من اعداد : طلبة ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان الفوج الثاني.
مقدمة:
حظيت إشكالية النسب باهتمام كبير من لدن الفقه
الإسلامي.كما في القانون الوضعي. ويرجع ذلك بالأساس إلى خطورة الحقوق والالتزامات
المترتبة على ثبوته ونفيه. والحديث عن موضوع إشكالية النسب يدفعنا في البداية إلى
التساؤل: هل النسب إشكالية؟ ولماذا أصبح
النسب إشكالية؟
بالرجوع إلى كتب
الفقه الإسلامي نجد أن النسب كان ولا يزال من النعم التي امتن الله بها على
عباده.يقول تعالى :" وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك
قديرا"[1].
فالله تعالى تولى
بنفسه تنظيم أحكام النسب وحمايته من كل ما قد يؤدي به إلى الفساد والاضطراب.
وهكذا جعل له
سببا وحيدا لانتقاله وهو الاتصال الشرعي بالمراة. وأبطل كل الطرق غير الشرعية التي
كانت سائدة في الجاهلية.من تبني وإلحاق للأولاد عن طريق الفاحشة يقول عز وجل: ﴿وما
جعل ادعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل﴾[2].
كما حث على الزواج.وحرم الزنا.ومنع كل الطرق التي قد تؤدي
إليه.
وفي نفس السياق توعد الرسول(ص) الآباء الذين يجحدون نسب
أبناءهم بقوله:"أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة
وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين"[3]
كما حذر النساء اللواتي قد ينسبن لأزواجهن من ليسوا من
نطفهم. بقوله(ص) :"أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في
شيء ولن يدخلها جنته"
وكذلك شدد
النكير على الأبناء الذين ينتسبون إلى غير آبائهم.مع علمهم بذلك. يقول (ص)
:"من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم انه غير أبيه فالجنة حرام عليه ". لكن
ابتعاد الناس عن الروح السمحة للشريعة الإسلامية.جعل النسب ينقلب من نعمة إلى
نقمة. ولمصدر لكثير من الإشكاليات والنزاعات والتي غالبا ما تثار بعد انفصال
العلاقة الزوجية.بل وحتى قبل نشوءها
لذلك لا غرابة
اليوم ان نجد هذا الموضوع يشكل هاجسا لدى التشريعات الحديثة[4] التي حاولت استيعاب مجموعة من التحولات التي طرأت على
العلاقات الأسرية.
فانتشار ظاهرة التفكك الأسري.وتراجع دور القيم في ضبط
العلاقات الاجتماعية. وتناهي الأفكار التحررية الغربية...كلها عوامل أدت إلى وجود
واقع مرير يتجلى في الأعداد المتزايدة لأطفال الشوارع.والأمهات العازبات.بل ووجود
أباء شرعيين يحاولون التنكر لنسب أبناءهم بغية التملص من واجبا تهم.
وتزامنت هذه
الوضعية مع التطور الملحوظ الذي شهدته العلوم الحديثة والتي أفرزت وسائل جديدة لإثبات
النسب أو لنفيه. وهو ما يطرح إشكال موقف
الاجتهاد الفقهي من هذه الاكتشافات.وهل يمكن اعتمادها كوسائل لضبط أمور النسب .
لذا سنحاول في عرضنا هذا
ابراز أهم الإشكالات المرتبطة
بإثبات النسب ونفيه وذلك من خلال التصميم التالي:
المبحث
الأول : وسائل إثبات النسب
المبحث
الثاني: وسائل نفي النسب
المبحث
الأول : وسائل إثبات النسب
نظرا لكون النسب من النظام العام, فان المشرع أحاطه ونظمه
بمجموعة من القواعد والضمانات لحق الطفل فيه من جهة ، ولحماية الأسرة وإستقرارها
من جهة تانية , فالقواعد المنظمة لتبوث النسب سبق وأن أقرتها الشريعة الإسلامية
وزكاها المشرع في مدونة الأسرة , ويتعلق الأمر بكل من الفراش والشبهة (المطلب
الأول) وكذا الإقرار والبينة الشرعية (المطلب الثاني)
المطلب
الأول: إثبات النسب بالفراش والشبهة
يعتبر الفراش والشبهة من بين أبرز أسباب لحوق النسب وذلك
بحسب المادة 152 من مدونة الأسرة . بحيث
بعتبران من الألفاظ العامة التي تهم الزواج سواء كان هذا الأخير صحيحا أو فاسدا.
وفي مطلبنا هذا سنقوم بتبيين وسيلة إثبات النسب بالفراش
(الفقرة الأولى) ثم بواسطة الشبهة (الفقرة الثانية)
الفقرة
الأولى: إثبات النسب بالفراش
قصد الحديث عن الفراش كوسيلة إثبات يجدر بنا الوقوف على
تعريف له ثم بعد ذلك تبيان شروطه كحجة قاطعة على ثبوت النسب
أولا : تعريف الفراش
الفراش في اللغة هو مايبسط عادة للنوم أو الجلوس عليه ,
ويطلق هذا اللفظ أحيانا على المرأة التي
يستمتع بها زوجها , أنطلاقا من قوله تعالى " وفرش مرفوعة,إنا أنشأناهن إنشاء
فجعلناهن أبكارا عربا أثرابا لأصحاب اليمين[5] .
ذلك أنه قد كنى الله تعالى بالفرش-والمفرد الفراش- عن
النساء و هن الحور العين [6] .
أما من الناحية الاصطلاحية فيراد بالفراش الزوجية القائمة
بين الرجل و المرأة ،أو كون المرأة معدة للأنجاب من رجل معين[7] ،و هو لا يكون الا بالزواج الصحيح او ما الحق به
،كالزواج الباطل او الفاسد و الاتصال عن طريق الشبهة بخصوص ثبوت النسب .
أما السند الشرعي لثبوت النسب بالفراش فيرجع الى ما رواه
البخاري و مسلم[8] لابن شهاب الزهري ،عن عروة ان السيدة عائشة أم المؤمنين
قالت " إختصم سعد بن أبي وقاص و عبد بن زمعة في غلام ،فقال سعد هذا يا رسول
الله إبن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه إبنه ،أنضر إلى شبهه .فرأى شبها بينه
وبين عتبة , فقال: هو لك يا عبد ،الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، واحتجبي منه
ياسودة بن زمعة ...قالت فلم يرى سودة قط".
فحديت رسولنا الحبيب عبارة عن قضاء نبوي وهو يعتبر أصلا
في ثبوت النسب بواسطة الفراش , بحيث أجمع فقهاء الإسلام في كل العصور على هذه
القاعدة ، وقد جاء المشرع ليزكيها من خلال تقنينها في المواد من 152 إلى 154 من
مدونة الأسرة[9].
ثانيا: إثبات النسب بالفراش
لإثبات النسب بالفراش وجب توفر مجموعة من الشروط تختزل في
3 شروط أساسية وهي:
1-وجود عقد زواج صحيح (كقاعدة):
نكون أمام عقد زواج صحيح عندما يكون هذا الأخير مستجمعا
لجميع أركانه وشروط صحته ّ، وبالتالي يرتب كل آثاره الشرعية ، ومنها بالخصوص ثبوت
نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لفائدة هذا الفراش وهذه هي القاعدة وإن
كانت ترد بشأنها إستثناءات بخصوص عقد الزواج الباطل والفاسد والتي سنتتطرق لها
لاحقا
فالقاعدة إدا تفترض وجود عقد زواج صحيح كما أشرنا لذلك
وهي قاعدة مسلم بها بحيث عملت مدونة الأسرة تبنيها من خلال إقرارها في عدة نصوص
قانونية ، منها المواد 50 و51 و 52 ،
ونظرا للغاية السامية والنبيلة التي توخاها المشرع من خلال تقرير قاعدة
"الولد للفراش" والمتمثلة في حفظ الأنساب من الإختلاط ومن الإنكار ما
أمكن فإن القضاء يتشدد عادة وهو بصدد إعمالها بكيفية يتضح معها أحيانا أنه متعسف
في حق الزوج وظالم له [10].
وكما قلنا فإن لكل قاعدة إستثناء فإن الإستثناء الوارد
هنا على هذه القاعدة التي تقول أن الزوجية الصحيحة فراش يثبت بها النسب يكمن في
كون النسب يثبت في الزواج الغير الصحيح عند تحقق شروطه وذلك بصفة إستثنائية ، زإن
كان الإستثناء لا يقاس علسه ولا يتةسع في شرحه، فإن المشرع أورده هنا حماية
للأولاد في النسب بالدرجة الأولى وللأسرة بالدرجة الثانية ، محققا بذلك غاية الشرع
الإسلامي القائل " بأن النسب يثبت بالظن ونفيخ لا يثبت إلا باليقين ".
ففيما يتعلق بالزواج الغير الصحيح فيكون إما فاسدا أو
باطلا ، وفي كلا الحالتين يثبت بهما النسب, فبخصوص الزواج الباطل فهو الذي يبطل
حسب منطوق المادة 57 عندما يختل به أحد الأركان النصوص عليها في المادة 10 أو إذا
وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد من 35 إلى 39 إظافة إلى
إنعدام تطابق الإيجاب والقبول .
فلو أسلمنا بالقاعدة العامة العامة القائلة بإنعدام كل
أثر للعقد الباطل وطبقناها على عقد الزواج الباطل لوجب تجريده من كل الآثار وكان
المآل تطبيق عقوبة الزنى على دخول الرجل بالمرأة , ولكن المشرع رعاية منه للأسرة
رتب على عقد الزواج الباطل بعض آثار الزواج الصحيح ، فهكذا اعتبر المشرع الزواج المجمع على بطلانه كالمحرمة بالمصاهرة
تعين الاستبراء وثبوت النسب إن كان حسن القصد[11] ، وهو الأمر الذي زكته المادة 58 من مدونة الأسرة .
أما فيما يخص الزواج الفاسد فإنه يتحقق متى اختل فيه شرط
من شروط صحته ، وذلك طبقا للمادتين 60 و
61 من مدونة الأسرة ، بحيث من خلالهما ينقسم الزواج الفاسد إلى زواج فاسد لصداقه
وزواج فاسد لعقده ؛ ففيما يخص الأول فهو الذي يختل فيه مبدئيا شرط الصداق ، بحيث
يفسخ العقد إدا اطلع عليه قبل الدخول ولا صداق فيه للزوجة مادام لم يستمتع بها
بعد، أما اذا لم يطلع عليه إلا بعد الدخول فلا يفسخ ويكون للزوجة صداق المثل وفي
هذا الباب يقول ابن عاصم في تحفته:
وما فساده من الصداق فهو بمهر المثل باق
أما الثاني أي الزواج الفاسد لعقده فهو الذي يتحقق في
الحالات المحددة بمقتضى المادة 61 وهي:
"_ إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين إلا
أن يشفى المريض بعد الزواج؛
_إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبتوتة لمن طلقها ثلاثا ؛
_إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه ؛
يعتد بالطلاق أو التطليق في الحالات المذكورة، قبل صدور
الحكم بالفسخ."
ومن هنا يتضح أن المشرع لم يتطرق لمسألة ثبوت النسب في
الزواج الفاسد لعقده بكيفية صريحة ، بل نص في المادة 64 وبصيغة العموم على مايلي :
"الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60 و 61 لا ينتج
أي أثر قبل البناء وتترتب عنه بعد البناء اثار العقد الصحيح إلا أن يصدر الحكم
بفسخه "
فانطلاقا من هذه المادة يتبين لنا أيضا أن الزواج الفاسد
لعقده يرتب اثار الزواج الصحيح وذلك متى تم البناء بالزوجة وعليه يمكن القول بأن
النسب يثبت به دون نية لاعتبار الزوج سواء أكان هذا الأخير حسن النية أو سيء النية
، وهذا هو الموقف السائد في الفقه المالكي[12].
2_ انصرام مدة الحمل:
إن المدة القانونية المنصوص عليها في مدونة الأسرة تتأرجح
بين حد أقصى محدد في سنة من تاريخ الفراق ، وبين
حد أدنى محدد في ستة أشهر من تاريخ العقد وذلك طبقا للمادة 154 من مدونة
الأسرة .
فالمدة الأولى حصل فيها تضارب كبير في مواقف الفقه
الإسلامي بشأنها ، فإن كان المشرع حددها في سنة من تاريخ الفراق فإنها خالفت رأي
الجمهور الذي حددها في 4 سنوات ، وقد استندو على مارواه الدرقطاني عن مالك أنه قال " هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها
رجل صدق ، حملت ثلاثة أبطن في أربع سنين" [13].
وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى ما يلي " ..أنه في حالة التنازع بين فراشين يبقى النسب
لاحقا بالزوج الأول مادام أنه لم تمر سنة كاملة على طلاقه ومرور ستة أشهر على دخول
الثاني".
هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن المشرع المغربي لم يبين
المقصود بأقصى مدة الحمل (السنة القمرية أو السنة الشمسية) خاصة وأن الفرق بين
السنتين إحدى عشر يوما ، علما أن التقويم
المعتبر عند الفقهاء لإحتساب مدة الحمل هو التقويم القمري لا التقويم الشمسي، غير
أن هذا الأخير هو من ينسجم مع توجه المشرع المغربي في العدبد من مسائل مدونة
الأسرة(كسن أهلية الزواج و سن الرشد القانوني وسن التمييز ) كما ان بعض النصوص
التشريعية الأخرى[14] أخدت بالتقويم الشمسي[15] .
أما فيما يخص أقل مدة الحمل فهي باتفاق الفقهاء تتمثل في
ستة أشهر مصداقا لقوله تعالى " وحمله وفصاله تلاثون شهرا " [16]، وقوله تعالى " وفصاله في عامين [17]".
فقد دلت الآية الأولى عن الحمل والفصال معا ، أما الثانية
فتعني مدة الفصال أربعة وعشرون شهرا نطرحها من تلاثين شهرا تبقى مدة الحمل ستة
أشهر ، فقد روي أن رجلا تزوج امرأة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فولدت في
ستة أشهر فهم عثمان يرجمها لاعتقاده بأنها زنت وأنجبت من زنى ، فعارضه ابن عباس
فقال " أما لو خاصمتكم بكتاب الله ، وذكر الآيتين ودرأ الخليفة عثمان الحد عن
الزوجة وأثبت الولد وأشتهر ذلك بين العامة فصار إجماعا"[18].
وفي هذا السياق ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته "
على أن من أقر بنسب البنت لايمكنه فيما بعد أن ينفي ذلك النسب بالإعتماد على أن
الوضع كان أقل من مدة الحمل المعتبرة شرعا [19]".
3 _ اتصال الزوج بالزوجة:
بالإضافة إلى الشروط السابقة أضافت المادة 154 شرطا اخر
لا يقل أهمية يضاف إلى شرطي الزوجية والمدة وهو ما أشارت إليه ب:"... وأمكن
الاتصال ...". بالاضافة إلى إمكانية إنجابها منه
وفيمايلي سنتوقف عند هذا الشرط المزدوج كل على حدى :
ففيما يتعلق بالشرط الأول وهو المتعلق بإمكانية الإتصال
فالمذاهب السنية انقسمت إلى قسمين ؛ فالمالكية والشافعية والحنابلة أجمعوا على عقد
الزواج يجعل المرأة فراشا للزوجية من خلاله يمكن للزوج الاتصال بها جنسيا ،
وبالتالي فهو السبب الحقيقي للحمل عندهم ، في حين خالف الاحناف موقف الجمهور عندما
قررو ا أن مجرد العقد يجعل المرأة فراشا لزوجها لانه مضنة للاتصال ، معتبرين أن
الاتصال من الامور التي يمكن الإطلاع عليها عادة وذلك بخلاف العقد ، وبالعودة إلى
المشرع المغربي نجده ساير جمهور الفقهاء وذلك من خلال المادة 154 من مدونة الأسرة [20]، غير أن القضاء لم يساير المشرع وهو ما يظهر في عدة
قرارات له ومن ضمنها القرار الصادر عن المجلس الأعلى والذي جاء فيه " إن
محكمة القرار لما عللت قضاءها بأن الوضع المتفق على حصوله في غشت 1990 قد جاء بعد
عقد الزواج المؤرخ في 21 دجنبر 1989 ، أي بعد مرور اكثر من ستة أشهر ، أي داخل
الأمد الذي يترتب عن الوضع خلاله ثبوت نسب المولود إلى الزوج طبقا للفصول
76-84-85-89 من المدونة ، وبذلك يكون الإتصال قد حصل ولا حاجة لإثباته ....[21]"
ويستتبع إمكانية اتصال الزوج بزوجته أن يكون هذا الزواج
ممن يأتي منه وهذا الشرط الثاني هو شرط أضافه الفقه المالكي بحيث يجب أن يكون
الرجل قادرا على الوطء ويتصور الحمل منه ، وذلك بأن يكون بالغا أو على الأقل
مراهقا ، وألا يكون مجبوبا أو مخصيا لكون هذين العيبين لا يستطيع معهما الإنحاب .
وإن كانت هذه الحالة نادرة الوقوع في زماننا هذا وذلك
لإعتبارين أساسيين إستندنا عليهما ، فبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجدها رفعت سن
الرشد القانوني إلى 18 سنة شمسية كاملة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه في ظل
الطفرة العلمية البيولوجية التي عرفها العالم أصبح بالإمكان معها تحقق عملية
الإنجاب .
لكن الإشكال الذي يطرح هنا يكمن في حالة عقم الزوج ووجود
أبناء ينسبون لفراش الزوجية ، بحيث يصعب
تحديد تاريخ هذا العقم ، هل كان موجودا قبل إبرام العقد أو بعده أم بعد الانجاب
،بل أكثر من ذلك فلو أخدنا بالطرح الذي يأكد فيه الفقه أن الزوج لا يمكنه الانجاب
مطلقا يبقى غير مسلم به قطعا و سندنا في ذلك قوله سبحانه وتعالى في أحكم كتابه
" لله ملك السموات و الارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناث و يهب لمن يشاء
الذكور او يزوجهم ذكرانا و إناثا و يجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير "[22] .
ولعل هدا ما دفع القضاء المغربي في أكثر من مناسبة على
إستبعاد الخبرة الطبية متى توفرت شروط الفراش التي سبق ان تطرقنا إليها .
وخلاصة القول فمتى توفرت شروط الفراش يصبح معها هدا
الاخير حجتا قانونية قاطعة على ثبوت نسب الابناء المزدادين عنهم ، و بالتالي لا
تقبل الطعن من طرف الزوج و ذلك إما بواسطة اللعان أو بلجوئه إلى الخبرة الطبية وفق
شروط ستكون موضوع مبحثنا الثاني .
الفقرة الثانية : إثبات النسب بالشبهة
لقد عرف
الفقهاء الشبهة على أنها ما يشبه الثابت وليس بثابت أو اسم من الاشتباه وهي مابين
الحلال والحرام والخطأ والصواب.
ويمكن القول على أن أساس لحوق النسب في الشبهة يكمن في أن
الفقهاء اعتبروها كل معاشرة جنسية بين رجل وامرأة ليست زواجا شرعيا صحيحا.وليست
زنى حتى توجب الحد.لذا فهي مظنة يثبت بها النسب[23].
وقد نصت المادة 152 من مدونة الأسرة صراحة على أن الشبهة
من بين أسباب لحوق النسب وستتولى المادتان155و156 من المدونة تحديد حالات لحوق
النسب للشبهة وهو ما سنتناوله في المطلب الأول.وسنخصص المطلب الثاني للحديث عن
حالة لحوق النسب للخطبة والتي تعد من بين
أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة.
أ-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها
عند الاقتضاء.
ب-إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ج-إذا اقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن.
إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه أمكن اللجوء إلى
جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب".
ويبدو أن المشرع المغربي من خلال هذه المقتضيات لم يكن
يقصد حماية الطرفين الخاطب والمخطوبة وإنما كان يهدف بالأساس حماية الطرف المتضرر
دائما وهو الطفل حيث تم إقرار حقه الطبيعي والشرعي في ثبوت نسبه لأبيه ولذلك تم
تعليق سماع هذه الدعوى على ظهور حمل المخطوبة.
-الإشكاليات
العملية المرتبطة بإثبات النسب في فترة الخطوبة.
إن الطريقة التي
تمت بها صياغة المادة156 تطرح إشكاليات حقيقية سيعاني منها القضاء عند تصديه
لمعالجة الحالات الخاطبة بمقتضى المادة المذكورة. وسنشير بعضا من هذه الإشكاليات:
هناك حشو غير مبرر في المادة 156 وذلك بإقحام جملة من المصطلحات القانونية بدون داع، مما جعل الصياغة
تتصف بنوع من الركاكة الغوية.فما معنى الحديث عن الإيجاب والقبول.والى أي ماذا
سينصرف هذا الإيجاب والقبول؟
وما محل الظروف القاهرة من الإعراب؟ وما الذي يجعل المشرع
يضع شرطا لتحقق
أولا : الاتصال بشبهة
يقصد بالاتصال
بشبهة كل اتصال غير شرعي بين رجل وامرأة مع اعتقاد الرجل شرعية الاتصال.وبالتالي
فهو صورة غير مشروعة للعلاقة الجنسية تلتبس بصورتها المشروعة. ولقد ذهب جمهور
العلماء إلى أن الوطء بشبهة ينقسم إلى عدة أنواع ومنها شبهة الفعل وشبهة المحل وشبهة
العقد.
*شبهة الفعل: هي أن يظن الرجل أن له الحق في وطء المرأة
ومن أمثلتها: وطء المعتدة من طلاق ثلاث أو من وطء امرأة على فراش ظنها زوجته.
*شبهة الملك: والمقصود بها أن يظن الفاعل أن المرأة التي
يطؤها تحل له بدليل خاص ويسمى أيضا هذا النزع بشبهة الملك أو الحكم ومن أمثلتها:
وطء المعتدة بالطلاق البائن بالكنايات لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في كونها
رجعية أو بائنة.
*شبهة العقد: وتقوم هذه الشبهة على وجود صورة العقد لا
حقيقته.فتثبت الشبهة بالعقد وان كان العقد مجمعا على فساده كنكاح إحدى المحرمات
بالنسب أو المصاهرة أو بالرضاع.
وبالنسبة لمدونة الأسرة فقد استخدمت عبارة "الاتصال
بشبهة".
في المادة 155 بدلا من كلمة "الوطء بشبهة"،
ولعل هذا يدخل في إطار اللمسة الحداثية التي أضفاها المشرع على المدونة الجديدة
وذلك بتبني صياغة حديثة للألفاظ والمفاهيم بدلا من تلك التي تمس بكرامة وإنسانية
المرأة. حيث نصت المادة السالفة الذكر على انه إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت
المرأة مابين اقل مدة الحمل وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل وبالتالي فان الشرط
الأساسي الذي وضعه المشرع لإمكانية لحوق النسب للشبهة هو كون الولادة تمت بعد مضي
ستة اشهر من الاتصال أو داخل سنة منه وقد أباحت مدونة الأسرة في الفقرة الثانية من
الفصل المذكور اللجوء إلى جميع الوسائل المقررة شرعا لإثبات البنوة ومنها
الاستعانة بالخبرات والتحاليل العملية المعتمدة عليها.
ومن بين الملاحظات التي يمكن إثارتها في هذا الصدد أن
المشرع اكتفى بذكر الاتصال بشبهة دون تحديد نوع الشبهة المقصودة ولعل في ذلك إقرار
ضمني للتوجه الذي ذهب إليه المجلس الأعلى في احد قراراته إلى أن الشبهة التي يثبت
بها النسب هي إما شبهة الملك وإما شبهة العقد أو شبهة الفعل[24].
ثانيا : شبهة الخطوبة
أضافت مدونة الأسرة صورة جديدة للشبهة من خلال المادة 156
والتي تعتبر من أهم المستجدات التي جاءت بها المدونة حيث نصت على أن "الحمل
الذي يظهر بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة".
فما هو السند الشرعي الذي استند عليه واضعوا المدونة
لتقرير مثل هذه المقتضيات؟ وما هي الشروط التي ينبغي توفرها لإعمال المادة156؟
وكيف تعامل الفقه والقضاء مع هذا النص الجديد؟
1 : السند الشرعي للمادة 156
إن المادة 156
تعتبر إعادة تقنين لفتوى سبق للمرحوم العلامة محمد جواد الصقلي الحسيني أن أفتى
بها خلال أوائل الثمانينات من القرن المنصرم. ومفاد هذه الفتوى أنه: "إذا تم
الإيجاب والقبول من كل من الخاطب والمخطوبة وثبتت الخلوة بينهما. وفشا ذلك عند
الأقارب والجيران ولم ينكر الخطيب النسب عنه باللعان فإن النسب يلحق بالخطيب"[25].
وقد برر رئيس
المجلس العلمي بفاس المرحوم الصقلي الحسيني فتواه هاته المثيرة للجدل.بان رضائية
العقد تحققت بالإيجاب والقبول خاصة عند تعدد الخلوات بين الخطبين كما هو شائع في
وقتنا الحالي ولأن الجانب الشكلي في العقد وهو الاشهاد يؤخر بعد الخطوبة أحيانا
إلى حين إعداد بيت الزوجية كما أن علة هذه الفتوى تنبني على كون عقد الزواج يتحقق
بالشهرة[26].
وهكذا يبدو أن هذه الفتوى صدرت لمواجهة ظاهرة جديدة طرأت
على مجتمعنا المعاصر، كما أنها تستمد أصولها من كون النسب يدور على الإمكان. فضلا
عن مبدأ تشوف الشرع للحوق الأنساب، وأنه يكتفي أحيانا بمجرد الشبهة.
