على نفس هذا النهج، حيث أنه في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء جاء فيه «القرارات الإدارية المنفصلة Actes Détachables تعني القرارات التي تستهدف التمهيد لإبرام العقد، أو السماح بإبرامه أو الحيلولة دون إبرامه» .
وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير جاء فيه على أنه «القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري تقبل الطعن بالإلغاء بذاتها مستقلة عن العقد ...
والقرار الصادر عن الإدارة بإلغاء اتفاقية تسليم المحلات التجارية المبرمة مع الغير يعتبر قرارا منفصلا عن العقد ويقبل الطعن بالإلغاء » .
ومما تجدر الإشارة إليه أن أنواع القرارات الإدارية المنفصلة ثلاثة تتمثل في القرارات السابقة (القرارات التحضيرية أو التي تستهدف التمهيد لإبرام الصفقة مثل قرار الترخيص بالعقد ...) والقرارات المصاحبة لعملية إبرام العقد ( مثل قرار رفض المصادقة على العقد أو أن تصدر المصادقة مخالفة للشكليات القانونية ...) إضافة إلى القرارات المتخذة في مرحلة تنفيذ العقد ( مثل القرارات المتخذة استنادا للقوانين والتنظيمات دون أن ترتكز على بنود العقد ... ) .
وتكون القرارات الإدارية المنفصلة قابلة للطعن بالإلغاء من الغير وأيضا من المتعاقد.
فبالنسبة لطلبات الإلغاء المقدمة من طرف الغير المتعاقد فإنها تعتبر ضرورية للغير الذي لا يستطيع اللجوء إلى القضاء الكامل للحصول على إبطال العقد أو للحصول على النتائج المترتبة على إبطاله، فإذا كان المتعاقد مع الإدارة لا يمكن أن يلجأ إلى قاضي العقد في إطار القضاء الكامل للطعن في القرارات المنفصلة عن العقد التي تستهدف العمل على إتمام التعاقد دون الحيلولة لإتمامه، فإنه يمكنه سلوك دعوى الإلغاء للطعن في هذه القرارات .
أما بخصوص طلبات إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة المقدمة من طرف المتعاقد، فيرى فيها الدكتور سليمان الطماوي أن التجاء المتعاقد إلى دعوى الإلغاء لطلب إلغاء القرارات المنفصلة التي ساهمت في تكوين العقد تبقى محل نظر ، ويعلل ذلك بالقول على أن الالتجاء إليها لا يكون إلا بعد إبرام العقد وبالتالي لا يكون للمتعاقد مصلحة في الالتجاء إلى قضاء الإلغاء لأنه لو حصل على حكم بإلغاء القرار الإداري المنفصل فإنه يتعين عليه بعد ذلك العودة مرة أخرى إلى قاضي العقد حتى يرتب له النتيجة التي تترتب على الحكم بالإلغاء ومن تم يكون من الأفضل أن يلجأ إلى القضاء الشامل أو قاضي العقد مباشرة .
غير أنه استنادا إلى أن اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية، ينتج عنه الفصل في أصل النزاع وجميع ما يترتب عنه ، واستنادا إلى أن الإدارة إذا أصدرت قرارا إداريا منفصلا عن العقد الإداري ، فإنه يمكن الطعن فيه بالإلغاء أمام قضاء الإلغاء ، إذ لا مانع يمنع إلى الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ أحد القرارات المنفصلة عن العقد وذلك دون المس بموضوع الدعوى .
ثانيا : طعون المستفيدين في حالة عقود الامتياز.
لقد أجاز القضاء للمنتفعين وهم أجانب عن العقد في حالة امتياز المرافق العامة أن يطعنوا بالإلغاء في القرارات التي تصدرها الإدارة المتعاقدة مخالفة لشروط العقد المنظمة لكيفية أداء الخدمة للمنتفعين .
وهذا راجع بطبيعة الحال إلى الشروط الواردة في عقود الامتياز التي هي شروط لها طبيعة اللائحة الإدارية ، وبالتالي فإن خروج الإدارة أو الملتزم عليها لا يتضمن مجرد إخلال بالتزام شخصي مرجعه إلى العقد, بل إنه ينطوي على مخالفة للقاعدة اللائحية الواردة في العقد، مما يجعل القرار غير مشروع ... وبالتالي فإن لكل ذي مصلحة أن يرد إلى نطاق المشروع وذلك بأن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة طالبا منها أن تتدخل بناء على سلطاتها الإدارية لتجبر الملتزم على احترام شروط العقد، فإذا رفضت الإدارة تدخل حق المستفيدين أن يطعنوا في هذا القرار أمام قاضي الإلغاء ، ويكون القرار غير مشروع إذا ثبت فعلا أن الملتزم لم يحترم شروط العقد .
في الأخير وفي سبيل الإحاطة بدعوى الإلغاء فإننا نطرح مجموعة من الأسئلة تتمحور حول:
ما هي خصائص دعوى الإلغاء ؟ وشروطها ؟ ومجالات تطبيقها ؟
ففيما يخص خصائص دعوى الإلغاء فيمكن القول على أنها تتميز بعدة خصائص يمكن إجمالها فيما يلي:
- دعوى الإلغاء حق يباشر في كل الأحوال أي أنها تمارس ضد أي قرار كيف ما كان مصدره ولا تستبعد إلا بنص صريح.
- دعوى الإلغاء هي دعوى قضائية ترفع إلى الجهة المختصة لها وهي المحاكم الإدارية.
