من اعداد : ذ. طلبة ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان الفوج الثاني.
مقـدمـــة :
يعد التحكيم أحد الطرق البديلة لتسوية
النزاعات و حلها, و يتجسد في اتفاق الأطراف على الالتجاء إليه تجنبا للقضاء
التقليدي العادي وإجراءاته أمام المحاكم, لفض كل أو بعض المنازعات القائمة أو التي
ستقوم بينهم.
و يعتبر التحكيم من أقدم وسائل حل
المنازعات. وهو موجود قبل أن تكون القوانين الوضعية والقضاء. وقد عرفته الحضارات
القديمة( اليونانية والرومانية و الاغريقية و السومارية…) كما عرفه العرب قبل
الإسلام، إذ كانوا يختارون المحكمين ممن يتصفون بأصالة الرأي، وسعة الإدراك،
ورجاحة العقل، والمعرفة العميقة بأعراف المجتمع وتقاليده.
وجاء الإسلام ليقر شرعية التحكيم. فقد ورد
قوله تعالى: )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً
مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً([النساء65].
أما في المغرب فتعود بداية الاهتمام بالتحكيم الى عهد المولى إسماعيل,
وتحديدا إلى سنة 1693 تاريخ ابرام معاهدة سان جرمان مع الدولة الفرنسية، التي تضمنت إمكانية الفصل في بعض
النزاعات الخاصة عن طريق التحكيم. إلا أن أول تنظيم قانوني للتحكيم من طرف المشرع
المغربي, كان بمقتضى ظهير المسطرة المدنية -الملغى- الصادر في 12 غشت 1913 و الذي
خصص له الفصول من 527 الى 543, ثم جاء قانون المسطرة المدنية الحالي الصادر في 28
شتنبر 1974 و اهتم كذلك بالتحكيم, فخصص له الفصول 306 إلى 327. إلا أن جانب من
الفقه يرى بأن المغرب شهد التحكيم قبل هذه المعاهدة وذلك لطبيعة المجتمع الإسلامي
وتأثره بالتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
و يراد بالتحكيم في التشريع المغربي بأنه
حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على
اتفاق تحكيم[1].
و اتفاق التحكيم هو المحرك الذي يستند عليه هذا النظام القضائي الخاص ألا وهو نظام
التحكيم[2].
وتكمن أهمية هذا الموضوع بالنظر
للمكانة التي يحتلها التحكيم و المزايا التي ينفرد بها عن القضاء العادي من قبيل
سرية الجلسات التي تستلزمها الكثير من المعاملات التجارية, و تحرر المحكمين من
نصوص القوانين التي قد تتعارض مع مصالح الأطراف, و لصفة التحكيم الودية و السرعة
في النظر في الدعوى و الاقتصاد في التكاليف مقارنة من المحاكم.
وفي هذا السياق يمكن طرح التساؤلات التالية:
ما هو مفهوم اتفاق التحكيم وصوره؟
والأركان الواجب توفرها لانعقاده؟ وما مدى قوة إلزاميته؟ وما هي آثار الاتفاق
عليه؟
وللإجابة على التساؤلات التالية
ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: الأحكام العامة لاتفاق
التحكيم في قانون المسطرة المدنية.
المبحث الثاني: الأحكام الخاصة لاتفاق
التحكيم في قانون المسطرة المدنية.
المبحث الأول: الأحكام العامة
لاتفاق التحكيم في قانون المسطرة المدنية.
لقد أجازت جميع الأنظمة القانونية الوضعية
للأفراد والجماعات اللجوء إلى نظام
التحكيم للفصل في منازعاتهم الحالة والقائمة وكذا تلك المحتملة عن طريق
هيئة التحكيم، تتشكل من أفراد عاديين أو هيئات غير قضائية دون المحاكم المختصة
أصلا بالبث فيها.
والالتجاء إلى التحكيم كوسيلة للفصل في
المنازعات لا يكون إلا باتفاق الأطراف عليه من خلال عقد التحكيم يحددون فيه النزاع
الحال والمحدد أو من خلال شرط التحكيم يحددون فيه النزاع المحتمل الذي قد يحدث
نتيجة إبرام العقد الأصلي.
ومن خلال هذا المبحث، سيتم تناول تعريف اتفاق التحكيم و صوره في مطلب أول, فيما سيتم تخصيص
المطلب الثاني لانعقاد اتفاق التحكيم.
المطلب الأول: تعريف اتفاق التحكيم و صوره.
تعتبر مرحلة
إبرام اتفاق التحكيم
، ذات
أهمية كبيرة بالنسبة
للأطراف لأنها
الخطوة الأولى نحو
ايجاد حل للمشاكل المحتملة الوقوع أو الواقعة بين الأطراف, عبر
عدالة سريعة تحتكم بالأساس للإرادة المشتركة بين الأطراف المتنازعة. فما هو اتفاق
التحكيم (الفقرة الأولى)و ماهي صوره (الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى: تعريف اتفاق التحكيم.
يعد اتفاق التحكيم هو حجر الأساس في
العملية التحكيمية, فلا ينعقد التحكيم بدونه.
و اتفاق التحكيم هو اتفاق بين الطرفين
على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ
بينهم بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية.[3]
و حسب الفقرة الأولى من الفصل 307 من
ق.م.م فإن اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ
أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة، تعاقدية أو غير تعاقدية.
و عرفه قانون التحكيم المصري رقم 27
لسنة 1994 في مادته العاشرة بأنه (اتفاق
الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن
أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية).
و عموما فهي كثيرة التعريفات الخاصة
بالتحكيم وجميعها لا يخرج عن اعتباره اتفاقا بين الأطراف على حل النزاع القائم أو
الذي سيقوم من قبل شخص أو أشخاص يتم اختياره أو اختيارهم لهذا الغرض.
ولقد سارت معظم التشريعات في نفس
الاتجاه في تعريفاتها لاتفاق التحكيم مثل: المشرع التونسي والمشرع البحريني [4].
و يجب أن
يكون اتفاق التحكيم
مكتوباً ويعتبر الاتفاق
مكتوباً اذا ورد
في وثيقة موقعة
من الطرفين أو
في تبادل رسائل
أو تلكسات
أو برقيات أو
غيرها من وسائل
الاتصال السلكي واللاسلكي
تكون بمثابة سجل
للاتفاق، أو في
تبادل لبيانات الادعاء والدفاع التي
يدعي فيها أحد
الطرفين وجود اتفاق
ولا ينكره الطرف
الاخر. وتعتبر الإشارة
في عقد ما
إلى مستند يشتمل على
شرط تحكيم بمثابة
اتفاق تحكيم، شريطة
أن يكون العقد
مكتوباً و أن
تكون الإشارة وردت
بحيث تجعل ذلك
الشرط جزءاً
من العقد[5].
الفقرة الثانية:
صور اتفاق التحكيم.
لقيام اتفاق التحكيم يتعين تحديد شكل
هذا الاتفاق الذي لا
يخرج عن إطار عقد التحكيم أو شرط التحكيم، كصورتين تقليديتين لاتفاق التحكيم.
لكن بالعودة إلى مقتضيات قانون المسطرة
المدنية يتضح أنه يمكن إضافة شكل ِآخر يتخذه اتفاق التحكيم يتجسد في التحكيم بالإحالة، كصورة حديثة لاتفاق
التحكيم، وهو ما سنقوم بتوضيحه على الشكل التالي:
اولا: عقد التحكيم la compromis
لقد أشار الفصل 307 من ق.م.م في فقرته الثانية الى أن اتفاق
التحكيم يكتسي عقد التحكيم أو شرط التحكيم. وقد خصص هذا القانون الحديث عن عقد
التحكيم في الفصلين 314 و 315، حيث عرفه في الفصل 314
في فقرته الأولى على أن "عقد التحكيم[6]
هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة
تحكيمية..." كما عرفه بعض الفقه بأنه اتفاق يبرمه الأطراف استقلالا عن العقد
الأصلي يقرر اللجوء إلى التحكيم في شأن نزاع قائم فعلا بين الطرفين، أو هو العقد
الذي يتضمن اتفاق طرفين على خضوع نزاع معين نشأ فعلا للتحكيم[7].