وقد تبنى مشروع
تعديل مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1981 هذا الرأي من خلال المادة191 من المشروع
التي جاء فيها "إذا ثبت أن الخطيب يخلو بالخطيبة خلوة كاملة وقبل الاشهاد
وظهر بها حمل. فيلحق الحمل بالخطيب ما لم يثبت ما ينافي ذلك"[27].
لكن هذه
الفتوى عرفت معارضة شديدة لأنها تنزل الخطبة منزلة الزواج.وهو ما جعل تعديل1993 لا
يتضمن الإشارة لهذه المقتضيات.
2 :
موقف المجلس الأعلى من حمل الخطيبة قبل صدور مدونة الأسرة
حاولت بعض المحاكم المغربية تطبيق هذه الفتوى قبل صدور
مدونة الأسرة استجابة لمعطيات واقعية ومن اجل حماية حق الطفل في النسب. لكن رد
المجلس الأعلى كان حاسما حيث منع لحوق النسب في هذه الحالة.
وهكذا قرر نقض الحكم الاستئنافي الذي تبنى النظرية
الفقهية المذكورة وقرر انه:"حقا ما نعته الوسيلة ذلك أن المدعية صرحت في
مقالها بأنها وضعت حملها بتاريخ 04-07-80 حسب الشهادة الطبية... بأربعة اشهر بعد
العقد... وأدلت بلفيف... شهد شهودها بأنها كانت تعاشر الطاعن معاشرة الأزواج قبل
عقد النكاح. وأنها وقت العقد عليها كانت حاملا.وقد اعتمد القرار في حكمه على لحوق
الولد بالطاعن على نظرية للفقه من جواز اعتبار الحمل الذي يظهر بالخطيبة قبل
الاشهاد بالزوجية أو وضع الحمل دون ستة اشهر.يكون لاحقا شرعا بالخطيب إذا أمكن
الاتصال ...وحيث أن ما ذهب إليه القرار هو مخالف لأصول الفقه المعمول به. وللحديث
الشريف "الولد للفراش"... وحيث أن وضع الحمل من المطلوبة كان بعد العقد
عليها بأربعة اشهر. وأكد ذلك شهود لفيفها المذكور الذين صرحوا بأنها كانت حاملا
حين العقد عليها رغم أن شهادتهم مطعون فيها إذ كيف عرفوا أنها كانت حاملا حين
العقد والحمل لا يطلع عليه إلا النساء أو الأطباء بحكم المهنة وحيث أن الحكم
يتجاوزه نص الفصلين المذكورين ولا اجتهاد مع نص. الأمر الذي يجعل القرار المطعون
فيه قد ارتكز على غير أساس صحيح وعرض للنقض"[28].
وفي قرار أخر
يتعلق بالنقض في حكم قضى بفسخ زواج لأنه تم والطاعنة حامل من سبعة اشهر-لم يعتد
المجلس الأعلى بما دفعت به الطاعنة من كون المدعى عليه بالنسب كان خطيبها وقد بعث
إليها بعدة رسائل يعترف فيها بنسب الولد إليه.وأنها أدلت بلفيفية شهد شهودها بأنه
كان قد خطبها خطبة عرفية واستمر يعاشرها كما أنها أدلت بصورة لامه وأخته وهما
يحملان الولد.
لقد أكد المجلس
الأعلى-قبل صدور مدونة الأسرة-موقفه الثابت بخصوص قطع نسب المولود قبل
الزواج.والذي يعتبره ولد زنا لا يصح الإقرار ببنوته ولا استلحافه لأن الشرع قطع
نسبه.وهو ما أكدته كذلك محكمة الإستئناف بالرباط في قرار شهير جاء فيه" أن
العلاقات خارج إطار الزواج.لا يترتب عليها شيء.وهي محض زنا"[29]
3 : موقف الفقه المغربي من حمل الخطيبة.
اختلفت أراء
الفقه المغربي حول مسالة الحمل الذي يظهر بالمخطوبة. ويبدو أن الأستاذ احمد
الخمليشي كان يميل إلى الأخذ بهذه الفتوى حيث يقول:"ولعل اقرب حل مقبول هو
انه في حالة الحمل.وإبرام عقد الزواج فعلا أمام العدلين يلحق الولد بالزوج وإن تم
وضعه في أقل من ستة اشهر من إشهاد العدلين.لأن توثيق العقد واعتراف الأب يؤكدان
وجود الإيجاب والقبول قبل الاتصال الناتج عنه الحمل.وهما كافيان لثبوت النسب"[30].
ويرى الأستاذ
الخمليشي ان هذا الحل مبرر لكون الفقه يقبل إقرار الأب بالنسب دون تكليف بإثبات
علاقة الزواج.ولان إتمام عقد الزواج يؤكد حسن نية الطرفين ووجود الإيجاب والقبول
من الخطبين عند نشوء الحمل.وان تأخر الاشهاد بالعقد.
وقد تبنى
الأستاذ أحمد باكو نفس الموقف بل نجده يدعو إلى توسيع هذه الفتوى لتشمل حالة
المرأة التي تحمل نتيجة وعد كاذب بالزواج من قبل الشخص الذي قام بالتغرير بها[31].
أما أستاذنا محمد الكشبور فيرى أن "هذا الموقف وان
كان ينسجم في عمومه مع مبدأ تشوف المشرع للحوق الأنساب فانه يبقى محل نظر من
الوجهة الشرعية فبالإضافة إلى انه لا يدخل في الاعتبار باقي شروط الزواج الأخرى من
ولاية وصداق وإشهاد فهو يخرق قاعدة الولد للفراش. ثم انه ينزل الخطبة منزلة
الزواج. والقاعدة شرعا وقانونا أن الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج"[32].
4
:موقف مدونة الأسرة من مسالة حمل الخطيبة
سمحت مدونة
الأسرة وبشكل صريح.بإلحاق النسب بالأطفال المولودين في فترة الخطوبة.لكنها وضعت
عدة شروط قد يؤدي إعمالها على المستوى القضائي إلى خلق العديد من الإشكاليات
العملية.
أ -شروط إثبات النسب للخاطب في فترة الخطوبة
نصت المادة 156 من مدونة الأسرة على انه:" إذا تمت
الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل
بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توفرت الشروط التالية:
حكم قانوني معي ن وهو يعلم علم اليقين باستحالة
وجوده؟ وما المقصود بالشبهة المذكورة في
المادة 156.وهل نحن أمام شبهة شرعية تندرج تحت احد الأنواع التي ذكرناها أنفا.أم
نحن أمام شبهة واقعية/قانونية من نوع جديد؟
وكيف يمكن قراءة المادة المذكورة إذا قمنا بحذف مفاهيم
الإيجاب والقبول والظروف القاهرة؟
تلك جملة من
التساؤلات التي تطرحها المادة 156 من المدونة.فقط على صعيد الصياغة القانونية. أما
من الناحية الجوهرية وعند تطبيق المادة المذكورة من طرف القضاء. فقد ثارت جملة من
الصعوبات والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
-هل المقصود بالإيجاب والقبول انصرافه إلى الخطبة أم إلى
الزواج؟ فهناك من يرى أن بان الأمر يتعلق بزواج تمت أركانه وشروطه ماعدا التوثيق
أو الاشهاد العدلي عليه. في حين يرى البعض بأنه يكفي أن تنصرف نية الخطبين إلى
أنهما بصدد خطبة ممهدة للزواج ليتحقق توفر عنصر الإيجاب والقبول[33].
وهناك أيضا إشكالية الظروف القاهرة وهل سيتعامل معها
القضاء بمعيار شخصي أم موضوعي؟ بمعنى هل سننظر إلى الظروف القاهرة على أنها تلك
العوامل الطارئة القاهرة الخارجة عن إرادة المتعاقدين والتي منعت من إبرام العقد
كالزلازل والأعاصير وما في حكمها؟
أم يكفي اعتبار تقدير المتعاقدين لجملة من الظروف
والعوارض الشخصية كالمرض والسفر والحاجة لكي يتحقق مفهوم الظروف القاهرة بمنظور
المادة156.
وهل حاول المشرع إرضاء جهة معينة لكي يضمن إخراج مشروع
إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى حيز الوجود. رغم علمه المسبق بكون القضاء سيغض
الطرف في تطبيقه للمادة المذكورة عن إعمال الظروف القاهرة تحقيقا لمقاصد المشرع
وغاياته المستهدفة من الإصلاح المنشود؟
وما هو المقصود بموافقة ولي الزوجة عند الاقتضاء؟ وما
العمل إذا تبين أن أب الخطيبة لم يوافق قط على الخطبة؟
ولماذا هذا الخلط الفاضح الذي سقط فيه المشرع إذ نجده
يتحدث تارة عن المرأة في نفس المادة باعتبارها خطيبته.وتارة أخرى باعتبارها زوجته؟
ألا يعد هذا دليلا على الارتباك الذي وقع فيه واضعوا المدونة بالنظر إلى الخلفيات
الفكرية والمرجعيات الإيديولوجية التي يمثلونها؟
وهل سيتم إعمال المقتضيات الشرعية المتعلقة بأقل مدة
الحمل وبأقصاها للتأكد من كون الحمل حدث أثناء فترة الخطبة؟
وما محل الاجتهادات السابقة للمجلس الأعلى والتي كانت
تعتبر أن كل اتصال جنسي بين الخطبين يعد ضربا من ضروب الزنا. وكل حمل تخلف عن ذلك
الاتصال فهو حمل غير شرعي؟
وكيف سيتعامل القضاء مع الحالات المندرجة تحت المادة 156.
وإذا تحققت جميع الشروط المتطلبة لإلحاق الحمل بالخاطب. ثم تبين للمحكمة أن
الخطبين تمت إدانتهما بحكم سابق من اجل الفساد؟ وهل نحن أمام شرعية غير مباشرة
للعلاقة الجنسية أثناء فترة الخطوبة وبالتالي إضفاء صبغة المشروعية القانونية
عليها؟
إن الإجابة على كل هذه الإشكاليات تقتضي في المقام الأول
إفساح المجال لإعمال النص القانوني على ارض الواقع.وذلك لا يتأتى إلا بمرور وقت
كاف من الزمن يسمح للقضاء بتحقيق التراكم الذي يفرز اجتهادا قضائيا يمكن معه تقييم
المادة156 من الناحية العملية.وماهية السلبيات والايجابيات التي حملها التطليق
الفعلي للمادة المذكورة.ونوعية التأثير والتفاعل الذي أصاب العلاقات الاجتماعية
والأسرية كنتيجة حتمية للمادة السالفة الذكر.
وبالإطلاع على بعض الأحكام القضائية الصادرة في إطار
المادة 156 يتبين لنا أن هناك نوع من التضارب بين المحاكم.حيث يلاحظ تشدد بخصوص
تطبيق هذه المادة.في أنحاء معينة من المغرب. بينما يلاحظ تساهل في مناطق أخرى.
ففي حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بتطوان تحت عدد965
بتاريخ: 25-07-2005 في الملف رقم 751/05/13 قضى بثبوت نسب المدعية..للمدعى عليه
وبنى حيثياته على أساس أن المدعية أثبتت وقوع الخطبة بينها وبين المدعى عليه
بمقتضى شهادة الشاهدين اللذين أكد اشتهار الخطبة بين أفراد الأسرتين وكذا بين
اصدقائهما. وكذا إقرار المدعى عليه بأنه تقدم لخطبة المدعية من ولي أمرها.وانه
تعذر إبرام عقد الزواج بحكم انه مرتبط بزوجة أخرى بعقد زواج.
المطلب الثاني: الإقرار و البينة
بالإضافة إلى شرط الفراش، يعتبر الإقرار والبينة شرطان
أساسيان لإثبات النسب وقد نظمتهما مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وكذا مدونة
الأسرة وأكد عليهما القضاء وسنتوقف عند الإقرار (الفقرة
الأولى ) والبينة (الفقرة
الثانية).
الفقرة الأولى: إثبات النسب بالإقرار
يعتبر الإقرار الوسيلة الثانية لثبوت النسب، ويسمى
"الدعـوة"، و المقـرر في الـفقـه أن الإقـرار حجة قـاصرة على المقـر فلا
تتعـداه إلى غيره، إلا إذا صدقه ذلك الغـيـر أو قامت البينة على صحة الإقـرار،
والملاحظ أن مدونة الأسرة اعتبرت الإقرار من أسباب لحوق النسب.
من خلال هذا علينا أن سنقف عند تعريف الإقرار و شروطه(أولا) ثم سنتطرق لاثاره (ثانيا).
أولا: تعريف
الإقرار بالنسب و شروطه
الإقرار في
اللغة: هو الإذعان للحق والاعتراف به.
واصطلاحا:الإخبارعن أمر يتعلق به حق الغير. وعرفه ابن عرفة
بأنه: "خبر يوجب حكم صدقه على قائله بلفظه أو لفظ نائبه".