- دعوى الإلغاء لا يترتب عن ممارستها وقف تنفيذ القرار لأن الأصل هي القرارات الإدارية تكون مشمولة بالامتياز المسبق، لكن مع ذلك يمكن أن تأمر المحكمة بوقف تنفيذ القرار في حالات استثنائية شريطة أن يطلب طالب الطعن ذلك.
- دعوى الإلغاء هي دعوى عينية موضوعية لأنها توجه ضد قرار الإدارة من أجل إلغائه .
وفيما يخص السؤال الثاني المتعلق بشروط ممارسة دعوى الإلغاء، فهذه الأخيرة تعتبر كأي دعوى قضائية لصحتها يجب أن تتوفر على مجموعة من الشروط الشكلية منها والموضوعية.
فالشروط الشكلية تعتبر ضرورية حيث أنه إذا ثبت للقاضي عدم توافرها حكم بعدم قبول الدعوى وتتمثل في:
شروط متعلقة بالقرار المطعون فيه أي أن يكون صادرا عن سلطة إدارية وأن يكون هذا القرار نهائيا وأن يحدث آثارا قانونية.
شروط متعلقة بالآجال حيث أنه لرفع دعوى الإلغاء لابد من احترام المدة القانونية المحددة لرفعها وذلك بمقتضى الفصل 360 من ق. م. م. والمادة 23 من قانون إحداث المحاكم الإدارية، غير أن هذا الأجل يمكن أن يمتد في مجموعة من الحالات وهي حالة تقديم طلب المساعدة القضائية والتظلم الإداري.
أما الشروط الموضوعية فهي تلك الشروط التي تؤدي إلى الحكم بإلغاء القرار الإداري عند عدم توفرها وهي عيب عدم الاختصاص وعيب الشكل وعيب الانحراف في استعمال السلطة وعيب مخالفة القانون وعيب السبب .
وأخيرا فيما يخص السؤال الثالث والمتعلق بمجال تطبيق دعوى الإلغاء فيمكن القول على أن الضمانات التي تقدمها دعوى الإلغاء تكون شاملة فلا تقتصر على الموظفين، بل يمكن أن توفر حماية حتى لغير الموظفين، سواء كانوا يعملون في مرافق الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو كانوا أشخاص عاديين أو معنويين.
ومن هنا يطرح إشكال عريض هو ما هو دور قضاء الإلغاء في إرساء دولة الحق والقانون؟
الفقرة الثانية : دور قضاء الإلغاء في إرساء دولة الحق والقانون :
تعد دعاوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة إحدى الدعاوى الإدارية التي تمكن القضاء من بسط رقابته على الأعمال الإدارية، وبالتالي فإنه لا يمكن النظر إليها على أنها دعوى شخصية يسعى واقعها إلى حماية حق أو الدفاع عن مصلحة معينة فقط، بل يجب النظر إليها أيضا على أنها ضمانة لدولة الحق والقانون، وذلك لأنها تهدف إلى المطالبة بإلغاء أو إعدام قرار إداري بناء على خرق المشروعية الإدارية. ولأن القضاء الإداري عندما يصرح بعدم مشروعية قرار إداري لا ينصرف أثره إلى رافع الدعوى فقط بل يتجاوز ذلك ليشمل تراكما في الاجتهاد القضائي الإداري وتكريسا لدولة الحق والقانون .
والمشروعية أو مبدأ المشروعية يقصد به احترام القواعد القانونية القائمة والموجودة بالفعل في المجتمع، حيث أنه يجب على الجميع حكاما ومحكومين الالتزام بأحكام وقواعد القانون أي أن المشروعية هي سيادة القانون والقانون هو السيد الأعلى الذي يخضع له الجميع سواء حكاما أو محكومين كوسيلة تضمن الحقوق والحريات العامة للمواطنين وتحمي المجتمع من تسلط حكم الفرد.
فالأشخاص المتضررون من الأعمال والتصرفات الإدارية الغير المشروعة سواء تعلقت بالعقود أو بالقرارات، يتوفرون على عدة وسائل للكشف ولتبيان عدم مشروعيتها والحصول على مراقبتها.
وأهم هذه الوسائل هي قضاء الإلغاء من خلال تتبع مسطرة إلغاء التصرف في القرار الغير المشروع وذلك بتقديم طلب إلى الجهة الإدارية التي أصدرته أو التي تعلوها رئاسيا من أجل التصريح بإلغائه، وفي حالة الرفض لا يبقى إلا تقديم طلب الطعن بالإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة المفتوح بقوة القانون بناء على مبدأ قانوني عام، إلا في حالة وجود نص قانوني يمنع هذا الطعن بالإلغاء.
وعند إلغاء القرار الغير مشروع من طرف الإدارة أو القاضي بناء على طعن بالإلغاء، فإنه يختفي بأثر رجعي من الساحة القانونية .
والنزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية والمتمثلة في القرارات المنفصلة للعقد التي بدورها يطعن فيها بالإلغاء، عند إلغاءها لا يترتب عن ذلك فسخ العقد، الذي يظل سليما ونافذا، فمثلا لو تم إلغاء قرار إبعاد أحد المترشحين بكيفية غير شرعية عن المشاركة في المنافسة، فإن ذلك لا يؤثر على العقد الذي أبرمته الإدارة مع متعاقد آخر، فهو يظل قائما وغير متأثر بالإلغاء السابق .
كل هذا يوحي إلى أن قضاء الإلغاء عبارة عن مؤسسة قضائية لحماية الحقوق والحريات وحكم دولة الحق والقانون، لكن الإشكال الذي يطرح هو أن وجود العديد من الإدارات التي تمتنع عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها من دون أي سبب حتى أنه أصبحت دعاوى إدارية موضوعها الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية.
