من إعداد: ذ. عبد الخالق الحجوجي خريج ماستر المهن القانونية والقضائية.
لكي يتحقق الاثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الالتزام يجب ان يتحقق الاثراء او الاغتناء في جانب شخص يصبح هو المدين، كما يجب ان يقابل هذا الاثراء افتقار في جانب شخص يصبح هو الدائن، وان لا يكون لهذا الاثراء سبب قانوني.
* شـــروط الإثـــراء بـلا سبب:
1- إثــــراء المــديــن:
إن أول ركن لقاعدة الإثراء بلا سبب هو ان يتحقق إثراء لشخص سواء كان هذا الإثراء ماديا او معنويا، إيجابيا او سلبيا، مباشرا او غير مباشرا.
ويتحقق هذا الإثراء في صورته المادية، اذا تمثل في كسب مالي حصل عليه المثري دون وجه حق، كما في حصول المثري على مبلغ مالي دون سبب، او انتفاعه من سكن دار دون عقد ايجار ولا دفع اجرة، وغيرها من انواع الكسب.
اما بالنسبة للإثراء المعنوي فيتحقق إذا كان ممكن تقديره ماليا كالطبيب الذي يقدم اسعافات للمريض، والمحامي الذي يحصل على حكم بالبراءة للمتهم. فالإثراء هنا يقبل التقويم بالنقود ويجب فيه بالتالي الإسترداد بقدر افتقار المفتقر واثراء المثري.
كما ان هذا الإثراء قد يكون ايجابيا، وهي الحالة التي يؤدي فيها الى زيادة في الجانب الإيجابي من ذمة المثري، سواء كانت هذه الزيادة مادية او معنوية، كاستخدام تصميم قام به مهندس لاتمام عمل من الأعمال او الاستفادة من جهود سمسار لإتمام صفقة، وقد يكون سلبيا والذي يتحقق عن طريق إنتقاص الجانب السلبي لذمة المثري، بحيث تنخفض اعبائه ويتجنب مصروفات لازمة، كان يقوم المكتري بترميمات واجبة على المُـكري.
وقد يكون هذا الإثراء ايضا مباشرا او غير مباشرا، ويتحقق النوع الاول اذا انتقل في اية صــورة من صوره بصفة مباشرة من ذمة المفتقر الى ذمة المثري، إما بفعل المثري واما بفعل المفتقر، دون تدخل شخص ثالث بينهما، بينما يتحقق النوع الثاني إذا حدث بفعل الغير كأن يقوم ربان السفينة بالقاء ما تحمله هذه الأخيرة في البحر، حتى يجنبها غرقا محققا، فهنا يثري صاحب السفينة على حساب صاحب البضاعة بسبب شخص ثالث وهو الربان.
2- إفـــتــقـار الــدائـن:
إن حصول الإفتقار أمر جوهري في قاعدة الإثراء بلا سبب، فإذا لم يحصل هذا الإفتقار لم يكن هناك مجال لرد هذا الإثراء، والافتقار يتمثل في نقص أموال المدعي، او التزامه بدين او تكليف عيني او فوات منفعة عليه تقدر بمال، او قبضه ثمن خدمة قدمها للغير، والافتقار كما هو الشأن بالنسبة للإثراء قد يتخذ عدة صور، فقد يكون سلبيا كالحالة التي يترتب عليه فوات كسب مشروع او منفعة كان من حق الشخص ان يحصل عليها.
وقد يكون إيجابيا كالحالة التي تنقص فيها الذمة المالية للمفتقر، كحالة الشخص الذي يدفع دينا غير مترتب عليه.
كما قد يكون هذا الإفتقار ماديا يتمثل في تلك القيمة المالية التي يفقدها المفتقر لفائدة المثري، او بعبارة اخرى بإنتقال قينة او منفعة مالية من ذمة المفتقر الى ذمة المثري المدين.
ويكون معنويا في الحالة التي يفقد فيها الشخص حقا من حقوقه المعنوية، كما في حالة المهندس الذي يعمل في مصنع فيعثر على اختراع يستفيذ منه المصنع، او في حالة افتقار المدرس الذي يعلم تلميذا، او المحامي الذي يحصل على البراءة للمتهم وغيرها من صور الافتقار.