وعلى ذلك يمكن القول أن عقد التحكيم هو
اتفاق يبرم بعد نشوء النزاع، يلتزم فيه الخصوم على اللجوء إلى التحكيم من أجل فض
خلافهم، عن طريق عرض نزاعهم على محكم أو أكثر يقومون باختياره، بدلا من اللجوء إلى
المحكمة التي تكون مختصة بالبث في القضية. كما يمكن إبرام هذا العقد وطرح النزاع
أمام الهيئة التحكيمية ولو كان النزاع معروضا بشكل فعلي أمام المحكمة المختصة
المرفوعة عليها النازلة, وهذا ما يتبين بشكل بارز من خلال الفقرة الثانية من
الفصل314.[8]
بل يمكن إبرامه، ولو كانت الدعوى في
مراحل متقدمة شريطة ألا يكون قد صدر حكم اكتسى حجية الشيء المقضي به.
وقد استلزم المشرع لصحة هذا العقد
مجموعة من البيانات حددها الفصل 315 من نفس القانون كاختيار موضوع النزاع وتشكيل
الهيئة التحكيمية، تحت طائلة بطلان هذا العقد.
ثانيا: شرط التحكيم
la clause compromissoire
هو الذي يبرم قبل وقوع النزاع حيث يرد
عادة كبند من بنود عقد من العقود، يلتزم أطراف هذا العقد بعرض ما قد ينشأ بينهم من
منازعات بخصوص هذا العقد على محكم أو أكثر أو على هيئة تحكيمية بدلا من عرض نزاعهم
على المحكمة المختصة.[9]
ويرد شرط التحكيم عادة في العقد
الأصلي، كما يمكن أن يرد في عقد لاحق يعرف بوثيقة التحكيم قبل نشوء النزاع.
وقد نص المشرع المغربي على شرط التحكيم
في الفصل 316 من ق م م حيث عرفه على أنه "الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد
بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور". وما يميز
هذا الشرط أن المنازعة لم تنشا بعد أي أنها منازعة محتملة الوقوع وغير محددة.
كما عرفها قانون التحكيم المصري الصادر
سنة 1994 في مادته 23 "يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى
ولا يترتب عن بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه، أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه
إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته." مما يؤكد على أن هذه الصورة من الاتفاق قد
تبنتها معظم التشريعات المقارنة.
وقبل أن نعرج على الصورة الثالثة من
الاتفاق لابد من إعطاء ولو موجز مختصر عن أهم الفروق بين شرط التحكيم وعقد
التحكيم.
ويتجلى ذلك في كون أن شرط التحكيم
يتعلق بنزاع محتمل الوقوع مستقبلا وقد لا يحصل هذا النزاع من أساسه، فلا يتم تفعيل هذا الشرط.
أما بخصوص عقد التحكيم فإنه يتعلق
بنزاع وقع فعلا فيتعاقد الطرفان لحل نزاعهم من طرف محكم أو هيئة تحكيمية.
وقد جاءت نصوص القوانين المقارنة قاطعة
في تلك التفرقة، بحيث أن مشارطة التحكيم (عقد التحكيم) لا يمكن أن تتم إلا بعد وقوع النزاع.
كما أن هناك فرق اخر يتمثل في كون أن
شرط التحكيم لا يتمتع بأية قوة إلزامية، فهو مجرد وعد باللجوء إلى التحكيم، ولا يترتب عن ذلك سوى الحكم بالتعويض من جراء الإخلال
بالالتزام العقدي. وهو ما سعت بذلك بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي على
عدم الاعتداد به كاتفاق يلزم الأطراف باللجوء إلى التحكيم.
أما المشرع المغربي فجعل هذا الشرط
ملزما وقائما بذاته يتمتع بقيمة قانونية تساوي أو تعادل القوة الإلزامية لعقد
التحكيم.[10]
تعتبر هذه الصورة من الصور الحديثة
لاتفاق التحكيم، وتتجسد عادة في بند التحكيم التي يكون فيها العقد غير متضمن
لاتفاق التحكيم، بل جاء هذا البند بسبب عقد سبق إبرامه وما على الأطراف إلا
الموافقة على بنوده كعقود الإذعان مثلا أو العقود النموذجية.
ولقد نص
القانون النموذجي للتحكيم
على امكانية قيام
اتفاق التحكيم بالإحالة
عبر الفقرة السادسة
من المادة 7
التي جاء فيها": تشكل الاشارة
في العقد الى
اي مستند يتضمن
بندا تحكيميا اتفاق
تحكيم مكتوبا ، شريطة
ان تكون الاشارة
على نحو يجعل
ذلك البند
جزءا من العقد".
وبرجوع إلى مقتضيات الفصل 313 الفقرة
الثالثة من ق م م فإننا يمكن القول أن المشرع قد أخد بهذه الصورة حينما جعل في حكم
اتفاق التحكيم كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو
إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط
جزءا من العقد.[11]
المطلب الثاني : إنعقاد اتفاق التحكيم
لانعقاد اتفاق التحكيم يجب ان يكون مستوفيا لكافة أركانه، ومن
خصوصية هذا الاتفاق أن له أركان عامة وأركان خاصة لا ينعقد إلا بتوافر جميع أركانه
العامة منها و الخاصة[12]
وسنحاول دراستها على الشكل التالي:
الفقرة الاولى: الاركان العامة
لاتفاق التحكيم
اذا كان اتفاق التحكيم بمثابة عقد من العقود مع تمييزه بطبيعة
خاصة، وجب أن تتوافر فيه الشروط اللازمة
لصحة أي عقد بصفة عامة، ويتعلق الأمر بأركان قيام العقد، وهي: الرضا والأهلية
والمحل والسبب، والتي سنعمل على دراستها تباعا.
أولا :
التراضي في اتفاق التحكيم
التراضي باعتباره ركن من أركان اتفاق التحكيم، لا تقوم لهذا الاخير قائمة بدونه، ومفاده أن تتجه إرادة
الأطراف المتطابقة في اللجوء إلى التحكيم كبديل لقضاء الدولة[13].
وبعبارة أخرى أن اتفاق الشخص الذي يصدر الرضا عنه، سواء أكان من أبرم العقد باسمه
ولحسابه أو كل من اتجهت إرادته إلى الالتقاء بإرادة أخرى، لاتخاذ التحكيم سبيلا
لتسوية منازعاتهما، بعيدا عن قضاء الدولة، الا و يتحقق به التوافق بين الإرادتين
على إحداث هذا الأثر القانوني المرغوب فيه.
ويكون التراضي متحققا بالنسبة لشرط التحكيم، وذلك بالمفاوضات
التي تدور حول كل بنود أو شروط العقد، ومن بينها شرط التحكيم، تم الاتفاق على مجمل
العقد في النهاية. وليس ثمة هناك حاجة إلى تراض خاص بشأن شرط التحكيم.
أما بالنسبة لعقد التحكيم، فان التراضي يتحقق بقبول مبدأ
التحكيم ذاته كموضوع للعقد، واثبات التراضي على ذلك كتابة إضافة إلى توقيع عقد
التحكيم من الأطراف[14].
وفي هذا الصدد، نستحضر قرارا صادرا عن محكمة النقض الفرنسية
بتاريخ: 06/11/1987 في قضية هضبة الأهرام المصرية، المتعلق بالاتفاق المبرم بين
الهيئة المصرية للسياحة والفنادق " E.G.O.T.H" وبين شركة
ممتلكات جنوب الباسفيك "S.P.P"، بتاريخ: 23/12/1984،
والموقع عليه من لدن وزير السياحة المصرية. إذ أيدت محكمة النقض قرار محكمة
الاستئناف بباريس، حينما ألغت الحكم التحكيمي الصادر عن غرفة التجارة الدولية
بباريس بتاريخ: 16/07/1984، مستندة في ذلك
إلى أن العقد قد خلا من شرط التحكيم الذي نص على "إحالة أي منازعة خاصة بهذا
العقد إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس"، فانه لا يمكن افتراض توفر رضا
الدولة المصرية بالتحكيم. وإذا كان العقد قد احتوى على شرط التحكيم، فان الحكومة
المصرية لم تكن طرفا فيه، حتى ولو تم
توقيعه من طرف وزير السياحة، لأن توقيعه قد تم بما له من سلطة وصاية، ولم يكن
ممثلا للحكومة المصرية، والتي لم تنصرف إرادتها إلى الالتزام بشرط التحكيم، بل
يقتصر هذا الالتزام بطرفيه فقط، شركة " E.G.O.T.H" و شركة "S.P.P". كما لا يمكن اعتبار توقيع مصر على
مستند المهمة، بمثابة تراض على التحكيم.