فكما هو معلوم أن إصدار أي حكم قضائي يظل بلا قيمة إذا لم ينفذ، والقضاء الإداري له دور مهم في الحد من مشكلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام الإدارية خصوصا تلك الصادرة ضد الإدارة، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير يقضي بأنه « ... الحكم القضائي الباث النهائي ، عنوان للحقيقية وفي تنفيذه حفاظ على النظام العام وضمان للأمن والسلامة للعاملين وتجسيد لدولة الحق والقانون .
ليس للسلطة التنفيذية رفض طلب تسخير القوة العمومية لتنفيذ حكم قضائي إلا بصفة جد استثنائية ولأسباب مبررة قانونا» .
والقضاء الإداري كذلك تعامل مع الإدارة الممتنعة عن التنفيذ كشخص عادي وجردها من كل امتيازاتها ذات السلطة العامة ، وذلك عن طريق جبرها عن التنفيذ من خلال اعتماد الحكم بالغرامة التهديدية ضدها وهناك عدة قرارات وأحكام للمحاكم التي صارت في هذا الاتجاه وبين بينها نجد حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي جاء فيه « ... المحاكم الإدارية تطبق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ، ما لم ينص قانون على خلاف ذلك طبقا للمادة السابعة من قانون 90 – 41 وحيث لا يوجد نص يستثني الإدارة من فرض غرامة تهديدية عليها في حالة امتناعها عن تنفيذ حكم قضائي صدر في مواجهتها »
المبحث الثاني : القضاء الشامل وحدود اختصاصه في
منازعات العقود الإدارية.
النزاعات الناشئة عن العقود الإدارية يدخل اختصاص القضاء الإداري فيها في نطاق القضاء الكامل أو الشامل، على اعتبار أن هذا الأخير ذا ولاية شاملة في هذا الاختصاص، وتشمل هذه النزاعات كل من يثور بصدد العقد الإداري سواء تعلق الأمر بانعقاد العقد أو تنفيذه أو انقضائه. وللقاضي الإداري عند النظر في مثل هذه النزاعات أن يحكم ببطلان العقد أو بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بأحد أطرافه... وذلك حسب ملابسات النزاع ودعوى صاحبها...
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك سابقا أنه إذا كان اختصاص القضاء الإداري في مجال منازعات العقود الإدارية فيما يخص دعوى الإلغاء فإنه لا يثير كثير من الصعوبات فيما يخص القضاء الشامل.
ولذلك سنتناول في هذا المبحث تعريف القضاء الشامل وخصائصه في (المطلب الأول) ثم حدود اختصاصه في منازعات العقود الإدارية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : القضاء الشامل وخصائصه :
سنتعرض في هذا المطلب إلى تعريف القضاء الكامل وبعض الجوانب المتعلقة بدعوى القضاء الكامل من خلال (الفقرة الأولى) على أن نتناول في (الفقرة الثانية) خصائصه.
الفقرة الأولى : القضاء الكامل :
يعرف القضاء الشامل بكونه القضاء الذي يخول للقاضي تصفية النزاع كليا، فيلغي القرارات المخالفة للقانون إن وجدت ويبت في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية كذلك، ثم يرتب على ذلك نتائجه كاملة من الناحية الإيجابية أو السلبية، ويعتبر قضاء العقود الإدارية، قضاء شخصي لا موضوعي، لأن الأمر يتعلق بتحديد مركز من المراكز القانونية الشخصية. فالمتعاقد مع الإدارة إذا لجأ إلى القضاء الإداري فإنما يلجأ دفاعا عن مركز ذاتي نشأ عن العقد، فهو لا يستمد حقه من القانون مباشرة ولذلك لا يسمح له كقاعدة عامة اللجوء إلى دعوى الإلغاء، بل السبيل المفتوح أمامه هو الالتجاء إلى قاضي العقد، عن طريق دعوى القضاء الشامل.
ودعوى القضاء الشامل يمكن تعريفها على أنها خصومة قائمة بين طرفين، يدعي أحدهما أنه وقع مساس بأحد مراكزه الذاتية أو الشخصية. ويملك فيها القاضي سلطات واسعة من أجل إرجاع الحق إلى صاحبه، وتقرير إلتزامات على الطرف الآخر.
وبصيغة أخرى فقد سميت هذه الدعوى بدعوى القضاء الشامل نظرا لتعداد واتساع سلطات القاضي المختص في هذه الدعوى مقارنة بسلطاته المحدودة في دعاوى الإلغاء وفحص المشروعية، ومن تم فهي تمثل مجموعة الدعاوى الإدارية برفعها من ذوي الصفة والمصلحة أمام القضاء المختص بهدف المطالبة باعترافات لهم بوجود حقوق شخصية مكتسبة لتقديرات الإدارة من خلال أعمالها القانونية والمادية تكون قد مست بهذه الحقوق الذاتية بصفة غير شرعية، ثم تقدير الأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن ذلك، ثم التقرير بإصلاحها وجبرها. وهذا إما بإعادة الحالة لما كانت عليها أو دفع مبلغ مالي مستحق.
ومن أهم وأشهر دعاوى القضاء الشامل دعاوى العقود الإدارية. ودعوى القضاء الشامل تتسم بمجموعة من الخصائص أولها أنها دعوى شخصية وذاتية: ومعنى ذلك أن هذه الدعوى يرفعها أصحاب الصفة والمصلحة أمام الجهات القضائية المختصة على أساس حجج ومراكز وأوضاع قانونية ذاتية وشخصية، للمطالبة بالاعتراف وحقوق شخصية مكتسبة وحمايتها القضائية عن طريق الحكم بالتعويض الكامل والعادل واللازم، لإصلاح الأضرار المادية والمعنوية التي تصيبها بفعل النشاط الإداري غير الشرعي والضار.