والإقرار بالنسب عند الفقهاء هو ما يعرف بالاستلحاق وهو
ادعاء المدعى المقر بأنه أب لغيره بان
يقول هذا ابني، أو فلان ابني حيا كان هذا المستلحق أو ميتا، ذكرا كان أو أنثى
كبيرا كان أو صغيرا.
وسواء كان الرجل المستلحق صحيحا أو مريضا مرض الموت عند
الاستلحاق وهو ما أكدته المادة 160 من مدونة الأسرة بقولها: "يثبت النسب
بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض
الموت..."
وهكذا نجد الاستلحاق في
عرف الفقهاء عبارة عن إقرار. والإقرار في الفقه هو الاعتراف بما يوجب حقا على
قائله بشرطه. وماهية الإقرار هي الإخباربما يتفق في ذلك مع الدعوى والشهادة
بالمفهوم الفقهي فكلاهما أيضا إخبار.
والأصل في الإقرار أنه
حجة قاصرة على الشخص لا تتعداه إلى غيره إلا إذا صدقه ذلك الغير أو قامت البينة
على صحة الإقرار.
اعتراف شخص بأنه أب لولد معين هو إقرار، والإقرار عبارة
عن تصرف قانوني انفرادي، يخضع لما تخضع له التصرفات الانفرادية من أحكام، ولكي
يرتب الإقرار بالنسب آثاره القانونية، لابد من أن تتوفر فيه بعض الشروط.
وهذه الشروط ورد النص عليها ضمن المادة 160 من مدونة
الأسرة بالكيفـية الآتـية: "يثبت النسب بإقرار
الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت.وفق الشروط الآتية:
أن
يكون الأب المقر عاقلا
ألا
يكون الولد المقر به معلوم النسب
أن
لا يكذب المستلحق-بكسر الحاء-عقل أو عادة.
أن
يوافق المستلحق-بفتح الحاء-إذا كان راشدا حين الاستلحاق. وإذا استلحق قبل أن يبلغ
سن الرشد.فله الحق في أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه سن الرشد.
إذا عين المستلحق الأم أمكنها الاعتراض بنفي
النسب عنها. أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الاستلحاق.
لكل
من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة مادام المستلحق
حيا"
وسنبحث في هـذه الشروط تبعا فيما يلي:
أن
يكون المقر ذكرا
نحن بصدد البحث في إقرار الأب ببنوة شخص آخر، قد يكون
ذكرا وقد يكون أنثى، وهو ما سماه المشرع بالاستلحاق، فيكون هذا الشرط في حقيقته
بديهيا، ومن باب تحصيل الحاصل. ذلك أن الحمل أو الولد ينسب دائما إلى أمه، سواء
أجاءت به عن طريق شرعي أو من طريق غير شرعي، لأنه منها وإليها، بخلاف الأب الذي لا
يعترف الشرع بنسب الحمل أو الولد إليه إلا إذا جاء به عن طريق شرعي أو ثبت نسبه
إليه بالوسائل التي يعتد بها شرعا، ومن بينها الإقرار.
وفي هذا الصدد نصت المادة 160 والمادة 143 من مدونة
الأسرة على أن البنوة الغير الشرعية ملغاة
بالنسبة للأب، فلا يترتب عليها شيء من ذلك إطلاقا، وهي بالنسبة للأم شرعية لأنه
ولدها.
ويجب التذكير أن هذا الشرط ــ كون المقر بالنسب ذكراــ هو
من مميزات الفقه المالكي حيث القاعدة لديه أن استلحاق الولد من خصائص الأب، ولذلك
لا يصح الاستلحاق من الأم ولا من الجد.
أن
يكون المقر بالنسب عاقلا
يعتبر الإقرار تصرفا بإرادة منفردة يخضع سواء من حيث صحته
أو من حيث آثاره لما تخضع له كافة التصرفات الانفرادية عموما، ومن ضمن شروط
الإقرار بالنسب أن يكون المقر عاقلا، ويقصد بالعقل أن يكون المقر بالنسب كامل
الأهلية، فلا يكون صبيا أو مجنونا، أو معتوها، أو مكرها.
وكمال الأهلية في التشريع المغربي ووفقا للمادة 209 من
مدونة الأسرة أن سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية
كاملة، ويصح من الناحية الفقهية إقرار السفيه بالنسب لأن السفه الذي يؤثر
في التصرفات المالية للشخص لا أثر له من
الناحية القانونية على إدراكه، وتمييزه طبقا للمبادئ القانونية العامة، وحسب
المادة 160 من مدونة الأسرة فإنه يصح الإقرار من المريض مرض الموت.
أن
يكون الولد المقر به مجهـول النسب
إذا كان المشرع الإسلامي جد متشوف للحوق الأنساب من جهة
أولى، فهـو يـقـف في وجـه اخـتـلاط الأنساب من جهـة ثانية، وما دام أنه من غير
المنطقي أن ينسب شخص واحد ــ وفي ذات الوقت ــ إلى أبـويـن اثـنين، فـقـد اقـتضى
ذلـك أن الإقـرار بالـبنـوة لا يـصح قـانـونـا إلا لمجهـول الـنسب، ومجـهـول النسب
حسب جانب من الـفقـه الإسلامي، هو الشخـص الـذي لا يعـرف له أب في الـبلـد الذي
ولـد
فيه، ولا في الـبـلـد الذي وجـد فـيـه، إن وجـد فـي بـلـد
آخـر[34].
وعليه فمتـى عـرف نسب الشخـص من أب معـيـن، فلا يصح
مطـلقـا الإقـرار ببنوته من طرف الغيـر، ذلك أن الـنسب الثابت لا يقـبـل الفـسخ،
كما لا يقـبـل التحـويل، ولأن الـزنـا ــ وبإجـماع الـفـقهـاء ــ مانع من لحـوق
النسب بالـزاني فيجـب ألا يصرح المقـر قبل أو أثـناء إقـراره أن الولـد الـمراد
استلحـاقـه قـد كان ثمـرة زنـا، فالـزنـا جـريمة في الإسلام والجريمة لا أثر لها
في هـذا الصدد (" وللـعـاهـر الحجـر") كما جاء في حـديـث رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وقـد قـرر الـفقهـاء أنه لا يجـتمع حـد ونسب كقـاعـدة عامة.
جاء في قرار للمجلس الأعلى: "..البنت
لا تلحق بنسب المدعى عليه، ولو أقر ببنوتها وكانت من مائه، لأنها بنت زنا، وابن
الزنا لا يصح الإقـرار ببنوتـه ولا استلحـاقـه، لقـول الشيخ خليل: إنما يستلحـق
الابن مجهـول النسب "[35].
والقاعـدة أنه لا يصح الإقـرار بنسب ولد المتلاعنين من
غير الزوج الملاعن لأن في ذلك إقـرار بزنا الزوجة، والزنا لا يرتب أي أثـر بالنسبة
للنسب بالخصوص.
وأخيرا فالمبدأ في هذا الصدد أن من أقر بنسب مجهـول النسب
إليه غير ملزم بإثبات سبب البنوة، لأن الأصل حمل الناس على الصلاح دائما، ولمن
يدعي خلاف هذا الأصل أن يثبت ما يدعيه، ولذلك يكفي المـقـر بالبنوة أن يعـلـن
إقـراره ثم يتخـذ بعـد ذلك موقـفـا سلبيا، لا أن نطالبه بإثبات الفـراش ما دام أن
الشرع قد وضع لهذا السبب الأخير أحكاما خاصة به.
أن
لا يكذب المستلحـق ــ بكسر الحاء ــ عقل أو عادة
إن الحكم الشرعي الذي صاغه الفقهاء المسلمون، بهذا الصدد
والذي قننه المشرع المغربي، يجب أن يبنى أولا وأخيرا على منطق سليم، ومن هذه
الناحية لا يكذب المقر بالنسب في إقراره عقل أو عادة، كأن يكون مثلا ــ المقر
والمقر به ــ في نفس السن أو بينهما فرق بسيط في السن، لا يسمح لأحدهما عقلا أن
يكون ابنا للآخر، فلو كانا متساويين في السن، أو متقاربين فيه بحيث يستحيل عمليا
أن يولد أحدهما للآخر، لم يصح الإقرار بالبنوة لأن الواقع والمنطق يكذبان مثل هذا
الإقرار.
ولعل مما تكذبه العادة كذلك أن يقر رجل بنسب ولد من بلد
أو مكان ما لم يسبق له مطلقا أن زاره، أو أن يثبت أن الرجل المقر لم يسبق له مطلقا
أن تزوج أو أنه خصي أو محبوب[36].
ثانيا: اثار الإقرار بالنسب
نصت المادة157 من مدونة الأسرة على انه:"
متى ثبت النسب...بالاستلحاق. ترتب عليه جميع نتائج القرابة.فيمنع الزواج بالمصاهرة
او الرضاع، وتستحق به نفقة القرابة والإرث".
وعليه فإن الإقرار بالنسب متى توفرت شروطه يرتب نفس
الآثار التي يرتبها النسب الثابت شرعا بالفراش.
والإقرار بالنسب في مرض الموت، لا يؤثر على صحة هذا
التصرف، حيث نصت المادة 160 من مدونة الأسرة "يثبت
النسب بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت..."
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز مطلقا الرجوع في الإقرار
بالنسب على النفس متى تم بشكل صحيح وتوفرت شروطه.
ويرى أغلب الفقه المعاصر أن الإقرار بالنسب يقدم على
النفي بالخبرة الطبية، تغليبا لحق الطفل مجهول النسب، وهو ما يتفق مع تشوف الشرع
لحقوق الأنساب.
الفقرة الثانية: إثبات النسب بالبينة الشرعية
إن البينة هي الطريق الثالث لثبوت النسب، والفـرق بينها
وبين الإقـرار أنها حجة متعـدية، غير قـاصر حكمها الثـابـت بها على المـدعى عليه،
بل يثبـت في حـقـه وحق غيره، أما الإقـرار فهـو كما قـدمنا حجـة قاصرة على المقر
لا تتعداه إلى غيره، إلا بإثبات جديد، ومن هنا كان المحكوم له بدين على أخر بمقتضى
إقـرار المدعى عليه (المدين) يقـتصر هذا الحكم على المدين وحده، ولا يثـبت في حـق
سائر الـورثة، أما المدين المقـضي به بناء على بينة أقيمت على بعـض الورثة، بأن
للمدعي على مورثهـم دينا، يكون حكما متعديا إلى سـائر الورثة وليس لهم أن يكلـفـوا
المدعي إقـامة البينة في حضورهم.
وحسب هذا التعريف المقتضب، سنتطرق إلى
إثبات النسـب بواسطة شهادة عدلين (أولا)، وإلى إثبات النسب بشهـادة السماع (ثانيا).
أولا: إثبات النسب
بواسطة شهادة عدلين
الشهادة في حقيقتها هي إخبار الإنسان بحق لغيره على غيره،
وهي بهذا المفهوم تخالف الإقرار الذي يعد في جوهره إخبار الإنسان بحق لغيره على
نفسه.
وإذا كان المشرع قـد نظم القواعد الموضوعية للشهادة في
قانون الالتزامات والعـقود[37]، ونظم الإجـراءات المسطرية الخـاصة بها في قانـون
المسطرة المدنية [38]، ففيما يخص إثبات النسب عن طريق الشهادة يتمثل مرجعه في
الراجح أو المشهـور أو ما جرى به العمل في فقه الإمام مالك، وفي الفقه الإسلامي
عموما والفقه المالكي على وجه الخصوص، تعتبر شهادة الشهود حجة كافية في إثبات
النسب، بل وتعتبر شهادة الشهود كوسيلة للإثبات في هذا المجال أقوى من الإقرار فهي
ــ أي الشهادة ــ حجة متعدية إلى الغير، لأنه إذا تعارض الإقرار والشهادة في دعوى
النسب، رجحت هذه الأخيرة على الإقرار.
وعليه: فلو كان
هناك ولد ليس له نسب معروف فأخذه رجل وادعى نسبه وتوفرت شروط الإقرار ثم جاء رجل
آخر وادعى نسبه وأقام بينة صحيحة على أنه ابنه كان أحق به من المقر، لأن النسب وإن
ثبت في الظاهر بالإقرار إلا أنه غير مؤكد فاحتمل البطلان بالبينة لأنها أقوى منه[39].
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي قد اعتبر الشهادة حجة
كافية وحدها لإثبات النسب، إلا أنه لم ينظمها تنظيما محكما كما فعل مثلا بالنسبة
للإقرار، ومن ثم فإن ذلك التنظيم يرجع بشأنه إلى أحكام الفقه المالكي حيث ينص
الفصل 400 من مدونة الأسرة على أن ( كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه
إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل
والمساواة والمعاشرة بالمعروف ).