وأخيرا، لابد من التذكير على أن اتفاق التحكيم، كأي عقد أساسه
الإرادة، إذا انتفت عنه كان العقد باطلا ومنعدما. لذا وجب أن يكون التراضي سليما،
قائما على إرادة متبصرة بموضوع اتفاق التحكيم، وعلى إرادة حرة غير مضطرة إلى إبرام
هذا الإتفاق، مع ضرورة أن يقع هذا التعبير بشكل صريح وواضح، وذلك حتى لا تثار
صعوبات حول استجلاء إرادة الطرفين في اللجوء إلى التحكيم من عدمه.
ثانياـ
الأهلية في إبرام اتفاق التحكيم
لما كان اتفاق التحكيم تصرفا قانونيا، تتجه إرادة طرفيه إلى
إحداث أثر قانوني، والمتجلي
في نزع الاختصاص عن القضاء في نظر منازعات الأطراف، ومنحه لهيئة التحكيم. كان من الضروري، أن تتوفر لدى كل طرف أهلية
الأداء اللازمة لصدور إرادة كافية لإبرام الاتفاق. ومناط أهلية الأداء، هو توفر
أهلية التصرف في الحقوق، فكل من يملك التصرف في حقوقه المالية أصلا أو بإذن من
المحكمة أو بحكم القانون، يكون أهلا لإبرام اتفاق التحكيم.
وقد نص المشرع المغربي على ضرورة توافر الأهلية، إذ جاء في الفقرة
الأولى من المادة 308 من القانون رقم:
05ـ08، المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية،
ما يلي: " يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا
طبيعيين أو معنويين، أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف
فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها..."
فالمشرع المغربي، سمح لكل من توافرت
فيه الأهلية الكاملة في إبرام اتفاق التحكيم. وعليه، وبمفهوم المخالفة، فإن كل من
لم يتوافر فيه شرط كمال الأهلية، فهو ممنوع من إبرام اتفاق التحكيم، وينصرف ذلك
على القاصرين، وناقصي الأهلية الذين ليس بوسعهم إبرام اتفاق التحكيم إلا إذا أذن
لهم بذلك، أو قضي بترشيدهم، أو باشروا هذا الأمر بواسطة نائبهم القانوني.
وتجدر الاشارة هنا الى أن المشرع، عندما سمح لكل الأشخاص، سواء
كانوا ذاتيين أو معنويين، أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية
التصرف فيها، فانه لم يميز بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص، مما
يفيد أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة
الاتفاقية، قد تجاوز ذلك الحظر الذي كان مقررا لأشخاص القانون العام عند إبرام
اتفاقات التحكيم من قبلهم، وذلك قبل صدور هذا القانون.
على أنه، وان كان قد
سمح بلجوء هؤلاء الأشخاص إلى هذه الوسيلة، إلا أنه قد قيد هذا اللجوء بشروط. إذ
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 310 من القانون رقم: 05ـ08، نجد أن المشرع قد منع
التحكيم في النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو
غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية من جهة أولى، ومن جهة ثانية
قيد اللجوء إلى التحكيم في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية بضرورة التقيد
بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة والوصاية، سواء تعلق الأمر بالدولة أو الجماعات
المحلية أو المؤسسات العمومية أو حتى المقاولات العمومية كل حسب مضمون الوصاية
المقررة له.
الأصل أن القضاء هو المختص بالبت في كافة النزاعات بالنظر لكونه
صاحب الولاية العامة في تحقيق الحماية للحقوق والمراكز القانونية. لذا، يبقى
اللجوء إلى التحكيم كوسيلة بديلة عنه، بمثابة استثناء من الأصل، يتعين للجوء إليه
أن يكون محل النزاع مما يقبل التسوية عن طريقه.
ويقصد بمحل اتفاق التحكيم، تلك المنازعة التي يراد حسمها عن
طريق التحكيم، والتي يجب أن تقبل التسوية بواسطته، والذي يرتبط وجوده بوجودها. غير
أن المنازعة التي تكون محلا لاتفاق التحكيم، قد توجد مستقبلا في شرط التحكيم، وقد
تكون موجودة حالا في عقد التحكيم، الذي يتم إبرامه بسبب نزاع قائم بالفعل.[15]
وطالما أن اتفاق التحكيم،
هو عقد كسائر العقود، فان محله يجب أن تتوفر فيه الشروط العامة المتطلبة في محل
الالتزامات التعاقدية بوجه عام، والواردة في المواد من 57 إلى 61 من قانون
الالتزامات والعقود، حيث يجب أن يكون محل اتفاق التحكيم، موجودا وممكنا ومعينا أو
قابلا للتعيين، وأن يكون مشروعا.
وإضافة إلى الشروط السابقة، لابد وأن ينصب محل اتفاق التحكيم
على نزاع مالي في إطار القانون الخاص بين طرفي العلاقة القانونية، والذي يفترض فيه
أنه يقبل الصلح. أما إذا كان لا يقبله، فقد اتفقت جل التشريعات بما في ذلك التشريع
المغربي على عدم جواز التحكيم بشأنه. وهذه المسالة تعتبر من النظام العام، يترتب
على عدم مراعاتها في اتفاق التحكيم بطلانه[16].
وتجدر الإشارة إلى أن هناك تطابق بين محل التحكيم ومحل الصلح.
إذ ما يجوز فيه الصلح يجوز فيه التحكيم، و ما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه
التحكيم. وقد حرصت بعض التشريعات على التنصيص صراحة على هذا المبدأ، إذ نص المشرع
المصري في المادة 11 من القانون رقم: 27 لسنة 1994 في شقها الأخير على أنه: " لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها
الصلح".
في حين أن المشرع المغربي، لم ينص صراحة على المبدأ السابق إلا
أنه قد أحال عليه ضمنا من خلال النصوص
المنظمة للتحكيم. فالمشرع المغربي عمد إلى تحديد المسائل التي تخرج عن نطاق
التحكيم، وهي نفس المسائل التي لا يجوز أن تكون موضوع صلح.
إذ نص المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 309 من القانون رقم: 05 ـ 08، على أنه: " مع مراعاة مقتضيات الفصل 308 أعلاه، لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات
التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة".
وأضاف من خلال المادة 310 من نفس القانون على أنه: " لا
يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من
الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها،
يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ماعدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي".
فالمسائل التي تخرج عن نطاق التحكيم، هي نفس المسائل التي تخرج
بدورها عن نطاق الصلح، فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 1100 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، نجدها تنص على
أنه: " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام
العام أو بالحقوق الشخصية الأخرى الخارجة عن دائرة التعامل ولكنه يسوغ الصلح على
المنافع المالية التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية أو على المنافع التي تنشأ عن الجريمة".
وعموما، فهناك مجالان لا يجوز فيهما التحكيم: مسائل الأحوال
الشخصية، والمسائل المتعلقة بالنظام العام.
فمسائل الأحوال الشخصية، لا تصلح لأن تكون محلا لاتفاق التحكيم،
لاتصالها بوضع الشخص ومركزه داخل الأسرة، بحيث لا يجوز مثلا التحكيم في مسالة
تتعلق بمدى شرعية الولد أم لا، وبما إذا كان الشخص وارثا أو غير وارث، في حين أنه
يجوز التحكيم في المسائل والمصالح المالية التي تترتب عليها.
أما المسائل المتعلقة بالنظام العام، والتي لا يجوز التحكيم
فيها، تكون مرتبطة بالدرجة الأولى بالقواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة
للبلاد، والمتعلقة بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم، وتعلو فيه على
مصالح الأفراد. ومن أمثلة تلك المسائل المتعلقة بحالة الشخص وأهليته، المسائل
الجنائية، المنازعات المتعلقة بصحة براءات الاختراع، أو العلامات التجارية، أو تلك
المتعلقة بكسب الجنسية أو فقدها[17].
مما سبق، يتبين أن محل التحكيم يحتل أهمية بارزة للقول بصحة أو
عدم صحة اتفاق التحكيم، ويبقى على قاضي الموضوع تحديد ما إذا كان موضوع النزاع
يقبل التسوية عن طريق التحكيم أم لا مسترشدا في ذلك بالقانون المنظم للتحكيم أي القانون
رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.