ودعوى القضاء الشامل كذلك من خصائصها أنها قضائية: بمعنى أنها ليست تظلم أو طعن إداري، وإنما هي دعوى ترفع أمام جهة قضائية تابعة للسلطة القضائية، سواء تعلق الأمر بالمحاكم الإدارية كقاعدة عامة، أو أمام مجلس الدولة عن طريق الإرتباط كما هو الحال في نظام التشريع الفرنسي.
وتجدر الإشارة أن دعوى القضاء الشامل تتميز عن نظيرتها دعوى قضاء الإلغاء، وذلك من حيث طبيعة الدعوى، حيث أن دعوى الإلغاء تنتمي إلى القضاء الموضوعي المندرج تحت غطاء الشرعية، وتدور المنازعات التي ينظر فيها قاضي الإلغاء حول تحديد المراكز القانونية الموضوعية لأنها تستهدف مخاصمة الأعمال القانونية المنسوبة بعدم الشرعية. أما دعوى القضاء الشامل كما سبق ذكره أنها تنتمي إلى قضاء الحقوق الشخصية الذاتية، التي تدور المنازعة فيها حول اعتداء أو تهديد بالإعتداء على مركز قانوني شخصي للطاعن، وتستهدف مخاصمة الأعمال القانونية التي تؤثر في الحقوق المكتسبة للأفراد .
كما تتميز دعوى القضاء الشامل عن دعوى الإلغاء من حيث الهدف حيث أن هذه الأخيرة تهدف إلى حماية مبدأ الشرعية بينما دعوى القضاء الشامل تهدف إلى حماية الحقوق والإجبار على تنفيذ الإلتزامات.
ومن حيث سلطات القاضي كذلك حيث أنه في دعوى القضاء الشامل يخول له سلطة تصفية النزاع كليا أما في دعوى الإلغاء فالقاضي تمنح له سلطات ضيقة نوعا ما ويتجلى في فحص القرار الإداري من خلال مشروعيته أو عدم مشروعيته، وله أن يلغيه كليا أو جزئيا سواء كان فرديا أو لائحيا.
وهناك معيار آخر لتمييزهما عن بعضهما، وهو معيار المصلحة حيث أن رافع الدعوى في القضاء الشامل يكون هو صاحب الحق، بينما في دعوى الإلغاء يكفي أن يكون صاحب مصلحة وذلك راجع لكون دعوى الإلغاء تتميز بطابعها الموضوعي وكذلك المصلحة التي تحميها يجب أن تكون بنفس القدر.
الفقرة الثانية : خصائص القضاء الشامل في العقود الإدارية :
أولا : القضاء الشامل قضاء مطلق وشامل لأصل المنازعة وما يتفرع عنها :
يختص القضاء الشامل بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية اختصاصا مطلقا وشاملا لهذه المنازعات وما يتفرع عنها، بحيث يختص بالنظر الكامل متى توافرت في المنازعات حقيقة العقد الإداري، سواء تعلقت المنازعة بانعقاد العقد أو صحته أو تنفيذه أو انقضائه أو كانت متفرعة عنه.
وإذا كانت منازعات العقود تنتمي كأصل عام إلى القضاء الشامل فإن قضاء الإلغاء يمكن أن يظهر كذلك في نطاق العقود الإدارية على نحو محدود .
ثانيا : القضاء الشامل يشمل كل ما يتعلق بالعقد الإداري :
يختص القضاء الشامل بالمنازعات القضائية الناشئة عن العقد الإداري بين طرفيه ماعدا بطبيعة الحال تلك المسائل الأولية الداخلة في اختصاص القضاء العادي. فالقضاء الشامل تمتد ولايته في هذا الخصوص إلى كل العناصر والمراحل التي يمر بها العقد الإداري. وقد تكون هذه العناصر والمراحل متعلقة بانعقاد العقد أو صحته أو تنفيذه أو انقضائه. كما تدخل الإجراءات والتصرفات التي تصدرها جهات الإدارة تنفيذا للعقد الإداري وتكون محلا للطعن على أساس ولاية القضاء الشامل، ومن هذه الإجراءات القرارات المتعلقة بجزاء من الجزاءات التعاقدية أو بفسخ العقد أو إنهائه أو إلغائه .
وحسب مجلس الدولة الفرنسي فإنه ليس للمتعاقد الذي يريد أن يتوصل إلى إلغاء العقد إلا سبيل القضاء الشامل، وهذا يدخل في إطار الدعوى التي تستهدف بطلان العقد لا عيب في تكوينه، فالقاعدة المسلم بها أن دعوى الإلغاء لا توجه لدعوى العقود الإدارية.
فولاية القضاء الشامل في مجال العقود الإدارية ولاية كاملة واختصاصه في هذا الشأن مطلق وشامل لأصل تلك المنازعات وما يتفرع عنها. فينعقد الإختصاص للقضاء المختص بكل ما يتعلق بالعقد الإداري، ولكن كما سبق القول في المبحث الأول فإن المشرع المغربي قد خرج عن هذه القاعدة حينما قضى بأن القرارات المتصلة بتنفيذ العقد الإداري تكون محلا للطعن بالإلغاء، وكذلك الطعون المقدمة من طرف المستفيدين في حالة عقود الإمتياز.