والقاعدة العامة أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب في
الفقه الإسلامي عـموما، والـفـقـه المالكي على وجه الخصوص هي شهـادة رجـلين أو
شهادة رجـل وامرأتين، على أنه متى تعلق الأمر بإثبات الولادة، وهي قد تؤدي أحيانا
إلى إثبات النسب وخاصة بالنسبة للمرأة، فيمكن مبدئيا أن يقع الإثبات عن طريق
امرأتين فقط، على أساس أن الولادة مما لا يطلع عليه إلا النساء أحيانا، دون
الرجال.
ويشترط في الشاهد عموما، عدة شروط فصل فيها الفقهاء،
أجملها ابن عاصم الغرناطي في تحفته بالكيفية الآتية:
وشاهـد صفـتـه الـمرعــية تـيــقـــظ عــدالـــة حــريــة
والعـدل من
يجتنب الكبائرا ويتقي في الغالب
الصغائرا
وما أبيح
وهـو في العـيـان يـقــدح في مروءة
الإنسان
ونصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أنه:
" يثبت النسب.. بشهادة عـدلـيـن..". ويجب أن يدعى الشاهد عادة إلى مجلس القضاء بالطرق القانونية
ليؤكد ما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى بعد تأديته لليمين القانونية
وسواء من الناحية القانونية أو الشرعية ليس هناك ما يمنع الشاهد من أن يكتفي
بتلاوة شهادته المكتوبة أو بضم هذه الشهادة المكتوبة إلى ملف الدعوى، لكي ينظر
القاضي في مضمونها، فيأخذ بها متى اطمأن ضميره إليها.
ثانيا: إثبات النسب بشهادة السماع
لقد قرر المشرع من خلال المادة 158 من مدونة الأسرة أن
النسب يثبت بواسطة بينة السماع.
و يقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية إخبار الشاهد
أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أن واقعة ما قد تحققت وفي مجالنا الخاص هذا أن
يشهد أنه قد سمع سماعا فاشيا، أن فلانا ابن فلان، أو أن فلانا أب لفلان، وتشترك
شهادة السماع مع البينة أي شهادة العدلين في الكثير من الأحكام، ومن ذلك ما يتصل
بالخصوص بإثبات النسب وفي هذا الصدد يقول ابن عاصم الغرناطي في تحفته:
وأعـملـت
شـهـادة السمـاع في الحمل والنكاح
والرضاع
وإذا كانت شهادة السماع كافية لإثبات النسب، فقد اشترط
الفقه المالكي لصحتها أربعة شروط أساسية:
أولها الاستفاضة، وثانيهما السلامة من الربا، وثالثها أداء اليمين تزكية لها،
وأخيرا طول الزمن.
ويقـصد بالاستفـاضة: أن يكون من نقـلت عنه الشهادة غير
معـين ولا محصور العدد، فـقـد قال الفقيه المالكي الباجي: وشرط شهادة السماع أن
يقـول الشهـود سمعنا سماعا فـاشيا من أهل العـدل وغيرهـم، وعلى حد تعـبيـر مدونة
الأحـوال الـشخـصية: " بـأنـه ابـنـه
ولـد على فـراشـه من زوجـتـه ". جـاء فـي المعـيـار للونشريسي:
" شهـادة الاستفـاضة تكون بكثرة الخـبر وانتشاره حـتى يحصل العـلم ويرتفـع
الشك، ولا تشترط فيهـا عـدالـة الناقـضين وعدالة المنقـول عنهـم ".
وتتمثل السلامة من الـربـا: في الاحتراز من غـلـط الشاهـد
أو كـذبـه، أو سهـوه " ومثالها ما حكاه ابن أبي زيد في النوادر عن المجموعة
لابن القاسم إذا شهـد رجلان على السماع وفي القبيل مائة من أسنانهما لا يعرفون
شيئا من ذلك ".
ولضعـف شهادة السماع: فإن الـفقـه المالكي قد أوجـب
تكـملـتـهـا بيمـيـن الـتزكـية، وفي هذا الصدد جاء على لسان الـفقـيه ابن محـرز: "لا
يقـضى لأحد بشهادة السماع إلا بعـد يمينه..".
وبالنسبة لطول الزمن
فـقـد جاء في حاشية ابن رحـال: "
طول الـزمـن يشتـرط في جـميع أفـراد شهـادة السماع إلا في ضرر الـزوجـين..".
وبطبيعة الخال فإنه يشترط كمبدأ عام في شهود شهادة السماع
الشروط التي تتطلب في البينة عموما، وقد فصل الفقهاء في هذه الشروط وفي صفتها .
ألا يسمى الشهود المسموع منهم وإلا كان نقل شهادة فلا
تقبل إذا كان المنقول عنهم غير عدول[40].
المبحث
الثاني: وسائل نفي النسب
لقد حدد المشرع وسائل إثبات النسب من خلال
المادة 158 من مدونة الأسرة، وهي الفراش، وإقرار الأب، وشهادة عدلين، وبينة السماع
من الزوج أنه ابنه ولد على فراشه من زوجته وبكل الوسائل المقررة شرعا، بما في ذلك
الخبرة القضائية وعلى العكس من مدونة
الأحوال الشخصية القديمة التي كانت تحيل بشأن وسائل نفي النسب إلى أحكام الفقه
الإسلامي، عندما نصت من خلال مقتضيات الفصل 91 على ما يلي: « يعتمد القاضي في حكمه
على جميع الوسائل المعتمدة شرعا في نفي النسب »
قد عمل المشرع أيضا على تحديد
وسائل نفي النسب في المدونة الجديدة للأسرة من خلال موادها 151 و153 و159 حيث نصت
المادة 153 من مدونة الأسرة الجديدة على ما يلي: « يثبت الفراش بما تثبت به
الزوجية، يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب، لا يمكن الطعن فيه إلا من
الزوج عن طريق اللعان، أو بواسطة خبرة تفيد القطع، بشرطين:
* إدلاء الزوج
المعني بدلائل قوية على ادعائه؛
* صدور أمر
قضائي بهذه الخبرة».
و يتبين مما سبق
توضيحه أن وسائل إثبات النسب هي أكثر عددا من وسائل نفي النسب، بالإضافة إلى أن
الفقه والقضاء قد أحاط هذه الوسائل الأخيرة أي وسائل نفي النسب بالعديد من الشروط
التي من شأنها عمليا أن تضيق كثيرا من نطاقها وأن تشل إعمالها.
ومن البديهي أن
هذا التوسع في مجال إثبات النسب والتضييق فيما يتعلق بمجال نفيه، يندرج كمبدأ عام
في إطار مبادئ الفقه الإسلامي، التي جعل الشارع دائما متشوفا للحوق الأنساب،
وبالتالي حفظ أعراض النساء ما أمكن من جهة أولى، وحفظ مركز الولد حتى لا يضيع نسبه
من جهة أخرى[41].
وإذا كانت القاعدة العامة أن النسب لا يحتاج إلى
تأكيده، فهو ثابت مادامت العلاقة الزوجية قائمة، أما إذا نازع أصحاب المصلحة من
أب، أو ورثة، أو غيـرهم في نسب الابن وكان موضوع هذا النزاع نفي النسب فإن هذا
الأخير لا يكون إلا بحكم قضائي طبقا للمادة 151 من مدونة الأسرة الجديدة[42].
وقد فعل المشرع
خيرا حينما جعل الخبرة الطبية إذا صدرت بأمر قضائي كافية لإثبات أو نفي النسب،
وذلك انسجاما مع التطور العملي الكبير الذي يعرفه الطب في مجال إثبات النسب ونفيه،
بعدما كان في السابق في ظل مدونة الأحوال الشخصية لا يقبل إلا بالوسائل المقررة
شرعا، والتي لم تكن من بينها الخبرة الطبية كوسيلة لإثبات أو نفي النسب، مما جعل
القضاء سابقا لا يأخذ أبدا بالخبرة الطبية كوسيلة من وسائل إثبات النسب من فقهائنا
القانونيين بضرورة اعتماد هذه الوسيلة لإثبات أو نفي النسب، وذلك لكونها وسيلة
تحسم الأمر بصفة يقينية.
وللإشارة فإن
الفقه ناقش وسيلة قريبة من الخبرة الطبية، وهي القيافة التي تعني الاستدلال على
ثبوت النسب بالشبه في الخلقة بين الأب والولد التي يلحقه به القائف، وهي وسيلة من
وسائل إثبات النسب ونفيه في بعض الأحوال لدى العرب، وقد اهتمت بها العديد من
المراجع الفقهية، بينما تجاهلتها أخرى، ويبقى أن القيافة حدس، والحدس لا تبنى عليه
الأحكام في الشريعة الإسلامية[43]، ولهذا
استبعدها المشرع المغربي من وسائل نفي وإثبات النسب. و نفي النسب كما سبق الذكر يكون
باختلال شروط الفراش و بواسطة اللعان (مطلب أول ) ، وكذلك يكون بواسطة ما يسمى بالقيافة والخبرة الطبية(المطلب التاني).
المطلب الأول:
نفي النسب باختلال شروط الفراش و اللعان
ينفى النسب باختلال شروط الفراش (فقرة أولى)، و كذلك بواسطة اللعان (فقرة
ثانية).
الفقرة الأولى: نفي النسب
باختلال شروط الفراش
يعتبر فراش الزوجة أقوى أسباب النسب القانوني
إلى الأب، بل يكاد يكون السبب الوحيد القائم في الحياة العملية، ولقد رأينا سابقا
أن قاعدة الولد للفراش هي مستمدة في أصلها من حديث نبوي شريف لقوله صلى الله عليه
وسلم في خطبته يوم حجة الوداع: (" الولد للفراش وللعاهر الحجر")، وهكذا
فإن الفراش يعتبر حجة قاطعة على ثبوت النسب، إذا ما توفرت شروطه مجتمعة، وذلك من
خلال ما يستفاد صراحة من المادتين 153 و154 من مدونة الأسرة، وأول هذه الشروط أن
يوجد مبدئيا عقد زواج صحيح، وثانيها ألا تنصرم مدة الحمل، وثالثها إمكانية اتصال
الزوجة بزوجها وحملها منه.
لكن ماذا يقع
للنسب حينما يختل شرط من شروط الفراش؟ أي: عدم وجود عقد زواج صحيح ( أولا ) أو
انصرام مدة الحمل ( ثانيا ) أو عدم إمكانية حمل الزوجة من زوجها ( ثالثا ).
أولا: عدم وجود عـقـد زواج صحيح
إن عقـد الزواج هـو مناط الفراش، يدور معه وجودا وعدما، حتى صار عقـد الزواج لدى
جانب من الفقه مرادفا للفراش، فالزنا جريمة والنسب نعمة والجريمة لا ترتب نعمة
أبدا[44].
ومن هذه
الناحية، يمكن للشخص أن ينفي النسب عنه كلما استطاع إثبات عدم وجود رابطة زوجية
أثناء الحمل أو الولادة، وهذا الإثبات ليس في حقيقته حكرا على الرجل والمرأة
المعنيين بأمر الحمل أو الولد، ومن ذلك الورثة مثلا بعد وفاة الرجل أو المرأة.
ومن ضمن
القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى في هذا الصدد، نذكر: « يكون تعليلا صحيحا
وكافيا الحكم الذي يقضي برفض الطلب في دعوى يطلب فيها زوجان تسليم بنت بالاستناد
إلى أنهما أبواها شرعا، بعلة عدم إثبات المدعيين ازدياد البنت من صلبهما وهما على
فراش الزوجية»[45].
ونشير إلى أنه
لم يكن للقضاء المغربي في النازلة أعلاه أن يطلب من الزوجين إثبات ازدياد البنت من
صلبهما وهما على فراش الزوجية ولو كانت البنت في حيازتهما، غير أنها في الحـقيقـة
كانت في حيازة امرأة أخرى تدعي هي بدورها أمومتها[46].
وجاء في قرار
أخر للمجلس الأعلى: «.. لما ثبت أن الزواج بعد الوضع فإن المولود لا يلحق نسب
المدعى عليه، ولو أقر ببنوته..»[47].
و في الحياة العملية كثيرا ما يتصل الخاطب
بخـطيبته جنسيا أثناء الخطوبة، بل وفي خارج إطار الخطوبة أحيانا، وبعد حملها أو
ولادتها يسرعان إلى إبرام عـقـد الزواج تهربا من الفضيحة وأقوال الناس وكثيرا ما
يفـاجئهما ضابط الحالة المدنية برفض تسجيل الولد في كناش الحالة المدنية على أساس
أن هناك عدم تناسق واضح بين تاريخ الولادة وتاريخ عقد الزواج حيث إن الأول متقدم
على الثاني أو معاصر له[48]، فيضطر الطرفان
إلى رفع دعوى أمام القضاء فتنتهي إجراءاتها بعدم قبولها للسبب ذاته.