رابعاـ السـبب في اتفاق التحكيم:
نظم المشرع المغربي نظرية السبب في المواد من 62 إلى 65 من
قانون الالتزامات والعقود، والتي تناول من خلالها أحكام السبب في القانون المغربي.
إذ اشترط المشرع لصحة أي اتفاق بصفة عامة، ضرورة وجود السبب، وأن يكون هذا السبب
مشروعا غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، إلا أنه في حالة عدم ذكره، افترض
المشرع أن لكل اتفاق سببا حقيقيا ومشروعا.
واتفاق التحكيم كغيره من الاتفاقات، يجب أن يتضمن ركن السبب وفق
نفس الشروط التي حددها المشرع المغربي في هذا الإطار. وهذا ما أكده من خلال
مقتضيات المادة 308 من القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم
والوساطة الاتفاقية، عندما نص على
ضرورة التقيد بمقتضيات قانون الالتزامات والعقود، ولاسيما الفصل 62 منه،
عند إبرام اتفاق التحكيم.
ومفاد السبب في اتفاق التحكيم، هو اتجاه إرادة الأطراف إلى
استبعاد طرح النزاع على القضاء، وتفويض الأمر بذلك إلى المحكمين، والسبب على هذا النحو
يعتبر مشروعا دائما.
الفقرة الثانية : الشروط
الشكلية لاتفاق التحكيم
إذا كان اتفاق التحكيم، يختلف من حيث أشكاله، شرطا كان أم عقدا،
فإنهما يلتقيان كليها حول ضرورة توفر شرط شكلي، استلزمه المشرع لقيام اتفاق
التحكيم صحيحا منتجا لآثاره، ويتعلق الأمر بشرط الكتابة.
إذ لابد أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا، فالاتفاق الشفوي لا يعتد
به في هذا الصدد. وهذا ما استقرت
عليه جل التشريعات الوطنية إلى جانب اتفاقيات التحكيم الدولية.
فقانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي رقم: 05ـ08،
نص من خلال مقتضيات المادة 313 منه، على أنه: " يجب أن يبرم اتفاق التحكيم
كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية
المختارة..".
ونص قانون التحكيم المصري على نفس المقتضى من خلال مقتضيات المادة
12 من القانون رقم: 27 لسنة 1994، على أنه: " يجب أن يكون اتفاق التحكيم
مكتوبا وإلا كان باطلا".
ودراسة شرط الكتابة يقتضي منا بداية تحديد الشكل الذي استلزمه
القانون في هذا الشرط، قبل أن نتطرق بعد ذلك إلى تحديد طبيعته وفق الشكل التالي:
أولاـ الشكل الكتابي المتطلب قانونا:
سبقت الإشارة إلى أن المشرع المغربي، عمل من
خلال مقتضيات المادة 313 من القانون رقم: 05ـ08 المتعلق بالتحكيم والوساطة
الاتفاقية، على تحديد الشكل الكتابي المتطلب قانونا لإبرام اتفاق التحكيم، فهو
إما أن يأخذ شكل عقد رسمي أو عقد
عرفي، وإما أن يرد في محضر يحرر أمام
الهيئة التحكيمية المختارة.
وقد توسع المشرع المغربي في مفهوم
الكتابة، ونص من خلال مقتضيات الفقرة 2 من المادة 313 من نفس القانون، على
أنه: " يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من
الأطراف، أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال، والتي تعد بمثابة
الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد
الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك".
وبالتالي، يمكن أن يرد اتفاق التحكيم
إما في شكل عقد رسمي أو عرفي، كما يمكن أن يضمن في المحاضر المنجزة من طرف هيئة
التحكيم، أو أن يرد في شكل وثيقة موقعة من
الأطراف، أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من
وسائل الاتصال، إلى جانب أنه يمكن أن يرد من خلال تبادل مذكرات الطلب أو الدفاع
التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم، ولكن ذلك مقيد بعدم منازعة الطرف
الآخر له في ذلك.
غير أن اعتماد الصياغة الالكترونية
لاتفاق التحكيم، يدفع إلى التساؤل عن مدى حجيتها القانونية في الإثبات؟
والجواب على هذا السؤال، نستشفه من
خلال مقتضيات المادة
1ـ417
من القانون رقم: 05ـ53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية الصادر
بتاريخ:06/12/2007، والذي اعتبر من خلالها المشرع المغربي أن الوثيقة
المحررة على دعامة الكترونية تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة
المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية، على الشخص الذي
صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شانها ضمان تماميتها.
كما اعتبر المشرع في مقتضيات المادة
3ـ417 من نفس القانون على أن كل وثيقة مذيلة بتوقيع الكتروني مؤمن، أي الذي
يتم إنشاؤه وكانت هوية الموقع مؤكدة وتمامية
الوثيقة القانونية مضمونة بذلك، والمختومة زمنيا بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها
الوثيقة المصادق على صحة توقيعها والمذيلة بتاريخ ثابت.
ثانياـ طبيعة شرط الكتابة:
إذا كان الاتفاق على التحكيم، شرطا كان أو عقدا، يعتبر تصرفا من
التصرفات التي تنعقد بإرادتين، فانه يلزم لوجود هذا الاتفاق، كما سبقت الإشارة إلى
ذلك، توافر أركانه وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب، والى جانب هذه الشروط هناك
الشرط الشكلي المتعلق بالكتابة، الذي أوجبته جل التشريعات المنظمة للتحكيم.
غير أن التساؤل الذي
يطرح نفسه هنا يتعلق بطبيعة شرط الكتابة في اتفاق التحكيم، فهل تعتبر الكتابة
ركنا من أركان اتفاق التحكيم أم شرطا لصحته؟ أم مجرد وسيلة لإثباته؟
اختلفت الأنظمة القانونية فيما بينها بخصوص شرط الكتابة في
اتفاق التحكيم. فهناك من الأنظمة القانونية، من اعتبر الكتابة المتطلبة في اتفاق
التحكيم مجرد وسيلة للإثبات.
ومن هذه الأنظمة، نجد مثلا كل من المشرعين التونسي والسوري. إذ
نص المشرع التونسي من خلال مقتضيات الفقرة 1 المادة 6 من مجلة التحكيم التونسية
عدد: 42 لسنة 1996 [18]،
على أنه: " لا تثبت اتفاقية التحكيم إلا بكتب سواء كان رسميا أو خط يد أو
محضر جلسة أو محضرا محررا لدى هيئة التحكيم التي وقع اختيارها".
فالكتابة اعتبرها المشرع التونسي
وسيلة لإثبات اتفاق التحكيم وليست شرطا من شروط انعقاده، سواء أكانت الكتابة
بمقتضى محرر رسمي أو عرفي.
كما نص المشرع السوري من خلال مقتضيات المادة 509 من قانون
التحكيم السوري المستخرج من قانون أصول المحاكمات المدنية[19]،
على أنه: " لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة".
ويرى جانب من الفقه، أنه إذا نص المشرع صراحة على جعل كتابة
اتفاق التحكيم للإثبات، فان الكتابة والحالة هذه تكون للإثبات وليست للانعقاد. ومن
تم يجوز إثبات هذا الاتفاق بالكتابة أو ما يقوم مقامها من إقرار ويمين حاسمة.
ويستطرد هذا الجانب من الفقه بالقول، بأنه لا معنى للاعتراف بالكتابة كوسيلة
إثبات، ثم نعود بعد ذلك، ولا نسمح بهذا الإثبات إلا بالكتابة. إذ أن من المقرر أن الإقرار واليمين الحاسمة،
هما وسيلتان من وسائل الإثبات يصح الإثبات بأيهما في الحالات التي يجب إثباتها
بالكتابة[20].
ويرى جانب آخر من الفقه، أنه لما كانت قواعد الإثبات الموضوعية
لا تتعلق بالنظام العام، فمن الواجب الاعتداد بإرادة الأطراف في مسطرة التحكيم،
بحيث إذا اتفق الأطراف على جواز الإثبات بغير الكتابة، فيما كان يجب إثباته بها،
صح اتفاق التحكيم لان قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام[21].
في حين أن هناك أنظمة قانونية أخرى، تشترط الكتابة كشرط انعقاد
وليس كشرط للإثبات، من بينها المشرع المغربي والمصري والفرنسي.