وتتخذ دعوى القضاء الشامل صورا شتى منها دعوى بطلان العقد الإداري ذاته لعيب فيه أو دعوى الحصول على مبالغ مالية سواء في صورة ثمن أو أجر متفق عليه في العقد أو تعويض عن الأضرار التي تسببت فيها الإدارة المتعاقدة. كما يكون للمتعاقد أيضا حق طلب الحصول على حكم بإبطال بعض التصرفات الصادرة من الإدارة ، وهذا ما سنتناوله في المطلب الموالي.
المطلب الثاني : حدود اختصاص القضاء الشامل في منازعات
العقود الإدارية :
يعتبر نطاق القضاء الشامل الأصل بالنظر في المنازعات المترتبة عن العقود الإدارية، وهذه النزاعات تتمثل في دعوى الإختصاص وبطلان العقد والحصول على مبالغ مالية (الفقرة الأولى) ودعوى إبطال تصرفات الإدارة المخالفة لإلتزاماتها التعاقدية، ودعوى فسخ العقد والتعويض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : دعوى الإختصاص وبطلان العقد والحصول على مبالغ مالية .
أولا : المنازعات المتعلقة بالإختصاص :
مما تجدر إليه الإشارة بداية أن المحاكم أيا كان نوعها إذا تم الدفع بعدم الإختصاص أمامها وجب عليها أن تبت فيه بحكم مستقل ولا يجوز لها أن تضمه إلى الموضوع.
وفيما يخص المحاكم الإدارية التي هي موضوع دراستنا، فتكمن هذه النزاعات إما بالهدف إلى تأكيد الإختصاص أو نفيه. وهناك مجموعة من الأحكام تؤكد ذلك، ففي حكم صادر عن قسم القضاء الشامل من المحكمة الإدارية بمراكش قضى بعدم الإختصاص المحكمة الإدارية بالبت نوعيا في الطلب وبإبقاء الصائر على المدعي معللا ذلك بأن الطلب يهدف إلى الحكم بإلغاء عقد كراء المبرم بين الجماعة الحضرية للصويرة وبين ورثة الحاج المهدي من قبل المدعي حمزة بن عبد المجيد .
ثانيا : دعوى بطلان العقد :
تعتبر دعوى بطلان العقد عندما يلحق العقد عيب في التكوين، ذلك أن المتعاقد لا يمكنه التوصل إلى المطالبة بإلغاء العقد إلا عبر سلوك دعوى القضاء الشامل على اعتبار أن دعوى الإلغاء لا توجه ضد العقود الإدارية وإنما تنصب على القرارات الإدارية.
ودعوى بطلان العقد لا يمكن للغير الأجنبي عن العقد أن يرفعها، لأنه لا يملك سوى الطعن بالإلغاء على اعتبار أن العقد لا يثير أية قوة ملزمة في مواجهته .
وعلى هذا الأساس فإنه في حالات تخلف أحد أركان العقد، أو ورود عيب يؤثر على سلامته، جاز للمتعاقد مع الإدارة مطالبة القاضي الإداري بحكم ببطلانه، وفي هذا المجال فإن للقاضي الإداري سلطة تقديرية إدارية كاملة، لتفحص مدى صحة العقد سواء من حيث مدى توافر ركن الرضا وسلامته من كل عوارض الذي قد تلحق به، وكذا تفحص أهلية المخول له قانونا إبرام التصرفات الإدارية كما يتفحص القاضي ما إذا كان محل العقد جائزا وممكنا ومشروعا... وفي كل الأحوال إذا تأكد القاضي من عدم صحة العقد قضى ببطلانه.
ثالثا : دعوى الحصول على مبالغ مالية :
تقام دعوى الحصول على مبالغ مالية على خلاف دعوى بطلان العقد إما من الإدارة في شكل طلب تعويض عن الأضرار التي تسبب فيها الطرف المتعاقد معها عند إخلاله بالتزاماته، كعدم تنفيذ العقد داخل المدة المتفق عليها أو يغير الشكل والصورة التي التزم بها في العقد. كما أن هذه الدعوى يمكن تقديمها من طرف المتعاقد مع الإدارة كمطالبته بالأجر المتفق عليه في عقود التوظيف أو ثمن بضائع الموردة أو الخدمة المطلوبة والأشغال المتعاقد على تنفيذها. وفي هذا الصدد حكمت المحكمة الإدارية بمراكش على الجماعة المدعى عليها بأدائها لفائدة المدعي الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية مبلغ الدين المخلف في ذمتها وقدره (1.100.000 درهم) .
الفقرة الثانية : دعوى إبطال تصرفات الإدارة المخالفة لإلتزاماتها
التعاقدية ودعوى فسخ العقد والتعويض :
أولا : دعوى إبطال تصرفات الإدارة المخالفة لإلتزاماتها التعاقدية أو إخلال
المتعاقد بالتزامه.
لعل من الحقوق التي يشترك فيها المتعاقدان في العقود الإدارية هو توفرهما على وجوب احترام كل طرف لإلتزاماته التعاقدية المضمنة في العقد، حيث أنه إذا صدر عن الإدارة على خلاف ما التزمت به، فإن للمتعاقد أن يرفع دعوى لإبطال هذا التصرف عن طريق القضاء الشامل، وحتى لو اقتصر طلبه على إلغاء قرار إداري أصدرته الإدارة بصفتها متعاقدة، كالقرارات الخاصة بجزاء من الجزاءات التعاقدية، أو بفسخ العقد أو إنهائه أو إلغائه. وتجدر الإشارة إلى أن دعوى الإبطال هنا لا تتقيد بمدة دعوى الإلغاء.