لكن القضاء
واستجابة للمستجـدات الـتـي أتـت بها الـمدونة الجـديـدة للأسرة، أصبح يقـبـل
بإثبات النسب عن طريق الشبهة في الخطوبة وذلك بتوفر الشروط الـثلاثـة الآتـيـة:
1 ــ إشهار الخطبة بين الأسرتين: وتـبـدأ وسائل الإشهـار من يـوم الخـطـبـة خصوصا
إذا صحبها تجمع أسري، أو فـرح وخـلافـه، كما تشتهر بتـردده على بيت أسرتها وغيرها
مما يفيد في إشهار أمرهما.
2 ــ أن يكون الحمل خلال الخطبة: بمعنى أن الحمل ظهر بعد الخطبة وبعد الإيجاب
والقبول، وأن يكون في أقل مدة الحمل من تاريخ إشهار الخطبة.
3 ــ إقرار الخطيبين بالحمل: لا يكفي الشرطان السابقان، بل لابد من إقرار الخطيبين
بذلك، الخاطب يقـر أن ذلك الحمل منه نتيجة اتصال جنسي، وتقـر المخطوبة بذات الأمر،
حيث تعترف بأنه لم يمسها شخص غيره، وأن هذا المساس كان خلال فترة الخطبة.
وتخضع هذه
الشروط للمعاينة بمقرر قضائي، قابل للطعن من الأطراف، أما إذا أنكر الخاطب أن
الحمل منه، في هذه الحالة ولكي يثبت النسب، لابد من الإثبات بجميع الوسائل
الإثباتية الشرعية التي تكون عقيدة القاضي في إقرار النسب من عدمه بما في ذلك
الالتجاء إلى الخبرة القضائية[49].
ثانيا: انصرام مدة الحمل
لقد سبق أن قلنا إن الفقهاء قد أجمعوا، رغم اختلاف مذاهبهم، على أن أقل مدة للحمل
هي ستة أشهـر، وهذا ما أكدته مدونة الأسرة في المادتين 154 و155 منها، وعليه فمتى
ولدت الزوجة قبل مرور ستة أشهر من تاريخ العقد عليها، فإن النسب لا يلحق بالزوج
مطلقا إلا في حالة إثبات النسب بالشبهة في الخطوبة كما وضحناه أعلاه، وفي المقابل
فإن أقصى مدة الحمل هي سنة، وعليه فمتى فارق الزوج زوجته لكونه قد طلقها أو توفي
عنها، ثم أتت بولد بعد سنة من الفراق، فإن النسب لا يثبت من الزوج كقاعدة.
ثالثا :
عدم إمكانية الاتصال بين الزوجين
جاء في المادة 154 في فقـرتهـا الأولى من
مدونة الأسرة الجديدة: « يثـبـت نـسب الـولـد بـفـراش الـزوجـيـة: « إذا ولـد لستة
أشهـر من تاريخ العـقـد وأمـكـن الاتصال، سواء أكان العـقـد صحـيحـا أم فـاسدا».
وعـبـارة (
أمـكـن الاتصال ) يفـسرهـا فـقهـاء المذهـب المالـكي بالخـصوص بإمكانية الاتصال
المادي، وذلك ردا على رأي أبي حنيفة الذي يقول أن النسب يثبت للولد الذي ازداد بعد
ستة أشهر من العـقـد، ولو لم يكن الاتصال بين الزوجين، كما إذا كان أحدهما بالمشرق
والآخر بالمغرب.
ولكن يبدو أن
العبارة قابلة للتفسير بإمكانية الاتصال المادي بين الزوجين وبإمكانية الاتصال
المعنوي أي بإمكانية الإنجاب، إضافة إلى ذلك فإن تعذر الاتصال قد يتحقق عقب
العـقـد مباشرة، وقد يتحقق بعد بدء الحياة الزوجية على أن إثبات عدم إمكان الاتصال
بعد بدء الحياة الزوجية يبدو أكثر صعوبة، وعلى كل فإن نفي النسب لا يقبل كما سبق
القول، إلا في حالة القطع بأن الولد ليس من صلب المدعى عليه[50]، بحيث يمكن
للزوج أن يلتجئ إلى مسطرة اللعان، أو إثبات ذلك بخبرة طبية، شريطة أن يدلي بحجج
قوية يقتنع معها القاضي بإحالة القضية على الخبرة حيث لا يمكن إجراؤها بأمر قضائي.
الفقرة الثانية: نفي
النسب بواسطة اللعان
اللعان نظام قانوني يهدف من ضمن ما يهدف إليه
إلى نفي النسب، وهو نظام إسلامي خالص، لا نظير له في باقي التشريعات السماوية أو
القوانين الوضعية غير الإسلامية الأخرى ، لذلك فهو لا يقبل التطبيق على معتنقي
الديانة اليهودية و النصرانية ، إلا إذا ارتضوا ذلك .[51]
وحسب بعض الفقه،
فإن ما جرى العمل به في الأندلس وفي المغرب هو تعطيل نظام اللعان، وإن قررت مدونة
الأسرة الجديدة على غرار مدونة الأحوال الشخصية السابقة خلاف ذلك، على ما يتضح من
مقتضيات المادة 153 والتي تجعل اللعان من بين الأسباب التي ترتب فرقة مؤبدة بين
الزوجين المتلاعنين[52]. فما هو مفهـوم
اللعان و مسطرته ( أولا ) ؟ وما هي شروطه وآثاره ( ثانيا ) ؟وفي الأخير ما هو
تأثير اللعان على حـق الطفـل في النسب وموقـف القـضاء منه ( ثالثا)؟
أولا: مفهوم اللعان ومسطرته
اللعان هو
شهادات مؤكدات بالإيمان مقرونة من جانب الزوج باللعنة، وبالغضب من جانب الزوجة
قائمة مقام حد القذف في حقه، ومقام حد الزنا في حقها، لهذا سوف نقوم بتقسيم هذا
المطلب إلى مفهوم اللعان ومسطرة اللعان.
1:
مفهوم اللعان
حماية لأعراض النساء العفيفات من ألسنة الناس، أوجب الله سبحانه وتعالى حد القذف
على كل شخص سولت له نفسه قذف امرأة من نساء المسلمين أو غيرهن، كاتهامها بالزنا
مثلا، ومن دون أن يستطيع إثبات ما يدعيه بالطرق المحددة شرعا، قال سبحانه وتعالى:
(" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا
تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ")[53]. وقد كان من
اللازم تطبيق الحكم المضمن بالآية الكريمة في حالة قذف أية محصنة ولو كانت زوجة في
عصمة القاذف، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد استثنى الأزواج الذين يبادرون إلى
التمسك بلعان زوجاتهم بالكيفية المحددة شرعا.
واللعـان من
الناحـية اللغـوية: يفيد الطرد والإبعاد، وفي الاصطلاح: شهادات مؤكـدات بالأيمان
مقـرونة من جـانـب الـزوج باللعـنـة، وبالغـضب من جانب الـزوجـة، قائمة مقـام حـد
الـقـذف في حـقـه، ومـقـام حـد الزنا في حقهـا، يـؤديهـا الـزوجـان أمام القـاضي[54].
وقد أشار المشرع
المغربي من خلال مقتضيات المادة 153 من مدونة الأسرة إلى اللعان باعـتباره سببـا
رئيسيا من أسباب التحـريم المؤبـد بين الزوجـين دون أن يبين مفهومه أو يحدد مسطرته
وأحكامه، ومن هذه الناحية فلا مناص لنا من الرجوع إلى أحكام الفقه المالكي تطبيقا
للمادة 400 من مدونة الأسرة.
2:
مسطرة اللعان
إذا قذف الزوج زوجته بالزنا أو بنفي نسب ولدها منه، أو بهما معا، ولم يثبت ذلك
بأربعة شهود، وطلب إقامة حد الزنا عليها، وطلبت هي إقامة حد القذف عليه، فالواجب
حينئذ اللعان.
واللعان يجب أن
لا يتم إلا بحكم يصدر عن سلطة القضاء وبناء على طلب من الزوج، وعلى القاضي الذي
رفعـت الدعـوى أمامه أن يستدعي الطرفين ــ أي الزوج والزوجة ــ وفـقـا للـقـواعـد
المضمنة في قانون المسطرة المدنية، ويطبق بصددهـا الأحـكـام الـمضمـنة في آيـة
الملاعـنة المنصوص عليها في القرآن الكـريم ، حيث يقول جـل وعـلا: "والذين
يـرمـون أزواجهـم ولم يكن لهم شهـداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله
إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الـكاذبيـن ويـدرأ عنها
العـذاب أن تشهـد أربع شهـادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها
إن كان من الصادقين ".
وصورتها أن يحلف
الزوج أربع مرات أنه صادق في اتهامه لزوجته والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان
كاذبا في ادعائه، وإذا أصرت الزوجة على تكذبيه فيجب عليها بدورها أن تحلف أربع
مرات بأنه كاذب فيما يدعيه وفي الخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقا فيما رماها
به.
ومبرر هذا
الاستثناء، أن الزوج لا يلتجئ إلى هذه الوسيلة عند تيقـنه من أن الحمل ليس منه،
لأن اتهـام زوجـته يعـود عليه هو كذلك بالضرر المحـقـق، وينـال من اعـتبـاره
الاجـتماعي، بـل قـد ينـغـص عـليه الحـيـاة بالـتشكـيـك في عـلاقـتـه بالأطفـال
الآخـريـن. إضافة إلى ذلك، فإن النفـي المجـرد لا يقـبـل لتأييده باللعـان وإنما
يتعـيـن أن يسـتنـد إلى رؤية الزنا أو إلى عـدم اتصال بين الزوجـين مدة تفـوق
الفـتـرة القـصوى للحمل ويثبت عـدم الاتصال بالوقـائع التي يتعـذر معهـا تحـققـه
كغـيبـة الـزوج أو اعـتـقـالـه مثلا[55].
ثانيا: شروط اللعان وآثاره
إن للعان شروط
يجب توفرها عند قيام القاضي بنفي النسب، وكذلك له آثاره التي تنجم عنها، لهذا قمنا
بتقسيم هذا المطلب إلى فقرتين شروط اللعان وآثار اللعان.
شروط اللعان
لا يكون اللعان إلا بناء على حكم القاضي به،
فإن اتفق الزوجان على الملاعنة دون اللجـوء إلى القـضاء، فلا يترتب على ذلك
اللعـان، أي أثـر من آثـار نفـي النسب.
والقاضي لا يحكم باللعان لنفي الحمل أو الولد
إلا بتوفر مجموعة من الشروط أهمها: أن يكون الزوج مسلما عاقلا بالغا ممن يمكن أن
يطأ، ويصح من الأخرس بالكتاب أو بالإشارة، وأن يدعي المشاهدة وعدم المساس[56]، كما يشترط في
الزوجة أن تكون منكرة للزنا الذي اتهمت فيه، وأن يقع اللعان في حالة العصمة ولو من
زواج فاسد أو وطء بشبهة، ويمكن اللعان في عدة الطلاق البائن والرجعي، هذا فيما يخص
دعوى رؤية الزنا، أما في دعوى نفي الحمل أو الولد يجوز اللعان ولو بعد العدة إلى
أقصى مدة الحمل[57]، وأن يقع
اللعان بمجرد رؤية الزنا أو ظهـور الحمل والعلم به معجلا، وقد أعطى المالكية أجل
يومين لرفع دعوى اللعان، وألا يسبق نفي الولد الإقرار به صراحة أو ضمنا، فإن حصل
ذلك فلا يسوغ بعده للزوج أن ينفي نسب الولد، كمن طلق وأراد السفر وقبل سفره أدى
نفقة الحمل، فليس له إنكار الحمل بعد ذلك، وألا يدعي الزوج أنه استبرأ زوجته[58] وألا يتصل بها
بعد استقراره على ملاعنتها، وإلا فإن دعـواه ترفض[59]، كما يشترط ألا
يكون الولد غير لاحق شرعا بالزوج، كما لو أتت به لأقل من أدنى أمد الحمل أو لأكثر
من أقصى أمد الحمل، ومتى توفرت هذه الشروط جاز للقاضي الحكم باللعان بين الزوجين.
آثار اللعان
ومتى تـم اللعـان وفـقـا للشروط والكـيفـية المطلوبة رتب آثـارا هامة أهمهـا:
سقـوط حد القذف على الزوج بحلفه، وسقوط حد
الزنا على الزوجة بحلفها، وتقع الفرقة بين الزوجين بحكم القاضي طبقـا للمادة 159
من مدونة الأسرة بدون طلاق، ويحرم عليهما الزواج تحريما مؤبدا، وينتفي الزوج وحده
سواء حلفت الزوجة أيمان اللعان أو نكلت عنها، غير أن الولد الملاعن عليه له وضعية
خاصة بحيث لا يمكن له الانتساب إلى أبيه، كما أنه لا يمكن القول بأنه " ابن
زنا " بل إن من رماه أو أمه بذلك يحد، وابن الملاعنة لا توارث بينه وبين أبيه
بإجماع المسلمين لانتفـاء النسب الشرعي، وإنما التـوارث بينه وبين أمه، فعـن ابن
عمر:« أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق
النبي بينهما وألحق الولد بالمرأة » رواه البخاري وأبو داود.