فبالنسبة للمشرع المغربي، نجد أنه اعتبر كتابة اتفاق التحكيم
شرط انعقاد، ونص على وجوب إبرام اتفاق التحكيم كتابة إما على شكل عقد رسمي أو عرفي
أو محضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة.
وأمام صراحة هذا النص،
يتبين أن اتفاق التحكيم هو من العقود الشكلية التي يتوقف انعقادها على إفراغها في
سند كتابي، فلا يمكن إقامة الدليل على اتفاق التحكيم شفويا أو بأية وسيلة أخرى حتى
بالإقرار.
أما المشرع المصري فقد نص من خلال مقتضيات المادة 12 من
القانون رقم: 27 لسنة 1994 المتعلق بالتحكيم في المواد المدنية والتجارية، على
ما يلي:" يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا و إلا كان باطلا".
وعليه، يتبين من خلال النصوص السابقة أن اتفاق التحكيم، يتعين
أن يكون مكتوبا تحت طائلة البطلان. إذ اتجهت إرادة المشرع صراحة على اعتبار
الكتابة ركنا لقيام اتفاق التحكيم، وليست مجرد وسيلة لإثباته، ولما كانت الكتابة
تعد ركنا شكليا في الاتفاق على التحكيم، فان البطلان الناشئ عن تخلفها، يعتبر
بطلانا مطلقا متعلقا بالنظام العام.
المبحث الثاني : الأحكام الخاصة لاتفاق التحكيم
يتضح من خلال الفصل
313 من ق.م.م على أن إتفاق التحكيم يجب ان يبرم كتابة اما بعقد رسمي او عرفي و اما
بمحضر امام الهيئة التحكيمية المختارة، الشيئ الذي يدل معه ان اتفاق التحكيم اتفاق
شكلي بامتياز، بحيث تعتبر واجبة لانعقاده،
لكن القانون المنظم للتحكيم رقم 08.05 لم يوجب عبارات محددة ترد على في الاتفاق، و
نظرا لاختلاف العبارات و الالفاظ التي قد يرد فيها الاتفاق، و في حالة حدوث ذلك
فانه يجب اعمال قواعد تفسير اتفاق التحكيم و ذلك لاعطاءه القوة الإلزامية ( المطلب
الاول ) و لكي ينتج اتاره المتوخاة منه قبل انقضاءه (المطلب الثاني ) .
المطلب الأول : تفسير اتفاق التحكيم و قوته الإلزامية
يعد اتفاق التحكيم
الحجر الاساسي في العملية التحكيمية، فلا ينعقد التحكيم بدونه، لذلك كان من اللزم
تفسير اتفاق التحكبم تفسيرا ضيقا يتفق مع طبيعته الاستثنائية (الفقرة الاولى ) و
بالتالي يكون ملزما للاطراف المتعاقدة بحيث ينشا التزامات و حقوقا متقابلة لكل
منهما في الوقت نفسه ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الاولى : تفسير اتفاق
التحكيم
التفسير لغة هو البيان و التوضيح لكشف المراد و المقصود
و اصطلاحا يعني التعرف على المعنى الذي ينطوي عليه النص و ما
يقصده المشرع من عباراته .
و تفسير اتفاق
التحكيم يخضع في تفسيره لقواعد التفسير المقررة لسائر العقود باعتبار انه عقد
رضائي و ان كان يجب لانعقاده و لاثباته ان يكون مكتوبا هذا من ناحية، و من ناحية
اخرى يعد الاتفاق على التحكيم رغم ذلك خروجا على القواعد العامة في التقاضي و التي
يجب على الفرد ان رغب اقتضاء حقه اللجوء الى قضاء الدولة بالاجراءات وفقا للقواعد
المحددة في هذا الشأن و بالاتفاق على التحكيم يكون للفرد الالتجاء الى غير قضاء
الدولة في اقتضاء حقوقه، لهذا كان واجبا، و الامر كدلك على القاضي و هو بصدد تفسير
هذا الاتفاق التزام كامل الحيطة و الحذر وصولا الى القصد الحقيقي للاطراف هذا
الاتفاق، و الوقوف عند هذا القصد و عدم تجاوزه، ومن ثم لا يجوز بحال تكييف اتفاق
الخصوم على انه عقد تحكيمي الا اذا كانت ارادة اطرافه و اضحا وضوحا تاما في
الالتجاء الى التحكيم حسما للمنازعة المتفق خضوعها للتحكيم[22]، و
في هذا السياق سبق للمجلس الاعلى ان نحى نفس المنحى في قراره الذي جاء فيه اذا نص على وجوب" احترام سلطان ارادة
الطرفين اللذين اختار بمحض ارادتهما التحكيم كجهة قضائية لفض نزاعاتهما من خلال ما
عاب به على محكمة الاستئناف عدم مراعاتها الفصل 230 من ق.ل.ع" [23].
كما جاء في احدى قرارات محكمة النقض المصرية ما يلي " فاختصاص جهة التحكيم
بنظر النزاع و على ما جرى به قضاء المحكمة، و ان كان يرتكز اساسا الى حكم القانون
الدي اجاز استثناء سلب اختصاص جهة القضاء، الا انه ينبني مباشرة في كل حالة على
حدة على اتفاق الطرفين" [24].
و هذا فاتاق التحكيم من حيث وضوحه من عدمه لا يخرج عن الحالات
التالية و هي :
الحالة الاولى : ادا كانت عبارة الاتفاق و اضحة الدلالة .
متى كانت عبارة
اتفاق التحكيم واضحة في اختيار نظام التحكيم لحسم النزاع الظاهر للاتفاق دون
الخروج عنه بحجة تفسيره [25]،
و هذا القول يجد اساسه في القواعد العامة لتفسير العقد عملا بالفصل 461 ق.ل.ع الذي
ينص " متى كانت الفاظ العقد صريحة امتنع البحث عن صاحبها ".
و هكذا اذا كانت
عبارة اتفاق التحكيم واضحة، فالعبرة اذن ترجع للإرادة الظاهرة التي تفترض مطابقتها
للإرادة فانه في هذه الحالة يكون الحكم مخالفا للقانون، و بالتالي عرضة للنقض [26]، و قد زكى هذا المعطى قرار لمحكمة الاستئناف
التجارية بالدار البيضاء مفاده " ان شرط التحكيم يفسر تفسيرا ضيقا ( المحكم
يستمد سلطته من العقد الذي تم فيه الاتفاق على التحكيم ) تجاوز المحكم لما تم الاتفاق
عليه مخالف للنظام العام و يؤدي للبطلان [27].
الحالة الثانية : اذا كانت عبارة الاتفاق غير واضحة الدلالة :
على عكس الحالة
السابقة التي تكون فيها عبارة التحكيم واضحة الدلالة ، فانه في بعض الأحيان تكون
عبارات الاتفاق غير واضحة و غامضة في دلالتها على ما قصدته إرادة الأطراف ،الشيء
الذي يمكن معه تأويلها على اكثر من معنى ، وفي هذه الحالة ينبغي اللجوء الى تفسير
و ذلك لاستجلاء غموضها و تحديد حقيقة المقصود بدلالتها ، و من ابرز اثار هذه
القاعدة ان للخصوم ان يطعنوا في حكم التحكيم الصادر اذا خرج فيه المحكم عن الولاية
المحددة له في شرط التحكيم .
و نخلص مما سابق
الى انه يجب على القاضي في هذه الخصوص الالتزام
بمبدا التفسير الضيق ، و يلزمه التأكيد من ان إرادة المتعاقدين قد انصرفت
بوضوح الى التحكيم و ان يفسر العبارات الناشئة عن عدم تنفيذه ، و اذا تعلق
بالمنازعات حول نوع البضاعة ، فلا يمتد الى الفصل في صحة او بطلان عقد البيع [28].
الفقرة الثانية : القوة
الملزمة لاتفاق التحكيم
سبق و ان رأينا بان
اتفاق التحكيم يعتبر من العقود الملزمة للجانبين ، أصحاب العلاقة التعاقدية ، بحيث
يرتب التزامات متقابلة في ذمة كل منهما ، و هو الأمر الذي اكده الفصل 230 ق.ل.ع من
خلال القاعدة المعروفة " العقد شريعة المتعاقدين " و التي يترتب عنها
انه لا يمكن لأحدهما نقض هذا الاتفاق او تعديله ، ذلك إن ما تعقده إرادتان لا تحله
إرادة واحدة.