وفي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش رقم 74 الصادر بتاريخ 10/03/2004 بين المقاولة المغربية للبناء والتجهيز وبين المديرية الإقليمية للفلاحة في شخص ممثلها القانوني بقلعة السراغنة قضى برفض طلب المدعية التي كانت تطالب بإلغاء قرار فسخ عقد الصفقة أو بطلب المستحقات قبل المؤدات وباسترجاع الضمانة، وبإبقاء الصائر على رافعها، حيث استندت على شروط عقد الصفقة واعتبرت تصرف الإدارة تصرفا قانونيا مادامت أنها احترمت الشكليات المتفق عليها.
ثانيا : دعوى فسخ العقد.
إذا كان للإدارة سلطة فسخ العقد بإرادتها المنفردة دون حاجة إلى إذن من القاضي، فإن المتعاقد مع الإدارة لا يمكن له فسخ العقد بإرادته حتى ولو أخلت الإدارة بالتزاماتها، إذ يجب عليه أن يتقدم بدعوى أمام قاضي العقد – القضاء الشامل – للمطالبة بالفسخ .
وقد حدد الفقه الأسباب التي من أجلها يحكم القضاء بالفسخ وهي حالات معينة نذكرها كالتالي:
الفسخ بسبب القوة القاهرة: فعند ثبوت وجود القوة القاهرة يعفى المتعاقد من التنفيذ، حيث أنه لا يكون بمقدور الإدارة أن ترغمه على ذلك أو أن توقع عليه غرامات التأخير.
وحسب الفصل 269 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي فإن القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية من فيضانات، حرائق، وغارات العدو... ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا.
الفسخ كجزاء للإخلال بالإلتزامات التعاقدية.
في حالة عدم وفاء الإدارة بتنفيذ إلتزاماتها التعاقدية تجاه المتعاقد معها، يكون لهذه الأخيرة دائما اللجوء إلى القضاء للمطالبة بفسخ العقد قضائيا إذا بلغت المخالفة درجة جسيمة لا يمكن أن تواجه بأي إجراء آخر.
وكما سبقت الإشارة إليه على أن الإدارة في حالة إخلال المتعاقد بإلتزاماته تجاهها، فإن بوسعها أن تلجأ إلى فسخ العقد بقرار إداري صادر عنها، تستند فيه إلى خطأ المتعاقد في تنفيذ إلتزاماته التعاقدية. أما المتعاقد فيكون دائما مضطرا إلى اللجوء إلى القضاء بغية الحصول على حكم يقضي بفسخ العقد، وهذا الحكم لا يصدر عن القضاء إلا إذا صدر عن الإدارة خطأ جسيما.
الأمور المستعجلة.
بما أن اختصاص القضاء الشامل يهم جميع متعلقات العقد تكوينا وتنفيذا وإنهاء، فإنه يشمل أيضا كل من يتفرع عن منازعات العقد ويتصل به، وهكذا فإن اختصاص القاضي الإداري بالفصل في المنازعات التعاقدية يستتبع اختصاصه النظر في الطلبات المستعجلة المنبثقة عنه .
ثالثا : دعوى التعويض في منازعات العقود الإدارية.
يعتبر الحصول على المقابل المالي من أهم الحقوق التي يتمتع بها المتعاقد في العقد الإداري، وهذا المقابل بطبيعة الحال يتقاضاه المتعاقد مقابل تنفيذه لإلتزاماته التعاقدية تجاه الجهة المتعاقد معها، وبالتالي فإن هذا الحق يحتاج إلى حماية قانونية قضائية تكرس المرتبة التي يحتلها، وهذا بالفعل ما نلمسه في القوانين المنظمة للعقود الإدارية.
وإلى جانب ما سبق، فالمتعاقد كذلك له الحق في ضمان التوازن المالي للعقد، وذلك بكونه يستحق التعويض إذا ما انقلبت اقتصاديات العقد رأسا على عقب إما بفعل الإدارة أو بفعل العوارض التي قد تواجه تنفيذ بنود العقد، ومن هنا يتبين أن دعوى التعويض في مجال منازعات العقود الإدارية على نوعين:
1. التعويض عن التماطل في أداء المقابل المالي نتيجة تنفيذ العقد.
كما قلنا أعلاه أن المقابل المالي من أهم الحقوق التي يتمتع بها المتعاقد مع الإدارة، وهذه الأخيرة بمفهوم المخالفة يشكل المقابل المالي من أهم الإلتزامات التي تقع على عاتق الإدارة تجاه المتعاقد معها، ولذلك يجب عليها أن تؤديه له فور تنفيذه لمضامين العقد وبنوده، أما إذا حدث العكس، فإن الثمن المتمثلة عناصره في المقابل المالي مستحق للمتعاقد في قيمة العقد (الثمن المتفق عليه في بنود العقد).
وفي هذا الصدد صدر حكم عن المحكمة الإدارية بمكناس الذي نص على أن تماطل الإدارة عن أداء ما اتفق عليه في إطار صفقة عمومية يخول صاحب الصفقة الحق في المطالبة بفوائد التأخير.
2. التعويض لضمان التوازن المالي للعقد.
إن اختلال التوازن المالي للعقد الإداري ينشأ حقا والتزاما في نفس الوقت، فالإلتزام يهم جانب الإدارة التي يتوجب عليها إعادة التوازن المالي للعقد، أما الحق فيكون للمتعاقد متمثلا في تعويضه عن الظروف التي أثرت على التوازن المالي للمشروع، وهذا الحق قد ينشأ نتيجة بنود وأحكام العقد، كما أنه قد يكون منظما بواسطة أحكام قانونية تهدف حسن تسيير المرفق العام، ذلك أن الإخلال بالتوازن المالي للعقد قد ينتج عنه عدة أسباب منها ما هو خارج عن إرادة الإدارة المتعاقدة ومنها ما يرجع إلى استخدام الإدارة سلطاتها المقررة لتعديل العقد أو نتيجة إثراء الإدارة بلا سبب، من خلال تنفيذ المتعاقد أعمالا إضافية للمشروع .