ويتحقق الإفتقار المباشر في الحالة التي تنقص فيها الذمة المالية للمفتقر دون وساطة احد، بل وقد يكون ذلك نتيجة عمل المفتقر الذي يدفع مبلغا ماليا غير مستحقا عليه للمثري، كما لو قام المشتاع بترميم عقار مملوك على الشياع.
اما الإفتقار غير المباشر فهو الذي يحصل نتيجة عمل شخص ثالثغير المفتقر وغير المثري، ويترتب عليه انتقاص في ذمة المفتقر المالية، كما لو اخذ شخص اذوات مملوكة للغير، وبنى بها بناء فوق أرض شخص اخر غير الأول.
* اثــــــار الإثـــراء بـلا سبــب:
تختلف الجزاءات التي تترتب على الإثراء بلا سبب، بحسب ما اذا كان الإثراء شيئا معينا بالذات، او منفعة جناها المثري من عمل المفتقر او شيئه.
وبحسب ما اذا كان المثري حسن النية او سيئها، لذا فان المثري يلتزم برد الشيء الى المفتقر مع التعويض عند الاقتضاء، او يلتزم فقط بالتعويض عليه اذا تعذر الرد لسبب من الاسباب، كالهلاك او التعيب او البيع، اذا كان الاثراء منفعة جناها المثل من عمل المفتقر او شيئه.
أولا- الـــجزاء العيـني:
نص المشرع في الفصل 66 من ق.ل.ع على أنه " من تسلم او حاز شئا او اية قيمة مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لم اثرى على حسابه".
كما نص ايضا في الفصل 75 من نفس القانون على انه:" من اثرى بغير حق إضرارا بالغير لزمه ان يرد له عين ما تسلمه، إذا كان ما زال موجودا أو ان يرد له قيمته في يوم تسلمه إياه إذا كان قد هلك او تعيب بفعله او بخطأه"".
وعليه فإذا حاز المثري شيئا يعود للغير الشي افتقر من هذا الفعل، تعين على المثري ان يرد عين الشيئ او قيمته في يوم تسلمه اذا هلك او تعيب بفعله او بخطأه، وهو ضامن في حالة التعيب او الهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول الشيئ اليه، اذا كان قد تسلمه بسوء نية.
أما اذا كان المثري حسن النية فإنه لا يسأله إلا في حدود ما عاد عليه من نفع من تاريخ المطالبة الودية او القضائية، طبقا للفقرة الاخيرة من الفصل 75 المذكور اعلاه.
اما اذا كان سيئ النية فإنه يلزم برد عين ما تسلمه دون وجه حق او قيمته كما يلتزم برد الثمار والزايدات والمنافع التي جناها، وتلك التي كان من واجبه ان يجنيها لو انه احسن الإدارة، والكل من يوم حصول الوفاء له او من يوم تسلمه الشيئ بغير حق.
ثانيا- إستحــالة الــرد العيـني:
هذا وقد بسطا الفصلين 75 و 76 من ق.ل.ع ثلاث حالات، حيث ميزا بين استحالة الرد العيني اذا حصل هلاك الشيء او تعيب بفعل المثري او خطأه، او بفعل القوة القاهرة، او بسبب التصرف فيه بالبيع.
وهكذا فإن المثري حسن النية والمثري سيئ النية يلتزمان برد عين ما تسلمانه اذا كان ممكنا، أما اذا استحال هذا الرد بسبب فعلهما كما لو هلك الشيئ او تعيب بعملهما فإنهما يلزمان برد قيمته يوم تسلمه.
وإذا كان المثري حسن النية يستوي مع المثري سيئ النية في حكم رد الشيئ، فإنه بالنسبة للثمار والزايدات والمنافع لا يلزم بردها إلا في حدود ما عاد عليه من نفع من تاريخ المطالبة.
وإذا حصل هلاك الشيء او تعيب نتيجة قوة قاهرة فإن المثري سيئ النية يلتزم بالضمان.
اما إذا كان حسن النية فإنه لا يلتزم بتغطية ما يترتب من هلاك او تعيب بفعل القوة القاهرة.