و من هنا تظهر
الزامية اتفاق التحكيم لانه بعد تفسيره و تكييفه يصبح شريعة المتعاقدين، و هكذا
فالحكم التحكيمي بمجرد صدوره يكتسي حجية الشيئ المقضي به بخصوص النزاع الذي تم
الفصل فيه بناء على الفصل 327.26 من ق.م.م و باكتسابه لهذه الحجة يمنع عرض موضوع
الحكم علي اي محكمة او هيئة تحكيمية لاعادة النظر فيه ، غيران لهذه القاعدة
استثناء و ذلك عندما يتعلق الامر بنزاع يكون احد الاشخاص المعنويين الخاضعين
للقانون العام طرفا فيه ، حيث لا يكتسي الحكم هذه الحجية الا بناء على امر بتخويله
الصيغة التنفيذية .
و بالتالي بعد ان
ياخد الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين ، و بعد التاكد من عدم مخالفته لاي
مقتضيات الفصول 315/317/327.23 و 327.24 من ق.م.م ، يصبح قابل للتنفيد الجبري بقوة
القانون و تصبح له القوة التي للاحكام القضائية الانتهائية ، و الامر الصادر عن
الرئيس الاول يوضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين لا يقبل اي طعن[29]،
و يكون محل طعن و بقوة القانون بمناسبة الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي و هذا ما
نص عليه الفصل 327.32 بالاحالة على مقتضيات الفصل 327.33[30]
.
و هذا ما يعني ان
حكم المحكمين لا يقبل الطعن ، لكن اثناء اعطاءه الصيغة التنفيذية يكون محل مراقبة
قضائية و هذا ما اكده القضاء المغربي في قرار له[31]
، بحيث اقرعلى ان "مسطرة التحكيم هي مسطرة متكاملة تقتضي اصدار
المحكمين مقررهم ثم الحصول على الصيغة التنفيذية ليصبح قابلا للتنفيذ" .
و مبدا القوة الالزامية لاتفاق التحكيم تترتب عيه نتائج كالتالي
:
أ_ عدم جواز تغير
في المنازعة محل التحكيم : المشرع المغربي وضع نصب عينيه و هو يسن القانون 08.05
احترام ارادة طرفي التحكيم اذ ترك للطرفين حرية الاتفاق على التحكيم في الفصل 307
من ق.م.م الذي جاء فيه " اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء الى
التحكيم قصد حل النزاع ..." كما منحهم الحرية في اختيار القواعد التي تسري
على الإجراءات و تلك التي تطبق على موضوع النزاع و تعيين مكان التحكيم و اللغة
التي ستستعمل في قرار التحكيم بناء على الفصل 327.10 ، و بالتالي فالمحكم و هو
ينظر في النزاع المعروض يتعين عليه عدم تجاوز اختصاصه المخول له من خلال الشرط
ألتحكيمي، تحت طائلة الغاءه، و هو الامر الذي أكدته محكمة الاستئناف التجارية
بالدار البيضاء ذاهبتا الى " تجاوز المحكم لما تم الاتفاق عليه مخالف للنظام
و يؤدي الى البطلان [32].
ب _ عدم جواز عزل
المحكمين او احدهم الا بتراضي الخصوم : من خلال قراءة الفصل 315 من ق .م.م نجده
ينص على ان التحكيم يتعين ان يحدد فيه موضوع النزاع و كذلك الهيئة التحكيمية ، و
بالتالي يترتب على ذلك لزوم انه لا يجوز لأحد الأطراف ، عزل المحكم او المحكمين او
احدهم او تغير الجهة التي ثم الاتفاق عليها ، الا بتراضي الاطراف على ذلك ، وهو ما
نص عليه الفصل 324 من ق.م.م " لا يجوز عزل المحكم ما الا بموافقة جميع
الاطراف " .
ج _ عدم جواز رد
المحكم إلا لأسباب لاحقة على تعينيه : رغم القوة الإلزامية التي يتمتع بها اتفاق
التحكيم و الذي يقضي بطبيعة الحال تعيين محكم للنظر في النزاع القائم ، فانه لا
يمكن رد المحكم المعين الا لأسباب لاحقة على تعينه .
فالمحكم هو بشر
كسائر البشر معرض لما يتعرض له الناس في حياتهم العملية سواء في علاقتهم العدائية
او الودية ، هذه العلاقة لها من القوة ما يمكن ان تؤثر على سلوك هذا الإنسان في
اتخاذ قراراته ، و لكي يتجنب هذا الامر عمل المشرع على و ضع إمكانية تجريح المحكم
في هذه الحالة ، و ذلك حماية لحقوق الأطراف من الضياع من جهة ومن جهة ثانية لسمعة
مؤسسة التحكيم التي يرجو منها ان تلعب دورها كما هو مراد لها .
و لهذا اقر المشرع
في الفصل 322 من ق.م.م على انه لا يجوز لأي من طرفي التحكيم تجريح المحكم الا لسبب
طرأ او اكتشف بعد تعينه ،ليستسرد بعد ذلك المشرع في الفصل 323 من ق.م.م الحالات
التي يمكن فيها تجريح المحكم و منها :
_ صدور في حقه حكم نهائي بالإدانة من اجل ارتكاب بعض الافعال
المبينة الفصل 320 أعلاه .
_ كانت له او لي لزوجه او لأصوله او لفرعه مصلحة شخصية مباشرة
او غير مباشرة في النزاع .
_ كانت توجد علاقة تبعية بين المحكم او زوجه او أصوله او فروعه
و بين احد الأطراف.
المطلب الثاني : آثار اتفاق التحكيم و انقضاءه.
بعد استجماع اتفاق التحكيم لشروطه المقررة قانونا لإنعقاده من
جهة ولسيرانه تجاه الأطراف من جهة ثانية , فإنه بعد ذلك ينتج مجموعة من الآثار
التي تكون ملزمة للأطراف (الفقرة الأولى) على أنه بعد ذلك ينقضي هذا الإتفاق كسائر
الاتفاقات المبرمة بين الأطراف ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : آثار اتفاق
التحكيم.
إذا ماتوافر لإتفاق التحكيم قوته الملزمة رتب آثاره في مواجهة
من يلتزمون به , بمعنى آخر قيام جميع الآثار المترتبة عليه , وسنحاول في هذه
الفقرة الوقوف عند هذه الآثار :
أولا : الأثر الايجابي والسلبي لإتفاق التحكيم .
1/ الأثر الإيجابي لإتفاق التحكيم.
يلزم اتفاق التحكيم الأطراف في حالة وجود نزاع بينهم بعرض هذا
النزاع على هيئة تحكيمية , هذه الأخيرة تستمد أساسها أو اختصاصها من هذا الإتفاق وهذا هو أبرز أثر
ينتجه اتفاق التحكيم .
وبالتالي فهيئة التحكيم التي وقع اختيارها من قبل الأطراف تكون
هي المختصة للفصل في النزاع, ووجب آنذاك الإعتداد بالحكم الصادر عن المحكمين طالما
انه مستوفي
للشروط التي يقررها القانون.
ونظرا لما للتحكيم من دور كبير في فض النزاعات فقد منحت له
مجموعة من المساعدات إن صح التعبير لكي يقوم بدوره على أحسن وجه , ومن هذا المنطلق
أعطى المشرع للهيئة التحكيمية – الفصل 327.9 – قبل اتخاد أي قرار في الموضوع أن
تطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف ذات الإختصاص المكاني بالنظر الى
مكان التحكيم موافاتها بالمعلومات التي تراها مفيدة بالنظر إلى مقتضيات الفصل 308
من ق م.م، بحيث في هذه الحالة يجب على الوكيل العام للملك أن يوافيها بذلك داخل
اجل 15 يوما التالية لرفع الطلب إليه و إلا نظرت في الملف على حالته .
2/ الأثر السلبي لإتفاق التحكيم .
كما لإتفاق التحكيم اثر ايجابي –كما رأينا- فإنه له اثر سلبي كذلك , ولعل أبرز هذه الآثار
هو أنه يرجع الإختصاص لهيئة تحكيمية معينة وبالتالي إقصاءه للقضاء العادي .