ومن هنا يمكن القول على أن للمتعاقد مجموعة من الحقوق في إطار التعويض لضمان التوازن المالي للعقد، وهي الحق في التعويض نتيجة تعديل العقد أو نتيجة خطأ أتته الإدارة أو التعويض عن القوة القاهرة أو الصعوبات المادية الغير المتوقعة ثم التعويض عن ما يسمى بفعل الأمير الذي تتمتع به الإدارة.
1. التعويض نتيجة تعديل العقد أو نتيجة الخطأ الإداري:
عند الحديث عن التعويض نتيجة تعديل العقد فإننا لابد أن نشير إلى أن مسألة التعديل هاته تبقى إحدى أهم الإمتيازات الممنوحة للإدارة وذلك خدمة للمصلحة العامة، وتشكل شرطا من الشروط الغير مألوفة في العقد.
لكن يجب أن يبقى هذا التعديل في الحدود التي لا تسبب إرهاقا للمتعاقد أو تحمله أعباء تفوق قدرته وإمكانياته المادية والإقتصادية والفنية، وإذا ما حدث هذا وسبب إخلالا في التوازن المالي للعقد فإن المتعاقد مع الإدارة يكون مستحقا للتعويض ضمانا للتوازن المالي ولجبر الضرر الذي لحقه.
ومما تجدر الإشارة إليه أن سلطة الإدارة في تعديل العقد تشمل حق تعديله أثناء تنفيذه وتغيير الإلتزامات التعاقدية للطرف الآخر إما عبر الزيادة أو التقليص منها وفق حاجيات المرفق العمومي ولا يمكن للمتعاقد الإحتجاج على أوامر الإدارة بإحداث هذه التغييرات على اعتبار أن ذلك يندرج ضمن سلطتها التقديرية وهي التي تسهر على السير الجيد للمرفق العمومي وضمان المصلحة العامة.
أما فيما يخص التعويض نتيجة الخطأ الإداري فإنه في حالة إخلال الإدارة بإلتزاماتها التعاقدية فذلك يعد خرقا لقواعد العقد الإداري وهو ما يجعل المقاول مستحقا للتعويض عن الضرر الذي لحق به، بشرط أن يكون هذا الضرر جسيما وناتجا مباشرة عن خطأ الإدارة وعدم احترامها لأحكام العقد، مما يستوجب تعويض المقاول تعويضا يتناسب مع الضرر الذي أصابه ويغطي الخسارة التي لحقته دون إغفال الكسب المتوقع .
وكمثال عن الأخطاء التي ترتكبها الإدارة وتعتبر أخطاء جسيمة تستوجب التعويض لفائدة المتعاقد معها نذكر: عدم تمكين المقاول من الأرض التي سيقام عليها المشروع أو عدم منحه الإذن لبدئ تنفيذ الأشغال...
2. التعويض عن القوة القاهرة أو الصعوبات المادية الغير متوقعة:
تمثل القوة القاهرة أحد الأسباب التي تعفي المقاول من التزاماته تجاه الإدارة وذلك بشرط أن يكون الحادث الممثل للقوة القاهرة غير قابل للدفع وغير متوقع، حتى من قبل أكثر الناس يقظة وتحسبا ولا يمكن مقاومته، والقوة القاهرة في القانون المغربي عرفها المشرع من خلال الفصل 269 من قانون الإلتزامات والعقود بأنها كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية وغارات العدو وفعل السلطة ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ العقد مستحيلا.
أما فيما يخص التعويض عن الصعوبات المادية الغير متوقعة فمفادها أنه في حالة إذا ما صادفت المتعاقد مع الإدارة صعوبات مادية غير متوقعة عند التعاقد، وكانت تجعل تنفيذ العقد مرهقا وعسيرا ولكن ليس بالمستحيل يحق للمتعاقد أن يطالب التعويض عن الأضرار التي لحقته جراء تلك الصعوبات التي من أمثلتها أن يصادف متعاقد على إنشاء مجرى مائي طبقة صخرية شديدة الصلابة بشكل استثنائي .
3. التعويض عن فعل الأمير:
يقصد بفعل الأمير أولا هو ذلك العمل الذي يحق للإدارة القيام به، ولا تعتبر مرتكبة لخطأ عند إتيانه.
إلا أن هذا الفعل باعتباره يحمل للمتعاقد مع الإدارة أعباء غير متوقعة تتحمل الإدارة مسؤوليتها، وتكون ملزمة بتقديم تعويض شامل للمتعاقد عن الأضرار التي أصابته، ولهذه النظرية شروط لا تتحقق إلا بتوافرها وهي أن يكون الفعل أو العمل صادر عن السلطة الإدارية المبرمة للعقد وليس عن جهة أخرى وأن يكون الفعل غير متوقع أثناء إبرام العقد الإداري، كما يشترط أيضا إلحاق ضرر بالمتعاقد وأن يكون هذا الضرر خاصا لا عاما وأن يتم هذا العمل في إطار مباشرة الإدارة المتعاقدة لاختصاصاتها كسلطة عامة تهدف تحقيق الصالح العام .