لكن إذا أقر به
الزوج الملاعن بعد اللعان وفق مقتضيات المادة 160 من مدونة الأسرة فإن الولد ينسب
إليه ولو بعد موت هذا الأخير[60].
المطلب الثاني:نفي
النسب بالقيافة والخبرة الطبية
تعتبر مسألة البصمة الوراثية ومدى
الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر, وتنازعوا في
المجالات التي يستفاد منها وتعتبر فيها حجة يعتمد عليها كليا أو جزئيا، وقد شاع
استعمال البصمة الوراثية في الدول الغربية وقبلت بها عدد من المحاكم الأوربية وبدأ
الاعتماد عليها مؤخرا في البلدان الإسلامية ونسبة أعمال الإجرام لأصحابها من
خلالها، لذا كان من الأمور المهمة للقضاة معرفة حقيقة البصمة الوراثية ومدى حجيتها
في إثبات الأنساب وتمييز المجرمين وإقامة الحدود.
الفقرة الأولى : القيافة كوسيلة لإثبات النسب ونفيه
القيافة في اللغة تتبع الأثر للتعرف على صاحبه، و الشخص
القائف هو الذي يتتبع الآثار ليعرف شبه الشخص بأبيه أو أخيه. وفي الاصطلاح القائف
هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود ، و قد اختلف الفقهاء في
إثبات النسب بالقيافة حيث ذهب جمهور المالكية ، والشافعية والحنابلة إلي إثبات
النسب بالقيافة في حين ذهب الحنفية إلى عدم إثباته بها.ّ
ويعود أساس أو
أصل تبنيهم لهذه الوسيلة في إثبات النسب أو نفيه من خلال الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ((ألم تري أن
مجزراً نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة، و أسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من
بعض))[61]
وذلك أن بعض العرب كانوا
يقدحون في الجاهلية في نسب أسامة؛ لأنه كان اسود شديد السواد مثل القار، وكان زيد
أبيض مثل القطن.
ووجه
الاستدلال: أن سرور النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول القائف إقرار منه بجواز العمل
به، إضافة إلى أن الخليفة عمر -رضي الله عنه- كان يدعو القافة لإلحاق أولاد
الجاهلية بمن يدعيهم في الإسلام، ويعمل بقولهم بحضور الصحابة دون إنكار منهم.
وقد ذهب الحنابلة للقول على أنه لا
يعتد لإثبات النسب أو نفيه بالقيافة أو بالبصمة الوراثية ، و سندهم في ذلك حديث
الرسول صلى الله غليه و سلم :(الولد للفراش و للعاهر الحجر )
أما في العصر الحالي و نظرا للتطور
العلمي اعتبار " البصمة الوراثية
" طريقاً من طرق إثبات النسب من حيث الجملة واختلفوا في بعض القضايا الفرعية
وقد اتفق جانب من الفقه على أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات
النسب في الحالات الآتية :
أ – حالات
التنازع على مجهول النسـب بمختلف صور التنازع ، سواء أكان التنازع على مجهول النسب
بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
ب – حالات
الاشتباه في المواليد في المسـتشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه
ج – حالات ضياع
الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم ، أو
وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات
وقد رأى عدد
كبير من الباحثين قياس البصمة الوراثية على القيافة من باب أولى أو اعتبارها قرينة
قوية والتي يأخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود .
فالبصمة الوراثية من الناحية
العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الولادة البيولوجية والتحقق من الشخصية ،
ولا سيما في مجال الطب الشرعي ،وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها
أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ، وتمثل تطوراً عصرياً عظيما في مجال
القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه ، ولذلك فأن
البصمة الوراثية يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى.
إن الأحكام التي
تثبت بالقيافة تثبت في البصمة الوراثية ، ومن الظاهر أن هذا القياس بعيد،
أن البصمة الوراثية قائمة على أساس
علمي محسوس فيه دقة متناهية والخطأ فيه مستبعد جداً ، بخلاف القيافة والتي تقوم
على الاجتهاد والفراسة وهي مبنية على غلبة الظن والخطأ فيها وارد ففرق بين ما هو
قطعي محسوس وبين ما بني على الظن والاجتهاد .
– 2 أن القيافة يعمل بها في
مجال الأنساب فقط بخلاف البصمة الوراثية فهي تتعداها لمجالات أخرى كتحديد الجاني
وتحديد شخصية المفقود .
–3 أن القيافة تعتمد على الشبه الظاهر
في الأعضاء كالأرجل وفيها قدر من الظن الغالب ، أما البصمة الوراثية فهي تعتمد
اعتماداً كلياً على بنية الخلية الجسمية الخفية وهي تكون من أي خلية في الجسم
ونتائجها تكون قطعية لكونها مبنية على الحس والواقع .
–4 أن القافة يمكن أن يختلفوا، بل
العجيب أنهم يمكن أن يلحقوا الطفل بأبوين لوجود الشبه فيهما أما البصمة فلا يمكن
أن تلحق الطفل بأبوين بتاتاً ويستبعد تماماً اختلاف نتائج البصمة الوراثية ولو قام
بها أكثر من خبير فالقياس بعيد فهذا باب وهذا باب.
وبناء على ما
تقدم فالقيافة باب والبصمة الوراثية باب آخر وهو يعتبر بينة مستقلة أو قرينة قوية
يؤخذ بها في الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً . فالبينة لم تأت في الكتاب والسنة
محصورة في الشهادة والإقرار فقط بل كل ما أظهر الحق وكشفه فهو بينة قال تعالى في
قصة موسى مع فرعون : " قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل * قال
إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين *
ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين.
الفقرة الثانية : الخبرة الطبية كوسيلة لإثات النسب ونفيه
يختص القاضي
بتحقيق العدالة بين الناس وليس من المفروض فيه أن يكون متخصصا في غير علوم القانون
التي لا تمس بتخصصه بأي صلة كما هو الشأن بالنسبة للهندسة والميكانيكية والطب...
فإذا عرض عليه نزاع يتطلب الفصل فيه إجراء خبرة خاصة جاز له أن يستعين بأهل المهنة
المتخصصين للإدلاء برأيهم في صورة تقرير يقدمونه إلى المحكمة.
إن وضوح المادة
153 من مدونة الأسرة رفعت الغموض الذي كان يشوب المادة 19 من مدونة الأحوال
الشخصية وبهذا نجد القضاء المغربي بعد صدور مدونة الأسرة يأخذ بالخبرة الطبية في
إثبات ونفي النسب وهكذا أصدرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء ( قسم قضاء
الأسرة ) بتاريخ 24/10/2005 حكما قضى بأنه : "وحيث أن من القرائن التي يمكن
اعتمادها كذلك لوجود العلاقة الزوجية الخبرة المثبتة لعلاقة البنوة إلى المدعى
عليه بالإضافة إلى الاستماع إلى الشهود.
وحيث أنه تبعا
لذلك فقد أمرت المحكمة بإجراء خبرة طبية حول وجود علاقة بيولوجية بين المدعى عليه
والبنت المزدادة 13/06/1989، مع استعمال جميع الوسائل العلمية والطبية التي من
شأنها إثبات ما هو وارد أعلاه.
وحيث أنجز تقرير
طبي من طرف المختبر الوطني للشرطة العلمية مؤرخ في 21/02/2005 الذي جاء فيه أنه
أخذ عينة لعاب السيدة ولعاب المدعى عليه والطفلة لإجراء خبرة جينية
لتحديد العلاقة البيولوجية .
وبناء عليه تبين
من خلال نتائج الخبرة الجينية بثبوت بنوة الطفلة
للمسمى بنسبة تفوق %99
كما أصدرت نفس
المحكمة ( قسم قضاء الأسرة ) بتاريخ 6 يونيو 2005 حكما جاء في حيثياته ما يلي
"وحيث انتهى المختبر الوطني للشرطة العلمية في تقريره على أنه من خلال نتائج
الخبرة الجينية تثبت بنوة الأخوة (م) و(و) و(ن) للمسمى (ع).
وحيث بناء على
ما ذكر أعلاه، وبناء على ما جاء في تقرير الخبرة يبقى دفع المدعي عليه كون كل من
(ن) و(و) و(و) ليسوا من صلبه مردودا، ويتعين بالتالي الحكم بثبوت نسب هؤلاء
الآخرين لوالدهم (ع) على اعتبار ما جاء في تقرير الخبرة المذكورة أعلاه وعلى
اعتبارات نسب الولد يثبت بفراش الزوجة إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن
الاتصال سواء أكان العقد صحيحا أو فاسدا...".
وفي الحكم
السابق الإشارة إليه حيث امتنع المدعى عليه من الامتثال للخبرة الطبية حيث أصدرت
المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، قسم قضاء الأسرة بأنه "وقد أكد الخبير
المذكور كون السيدة (ح) حضرت رفقة الطفلة (ع) الموعد المحدد بينما أدلى السيد (م)
بمذكرة جوابية مؤرخة بتاريخ 12/07/2004 يتعرض فيها على إجراء الخبرة الطبية ويتمسك
بمسطرة اللعان لنفي النسب مما تعذر معه إنجاز المهمة الموكولة إليه.
وحيث أن امتناع
المدعي عليه من الامتثال للخبرة الطبية المأمور بها بمقتضى الحكم التمهيدي وكذا
بناء على ما جاء في مضمون الشواهد الطبية المشار لها أعلاه والتي يتبين من خلالها
أن بداية حمل المدعى عليها ترجع لتاريخ 29/08/2003 في حين أقر المدعي كونه ظل على
اتصال بزوجته ويعاشرها معاشرة الزواج إلى غاية 31 غشت 2003، مما يتبين معه كون
اعتزال المدعي لزوجته المدعي عليها لم يتم إلا بعد وقوع الحمل، وبالتالي تبقى دعوى
اللعان هاته مفتقرة لأهم شروطها المتمثلة
في استبراء الزوجة واعتزال الزوج لها مباشرة بعد طهرها من الحيض مما يجعل طلب
المدعي لكل ذلك غير مؤسس قانونا ويتعين بالتالي رفضه"
ومن بين المحاكم
الابتدائية التي اعتمدت على الخبرة الطبيبة ADN في إثبات
النسب المحكمة الابتدائية
بالرباط التي قضت بثبوت الزوجية وثبوت نسب الابن لأبيه المدعى عليه
إن التساؤل الذي
يطرحه العديد من المهتمين في هذا المجال هل القاضي ملزم بتقرير الخبرة المنجزة
الخاتمة
يبدو أن المشرع المغربي في موضوع بحثنا بالذات ظل متوافقا
مع موقف الفقه الإسلامي المالكي من النسب إلى درجة التطابق، وهذا في نظرنا لا يعود
إلى النقل الحرفي لمعالجة هذا الفقه لموضوع النسب، بل إلى الإعمال العقلي والمنطقي
لهذا الفقه، وإكتشاف أن معالجته للنسب هي صالحة لكل زمان ومكان، وتأخذ في اعتبارها
بالدرجة الأولى مصلحة الولد المزداد أو الذي سيزداد، وذلك بلحوق نسب الولد إلى
أبيه أولا، ثم ثانيا صيانة هذا النسب طوال حياة الولد، وبدرجة موازية رعى الفقه
الإسلامي المالكي أيضا مصلحة المرأة الحامل سواء أكانت متزوجة أو مخطوبة، وذلك
حفظا لشرفها، وتجنب لحوق عار ابن الزنا لوليدها.
والفقه الإسلامي لم يقف عند مصلحة المرأة والولد، بل من
خلال مصلحة هذين الأخيرين، سيتمكن الرجل من حفظ شرفه ونسب أجداده في ولده، وذلك في
إطار نظام شرعي اسمه الزواج، غايته حفظ الأنساب من الضياع.
وفي الأخير وبعد مقاربتنا للمصالح الثلاث التي يحرص الفقه
الإسلامي على حفظها وصيانتها من خلال ثبوت الأنساب، لن نجد من خلال هذا الحرص
والصيانة والتشوف للحوقها، إلا حرصه على ثبوت المبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية
السامية في نفوس أفراد المجتمع، وضمان الإستقرار لهذه النفوس في داخلها وفيما
بينها، وتجنيبها التشرذم النفسي الذي ستعيشه إن عاشت جاهلة لأصلها ونسبها.