فعند عرض النزاع على هيئة تحكيمية من طرف الأطراف فإن هذا الأمر
يعطيها قوة للنظر في هذا النزاع وفقا للقانون طبعا ويمنع معه الأطراف من اللجوء
إلى القضاء العادي , وعلى هذه الأخيرة متى عرض عليها نزاع يتضمن اتفاقا تحكيميا أن
تمتنع عن النظر فيه وتتخلى عنه بقوة القانون , ذلك أن الفصل 327 من ق م م يفرض على
المحكمة أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاذ مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق
التحكيم , وذلك عندما يكون هناك نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق التحكيم
بحيث إذا صرح المدعى عليه أمام المحكمة بوجود هذا الإتفاق فإنه وقبل الدخول في
البت في الجوهر فإن على المحكمة وبطلب من المدعى عليه أن تصرح بعدم القبول مالم
يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحا.
بل الأكثر من ذلك يضيف الفصل 327 بأنه عندما ترفع الدعوى أمام
المحكمة المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية من هذا الفصل يمكن بالرغم من
ذلك مباشرة مسطرة التحكيم أو متابعتها ويمكن إصدار حكم تحكيمي في انتظار أن تبت
المحكمة في ذلك.
ثانيا : نسبية آثار اتفاق التحكيم .
إعمالا للقواعد العامة في ق ل ع المغربي ينصرف آثار اتفاق التحكيم إلى أطرافه فقط، سواء
باشراه بأنفسهم أو بواسطة من ينوب عنهم ، وذلك بمقتضى الفصل 229 من ق ل ع الذي ينص
على " تنتج الإلتزامات اثرها لا بين المتعاقدين فحسب، ولكن أيضا بين ورتثهما
وخلفائهما مالم يكن العكس مصرح به أو ناتجا عن طبيعة الإلتزام...". أي أن
اتفاق اثار التحكيم مقصورة بالنسبة لأطرافه فلا يستفيد منه إلا هم ولا يضار منه
غيرهم ولا يملك غيرهم التمسك ببطلانه إلا وفقا للقواعد العامة وهو الأمر الذي
أكدته محكمة الإستئناف التجارية بفاس لما قضت " عدم موافقة المؤمن له صراحة
على شرط التحكيم يجعل الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم سلوكها غير مؤسس" ، ومن تم
فلا يستفيد ولا يضار من التحكيم إلا أطرافه غير أن هذه الإلتزامات تنتقل وتترتب
آثارها إلى الخلف العام لكن في حدود ما آل إلى الشخص من حقوق وبصدد اتفاق التحكيم ،
وبالتالي يكون اثر الإلتزام واقع على الخلف جميعهم وعند صدور الحكم يكون أثر
الإلتزام عليهم كل في حدود ما آل إليه وهو مانص عليه الفصل السابق " فالورثة
لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم " ، ويستثى من
انصراف اثر العقد للخلف العام وفقا لاتفاق
التحكيم إذا تضمن هذا الأخير أن اثارا من اثاره لاينتقل من السلف العاقد الى خلفه
أو كانت طبيعة العقد تقتضي عدم انتقاله قانونا أو ماديا .
وبالنسبة للخلف الخاص فإن الحقوق و الإلتزامات المرتبطة باتفاق
التحكيم لا تنتقل إلى هذا الخلف إلا في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كان من
مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه ، وإذا لم يكن يعلم
كان له الخيار [33].
الفقرة الثانية : انقضاء اتفاق
التحكيم.
كما لأي التزام من بداية فلابد له من نهاية تضع حدا له ، واتفاق
التحكيم بدوره ينقضي هو الآخر بحسب الحالات التي قررها القانون ، وسنقف في فقرتنا
هذه على أهم هذه الحالات .
أولا : انقضاء اتفاق التحكيم بإرادة الأطراف:
ينقضي اتفاق التحكيم بإرادة الأطراف على التنازل عنه ، فكما
للخصوم الحق في إبرام اتفاق التحكيم فلهم كذلك الحق في انهاءه ، لأن الإرادة هي أساس
ولبنة نظام التحكيم بوجه عام.
وقد أقر المشرع المغربي في الفصل 327.19 من ق م م على أن الهيئة
التحكيمية تنهي مسطرة التحكيم إذا اتفق الأطراف خلالها على حل النزاع وديا .
وهكذا ينتهي اتفاق التحكيم باتفاق الخصوم إما بصورة صريحة أو
ضمنيا ، ذلك أن الإتفاق الصريح - بمفهوم المخالفة للفصل 313 من ق م م - يرد في
صورة محرر مكتوب إما بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية
المختارة ، كما يمكن أن يرد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو
برقيات .....
وقد يكون انقضاء اتفاق التحكيم ضمنيا وذلك بتقدم أحد الأطراف
إلى القضاء ثم حضور الطرف الآخر للتقاضي أمام المحكمة فيعتبر اتفاق التحكيم آنذاك
ضمنيا كأن لم يكن[34].
ثانيا : صدور حكم من المحكم في النزاع موضوع اتفاق التحكيم
وحالة عزل المحكم.
إذا استجمع حكم المحكمين كل شروطه ومقوماته أصبح متمتعا بحجية
قانونية قاطعة[35]،
وهذه النتيجة الطبيعية تؤدي لإنقضاء اتفاق التحكيم وذلك عندما
يصدر حكم من المحكم أو المحكمين ، وهذا مازكاه المشرع في الفصل 327.28 من ق م م
بقوله على أن الحكم ينهي مهمة الهيئة التحكيمية بشأن النزاع الذي تم الفصل فيه.
كما أن مهمة المحكمين تنتهي في حالة إذا لم يحدد أجلا لإصدار
الحكم التحكيمي وهو الأمر الذي جاء في الفصل 327.20 من ق م م " إذا لم يحدد
اتفاق التحكيم للهيئة التحكيمية أجلا لإصدار الحكم التحكيمي فإن مهمة المحكمين
تنتهي بعد مضي ستة أشهر على اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته. ".
كما ينقضي كذلك اتفاق التحكيم بعزل المحكم وهذا ما أقره المشرع
المغربي في الفصل 324 من ق م م " تنتهي مهمة المحكم بمجرد إعلامه
بالأمر"
خاتمة :
وكخلاصة لموضوعنا هذا ، يمكن القول على أن اتفاق التحكيم يمكن
أن يلعب دورا أكبر مما هو عليه في حل النزاعات التي تنشأ بين الأطراف إذا ماهو
منحت له المزيد من الصلاحيات ووفرت له الأرضية المناسبة ، ذلك أن التحكيم بصفة
عامة أبان عن قدرته في فض النزاعات المعروضة عليه ويلعب دورا إيجابيا في الحد من
الضغط الذي يتعرض له القضاء العادي والدليل على هذا هو كون جل الشركات والمقاولات
الاجنبية التي تريد الإستثمار بالمغرب تفرض شرطا تحكيميا في العقد لكونها تثق أكثر
في هذه المؤسسة على حساب القضاء العادي.
لائحة المراجع
·
عبد الرزاق السنهوري،
الوسيط في شرح القانون المدني- مصادر الالتزام- المجلد الأول، منشورات الحلبي
الحقوقية، بيروت1998.
·
مأمون الكزبري ، نظرية
الالتزامات في قانون الالتزامات و العقود ، الجزء الاول ، مصادر الالتزامات ، طبعة
1968.
·
عبد الإلاه المحبوب،
التحكيم في عقود التشييد والاستغلال والتسليم، مطبعة الأمنية الرباط. طبعة 2015.
·
محمد بواط . التحكيم في
النزاعات الدولية. مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام, جامعة بن
بوعلي كلية العلوم القانونية و الادارية.
شلف. 2007/2008.
·
طارق الجبلي، مساطر التسوية
التوافقية في المنازعات التجارية- التحكيم التجاري نموذجا- بحث لنيل دبلوم الماستر
السنة الجامعية 2009 -2010.
·
نبيل اسماعيل عمر، "
التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية"، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية ، ط.2، 2005.
·
أحمد عبد الكريم سلامة،
" التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، المدنية والتجارية
والإدارية والجمركية والضريبية ـ دراسة مقارنة"، دار النهضة العربية،
القاهرة، ط.1، 2006.
·
ناريمان عبد القادر، "
اتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم: 27 لسنة
1994" ، دار النهضة العربية، القاهرة، ط. 1، 1996.