خـاتـمـــة :
وفي الأخير لا يسعنا إلا القول بأن توجه الدولة بمختلف مؤسساتها وهيئاتها إلى الأسلوب التعاقدي مع الأشخاص الطبيعية يولد العديد من المنازعات مما يتطلب بالضرورة تدخل الجهات القضائية المختصة للبت فيها.
وبالنظر إلى أن المتعاقد مع الإدارة – الشخص الطبيعي – يعتبر الطرف الضعيف في هذه العلاقة التعاقدية نظرا لتمتع الإدارة بمجموعة من الإمتيازات الواسعة، فإن المتعاقد يكون دوما في حاجة للجوء إلى المؤسسة القضائية المختصة للحماية في حالة تعسف الجهة الإدارية في حقه وإخلالها بالتزاماتها.
والمشرع المغربي منح للمتعاقد مع الإدارة عدة وسائل لحماية حقه في مواجهة الإدارة أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة، وذلك بتمكينه من الطعن بالإلغاء أمام قضاء الإلغاء في القرارات المنفصلة عن العقد، وكذلك بتقديم الطعون في عقود الإمتياز. كما أنه يجوز للمتعاقد رفع مجموعة من الدعاوى أمام القضاء الشامل كدعوى التعويض وبطلان العقد وفسخه وإبطاله نتيجة إخلال الإدارة بالتزاماتها التعاقدية... وكل هذا بطبيعة الحال يساهم لا محالة في تقوية وضعية المتعاقد في العقد.
لائـحـة الـمراجــع
الكتب :
العامــة :
لعيوني ثورية : "القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة" –دراسة مقارنة- دار النشر الجسور، وجدة 2005.
لحرش كريم : "القضاء الإداري المغربي"، مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2012.
القريشي عبد الواحد : "القضاء الإداري ودولة الحق والقانون بالمغرب"، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الطبعة الأولى 1430هـ / 2009م.
الخاصــة :
خليفة عبد العزيز : "تنفيذ العقد الإداري وتسوية منازعاته قضاء وتحكيما"، دار الفكر الجامعي.
الصروخ مليكة : "الصفقات العمومية في المغرب" (الأشغال، التوريدات، الخدمات)، الطبعة الأولى 1430هـ /2009م.
حدادة عبد الله : "تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي"، منشورات عكاظ، الطبعة الثانية، شتنبر 2002.
الداودي محمد المنتصر : "الإشكاليات القانونية والواقعية في اختصاص القضاء الإداري، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2005.
المقــالات :
طائف يوسف : مقال تحت عنوان "دور القضاء في تسوية منازعات العقد الإداري".
سليماني سعيد : مقال بعنوان "دور القاضي الإداري في معالجة منازعات العقود الإدارية".
المجــلات :
كوثر أمين وهناء العلمي العروسي الإدريسي الحسني : "منازعات الصفقات العمومية على ضوء النص القانوني ووقائع الإجتهاد القضائي المغربي"، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، العدد 7، 2010.
الـفــهـــرس
تـــقـــديــم:................................................................................................................................2
المبحث الأول: العقد الإداري وحدود اختصاص قضاء الإلغاء في المنازعات الناشئة عنه.........................5
المطلب الأول:تعريف العقد الإداري ومعايير تميزه عن باقي العقود...................................................5
الفقرة الأولى:مفهوم العقد الإداري.....................................................................................................5
الفقرة الثانية : معايير التمييز العقد الإداري..........................................................................................7
أولا: المعيار القانوني..........................................................................................................................7
ثانيا :المعيار القضائي.........................................................................................................................9
المطلب الثاني : حدود اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية ودوره في تدعيم دولة الحق والقانون...................................................................................................................................10
الفقرة الأولى : حدود اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية......................................................11
أولا : إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة..................................................................................................11
ثانيا : طعون المستفيدين في حالة عقود الامتياز.....................................................................................13
الفقرة الثانية : دور قضاء الإلغاء في إرساء دولة الحق والقانون :.................................................................15
المبحث الثاني : القضاء الشامل وحدود اختصاصه في منازعات العقود الإدارية :..............................18
المطلب الأول : القضاء الشامل وخصائصه :....................................................................................18
الفقرة الأولى : القضاء الكامل :.........................................................................................................19
الفقرة الثانية : خصائص القضاء الشامل في العقود الإدارية :.....................................................................21
أولا : القضاء الشامل قضاء مطلق وشامل لأصل المنازعة وما يتفرع عنها :.................................................21
ثانيا : القضاء الشامل يشمل كل ما يتعلق بالعقد الإداري :........................................................................21
المطلب الثاني : حدود اختصاص القضاء الشامل في منازعات العقود الإدارية :..................................22
الفقرة الأولى : دعوى الإختصاص وبطلان العقد والحصول على مبالغ مالية......................................................23
أولا : المنازعات المتعلقة بالإختصاص :...............................................................................................23
ثانيا : دعوى بطلان العقد :.............................................................................................................23
ثالثا : دعوى الحصول على مبالغ مالية :..............................................................................................24
الفقرة الثانية : دعوى إبطال تصرفات الإدارة المخالفة لإلتزاماتها التعاقدية ودعوى فسخ العقد والتعويض :...........24
أولا : دعوى إبطال تصرفات الإدارة المخالفة لإلتزاماتها التعاقدية أو إخلال المتعاقد بالتزامه :..............................24
ثانيا : دعوى فسخ العقد :...............................................................................................................25
ثالثا : دعوى التعويض في منازعات العقود الإدارية :...............................................................................26
خـاتـمـــة :.................................................................................................................................30
لائـحـة الـمراجــع........................................................................................................................31