إلا أن ما نسجله على المشرع المغربي رغم المستجدات القيمة
التي جاء بها في مدونة الأسرة، هو الحيف الواقع في حق المرأة والذي تتجسد ملامحه
في حالة البنوة غير الشرعية حيث لا يتحمل أب الإبن غير الشرعي أية مسؤولية تطلق،
رغم أنه مشارك في ارتكاب جريمة الزنا التي أدت إلى الحمل الغير الشرعي، والله
سبحانه وتعالى في ذكره الحكيم لم يعاقب المرأة وحدها في جريمة الزنا بل ساوى بينها
وبين الرجل في حد الزنا، وبهذا فمن المفروض أن يتحمل هذا الرجل نتيجة خطئه، وأن
يتحمل مسؤولية هذا الطفل المزداد ولو من الناحية المادية، وذلك استنادا لقـواعـد
المسؤولية المدنية ( الفـصل 77 من قانون الالتزامات والعـقـود المغربي )، التي
تلزم كل إنسان ارتكب فعلا عن بينة ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا للغير ماديا أو معنويا بتعويض هذا
الضرر إن كان الفعل هو السبب في حدوث الضرر.
إلا أن ما يمكن
ان نسجله من خلال عرضنا هذا هو الثغرة القانونية الموجودة مابين مدونة
الأسرة والقانون الجنائي المغربي، حيث نجد
مدونة الأسرة تنص في المادة 147 منها على
أن الأمومة شرعية في حالة الإغتصاب، وبطبيعة الحال لأنه لا ذنب لها، في هذا الحمل
لأنه نتج عن إكراه، والإكراه كما هو معلوم من عيوب الإرادة لايجعل الممارس عليه
يتحمل نتيجة الفعل الممارس عليه. وبالموازاة مع ذلك لا نجد في القانون الجنائي
المغربي إلا العقوبة الحبسية في حالة اختار هذا الشخص قضاء مدة العقوبة في السجن
وتجنب الزواج ممن اغتصبها، حيث لايتحمل بعد ذلك أية مسؤولية عن الجريمة التي
ارتكبها ولو كانت مسؤوليته اتجاه ولده غير الشرعي المتنصل من صلبه.
وهذه ثغرة قانونية ينبغي على المشرع المغربي الإنتباه
لها، حتى يلجم أصحاب النفوس الدنيئة التي تفضل السجن على تحمل المسؤولية وترك الأم
العازبة وحدها تواجه ــ رفقة وليدها الشرعي في نظر القانون وغير الشرعي في نظر
مجتمع لايرحم ــ جحيم نتائج فعل لم ترتكبه بل مورس عليها بالإكراه.
لائحة المراجع
vالمؤلفات:
ü محمد الشافعي : الزواج وانحلاله في مدونة الاسرة ، المطبعة والوراقة
الوطنية ، مراكش ، اطبعة الثانية 2005.
ü عبد الخالق أحمدون: الزواج والطلاق في مدونة الأسرة. مطبعة طوب بريس، الطبعة
الأولى، 2006.
ü محمد الكشبور : البنوة و النسب في مدونة الاسرة ،مطبعة النجاح الجديدة
،الدار البيضاء ،طبعة 2007.
ü محمد الكشبور : الواضح في شرح مدونة الاسرة ،الجزء الثاني ،انحلال ميثاق
الزوجية ،مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء ،الطبعة الثالثة 2015
ü
مامون الكزبري: نظرية
الإلتزامات في ضوء ق ل ع المغربي ، الجزء الأول ، مصادر الإلتزامات ، مطبعة النجاح
الجديدة -الدار البيضاء،الطبعة الثانية
1968
ü محمد الكشبور: الوسيط في قانون الأحوال الشخصية، مطبعة
النجاح الجديدة-الدار البيضاء، 2003.
ü
محمد الأزهـر: شرح مدونة الأسرة، مطبعة دار النشر
المغربية عين السبع الدار البيضاء، الطبعة الخامسة 2015.
v الأطروحات:
ü عبد المجيد غميجة: موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل
الأحوال الشخصية، أطروحة لنيل الدكتوراه، كلية الحقوق بالرباط، 1999-2000.
vالمجلات:
ü
مجلة المجلس الأعلى ، العدد: 55.
ü مجلة القضاء
والقانون، العدد: 130.
ü مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد: 41.
ü مجلة الإشعاع، عدد: 05
ü مجلة المحاكم المغربية، العدد: 59.
ü
مجلة المحاماة ، العدد: 17.
ü مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد: 39
الفهرسة
المبحث الأول : وسائل إثبات
النسب
المطلب الأول: إثبات النسب بالفراش والشبهة
الفقرة الأولى: إثبات النسب بالفراش
الفقرة الثانية : إثبات النسب بالشبهة
المطلب الثاني: الإقرار و البينة
الفقرة الأولى: إثبات النسب بالإقرار
الفقرة الثانية: إثبات النسب بالبينة الشرعية
المبحث الثاني: وسائل نفي النسب
المطلب الأول: نفي النسب باختلال شروط الفراش
و اللعان
الفقرة الأولى: نفي النسب باختلال شروط الفراش
الفقرة الثانية: نفي النسب بواسطة اللعان
المطلب الثاني:نفي النسب بالقيافة والخبرة الطبية
الفقرة الأولى : القيافة كوسيلة لإثبات النسب
ونفيه.
الفقرة الثانية : الخبرة الطبية كوسيلة لإثات
النسب ونفيه.
[1]- سورة الفرقان. الآية: 54
[2]-
سورة الأحزاب.الآية: 4.
[3]- رواه أبو داود والنسائي
[4]- د.عبد الخالق أحمدون.الزواج
والطلاق في مدونة الأسرة. مطبعة طوب بريس، الطبعة الأولى.2006..ص.259
[5] الاية من 34
الى 38 سورة الواقعة .
[6] محمد الكشبور
،البنوة و النسب في مدونة الاسرة ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،طبعة
2007،ص 66.
[7] محمد الكشبور
،الواضح في شرح مدونة الاسرة ،الجزء الثاني ،انحلال ميثاق الزوجية ،مطبعة النجاح
الجديدة الدار البيضاء ،الطبعة الثالثة 2015،ص 370.
[8] صحيح مسلم ،المطبعة المصرية ، الجزء الرابع،ص
171
[9] محمد الكشبور
،البنوة والنسب ، مرجع سابق، ص 69
[10] محمد الكشبور
، الواضح في شرح مدونة الأسرة ، مرجع سابق ، ص 69
[11] مامون الكزبري،
نظرية الإلتزامات في ضوء ق ل ع المغربي ، الجزء الأول ، مصادر الإلتزامات ، مطبعة
النجاح الجديدة ، الدار البيضاء،الطبعة التانية، 1968،ص 217
[12] محمد
الكشبور، مرجع سابق، ص382
[13] محمد الكشبور ،
المرجع نفسه، ص 385
[14] أنظر على
سبيل المثال : الفصل 4 من قانون الجنسية، والمادة الأولى من ظهير 13 يونيو الخاص
بكفالة الأطفال المهملين، والمادة 41 من مدونة الإنتخابات.
[15] محمد الشافعي
، الزواج وانحلاله في مدونة الاسرة ، مرجع سابق ، ص 156
[16] سورة
الأحقاف، الآية 15
[17] سورة لقمان ،
الآية 14
[18] محمد الأزهر
، مرجع سابق ، ص 223
[19] قرار عدد 435
،الصادر بغرفتين، بتاريخ 22 شتنبر 2004 ،ملف شرعي عدد 235/2/1/2002. أورده محمد
الكشبور , مرجع سابق ، ص 234
[20] تنص المادة 154 " يثبت نسب الولد بفراش
الزوجية:
1- إذا ولد لستة
أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال ،سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا؛
2- إذا ولد خلال
سنة من تاريخ الفراق.
[21] قرار صادر عن
المجلس الأعلى بتاريخ 16 فبراير 1999، منشور بمجلة المجلس الأعلى ، العدد 55، ص123
وما بعدها، أشار إليه محمد الكشبور ، مرجع سابق ، ص 100
[22] سورة الشورة ،الايتين 49 و 50 .
[23] -
شمس الدين محمد عرفة الدسوقي، حاشية
الدسوقي على شرح الكبير لأبي البركات سيدي احمد الدر دير،
طبع دار إحياء الكتب العربية، الجزء:
الثاني، ص220.
[24]-
قرار
المجلس الأعلى عدد: 23
بتاريخ 27رجب 1387، موافق لـ:31
اكتوبر1967، منشور
بمجموعة قرارات المجلس الأعلى: (1965-
1989) ص،41 وما بعدها.
[25]
- عبد المجيد غميجة،
موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية، أطروحة
لنيل الدكتوراه، كلية الحقوق بالرباط، 1999-2000، ص: 475.
[26]- احمد الغازي الحسيني، الولد
للفراش، بمجلة القضاء والقانون، العدد130، ص: 132 وما
بعدها.
[27]
- عبد المجيد غميجة، م. س، ص: 476.
[28] - قرار مجلس الأعلى عدد 622 .بتاريخ10-05-1988،
منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد: 41، ص.135.
[29] [29]31 - محكمة الاستيناف بالرباط.قرار صادر بتاريخ 15-02-1988. ملف عدد6917/85.
منشور بمجلة الإشعاع. عدد: 05، ص.118
[30]
-
احمد الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية، الجزء الثاني، م. س، ص 36
[31]- احمد باكو،الاشهاد على الزواج، على مقتضى الفصل الخامس من مدونة
الأحوال الشخصية، مجلة المحاكم المغربية، العدد: 59، ص: 57.
[32]- محمد الكشبور، الوسيط
في قانون الأحوال الشخصية، مطبعة النجاح الجديدة، 2003، ص:541.
[34] ــ مصطفى شلبي: أحكام
الأسرة في الإسلام، دار النهضة العربية
ــ بيروت ، ص 695
[35] ــ قرار المجلس
الأعلى الصادر بتاريخ 30/03/1983، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 39، ص: 109
وما بعدها.
[36] ــ بدران أبو العينين بدران:
الفقه المقارن للأحوال الشخصية بين المذاهب الأربعة السنية والمذهب الجعفري والقانون،
الزواج والطلاق، دار النهضة
العربية ــ بيروت، ص: 525
[37] ــ قانون
الالتزامات والعقود من المواد 443 إلى 448.
[38] ــ قانون المسطرة المدنية من المواد 74 إلى 84.
[39] ــ مصطفى
شلبي، أحكام الأسرة في الإسلام، دار النهضة العربية ــ بيروت، ص 705
[40] :محمد الكشبور:الواضح في شرح مدونة الأسرة-انحلال ميثاق الزوجية، مرجع سابق.
ص:423
[41] - محمد الكشبور. الوسيط في قانون الأحوال الشخصية، مطبعة النجاح البيضاء. سنة 2006. ص433
[42] - محمد الأزهـر، شرح مدونة الأسرة، مطبعة دار النشر
المغربية عين السبع الدار البيضاء، الطبعة الخامسة 2015.
ص 364
[43] -محمد الكشبور، الوسيط في قانون الأحوال الشخصية،مرجع
سابق. ص 464.
[44] - محمد كشبور . شرح مدونة الأسرة . الجزء الثاني
انحلال ميثاق الزوجية .مرجع سابق.ص 279
[45] - قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 27 أكتوبر 1979، منشور بمجلة «المحاماة »
العدد 17 ص 122
و123.
[46] -محمد الكشبور، الوسيط في قانون الأحوال الشخصية،المرجع
السابق ص 436.
[47] -قرار المجلس الأعلى الصادر في 30
مارس 1983، منشور بمجلة «
قضاء المجلس الأعلى » العدد 39، السنة ص 109 و110.
[48]- محمد كشبور . شرح مدونة الأسرة . الجزء الثاني
انحلال ميثاق الزوجية . مرجع سابق ص 280
[49] -محمد الأزهر، شرح مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص 373
و374
[50] - أحمد الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية،
الجزء الثاني،مرجع سابق، ص 38 وما بعدها.
[51] - محمد كشبور .
شرح مدونة الأسرة . الجزء الثاني انحلال ميثاق الزوجية . مرجع سابق ص 286
[52] -محمد الكشبور، الوسيط في قانون الأحوال الشخصية.
مرجع سابق . ص 443
[53] -سورة النور الآية 4
[54] -عمر عبد الله، أحكام الشريعة الإسلامية في الأحوال
الشخصية، ص 576.
[55] - أحمد
الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية، الجزء الثاني، مرجع سابق . ص 50.
[56] -محمد زكريا البرديسي، الأحكام الأساسية في الأحوال
الشخصية، مطبعة دار التأليف 1965، ص 573.
[57] -أحمد الغازي الحسيني، مقال الولد للفراش، مجلة القضاء
والقانون العدد 130، ص 43.
[58] - الاستبراء هي المدة التي جعلت دليلا على خلو الرحم من
الحمل نتيجة الزنا.
[59] -محمد الشافعي، أحكام الأسرة في ضوء مدونة الأحوال
الشخصية، المنشورات الجامعية المغاربية. ص:112
[60] -خالد بنيس، مدونة الأحوال الشخصية، الولادة ونتائجها،
الطبعة ودار النشر ص 156.
[61] حديث رواه البخاري في كتاب: فتح الباري شرح صحيح
البخاري.