·
حمزة أحمد حداد، "
التحكيم في القوانين العربية"، ج.1، منشورات الحلبي الحقوقية، ط. 1، 2007 .
·
وائل أنور بندق، موسوعة
التحكيم: الاتفاقيات الدولية وقوانين الدول العربية"، دار الفكر الجامعي،
الإسكندرية، ط.2004.
·
محمود هاشم، النظرية العامة
للتحكيم في المواد المدنية والتجارية"، ج.1، اتفاق الحكيم، دار الفكر العربي،
ط.1990.
·
أحمد أبو الوفا، "
التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري"، دار المعارف، الإسكندرية، ط.5، 1988
.
·
راجع بحث لعنوان، صياغة و
تفسير اتفاق التحكيم في العقود الدولية للإنشاءات و القانون الواجب التطبيق في
الرابط التالي: lawwimlaw.blogspot.com
·
عبد الله الكرجي، مريم الشرادي
، التحكيم الداخلي ( دراسة مقارنة للقانون المغربي للتحكيم ) ، مجلة القصر عدد 27
شتنبر 2010 ، ص 72 .
·
عبد الباسط محمد عبد الواسع
الضراسي، النظام القانوني لاتفاق التحكيم ، مطبعة دار الفتح للتحديد الفني, الطبعة
الثانية 2008.
·
محمد طارق ، قراءة في القانون رقم 08.05 المتعلق
بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية ، مقال منشور في الموقع الالكتروني القانونية ، عدد
63 .
·
عبد الكريم الطالب، الشرح العملي ل
ق.م.م ،طبعة أبريل 2013،المطبعة والوراقة الوطنية.
الفهرس
المبحث الأول: الأحكام العامة لاتفاق التحكيم في قانون المسطرة
المدنية.
المطلب الأول: تعريف اتفاق التحكيم و صوره.
الفقرة الأولى: تعريف
اتفاق التحكيم.
الفقرة الثانية: صور اتفاق التحكيم.
المطلب الثاني : إنعقاد اتفاق التحكيم
الفقرة الاولى: الاركان العامة لاتفاق التحكيم
رابعاـ السـبب في اتفاق التحكيم:
الفقرة الثانية : الشروط الشكلية لاتفاق التحكيم
أولاـ الشكل الكتابي المتطلب قانونا:
المبحث الثاني : الأحكام الخاصة لاتفاق التحكيم
المطلب الأول : تفسير اتفاق التحكيم و قوته الإلزامية
الفقرة الاولى : تفسير اتفاق التحكيم
الفقرة الثانية : القوة الملزمة لاتفاق التحكيم
المطلب الثاني : آثار اتفاق التحكيم و انقضاءه.
الفقرة الأولى : آثار اتفاق التحكيم .
الفقرة الثانية : انقضاء اتفاق التحكيم .
[1] -
الفصل 306 من ق.م.م
[2]-
محمد بواط . التحكيم في النزاعات الدولية. مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون
العام, جامعة بن بوعلي كلية العلوم
القانونية و الادارية. شلف. 2007/2008 . ص 42.
[3] - الفقرة الأولى من المادة 7 من القانون النموذجي
للتحكيم لسنة 1985 .
-[4]- لقد عرف الفصل 2 من قانون التحكيم التونسي اتفاقية التحكيم بأنها
" التزام
أطراف على أن يفضوا بواسطة التحكيم كل أو بعض النزاعات القائمة أو التي قد تقوم
بينهم بشأن علاقة قانونية معينة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية وتكتسي الاتفاقية
صيغة الشرط التحكيمي أو صيغة الاتفاق على التحكيم.
- كما
عرفت المادة 7 من القانون البحريني لتحكيم التجاري رقم 9 لسنة 1994 اتفاق التحكيم
بأنه: «اتفاق الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة
التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير
تعاقدية.
[5] - الفقرة الثانية من المادة 7
للقانون النموذجي للتحكيم.
[6] - هناك بعض
التشريعات من تطلق على عقد تحكيم بمشارطة التحكيم كالتشريع المصري وهناك من يستعمل
وثيقة التحكيم نظام
غرفة التجارة الدولية
[7] - طارق الجبلي،
مساطر التسوية التوافقية في المنازعات التجارية- التحكيم التجاري نودجا- بحث لنيل
دبلوم الماستر السنة الجامعية
2009 -2010 ص 54
[8] - "يمكن
إبرم العقد المذكور ولو خلال دعوى جارية أمام المحكمة".
[9]- عبد
الإلاه المحبوب، التحكيم في عقود التشييد والإستغلال والتسليم، مطبعة الأمنية
الرباط ص 17
[10]-
طارق الجبلي، مرجع سابق ص 56
[11] -
الفصل 313 من ق م م.
[12]- د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون
المدني- مصادر الإلتزام- المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت1998. ص172
[13] ـ
نبيل اسماعيل عمر، " التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية
والدولية"، دار الجامعة الجديدة،
الإسكندرية ، ط.2، 2005، ص . 37.
[14] ـ د.
أحمد عبد الكريم سلامة، " التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية،
المدنية والتجارية والإدارية والجمركية والضريبية ـ دراسة مقارنة"، دار
النهضة العربية، القاهرة، ط.1، 2006، ص.216.
[15]ـ
ناريمان عبد القادر، " اتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم في المواد
المدنية والتجارية رقم: 27 لسنة 1994" ، دار النهضة العربية، القاهرة، ط. 1،
1996، ص.240.
[16] ـ
حمزة أحمد حداد، " التحكيم في القوانين العربية"، ج.1، منشورات الحلبي
الحقوقية، ط. 1، 2007 ، ص.147.
[17] ـ
أحمد عبد الكريم سلامة، " التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية،
المدنية والتجارية والإدارية والجمركية والضريبيةـ دراسة مقارنة"، مرجع سابق، ص.225.
[18]
ـ وائل أنور بندق، موسوعة التحكيم:
الاتفاقيات الدولية وقوانين الدول العربية"، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،
ط.2004، ص. 402.
[19] ـ
وائل أنور بندق، موسوعة التحكيم: الاتفاقيات الدولية وقوانين الدول العربية"،
المرجع السابق، ص. 235.
[20] ـ
محمود هاشم، النظرية العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية"، ج.1،
اتفاق الحكيم، دار الفكر العربي، ط.1990، ص. 106و ما يليها.
[21] ـ
أحمد أبو الوفا، " التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري"، دار المعارف،
الإسكندرية، ط.5، 1988،ص. 25 ومايليها.
[22] راجع بحث لعنوان، صياغة و تفسير اتفاق التحكيم
في العقود الدولية للانشاءات و القانون الواجب التطبيق في الرابط التالي lawwimlaw.blogspot.com
[23] عبد الله الكرجي، مريم الشرادي ، التحكيم
الداخلي ( دراسة مقارنة للقانون المغربي للتحكيم ) ، مجلة القصر،عدد 27 شتنبر 2010
، ص 72 .
[24] عبد الله الكرجي، مريم الشرادي، مرجع نفسه،ص 72.
[25] عبد الباسط محمد عبد الواسع الضراسي، النظام
القانوني لاتفاق التحكيم ، الطبعة الثانية 2008 ،مطبعة دار الفتح للتحديد الفني ،ص
237 .
[26] مامون الكزبري ، نظرية الالتزامات في قانون
الالتزامات و العقود ، الجزء الاول ، مصادر الالتزامات ، طبعة 1968 ، ص 237.
[27] قرار عدد 1489 / 2006 المؤرخ في 31/3/2006 ،
منشور في مجلة التحكيم ، العدد الثالث ، يوليوز 2009 ، توزيع منشورات الحلبي
الحقوقية ، ص 637 .
[28] عبد الباسط محمد عبد الواسع الضراسي، مرجع سابق
، ص 129 .
[29] عبد العزيز توفيق ، مرجع سابق، ص 741 .
[30] محمد طارق ، قراءة في القانون رقم 08.05 المتعلق
بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية ، مقال منشور في الموقع الالكتروني القانونية، عدد
63 .
[31] قرار 1204 بتاريخ 03/10/09 ملف تجاري 1448/3/ 02
اشار اليه عبد العزيز التوفيق ، مرجع سابق ، ص 733 .
[32] قرار 1489 /2006 المؤرخ في 31/3/2006 ، منشور في
مجلة التحكيم ، مرجع سابق ، ص 637 .